02 أكتوبر 2024
سورية.. التفاهم الدولي المفقود
لم يكن إعلان هيئة أركان الجيش الروسي أن موسكو ستسلم قريبا منظومات دفاع جوي جديدة إلى سورية ردا على الضربة الأميركية البريطانية الفرنسية على مواقع تابعة للنظام السوري في 14 إبريل/ نيسان الجاري، فليس للضربة قيمة من الناحية العسكرية، ولا تتطلب من صناع القرار في الكرملين الانقلاب على التفاهمات القديمة مع الغرب حيال مستوى التسليح الروسي للنظام. على العكس، لم يأت الأذى العسكري من البوابة الأميركية، بقدر ما جاء من البوابة الإسرائيلية التي استطاعت في السنوات الماضية إلحاق ضرر بالغ في البنية العسكرية للنظام، وكان أعنفها هجوم فبراير/ شباط الماضي، حين ضربت 12 هدفا عسكريا، ودمرت نحو ربع منصّات الصواريخ.
إعلان الروس عزمهم تزويد النظام منظومات دفاع جوي متطورة مؤشر على دخول الصراع مرحلة متطورة، لا يُستبعد فيها حصول معارك مباشرة بين المتصارعين الإقليميين، بعدما كانت المعارك بالوكالة.
وبالنسبة لإسرائيل، هناك فرق كبير بين وجود هذه المنظومة على الأراضي السورية تحت إمرة الجيش الروسي وخضوعها لأوامر دمشق مباشرة. ومع أنه غير معلوم ما هي طبيعة منظومة الدفاع الجوي، إلا أن ثمة أسئلة تطرح حول جدية موسكو فعلا في تزويد النظام السوري بها، وربما تكون المسألة مجرد تهويش عسكري.
في كل الأحوال، يكمن مأزق المحور الروسي في أنه غير قادر على إيقاف الضربات الأميركية ـ الإسرائيلية، ولا هو قادر على القيام بالمثل. بعبارة أخرى، تستطيع الولايات المتحدة وإسرائيل ضرب حلفاء الروس متى أرادتا، في حين لا تستطيع روسيا وحلفاؤها فعل ذلك. هنا المعادلة الصعبة لموسكو. ولذلك استغل الروس الضربة الثلاثية، ليعلنوا تخليهم عن التزاماتهم السابقة مع الولايات المتحدة، لجهة تسليح النظام، وكانوا يحتاجون مثل هذه الضربة، لتبرير هذا التصرف. والإشكالية الروسية الآن في كيفية مواجهة إسرائيل، لا الولايات المتحدة، ولم تكن مصادفة كشف روسيا أن إسرائيل هي التي نفذت الهجوم على قاعدة تيفور قرب تدمر في التاسع من إبريل/ نيسان الجاري الذي تم فيه ضرب الوجود الإيراني مباشرة. وإذا كان هذا الكشف قد وضع طهران في موقف حرج، إلا أنه كان نوعا من إطلاق يد إيران أو شرعنة ردها مستقبلا على أي هجوم إسرائيلي. إنها رسائل روسية إلى إسرائيل والولايات المتحدة مفادها أن موسكو لديها أوراق كثيرة للعب فيها، وهي قادرة على فعل المزيد.
ترافق التصعيد الروسي مع تصريحاتٍ لا تخلو من دلائل سياسية، حين أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن موسكو لا تعلم كيف سيتطور الوضع في سورية،
فيما يتعلق بالحفاظ على وحدة أراضيها، وما صاحبها من تصريحاتٍ أخرى بشأن إمكانية تقسيم سورية. وإذا كانت هذه التصريحات توحي، في مضمونها، أن روسيا لم تعد قادرة على الإمساك بزمام الأمور في سورية، إلا أنها تبعث رسائل تهديدية مضمرة أيضا، مفادها أن موسكو قادرة على عرقلة الجهود الأميركية.
