07 نوفمبر 2024
سورية وجنون ترامب وصدمته العالم
أُصيبت وزارة الدفاع (البنتاغون) ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي)، وكل مكونات الإدارة الأميركية بالصدمة من قرار الرئيس دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من سورية. قدم وزير الدفاع، جيمس ماتيس، استقالته، وتضمنت استخفافاً بالرئيس، وأن عليه أن يجد وزيراً يتفق مع أهوائه. وترك المبعوث الأميركي للتحالف ضد الإرهاب، بريت ماكغورك، مهمته، عدا عن أن عشرات الموظفين الأساسيين في البيت الأبيض استقالوا من قبل. حتى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والذي لا يندهش أبداً، استغرب الأمر، أما الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فقد أجّلَ عمليته العسكرية التي كانت مقرّرة لمنطقة شرقي الفرات، ريثما تنجلي الأوضاع. وكان تصريح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، كأنّه تلقّى صفعة "الاحترامُ واجبٌ بين الحلفاء".
اهتز العالم من قرار ترامب، حيث بدت أميركا دولة تافهة بكل المقاييس: فكيف تتخلى عن مواقع عسكرية في منطقة حسّاسة، وتكلفة البقاء فيها منذ العام 2014 فقط 23 مليار دولار، ولا تُقارن بالخسارات التي تكلفتها أميركا في العراق (570 مليار دولار)، أو أفغانستان (590 مليار دولار)، عدا عن أنّ وجودها آمن، وعليه أطلقت مشاريع صفقة القرن وحصار إيران. أجمعت تحليلات كثيرة على أن الانسحاب لن يتم سريعاً، وربما خلال المائة يوم سيتم الاتفاق مع الإدارة الأميركية للتنسيق مع كل الأطراف، بما يحقق ما قاله المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، عن نصرٍ حقيقي على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتحجيم الوجود الإيراني، وإجراء تغييراتٍ كبرى في النظام السوري، هذا من جهة. ومن أخرى، قالت هذه التحليلات إن الانسحاب المفاجئ هذا قد يُدخل سورية والدول المتدخلة فيها في صراعاتٍ جديدة، وربما إلى أمد طويل؛ إيران والنظام وتركيا تحشد الآن على شمال سورية.
أولا، لا يعني قرار ترامب، ولو تمّ تنفيذه، أن أميركا لن تكون مقرّرة مع روسيا، خصوصا مستقبل الوضع السوري، وكذلك لا يعني أبداً أنها ستكون شريكة للروس في سورية، فأميركا حدّدت استراتيجيتها ضد الصين وفي المحيط الهادئ. وبالنسبة لها، سورية من حصة روسيا، بينما العراق لها؛ كل ما فعلته أميركا في سورية يؤكد هذه الفكرة، فقد كان هدفها إنهاء الثورة، وإضعاف الدولة السورية، وهو ما رفضت المعارضة رؤيته منذ العام 2011، وتأتي محاربة الإرهاب في الدرجة الثانية، ولكن بعد السماح له بالوصول إلى سورية. يعتمد منظور الرئيس الأميركي سياسة المضاربة ولغة المال والصفقات، وبالتالي ليس مهماً البقاء في سورية، ما لم تكن هناك أطراف تُمول قوات بلاده، وهذا غير ممكن، وفق موازين السياسة العالمية، قبل الاتفاق على مستقبل سورية. والمسخرة في أن الرئيس يطالب بأموال لجنوده، وفي غياب تحقق ذلك، تجب إعادتهم إلى الوطن، كما فعل وأعاد أيضاً ألاف الجنود من أفغانستان. لا قيمة لشركاء أميركا، ولا يُستشارون في أمر الانسحاب؛، حيث عَلِمَ الجميع بالخبر عبر "تويتر"؛ الفرنسيون والبريطانيون والإيطاليون وسواهم، والسؤال: هل من إهانةٍ أكثر من ذلك؟
ثانياً، جاء قرار ترامب مترافقاً مع صفقة عقدها مع أردوغان، وتخص تسليم تركيا صواريخ باتريوت وصفقة طائرات. ترامب الشعبويُّ بامتياز، نَسقَ شؤون الشمال السوري مع تركيا ولصالحها، وبما يُهمش، وربما يُنهي أي وجود عسكري كردي في سورية! وكذلك بما يدعم تركيا في أي معارك ضد المليشيات الإيرانية. ليست العلاقة مع روسيا مجال حربٍ، فأميركا "تُهدي" سورية لروسيا، وتفترض العلاقات التركية الروسية المتعددة الأوجه تنسيقاً بما يخص سورية.
