07 نوفمبر 2024
ضربات جوية لتحجيم روسيا
انتهى الروس من تأمين دمشق من أي تهديد، بإخراج آخر فصيل مسلح في غوطة دمشق في 13 إبريل/ نيسان 2018؛ لكن روسيا رغبت بتوجيه رسالة إلى أميركا، أن الاتفاق السابق بخصوص السلاح الكيميائي في 2013 انتهى، وسمحت للنظام باستخدامه في دوما قبل هذا التاريخ المحدد بعدة أيام. الرسالة هذه تعني أن روسيا هي المتحكمة في مآلات سورية، وعلى الأميركان أن يخرجوا من سورية نهائياً. طبعاً، لم يكن ليمر ذلك، فهذا إعلان انتصارٍ روسي في سورية، وربما رد روسي على كل السياسيات الأميركية والغربية بما يتعلق بتشديد العقوبات على روسيا وطرد الدبلوماسيين وسواه؛ إذاً على الغرب أن يتخذ موقفاً مباشراً. كل نقاشات الدول الغربية في مجلس الأمن والأمم المتحدة لم تردع روسيا، ومارست أكاذيب مستمرة بخصوص إنكار ضربة الكيميائي في دوما، بل واتهمت بريطانيا بأنها من وراء فبركة الكيميائي هناك. إذاً لم تترك روسيا لأميركا وبريطانيا خياراً آخر. ولذلك كانت الضربات فجر أمس (14/3/2018) محدّدة بدقة، ووُجهت إلى منشآت وقواعد لها صلة بالسلاح الكيميائي بالتحديد. وفي الوقت نفسه، جاءت رسالة أميركا واضحة، أنه لا يحق لروسيا التحكم بمصير سورية، وهدف الضربات إنهاء هذا الاحتكار، وأن حل الخلافات بين الدول المحتلة لسورية لا يكون في أستانة ولا سوتشي، بل في جنيف.
تضمنت كلمة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن بدء الهجوم رسالة إلى كل من روسيا وإيران، بأن الضربات لن توجه إلى قواعدكما في سورية، وبالتالي هناك قضايا يجب أن
تفعلاها لتضمنا مصالحكما في سورية. يؤكد هذا التوضيح ضرورة تحجيم إيران في سورية، وأن على روسيا ألا تتوهم إمكانية التحكّم منفردة في سورية. يترابط ما قلته هنا بالاستراتيجية الأميركية ضد إيران، والتي تقوم على تحجيمها في كل المنطقة، وليس في سورية فقط؛ فهناك العراق واليمن ولبنان. الضربات هذه هي بمثابة إعلان سياسي واضح للغرب، إن التراجع الكبير في قوى المعارضة وتأمين العاصمة لن يكون مقدمة لإخراج أميركا من الرقة وشمال وشرق سورية، ولا من إدلب، كما يكرر الايرانيون. ويصب تأييد الأتراك الضربات في إعادة الاعتبار للسياسة، وليس النشوة بتهجير الغوطة وإدارة الظهر للعالم ولحقوق السوريين.
لم تتصد للضربة هذه روسيا ولا ايران، وأيضاً لم توسع من نفوذ أميركا وبريطانيا وفرنسا على الأرض، وظلت المناطق المحددة مسبقاً كمناطق نفوذ وفقاً لما هي عليه. إذا الضربات محدّدة بأهداف عسكرية تنهي السلاح الكيميائي، وتمنع استخدامه مجدداً، وهي قضية دولية متعلقة بالسلم العالمي، وأكدت كل من أميركا وبريطانيا وفرنسا، بأنها ستكرّر الضربات مجدّداً في حال استخدمها النظام السوري؛ والهدف السياسي، كما قلنا، العودة إلى مسار جنيف وحل الأزمة.
تمسّك الروس والإيرانيين بالنظام سنوات طويلة، وإيقاف مسار جنيف لصالح أستانة وسوتشي انتهيا. هناك الآن عودة مجدداً إلى مسار جنيف. ليس الحل السياسي بالضرورة أن يكون وفقاً لمقرّرات "جنيف 1"، لكنه سيكون مساراً يلغي كل أوهام الانتصار للروس والإيرانيين والنظام، وكل ما فعلوه من تدمير لحلب ولغوطة دمشق ولمناطق واسعة لن يسمح بسيطرةٍ منفردةٍ لروسيا وحلفها.
