23 اغسطس 2024
اليمن وجرس الإنذار الأممي
ثلاث سنوات من الحرب التي تدخل سنتها الرابعة، واليمن على موعد مع الضياع والتمزق ومسلسل الاقتتال غير المنتهي، وبلا أي أفقِ أمام أبنائه للخروج من دوامة هذه الحرب التي أشعلتها مليشيات طائفية انقلابية مدعومة إيرانيا، والتي وجدت بغيتها فيها بفعل الفراغ الكبير الذي تلا ثورات الربيع العربي، والثورات المضادة لها والممولة خليجيا.
يدخل اليمن اليوم في سنته الرابعة من الحرب، والعالم ذاهب إلى توصيفها الحرب المنسية، لطول أمدها ولانكشاف أجندات بعض أطرافها، وتقاطعات المصالح الدولية والإقليمية التي ليس من مصلحتها أن تنهى المعركة سريعا، كسوق للسلاح، وبؤرة استنزاف لليمنيين، وشماعة يعلق عليه بعضهم وجوده في اليمن، ومياهها الإقليمية، وجزره وموانئه العالمية التي يراد تعطيلها لصالح موانئ أخرى أقل أهميةً من الموانئ اليمنية.
ومن هنا، جاء تقرير لجنة الخبراء الأمميين أخيرا، داقا ناقوس الخطر، وكجرس إنذار أخير بشأن مستقبل اليمن المعتم، الذي ينتظره جرّاء خروج التحالف العربي عن أهدافه المعلنة، وهي استعادة الشرعية وإسقاط الانقلاب، ليتحول هذا الهدف إلى شعار تختبئ خلفه جملة أهداف وأجندات للقوى المشاركة بهذا التحالف، أو من تحتكر قيادته، وهما الإمارات والمملكة العربية السعودية التي ربما تراجع دورها مقابل الدور الكبير للإمارات التي أصبحت قوة فاعلةً بفعل المليشيات التي أوجدتها على الأرض، ومولتها تسليحا وتدريبا، لتكون رديفا وبديلا للشرعية اليمنية المجمدة في الرياض.
يعد تقرير الخبراء (340 صفحة) الأول الذي قدم خلاصةً شبه مكتملة عن المشهد في اليمن، على الرغم مما فيه من قصور وأخطاء كبيرة في المعلومات والربط والتوثيق، في بعض توصيفاته، إلا أنه قدم خلاصة مهمة بشأن ديناميات الصراع وتحولاته وتعقيداته، داخليا وإقليميا، واضعا الأطراف كلها أمام أخطائها وخطاياها التي تمضي باليمن نحو الهاوية، في ظل حالة صراع الأجندات الواضحة بين هذه الأطراف في التحالف وأدواتها على الأرض التي وصفها التقرير بأنها تقوم بحرب بالوكالة.
أنجز التقرير عملية تقصٍّ دقيقة لقضايا كثيرة فيما يتعلق بتقويض أجهزة الدولة وسلطة الشرعية في المناطق المحرّرة، وتحدث أيضاً باستفاضة عن الدور الإيراني الداعم للمليشيات الانقلابية أيضاً، كما تحدث عن عملية النهب المنظم للمال العام من كل الأطراف، وخصوصا الأموال التي نهبتها جماعة الحوثي أو أسرة الرئيس علي عبدالله صالح الذي قضى على يد حلفائه في جماعة الحوثي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
بيد أن الأهم في هذا التقرير هو حديثه المستفيض عن الشرعية التي جاء التحالف لاستعادتها، والتي لم تعد موجودة وباتت أثرا بعد عين، بفعل سياسات التحالف التي بنت كياناتٍ نقيضة للدولة، وكيانات ما قبل الدولة في طبيعة تشكلها ومهامها وعقيدتها، وسعيها نحو تحقيق أهداف وأجندات خارج أهداف الشرعية اليمنية، في انقلاب واضح على الشرعية التي تدخل تحت مظلتها التحالف.
