07 نوفمبر 2024
روسيا ومعركة دمشق وغوطتها
تأخرَ التدخل العسكري الروسي (2015) عن التدخل الأميركي عبر التحالف الدولي ضد الإرهاب (داعش) في 2014. كان تدخلا دبلوماسيّاً قبل ذلك ومنذ 2011، ويتطابق مع سياسات روسيا في اجتثاث الثورات في محيطها الأوراسي وعالمياً، ولتحقيق مصالحها الدولية. جاء التدخل الروسي بطلبٍ إيراني، أي بسبب إخفاق ايران والنظام في مواجهة الثورة الشعبية، واحتمال سقوطه وطرد إيران. وبالتالي، تشكّل ترابطٌ عميق مع إيران، وأصبحتا متحالفتين في سورية؛ فإيران من دون الروس ستفشل، والروس، وبسبب فوبيا أفغانستان، مضطرون إلى استخدام المليشيات الإيرانية الطائفية كقواتٍ بريّة. تركت أميركا الوضع السوري يستنقع، وتدخلت لمعركة خاصة فيها، وتتعلق بضبط التطورات الإقليمية بمختلف أشكالها، وهي ضد الثورة، حيث لم تتدخل لدعمها، وسمحت للنظام بقمعها وبتمدّد "داعش" عبر العراق. وبالتالي، هنا تدخل عالمي لأكبر دولتين في سورية، وهذا يفرض تحديد النفوذ لكلتيهما، وكذلك لبقية الدول المتدخلة بالشأن السوري، ومنها تركيا وإيران والخليج وإسرائيل وسواها.
تُركت الغوطة الشرقية لفصائلها الإسلامية من 2014 إلى 2018، وفي إطار تلك الفترة، أوجدت روسيا تحالفاً مع تركيا أيضاً، وتمّ نتيجة هذا التحالف تدمير كل من حلب الشمالية وتحجيم إدلب وريف حماة والرقة ودير الزور، وضبط فصائل درعا بشكل كامل، وتهميش فصائل حمص. وبالتالي، لم يعد هناك تهديدٌ حقيقي لروسيا التي جاءت لعدة أشهر، وها هي تقترب من عامها الثالث، وعقدت اتفاقياتٍ مع النظام أقرب إلى السياسات الاحتلالية. حددت أميركا بدورها مناطق نفوذها، وتحاول تركيا الاستفادة من التحالف مع روسيا، لفرض مناطق نفوذها كما جرى مع عفرين أخيراً، وتحتك مع روسيا ذاتها أو أميركا أو إيران لتوسيع هذا النفوذ، ورسمه بشكل نهائي، وهذا يتضمن إنهاء أي مشروع كردي كبير في سورية، والسيطرة على مناطق واسعة. الدولة التي تجد نفسها خاسرة هي إيران، فهي تسيطر على بعض
المناطق، لكنها مرفوضة أميركياً وإسرائيلياً، وسوريًّا هناك نقمة شديدة ضدّها. يهمنا معركة الغوطة، فهي المدخل إلى العاصمة. وبالتالي، يجب إحكام السيطرة عليها، وتدمير كل إمكانية لتجدّد الصراع فيها، وهذا ما يوضح الصمت الدولي الكبير عما حدث في الغوطة الشرقية. الحرب الروسية ضد الغوطة تخضع لمساومات، فتركيا سيطرت على عفرين قبالة ذلك، ويحاول الأميركان رسم نفوذها بشكل كلّي، وربط التنف بالحسكة ووصولاً إلى القلمون الشرقي، كما تحاول حاليا.
أمام درعا المشمولة باتفاقية خفض التوتر، احتمالان: أن تستمر منطقة نفوذ لأميركا وإسرائيل كما هو الحال، أو أن تخضع للنظام مجدّداً. وفي هذا ليس مسموحاً لإيران الاقتراب من حدود "إسرائيل"، وهذا ثمنه سيدفع حينما يتقرّر مصير العاصمة بالتحديد؛ فأميركا التي أوقفت الإمداد العسكري منذ أكثر من عامين منعت فصائل درعا من القيام بأيّة معارك لتخفيف الضغط عن الغوطة، أي أنّها ساندت روسيا في الغوطة.