بدأت أولى مؤشرات العرقلة مع فشل خلوة مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن في السويد، ورفض الروس الانجرار وراء المطالب الغربية بإحياء المسار السياسي، إنها فرصة ثمينة لروسيا لترد الصّاع إلى الولايات المتحدة، فكما منعت الإدارة الأميركية قادة الكرملين من استثمار نجاحاتهم العسكرية على الصعيد السياسي بإفشالها مؤتمر سوتشي، تقوم موسكو اليوم بالمثل بمنع واشنطن من استثمار الضربة العسكرية الثلاثية على المستوى السياسي. وثاني مؤشرات العرقلة جاءت مع رفض روسيا تمرير مشروع القرار الدولي الثلاثي في مجلس الأمن، على الرغم من إجراء تعديلات مهمة في منطوق مشروع القرار بما يلبي المطالب الروسية.
أمام هذا الوضع، تبدو الأمور متجهةً إلى نوع من التنافس الحاد داخل الجغرافيا السورية، وقد بدأت بالفعل عمليات الاصطفاف الإقليمي ـ الدولي تأخذ مداها: واشنطن تعزّز أواصر تعاونها الإقليمي والدولي، وتفتح البوابة السورية على مصراعيها لدخول الحلفاء، في وقت تعمل موسكو على تثبيت حلفها الثلاثي وتطويره، ليصبح رباعيا، وربما خماسيا، بضم العراق ومصر إليه. ويشكل الاجتماع الثلاثي في 28 إبريل/ نيسان الجاري لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران محاولة لتثبيت أواصر الحلف، وتفعيل خطوات على الأرض، تتجاوز مسار أستانة الذي فقد مقومات بقائه.
ليس هدف كل هذه المعطيات ترتيب المكان والزمان للمواجهة الكبرى، فهذه لن تحدث في سورية وفق المعطيات القائمة، فما تريده روسيا هو تصحيح منظومة العلاقات الدولية، خصوصا المتعلقة بالولايات المتحدة، والاعتراف للروس بمكانتهم ودورهم في الساحة الدولية، فيما تعمل الولايات المتحدة على ترتيب الجغرافيا العسكرية والسياسية في سورية، بما يمنع المحور الروسي من الاستحواذ على هذا البلد بشكل كامل، مع ضمان حصصهم الاستراتيجية فيه.
تذكّر التطورات العسكرية منذ بداية العام الجاري (2018) بأحداث مطلع عام 2014، حين تم إغلاق الملف السياسي نحو عامين، قبل أن يفتح من جديد مطلع عام 2016. وبين هذين التاريخين، حدثت تطورات عسكرية كبيرة، ساهمت لاحقا في تشكيل البنية السياسية/ القانونية لقرار مجلس الأمن 2254.
إعلان الروس عزمهم تزويد النظام منظومات دفاع جوي متطورة مؤشر على دخول الصراع مرحلة متطورة، لا يُستبعد فيها حصول معارك مباشرة بين المتصارعين الإقليميين، بعدما كانت المعارك بالوكالة.
وبالنسبة لإسرائيل، هناك فرق كبير بين وجود هذه المنظومة على الأراضي السورية تحت إمرة الجيش الروسي وخضوعها لأوامر دمشق مباشرة. ومع أنه غير معلوم ما هي طبيعة منظومة الدفاع الجوي، إلا أن ثمة أسئلة تطرح حول جدية موسكو فعلا في تزويد النظام السوري بها، وربما تكون المسألة مجرد تهويش عسكري.