أميركا وحلفها لم يعودا الآن يكتفيان بمحاربة مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأيضاً لن يسقطا النظام عسكرياً، كما تقول نتائج الضربة المحددوة، وأية ضربة لاحقة، وكما كان واضحاً منذ 2011، لكن الكلام الوارد على لسان وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، وتصريحات كثيرة أخرى عن العودة إلى جنيف، يتضمنان إنذاراً لروسيا بأنه لم يعد مسموحاً التلاعب في الوضعين، السوري والعالمي. التصريحات الروسية الهزيلة إن الصواريخ الأميركية لن تمر فوق حميميم تثير السخرية، وبالتالي فعلاً كانت الضربات موجهة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ولكل تصوراته عن إعادة بعث روسيا كما كان الاتحاد السوفيتي، واستهتاره بأميركا والمنظومة العالمية. سيعيد بوتين، وعبر هذه الضربات، تعريف ذاته زعيما لدولة هامشية في المنظومة العالمية كإيطاليا مثلاً؛ فإمبرياليته ليست أصيلة، وأهم ما فيها قوتها العسكرية، والأخيرة ذاتها محدودة التأثير في إعادة صياغة العالم، حينما تريد أميركا والمنظومة العالمية شن الحروب، وتغيير الأنظمة وإعادة الانتشار، أي هي المتحكمة الحقيقية في العالم، وحتى في محيط روسيا ذاتها.
حُيّد السلاح الكيميائي نهائياً الآن كما نظن. ولكن الانتقال إلى جنيف قد لا يتحقق، إن لم توافق
روسيا على صفقاتٍ جرى الحديث عنها حالما أكثر ترامب من تغريداته إنه سيضرب كل ما يخص الكيميائي في سورية. ولكن، بالتأكيد سقطت حكايات روسيا وحلفها بما يتعلق باسترجاع الرقة، وكذلك كانت تصريحات ترامب مجرّد عمليات ابتزاز للسعودية، وبالتالي روسيا وأميركا باقيتان في سورية؛ الشيء الواقعي الآن هو رسم خطوط النفوذ بشكل ثابت، والضربة تقوّي هذا الموضوع.
ولكن، هل يكفي الدول رسم خطوط النفوذ أم لا بد لها من الانتقال إلى النهب وتشكيل نظام سياسي يخدم مصالحها؟ هنا الموضوع المطروح حالياً بين روسيا وأميركا والدول الوسطية بينهما، أي البحث عن نظامٍ يخدم مصالحها المتناقضة، ليتم النهب وما تسمى إعادة إعمار المناطق المفيدة لصالح هذا النهب.
التصريحات المتتالية عن إعادة التفاوض لا يستقيم معها مسار أستانة ولا سوتشي، وفقط جنيف أو مسار جديد، ويأخذ بالاعتبار نتائج الضربة الأخيرة. أميركا لن تترك مجدداً سورية لروسيا، ولا بد من صفقات تنهي الوضع المتأزم في كل من سورية والعراق واليمن ولبنان.
إذا كل التحليلات عن إعادة الانتشار العالمي الإمبريالي في منطقتنا ليست خاطئة، فذلك لن يعني أنه لن تكون هناك خرائط جديدة كذلك، وسيتم التوافق مع روسيا بخصوص ذلك، وهذا يقتضي تحييد إسرائيل ضمن حدودها من ناحية، وتقويتها من ناحية أخرى، وتحجيم كل من إيران وتركيا ضمن حدودهما لتعودا دولاً "محلية"، ويسمح لهما فقط بحفظ حدودهما الداخلية؛ إيران بالتحديد معنية بإنهاء كل "خزعبلاتها" في الدول العربية، وأنها تسيطر على أربع عواصم عربية.
الضربات الأميركية والفرنسية والبريطانية بداية جديدة للتعاون مع روسيا، وتحجيمها، في آن واحد، ورسم السياسات للدول الإقليمية، وربما العودة إلى مسار جنيف، بما يشكل نظاما سوريا جديدا، وخاضعا بالكامل لمصالح روسيا وأميركا بالتحديد.
تضمنت كلمة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن بدء الهجوم رسالة إلى كل من روسيا وإيران، بأن الضربات لن توجه إلى قواعدكما في سورية، وبالتالي هناك قضايا يجب أن
لم تتصد للضربة هذه روسيا ولا ايران، وأيضاً لم توسع من نفوذ أميركا وبريطانيا وفرنسا على الأرض، وظلت المناطق المحددة مسبقاً كمناطق نفوذ وفقاً لما هي عليه. إذا الضربات محدّدة بأهداف عسكرية تنهي السلاح الكيميائي، وتمنع استخدامه مجدداً، وهي قضية دولية متعلقة بالسلم العالمي، وأكدت كل من أميركا وبريطانيا وفرنسا، بأنها ستكرّر الضربات مجدّداً في حال استخدمها النظام السوري؛ والهدف السياسي، كما قلنا، العودة إلى مسار جنيف وحل الأزمة.