يشتمل التقرير على معلومات دقيقة كثيرة، وفيه معلومات غير دقيقة أيضأ، وخصوصا ما تعلق بالوضع العام لمدينة تعز المحاصرة منذ ثلاثة أعوام، والتي لم يزرها التقرير، بحسب تأكيدات عديدة للكاتب من ناشطين ومسؤولين في المدينة، واكتفى الفريق باستقاء معلومات عن المدينة ووضعها من أطرافٍ أرادت توظيف تلك المعلومات لأجندات حزبية سخيفة، في صراعها مع خصومها السياسين في المدينة، وخصوصا فيما يتعلق بمعلوماتٍ خاطئة عن انتماء بعض من وردت أسماؤهم في التقرير، ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب بهم، في توظيف قذر لموضوع الإرهاب في الصراع السياسي بين هذه الأطراف.
وجاء التقرير أيضاً باستفاضةٍ على موضع الأموال المنهوبة لدى أسرة صالح، وكيفية إدارة خالد صالح لها، فضلا عن الأموال التي تنهبها جماعة الحوثي، ويتم توريدها من المؤسسات الإدارية للدولة مباشرة إلى يد جماعة الحوثي، وكيف تستخدم هذه الأموال مجهودا حربيا لمقاتليها، عدا عن ابتزاز التجار ورؤوس الأموال ونهب ممتلكات الناس ومصادرتها بمبرّرات سياسية متهافتة.
يبقى أهم ما في هذا التقرير وأخطره، وهو بمثابة جرس الإنذار الأخير الذي شكله هذا التقرير في قوله إن اليمن، ككيان سياسي قانوني، على وشك الاندثار، بفعل التحالف وسياساته التي عمل عليها طوال الفترة الماضية، وحصرت الشرعية في أضيق الخيارات، مستخدما لها غطاء لتنفيذ أجنداته. ومع هذا، تبقى المشكلة الأكبر في الشرعية اليمنية ذاتها، وقابليتها لكل هذا الاستسلام لسياسات التحالف وإملاءاته التي تتعارض تماما مع هدف تشكيل التحالف المعلن منذ اللحظة الأولى، والتي تتعارض أيضا مع مصالح أطراف الشرعية ذاتها.
الشرعية اليمنية اليوم أمام جرس الإنذار ما بعد الأخير، باعتبار أن انقلاب يناير/ كانون الثاني الماضي في عدن كان جرس إنذار أيضاً بشأن الخطر الذي باتت تشكله سياسات التحالف تجاه اليمن، وأمنه واستقراره ووحدته وسلامة أراضيه. وما جاء في التقرير ليس سوى توصيفٍ لواقع موجود أصلا، وتحصيل حاصل لهذا الواقع الذي شكلته سياسات التحالف التي لا تنبئ بأي خير، في ظل الاستمرار في لعب الدور المكشوف نفسه في تشكيل كيانات خارج إطار الشرعية ومؤسساته مؤسسة لفوضى عارمة.
الشرعية اليمنية أمام لحظة تاريخية حاسمة في تحديد خياراتها ورفع صوتها عاليا، لإيقاف هذا العبث الذي يستهدف تفكيك اليمن وتفتيته، وتهديد كينونته القانونية والسياسية والدستورية، وأن الشرعية وطاقمها أمام مسؤولية كبيرة، تتمثل بمغادرة مربع الصمت والجهر بالقول إن التحالف قد خرج عن الهدف المتفق حوله، وإلا فإن الاستمرار في حالة الصمت تجاه هذا العبث لا معنى له سوى أن الشرعية اليمنية تلعب دوراً مشبوهاً وخيانيا واضحا، يفسره هذا الصمت القاتل تجاه حالة العبث الجنوني باليمن وأمنه واستقراره وسلامة أراضيه ونظامه الجمهوري الاتحادي.