ثالثاً، كان الرئيس الروسي، بوتين، قد أعلن أن 2019 عام "الحل السياسي" في سورية، وأن سابقه هو عام إنهاء الحرب والصراعات الدولية والإقليمية بخصوص سورية. ترامب يثق ببوتين، وربما تأتي خطوة الانسحاب ضمن سياق تسهيل مهمة السياسة الروسية لحسم قضية الحل السياسي هذه، والتنسيق مع الإيرانيين لتخفيف حضورهم، وكذلك مع الأتراك، لعقد تسوية سياسية تخص سورية. انتهت الثورة، فلماذا لا نتقاسم الغنائم. في هذا النقطة، تداولت الأخبار أن رئيس حكومة إسرائيل، نتنياهو، هو الوحيد الذي أًخبِرَ بقرار الانسحاب، أي أن ترامب طمأنه بأن الخطوة هذه لن تُهدد مصالح إسرائيل، وأن أميركا لم تغيّر سياساتها تجاه إسرائيل وضد إيران.
رابعاً، هناك استخلاصات يتداولها الإعلام بتسرعٍ، كالقول إن النظام وإيران وروسيا وتركيا الرابحة من قرار ترامب، وأن إسرائيل وأكراد سورية وأوروبا خاسرون. تدفع مفاجأة الانسحاب الذي كرّر قوله ترامب، في أثناء ترشحه للرئاسة مرات، إلى خلاصاتٍ كهذه. وهناك من يؤكد أن هذا الانسحاب ربما يساعد ترامب في ولاية ثانية، حيث إن الرئيس يلتزم بما يقول، وهذا مهم للدعاية الانتخابية! أما القول إن إيران والنظام سيربحان ففي هذا خطأ كبير. لن يظل النظام، حتى وفق التوافقات الروسية التركية، كما هو، وكل الكلام عن إعادته إلى جامعة الدول العربية، لن يسمح له باستعادة حضوره الإقليمي كما كان، ولا حتى سيطرته على الداخل السوري. التوافقات التركية الروسية، والآن الخلافات التي ستنشأ بينهما على إدلب، أو شمال سورية، ستدفع نحو تسويةٍ تُراعي مصالح الدول المحتلة لسورية. وأضيف أن الروس كانوا عازمين على الخلاص من الثورة منذ بدايتها، والآن انتهت، لكنهم كذلك لم يقولوا إنهم يتمسّكون بالنظام كما هو، ثم إن الأميركان ينسحبون، وأمر سورية أصبح بيدهم، والمشكلة هنا أنه ليس من أموالٍ لديهم، ورموز النظام مطلوبون للعدالة الدولية. وبالتالي، هناك ضرورة لإجراء تغيرات كبرى في النظام، حتى يتم قبوله. وفي هذه النقطة، لن تخرج أوروبا من المونة بلا حُمص.