تمسّك الروس والإيرانيين بالنظام سنوات طويلة، وإيقاف مسار جنيف لصالح أستانة وسوتشي انتهيا. هناك الآن عودة مجدداً إلى مسار جنيف. ليس الحل السياسي بالضرورة أن يكون وفقاً لمقرّرات "جنيف 1"، لكنه سيكون مساراً يلغي كل أوهام الانتصار للروس والإيرانيين والنظام، وكل ما فعلوه من تدمير لحلب ولغوطة دمشق ولمناطق واسعة لن يسمح بسيطرةٍ منفردةٍ لروسيا وحلفها.
أميركا وحلفها لم يعودا الآن يكتفيان بمحاربة مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأيضاً لن يسقطا النظام عسكرياً، كما تقول نتائج الضربة المحددوة، وأية ضربة لاحقة، وكما كان واضحاً منذ 2011، لكن الكلام الوارد على لسان وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، وتصريحات كثيرة أخرى عن العودة إلى جنيف، يتضمنان إنذاراً لروسيا بأنه لم يعد مسموحاً التلاعب في الوضعين، السوري والعالمي. التصريحات الروسية الهزيلة إن الصواريخ الأميركية لن تمر فوق حميميم تثير السخرية، وبالتالي فعلاً كانت الضربات موجهة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ولكل تصوراته عن إعادة بعث روسيا كما كان الاتحاد السوفيتي، واستهتاره بأميركا والمنظومة العالمية. سيعيد بوتين، وعبر هذه الضربات، تعريف ذاته زعيما لدولة هامشية في المنظومة العالمية كإيطاليا مثلاً؛ فإمبرياليته ليست أصيلة، وأهم ما فيها قوتها العسكرية، والأخيرة ذاتها محدودة التأثير في إعادة صياغة العالم، حينما تريد أميركا والمنظومة العالمية شن الحروب، وتغيير الأنظمة وإعادة الانتشار، أي هي المتحكمة الحقيقية في العالم، وحتى في محيط روسيا ذاتها.
حُيّد السلاح الكيميائي نهائياً الآن كما نظن. ولكن الانتقال إلى جنيف قد لا يتحقق، إن لم توافق
ولكن، هل يكفي الدول رسم خطوط النفوذ أم لا بد لها من الانتقال إلى النهب وتشكيل نظام سياسي يخدم مصالحها؟ هنا الموضوع المطروح حالياً بين روسيا وأميركا والدول الوسطية بينهما، أي البحث عن نظامٍ يخدم مصالحها المتناقضة، ليتم النهب وما تسمى إعادة إعمار المناطق المفيدة لصالح هذا النهب.
التصريحات المتتالية عن إعادة التفاوض لا يستقيم معها مسار أستانة ولا سوتشي، وفقط جنيف أو مسار جديد، ويأخذ بالاعتبار نتائج الضربة الأخيرة. أميركا لن تترك مجدداً سورية لروسيا، ولا بد من صفقات تنهي الوضع المتأزم في كل من سورية والعراق واليمن ولبنان.
إذا كل التحليلات عن إعادة الانتشار العالمي الإمبريالي في منطقتنا ليست خاطئة، فذلك لن يعني أنه لن تكون هناك خرائط جديدة كذلك، وسيتم التوافق مع روسيا بخصوص ذلك، وهذا يقتضي تحييد إسرائيل ضمن حدودها من ناحية، وتقويتها من ناحية أخرى، وتحجيم كل من إيران وتركيا ضمن حدودهما لتعودا دولاً "محلية"، ويسمح لهما فقط بحفظ حدودهما الداخلية؛ إيران بالتحديد معنية بإنهاء كل "خزعبلاتها" في الدول العربية، وأنها تسيطر على أربع عواصم عربية.
الضربات الأميركية والفرنسية والبريطانية بداية جديدة للتعاون مع روسيا، وتحجيمها، في آن واحد، ورسم السياسات للدول الإقليمية، وربما العودة إلى مسار جنيف، بما يشكل نظاما سوريا جديدا، وخاضعا بالكامل لمصالح روسيا وأميركا بالتحديد.