صلاح ليفربول على مائدة الاستقطاب
أفضل ما يفعله اللاعب المصري، محمد صلاح، الذي صار من أساطير فريق ليفربول العريق، أن يعزل نفسه تماماً عن هذا الهراء المتصاعد من وسائل الإعلام المصرية، فلا يرى أو يسمع أو يتأثر بتلك الانبعاثات السامة، الصادرة من القاهرة.
صلاح الآن موضوع على مائدة الاستقطاب السياسي والاجتماعي، يتجمع حوله الضباع من كل اتجاه، يصوّبون مدافع الابتزاز باسم الوطنية والدين، كلٌّ يريد أن يختطفه إلى الوجهة التي يريد.
يستوي في ذلك الذين يريدونه إماماً للدعاة، وأولئك الذين يطلبونه حثيثاً، ليكون بوقاً سياسياً لسلطة الطغيان في مصر.
محمد صلاح لاعب كرة قدم، وفقط، حدود حركته هي المستطيل الأخضر، ووظيفته الأساسية والوحيدة هي اللعب بكفاءة واستثمار موهبته وتطويرها وتنميتها، بما يخدم أهدافه وأحلامه الشخصية، من دون أن يترك نفسه عرضةً لرياح الاستقطاب، سياسياً أو دعوياً، إذ يكفي أن يكون لاعباً جيداً ومنضبطاً، لا أكثر.
بدأت تحرشات الاستقطاب بكاتبٍ أكل الدهر عليه وشرب، لم ير في ملحمة تفوّق صلاح سوى أنه يطيل شعر رأسه ويطلق لحيته، ذاهباً إلى نوعٍ من الاستنتاج الاستنطاعي بأن هذا الأمر يجعله أشبه بالإرهابيين، وبنص عباراته "فهو يجب أولا أن يحلق لحيته الكثيفة التي لا تتناسب مع سنه أو نجوميته، والتي تكاد تضعه، من حيث الشكل على الأقل، في سلة واحدة مع المتطرفين المتزمتين، إن لم تضعه مع الإرهابيين أو المتعاطفين معهم على الأقل".
بعيداً عن جهل الكاتب أن عشرات من نجوم الكرة العالميين يطلقون لحاهم، مثل لحية صلاح وأطول، من دون أن يخرج كاتبٌ مفلس ليجد في ذلك مؤشرات تطرّفٍ وتزمتٍ وإرهاب، فإن ما كتبه هو الإرهاب بعينه، وهو التحرّش السياسي، خدمةً لسلطةٍ مسعورة، بموهبةٍ رياضية في أوضح صورة، فضلاً عن أنه أثار سخرية كثيرين في الداخل والخارج.
ثم تأتي موجة إرهاب وابتزاز أخرى، حين تعلو أصواتٌ تضغط على اللاعب، لكي يكون جزءً من مسخرة ما تسمى انتخابات رئاسية، تأييداً لجنرال الدولة العبثية. وأخيراً يأتي مستورد لحوم ليس فوق مستوى الشبهات، ويرأس لجنة الشباب والرياضة في برلمان السلطة العسكرية، ليرتفع بالإرهاب الواقع على اللاعب إلى مستوىً غير مسبوق في الكذب والتدليس، حين ينشر عبر صفحة "فيسبوك" أن صلاح أعلن، في مؤتمر صحافي عالمي، أن وراء نجاحه شخصاً واحداً، هو عبد الفتاح السيسي، هو الذي يحدد حركته في سوق الانتقالات، ويضبط أداءه في الملاعب.
هنا يصل الابتزاز والإرهاب إلى درجة العهر، خصوصاً أن المؤتمر الصحافي العالمي كان منقولاً على الهواء مباشرة، لمناسبة توقيع عقد حملة إعلانية لصالح إحدى الشركات، وقد نقلته محطات فضائية مصرية، ولم يرد فيه حرفٌ واحدٌ مما اختلقه امبراطور تجارة اللحم الرخيص عن امبراطور الكرة المصرية هذه الأيام.
هذا النوع من الأكاذيب هو بمثابة عبواتٍ مفخخة ترمى تحت أقدام اللاعب الموهوب، نوعاً من الإحراج والابتزاز، أو الاستدراج إلى كمائن منصوبة بعناية فائقة، وفقاً لمنهج معتمد لدى خدم السلطة الحاكمة في مصر، يقوم على عقيدة استحلال الكذب، وشرعنة التدليس، في حب الوطن، وهي العقيدة السائدة منذ فترة التحضير لجريمة السطو على الحكم في صيف 2013، والتي قدمت منتجاتٍ فاخرةٍ من نوعية أسر قائد الأسطول السادس الأميركي، وزيفت كتاباً كاملاً على لسان هيلاري كلينتون، وصنفت أعظم لاعب في تاريخ كرة القدم المصرية، محمد أبو تريكة، إرهابياً، وتروج الآن مواجهة مصر مؤامرة دولية، تتجسّد في"حرب النسانيس" التي يشنها أهل الشر على مدينة السويس، من خلال إفراغ حمولة سفينةٍ كانت تعبر قناة السويس، من النسانيس والقرود السامة، لمهاجمة الشعب المصري السعيد بمسخرة انتخاباته.