خامساً، الانسحاب الأميركي، وفي حال تحققه، وأيضاً وقبل قرار ترامب، كانت سورية تتجه إلى إرساء وضع نهائي "تقسيمي" بين الدول. والآن، لا يمكن لروسيا تجاهل مصالح الأكراد والمعارضة والمناطق الخاضعة للأتراك. وبالتالي، نعم، خلط الانسحاب الأوراق، لكنه لم يُغير في المعادلات بشكل كامل. ولن تستمر إيران في تمدّدها، فهناك قرارات ضدّها، بغض النظر عن وجودها في سورية. وهناك ضرورة لتحجيم ترسانتها العسكرية، وبالتالي لم تسقط قضية مواجهتها. ترامب شعبوي، ويغير من سياساته باستمرار، ولكن إيران محاصرة بعقوباتٍ اقتصادية كثيرة؛ إذاً روسيا تستلم سورية بالكامل، وبالشراكة مع تركيا، والأخيرة حليفة أميركا على الرغم من خلافاتهما. سيكون الأكراد أكبر الخاسرين؛ الأنكى أن عرب سورية سينظرون إليهم "عملاء" لأميركا، وأن الأخيرة باعتهم، والآن هناك تحالف تركي مع الفصائل، وسيتحرّك النظام لمحاصرتهم أو تركيا ستحاصرهم، ولن تمانع روسيا في ذلك بالتأكيد. أصاب جنون ترامب حزبي الاتحاد الديمقراطي (الكردي) والعمال الكردستاني بمقتلٍ. ويبدو أن جبال تركيا والعراق لم تعد موئلاً لهم. والسؤال: هل نجد تقارباً عربياً كردياً في سورية من غير أهل المتعصبين وضيقي الأفق؟ ربما.
أولا، لا يعني قرار ترامب، ولو تمّ تنفيذه، أن أميركا لن تكون مقرّرة مع روسيا، خصوصا مستقبل الوضع السوري، وكذلك لا يعني أبداً أنها ستكون شريكة للروس في سورية، فأميركا حدّدت استراتيجيتها ضد الصين وفي المحيط الهادئ. وبالنسبة لها، سورية من حصة روسيا، بينما العراق لها؛ كل ما فعلته أميركا في سورية يؤكد هذه الفكرة، فقد كان هدفها إنهاء الثورة، وإضعاف الدولة السورية، وهو ما رفضت المعارضة رؤيته منذ العام 2011، وتأتي محاربة الإرهاب في الدرجة الثانية، ولكن بعد السماح له بالوصول إلى سورية. يعتمد منظور الرئيس الأميركي سياسة المضاربة ولغة المال والصفقات، وبالتالي ليس مهماً البقاء في سورية، ما لم تكن هناك أطراف تُمول قوات بلاده، وهذا غير ممكن، وفق موازين السياسة العالمية، قبل الاتفاق على مستقبل سورية. والمسخرة في أن الرئيس يطالب بأموال لجنوده، وفي غياب تحقق ذلك، تجب إعادتهم إلى الوطن، كما فعل وأعاد أيضاً ألاف الجنود من أفغانستان. لا قيمة لشركاء أميركا، ولا يُستشارون في أمر الانسحاب؛، حيث عَلِمَ الجميع بالخبر عبر "تويتر"؛ الفرنسيون والبريطانيون والإيطاليون وسواهم، والسؤال: هل من إهانةٍ أكثر من ذلك؟
ثانياً، جاء قرار ترامب مترافقاً مع صفقة عقدها مع أردوغان، وتخص تسليم تركيا صواريخ باتريوت وصفقة طائرات. ترامب الشعبويُّ بامتياز، نَسقَ شؤون الشمال السوري مع تركيا ولصالحها، وبما يُهمش، وربما يُنهي أي وجود عسكري كردي في سورية! وكذلك بما يدعم تركيا في أي معارك ضد المليشيات الإيرانية. ليست العلاقة مع روسيا مجال حربٍ، فأميركا "تُهدي" سورية لروسيا، وتفترض العلاقات التركية الروسية المتعددة الأوجه تنسيقاً بما يخص سورية.
ثالثاً، كان الرئيس الروسي، بوتين، قد أعلن أن 2019 عام "الحل السياسي" في سورية، وأن سابقه هو عام إنهاء الحرب والصراعات الدولية والإقليمية بخصوص سورية. ترامب يثق ببوتين، وربما تأتي خطوة الانسحاب ضمن سياق تسهيل مهمة السياسة الروسية لحسم قضية الحل السياسي هذه، والتنسيق مع الإيرانيين لتخفيف حضورهم، وكذلك مع الأتراك، لعقد تسوية سياسية تخص سورية. انتهت الثورة، فلماذا لا نتقاسم الغنائم. في هذا النقطة، تداولت الأخبار أن رئيس حكومة إسرائيل، نتنياهو، هو الوحيد الذي أًخبِرَ بقرار الانسحاب، أي أن ترامب طمأنه بأن الخطوة هذه لن تُهدد مصالح إسرائيل، وأن أميركا لم تغيّر سياساتها تجاه إسرائيل وضد إيران.