بـ"تشليح" فصائل الغوطة "الإسلامية" من أسلحتها، وتخميد أي صراع فيها، تكون أكبر قوة مناهضة للنظام ولروسيا وإيران قد خرجت عن الصراع المسلح. وبالتالي، يصبح الكلام عن حل عسكري أو حل سياسي لاغيا، فما سيقرّر مستقبل سورية يكون قد حُسم لصالح السياسي، ولكن أيّ سياسيٍّ هذا؟
بانتهاء موضوع الغوطة، يكتمل أكثر فأكثر رسم مناطق النفوذ، أي يصبح البلد محتلاً بشكل شبه كامل لعدة احتلالات. وبالتالي، سيتشكل نظام سياسي يضمن مصالح هذه الاحتلالات، أي أن النقاش الذي يقول إن النظام انتصر خاطئ؛ فمن انتصر هي الاحتلالات، والنظام أو بقايا الفصائل سيعملان وفقاً لمشيئة هذه الاحتلالات. وباستخدام الأخيرة العنف المطلق لسحق الثورة، تكون قد قدمت تحذيراً مسبقاً لأية حركات وطنية مناهضة لها في المستقبل. طبعاً الصمت الدولي عن تهجير مناطق الثورات، ومنذ 2012 يوضح السياسات الاستعمارية ضد الثورات الشعبية، وتفكيك أية روابط مجتمعية، وتعميق الفجوات بينها لصالح تثمير الهويات الطائفية والقبلية والاثنية والصراعات القومية، كما الحال بين الكرد والعرب وسواهما.
تتعلق عمليات التهجير في سورية، بدءاً من القصير إلى حمص والزبداني وسواها، بسياسات إيرانية، يراد منها إحلال سكان شيعة موالية لها مقابل سكانها السنة. ولكن ذلك مختلف عن سياسات روسيا التي تريد إبقاء قسم من السكان لاستخدامهم فزاعة ضد الوجود الإيراني، حينما تحصل الصفقات الدولية بخصوص الحل السياسي؛ عدم تهجير كل سكان الغوطة يأتي في إطار المصلحة الروسية بالتحديد.
التدمير الواسع وتفكيك روابط الكتل السكانية في كل مناطق الثورة هو من أجل إعطاء دروس للسوريين وللعالم، أن أية ثورات مستقبلية ستُواجه بهذه الخيارات: تدمير، قتل، تهجير، وتخريب كل شكل مستقر لحياتهم؛ هذه سياسة روسية وأميركية بشكل أساسي. ولنلاحظ مصير الرقة وكوباني ودير الزور، ومناطق كثيرة تحت هذين الاحتلالين خصوصا.
يمكن اعتبار معركة الغوطة من أواخر المعارك الكبيرة في سورية، وسيُحسم أمر بقية المناطق،
كريف حمص الشمالي أو إدلب وبقية الريف الحلبي والحموي، في إطار الصفقات بين روسيا وتركيا وإيران، وربما هذا سيكون من أوراق النقاش في مؤتمرات الدول الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، وكذلك بما يخص مؤتمري أستانة وسوتشي.
يمكن إضافة أن كل النقاش الدولي المرافق لمعركة الغوطة كان ستاراً للتغطية على الانتهاء منها، وربما تَضمنَ صفقاتٍ سريّة لما يليها. وهنا لا معنى للنقاش السوري الذي يؤكد على ضرورة التدخل الأممي، كما دعا برهان غليون، أخيرا في مقاله في "العربي الجديد" "حان الوقت لمبادرة أممية لإنهاء المحنة السورية " (21/3/2018)، الهيئات الدولية من مجلس أمن دولي وهيئة أمم متحدة وسواهما، فهي هيئات مُصادَرة بسبب الخلافات الروسية الأميركية، وتؤشر الأجواء إلى ضعفٍ شديد في الدور العالمي لهذه الهيئات، والتي أصبحت مجريات النقاش فيها مهزلة كاملة كما يحصل بخصوص الشأن السوري.
تُركت الغوطة الشرقية لفصائلها الإسلامية من 2014 إلى 2018، وفي إطار تلك الفترة، أوجدت روسيا تحالفاً مع تركيا أيضاً، وتمّ نتيجة هذا التحالف تدمير كل من حلب الشمالية وتحجيم إدلب وريف حماة والرقة ودير الزور، وضبط فصائل درعا بشكل كامل، وتهميش فصائل حمص. وبالتالي، لم يعد هناك تهديدٌ حقيقي لروسيا التي جاءت لعدة أشهر، وها هي تقترب من عامها الثالث، وعقدت اتفاقياتٍ مع النظام أقرب إلى السياسات الاحتلالية. حددت أميركا بدورها مناطق نفوذها، وتحاول تركيا الاستفادة من التحالف مع روسيا، لفرض مناطق نفوذها كما جرى مع عفرين أخيراً، وتحتك مع روسيا ذاتها أو أميركا أو إيران لتوسيع هذا النفوذ، ورسمه بشكل نهائي، وهذا يتضمن إنهاء أي مشروع كردي كبير في سورية، والسيطرة على مناطق واسعة. الدولة التي تجد نفسها خاسرة هي إيران، فهي تسيطر على بعض
أمام درعا المشمولة باتفاقية خفض التوتر، احتمالان: أن تستمر منطقة نفوذ لأميركا وإسرائيل كما هو الحال، أو أن تخضع للنظام مجدّداً. وفي هذا ليس مسموحاً لإيران الاقتراب من حدود "إسرائيل"، وهذا ثمنه سيدفع حينما يتقرّر مصير العاصمة بالتحديد؛ فأميركا التي أوقفت الإمداد العسكري منذ أكثر من عامين منعت فصائل درعا من القيام بأيّة معارك لتخفيف الضغط عن الغوطة، أي أنّها ساندت روسيا في الغوطة.