هذه ملاحظات سريعة وعاجلة بشأن تقرير الأمم المتحدة، التقطت منه أهم ما فيه، على أمل إعادة قراءته بعناية والتعليق على أبرز ما فيه من ثغرات وحقائق وتناقضات، في مقال مقبل بإذن الله.
يدخل اليمن اليوم في سنته الرابعة من الحرب، والعالم ذاهب إلى توصيفها الحرب المنسية، لطول أمدها ولانكشاف أجندات بعض أطرافها، وتقاطعات المصالح الدولية والإقليمية التي ليس من مصلحتها أن تنهى المعركة سريعا، كسوق للسلاح، وبؤرة استنزاف لليمنيين، وشماعة يعلق عليه بعضهم وجوده في اليمن، ومياهها الإقليمية، وجزره وموانئه العالمية التي يراد تعطيلها لصالح موانئ أخرى أقل أهميةً من الموانئ اليمنية.
ومن هنا، جاء تقرير لجنة الخبراء الأمميين أخيرا، داقا ناقوس الخطر، وكجرس إنذار أخير بشأن مستقبل اليمن المعتم، الذي ينتظره جرّاء خروج التحالف العربي عن أهدافه المعلنة، وهي استعادة الشرعية وإسقاط الانقلاب، ليتحول هذا الهدف إلى شعار تختبئ خلفه جملة أهداف وأجندات للقوى المشاركة بهذا التحالف، أو من تحتكر قيادته، وهما الإمارات والمملكة العربية السعودية التي ربما تراجع دورها مقابل الدور الكبير للإمارات التي أصبحت قوة فاعلةً بفعل المليشيات التي أوجدتها على الأرض، ومولتها تسليحا وتدريبا، لتكون رديفا وبديلا للشرعية اليمنية المجمدة في الرياض.
يعد تقرير الخبراء (340 صفحة) الأول الذي قدم خلاصةً شبه مكتملة عن المشهد في اليمن، على الرغم مما فيه من قصور وأخطاء كبيرة في المعلومات والربط والتوثيق، في بعض توصيفاته، إلا أنه قدم خلاصة مهمة بشأن ديناميات الصراع وتحولاته وتعقيداته، داخليا وإقليميا، واضعا الأطراف كلها أمام أخطائها وخطاياها التي تمضي باليمن نحو الهاوية، في ظل حالة صراع الأجندات الواضحة بين هذه الأطراف في التحالف وأدواتها على الأرض التي وصفها التقرير بأنها تقوم بحرب بالوكالة.
أنجز التقرير عملية تقصٍّ دقيقة لقضايا كثيرة فيما يتعلق بتقويض أجهزة الدولة وسلطة الشرعية في المناطق المحرّرة، وتحدث أيضاً باستفاضة عن الدور الإيراني الداعم للمليشيات الانقلابية أيضاً، كما تحدث عن عملية النهب المنظم للمال العام من كل الأطراف، وخصوصا الأموال التي نهبتها جماعة الحوثي أو أسرة الرئيس علي عبدالله صالح الذي قضى على يد حلفائه في جماعة الحوثي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
بيد أن الأهم في هذا التقرير هو حديثه المستفيض عن الشرعية التي جاء التحالف لاستعادتها، والتي لم تعد موجودة وباتت أثرا بعد عين، بفعل سياسات التحالف التي بنت كياناتٍ نقيضة للدولة، وكيانات ما قبل الدولة في طبيعة تشكلها ومهامها وعقيدتها، وسعيها نحو تحقيق أهداف وأجندات خارج أهداف الشرعية اليمنية، في انقلاب واضح على الشرعية التي تدخل تحت مظلتها التحالف.