في كل الأحوال، يكمن مأزق المحور الروسي في أنه غير قادر على إيقاف الضربات الأميركية ـ الإسرائيلية، ولا هو قادر على القيام بالمثل. بعبارة أخرى، تستطيع الولايات المتحدة وإسرائيل ضرب حلفاء الروس متى أرادتا، في حين لا تستطيع روسيا وحلفاؤها فعل ذلك. هنا المعادلة الصعبة لموسكو. ولذلك استغل الروس الضربة الثلاثية، ليعلنوا تخليهم عن التزاماتهم السابقة مع الولايات المتحدة، لجهة تسليح النظام، وكانوا يحتاجون مثل هذه الضربة، لتبرير هذا التصرف. والإشكالية الروسية الآن في كيفية مواجهة إسرائيل، لا الولايات المتحدة، ولم تكن مصادفة كشف روسيا أن إسرائيل هي التي نفذت الهجوم على قاعدة تيفور قرب تدمر في التاسع من إبريل/ نيسان الجاري الذي تم فيه ضرب الوجود الإيراني مباشرة. وإذا كان هذا الكشف قد وضع طهران في موقف حرج، إلا أنه كان نوعا من إطلاق يد إيران أو شرعنة ردها مستقبلا على أي هجوم إسرائيلي. إنها رسائل روسية إلى إسرائيل والولايات المتحدة مفادها أن موسكو لديها أوراق كثيرة للعب فيها، وهي قادرة على فعل المزيد.
ترافق التصعيد الروسي مع تصريحاتٍ لا تخلو من دلائل سياسية، حين أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن موسكو لا تعلم كيف سيتطور الوضع في سورية،
بدأت أولى مؤشرات العرقلة مع فشل خلوة مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن في السويد، ورفض الروس الانجرار وراء المطالب الغربية بإحياء المسار السياسي، إنها فرصة ثمينة لروسيا لترد الصّاع إلى الولايات المتحدة، فكما منعت الإدارة الأميركية قادة الكرملين من استثمار نجاحاتهم العسكرية على الصعيد السياسي بإفشالها مؤتمر سوتشي، تقوم موسكو اليوم بالمثل بمنع واشنطن من استثمار الضربة العسكرية الثلاثية على المستوى السياسي. وثاني مؤشرات العرقلة جاءت مع رفض روسيا تمرير مشروع القرار الدولي الثلاثي في مجلس الأمن، على الرغم من إجراء تعديلات مهمة في منطوق مشروع القرار بما يلبي المطالب الروسية.
أمام هذا الوضع، تبدو الأمور متجهةً إلى نوع من التنافس الحاد داخل الجغرافيا السورية، وقد بدأت بالفعل عمليات الاصطفاف الإقليمي ـ الدولي تأخذ مداها: واشنطن تعزّز أواصر تعاونها الإقليمي والدولي، وتفتح البوابة السورية على مصراعيها لدخول الحلفاء، في وقت تعمل موسكو على تثبيت حلفها الثلاثي وتطويره، ليصبح رباعيا، وربما خماسيا، بضم العراق ومصر إليه. ويشكل الاجتماع الثلاثي في 28 إبريل/ نيسان الجاري لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران محاولة لتثبيت أواصر الحلف، وتفعيل خطوات على الأرض، تتجاوز مسار أستانة الذي فقد مقومات بقائه.
ليس هدف كل هذه المعطيات ترتيب المكان والزمان للمواجهة الكبرى، فهذه لن تحدث في سورية وفق المعطيات القائمة، فما تريده روسيا هو تصحيح منظومة العلاقات الدولية، خصوصا المتعلقة بالولايات المتحدة، والاعتراف للروس بمكانتهم ودورهم في الساحة الدولية، فيما تعمل الولايات المتحدة على ترتيب الجغرافيا العسكرية والسياسية في سورية، بما يمنع المحور الروسي من الاستحواذ على هذا البلد بشكل كامل، مع ضمان حصصهم الاستراتيجية فيه.
تذكّر التطورات العسكرية منذ بداية العام الجاري (2018) بأحداث مطلع عام 2014، حين تم إغلاق الملف السياسي نحو عامين، قبل أن يفتح من جديد مطلع عام 2016. وبين هذين التاريخين، حدثت تطورات عسكرية كبيرة، ساهمت لاحقا في تشكيل البنية السياسية/ القانونية لقرار مجلس الأمن 2254.