بـ"تشليح" فصائل الغوطة "الإسلامية" من أسلحتها، وتخميد أي صراع فيها، تكون أكبر قوة مناهضة للنظام ولروسيا وإيران قد خرجت عن الصراع المسلح. وبالتالي، يصبح الكلام عن حل عسكري أو حل سياسي لاغيا، فما سيقرّر مستقبل سورية يكون قد حُسم لصالح السياسي، ولكن أيّ سياسيٍّ هذا؟
بانتهاء موضوع الغوطة، يكتمل أكثر فأكثر رسم مناطق النفوذ، أي يصبح البلد محتلاً بشكل شبه كامل لعدة احتلالات. وبالتالي، سيتشكل نظام سياسي يضمن مصالح هذه الاحتلالات، أي أن النقاش الذي يقول إن النظام انتصر خاطئ؛ فمن انتصر هي الاحتلالات، والنظام أو بقايا الفصائل سيعملان وفقاً لمشيئة هذه الاحتلالات. وباستخدام الأخيرة العنف المطلق لسحق الثورة، تكون قد قدمت تحذيراً مسبقاً لأية حركات وطنية مناهضة لها في المستقبل. طبعاً الصمت الدولي عن تهجير مناطق الثورات، ومنذ 2012 يوضح السياسات الاستعمارية ضد الثورات الشعبية، وتفكيك أية روابط مجتمعية، وتعميق الفجوات بينها لصالح تثمير الهويات الطائفية والقبلية والاثنية والصراعات القومية، كما الحال بين الكرد والعرب وسواهما.
تتعلق عمليات التهجير في سورية، بدءاً من القصير إلى حمص والزبداني وسواها، بسياسات إيرانية، يراد منها إحلال سكان شيعة موالية لها مقابل سكانها السنة. ولكن ذلك مختلف عن سياسات روسيا التي تريد إبقاء قسم من السكان لاستخدامهم فزاعة ضد الوجود الإيراني، حينما تحصل الصفقات الدولية بخصوص الحل السياسي؛ عدم تهجير كل سكان الغوطة يأتي في إطار المصلحة الروسية بالتحديد.
التدمير الواسع وتفكيك روابط الكتل السكانية في كل مناطق الثورة هو من أجل إعطاء دروس للسوريين وللعالم، أن أية ثورات مستقبلية ستُواجه بهذه الخيارات: تدمير، قتل، تهجير، وتخريب كل شكل مستقر لحياتهم؛ هذه سياسة روسية وأميركية بشكل أساسي. ولنلاحظ مصير الرقة وكوباني ودير الزور، ومناطق كثيرة تحت هذين الاحتلالين خصوصا.
يمكن اعتبار معركة الغوطة من أواخر المعارك الكبيرة في سورية، وسيُحسم أمر بقية المناطق،
يمكن إضافة أن كل النقاش الدولي المرافق لمعركة الغوطة كان ستاراً للتغطية على الانتهاء منها، وربما تَضمنَ صفقاتٍ سريّة لما يليها. وهنا لا معنى للنقاش السوري الذي يؤكد على ضرورة التدخل الأممي، كما دعا برهان غليون، أخيرا في مقاله في "العربي الجديد" "حان الوقت لمبادرة أممية لإنهاء المحنة السورية " (21/3/2018)، الهيئات الدولية من مجلس أمن دولي وهيئة أمم متحدة وسواهما، فهي هيئات مُصادَرة بسبب الخلافات الروسية الأميركية، وتؤشر الأجواء إلى ضعفٍ شديد في الدور العالمي لهذه الهيئات، والتي أصبحت مجريات النقاش فيها مهزلة كاملة كما يحصل بخصوص الشأن السوري.