رابعاً، هناك استخلاصات يتداولها الإعلام بتسرعٍ، كالقول إن النظام وإيران وروسيا وتركيا الرابحة من قرار ترامب، وأن إسرائيل وأكراد سورية وأوروبا خاسرون. تدفع مفاجأة الانسحاب الذي كرّر قوله ترامب، في أثناء ترشحه للرئاسة مرات، إلى خلاصاتٍ كهذه. وهناك من يؤكد أن هذا الانسحاب ربما يساعد ترامب في ولاية ثانية، حيث إن الرئيس يلتزم بما يقول، وهذا مهم للدعاية الانتخابية! أما القول إن إيران والنظام سيربحان ففي هذا خطأ كبير. لن يظل النظام، حتى وفق التوافقات الروسية التركية، كما هو، وكل الكلام عن إعادته إلى جامعة الدول العربية، لن يسمح له باستعادة حضوره الإقليمي كما كان، ولا حتى سيطرته على الداخل السوري. التوافقات التركية الروسية، والآن الخلافات التي ستنشأ بينهما على إدلب، أو شمال سورية، ستدفع نحو تسويةٍ تُراعي مصالح الدول المحتلة لسورية. وأضيف أن الروس كانوا عازمين على الخلاص من الثورة منذ بدايتها، والآن انتهت، لكنهم كذلك لم يقولوا إنهم يتمسّكون بالنظام كما هو، ثم إن الأميركان ينسحبون، وأمر سورية أصبح بيدهم، والمشكلة هنا أنه ليس من أموالٍ لديهم، ورموز النظام مطلوبون للعدالة الدولية. وبالتالي، هناك ضرورة لإجراء تغيرات كبرى في النظام، حتى يتم قبوله. وفي هذه النقطة، لن تخرج أوروبا من المونة بلا حُمص.
خامساً، الانسحاب الأميركي، وفي حال تحققه، وأيضاً وقبل قرار ترامب، كانت سورية تتجه إلى إرساء وضع نهائي "تقسيمي" بين الدول. والآن، لا يمكن لروسيا تجاهل مصالح الأكراد والمعارضة والمناطق الخاضعة للأتراك. وبالتالي، نعم، خلط الانسحاب الأوراق، لكنه لم يُغير في المعادلات بشكل كامل. ولن تستمر إيران في تمدّدها، فهناك قرارات ضدّها، بغض النظر عن وجودها في سورية. وهناك ضرورة لتحجيم ترسانتها العسكرية، وبالتالي لم تسقط قضية مواجهتها. ترامب شعبوي، ويغير من سياساته باستمرار، ولكن إيران محاصرة بعقوباتٍ اقتصادية كثيرة؛ إذاً روسيا تستلم سورية بالكامل، وبالشراكة مع تركيا، والأخيرة حليفة أميركا على الرغم من خلافاتهما. سيكون الأكراد أكبر الخاسرين؛ الأنكى أن عرب سورية سينظرون إليهم "عملاء" لأميركا، وأن الأخيرة باعتهم، والآن هناك تحالف تركي مع الفصائل، وسيتحرّك النظام لمحاصرتهم أو تركيا ستحاصرهم، ولن تمانع روسيا في ذلك بالتأكيد. أصاب جنون ترامب حزبي الاتحاد الديمقراطي (الكردي) والعمال الكردستاني بمقتلٍ. ويبدو أن جبال تركيا والعراق لم تعد موئلاً لهم. والسؤال: هل نجد تقارباً عربياً كردياً في سورية من غير أهل المتعصبين وضيقي الأفق؟ ربما.