يشتمل التقرير على معلومات دقيقة كثيرة، وفيه معلومات غير دقيقة أيضأ، وخصوصا ما تعلق بالوضع العام لمدينة تعز المحاصرة منذ ثلاثة أعوام، والتي لم يزرها التقرير، بحسب تأكيدات عديدة للكاتب من ناشطين ومسؤولين في المدينة، واكتفى الفريق باستقاء معلومات عن المدينة ووضعها من أطرافٍ أرادت توظيف تلك المعلومات لأجندات حزبية سخيفة، في صراعها مع خصومها السياسين في المدينة، وخصوصا فيما يتعلق بمعلوماتٍ خاطئة عن انتماء بعض من وردت أسماؤهم في التقرير، ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب بهم، في توظيف قذر لموضوع الإرهاب في الصراع السياسي بين هذه الأطراف.
وجاء التقرير أيضاً باستفاضةٍ على موضع الأموال المنهوبة لدى أسرة صالح، وكيفية إدارة خالد صالح لها، فضلا عن الأموال التي تنهبها جماعة الحوثي، ويتم توريدها من المؤسسات الإدارية للدولة مباشرة إلى يد جماعة الحوثي، وكيف تستخدم هذه الأموال مجهودا حربيا لمقاتليها، عدا عن ابتزاز التجار ورؤوس الأموال ونهب ممتلكات الناس ومصادرتها بمبرّرات سياسية متهافتة.
يبقى أهم ما في هذا التقرير وأخطره، وهو بمثابة جرس الإنذار الأخير الذي شكله هذا التقرير في قوله إن اليمن، ككيان سياسي قانوني، على وشك الاندثار، بفعل التحالف وسياساته التي عمل عليها طوال الفترة الماضية، وحصرت الشرعية في أضيق الخيارات، مستخدما لها غطاء لتنفيذ أجنداته. ومع هذا، تبقى المشكلة الأكبر في الشرعية اليمنية ذاتها، وقابليتها لكل هذا الاستسلام لسياسات التحالف وإملاءاته التي تتعارض تماما مع هدف تشكيل التحالف المعلن منذ اللحظة الأولى، والتي تتعارض أيضا مع مصالح أطراف الشرعية ذاتها.
الشرعية اليمنية اليوم أمام جرس الإنذار ما بعد الأخير، باعتبار أن انقلاب يناير/ كانون الثاني الماضي في عدن كان جرس إنذار أيضاً بشأن الخطر الذي باتت تشكله سياسات التحالف تجاه اليمن، وأمنه واستقراره ووحدته وسلامة أراضيه. وما جاء في التقرير ليس سوى توصيفٍ لواقع موجود أصلا، وتحصيل حاصل لهذا الواقع الذي شكلته سياسات التحالف التي لا تنبئ بأي خير، في ظل الاستمرار في لعب الدور المكشوف نفسه في تشكيل كيانات خارج إطار الشرعية ومؤسساته مؤسسة لفوضى عارمة.
الشرعية اليمنية أمام لحظة تاريخية حاسمة في تحديد خياراتها ورفع صوتها عاليا، لإيقاف هذا العبث الذي يستهدف تفكيك اليمن وتفتيته، وتهديد كينونته القانونية والسياسية والدستورية، وأن الشرعية وطاقمها أمام مسؤولية كبيرة، تتمثل بمغادرة مربع الصمت والجهر بالقول إن التحالف قد خرج عن الهدف المتفق حوله، وإلا فإن الاستمرار في حالة الصمت تجاه هذا العبث لا معنى له سوى أن الشرعية اليمنية تلعب دوراً مشبوهاً وخيانيا واضحا، يفسره هذا الصمت القاتل تجاه حالة العبث الجنوني باليمن وأمنه واستقراره وسلامة أراضيه ونظامه الجمهوري الاتحادي.
هذه ملاحظات سريعة وعاجلة بشأن تقرير الأمم المتحدة، التقطت منه أهم ما فيه، على أمل إعادة قراءته بعناية والتعليق على أبرز ما فيه من ثغرات وحقائق وتناقضات، في مقال مقبل بإذن الله.