24 أكتوبر 2024
وثيقة قرطاج 2.. هل من جديد؟
يمضي الفرقاء التونسيون المشاركون في وثيقة قرطاج الثانية غداً على نصوص الاتفاق الذي بدأ العمل عليه منذ أشهر، للوصول إلى صيغة توافقية ترضي الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية المشاركة فيها. وفي سياق الترضيات التي قام عليها الاتفاق، يمكن ملاحظة رغبة السلطة السياسية التي يمثلها الرئيس الباجي قائد السبسي، والأحزاب المتحالفة معه، في تحقيق خطواتٍ لا يمكن تفسيرها إلا بالرغبة في الاستمرار في الحكم في أفق انتخابات سنة 2019، فغالب النقاط المتعلقة بالمجال الاقتصادي والاجتماعي تكاد تكون مكرّرة عن الوثيقة الأولى قرطاج 1 التي توافقت حولها الأحزاب والمنظمات، إثر مبادرة سياسية من رئيس الجمهورية سنة 2016، غير أن المستجدات تشمل أساساً المجال السياسي، وتحديداً المتعلق بمصير حكومة يوسف الشاهد، وعمل الحكومة المقبلة التي سيتم تشكيلها وفق شروط جديدة، واستحقاقات مغايرة، أبرزها إعادة تشكيل الحكومة وفق شروط محدّدة، تمنع الوزراء المنتمين إليها من الترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهو ما يجعل منها أقرب إلى حكومة تصريف أعمال، تنتهي مهامها بالإشراف على الانتخابات المقبلة. وما يؤيد هذا التمشي رحيل رئيس الحكومة الحالي، بما يمكن اعتباره قطعاً للطريق عليه، لأن خروجه من السلطة يعني فعلياً فقدان الرصيد الذي كان يراهن عليه في انتخاباتٍ مقبلةٍ، فالمتعارف عليه في تونس ما بعد الثورة أن من يخرج من الحكم من الصعب جداً أن يحقق اختراقاً انتخابياً لاحقاً، وهو ما حصل لكل من رئيسي الوزراء السابقين مهدي جمعة والحبيب الصيد وغيرهما، ذلك أن لعنة السلطة تطارد المسؤولين السابقين، فالجمهور لا يلتفت غالباً لهم، في غياب إنجازات مهمة تحسب لهم. ولأن الغياب عن المشهد الإعلامي تجعل الوزير فاقداً التأثير والحضور في المشهد العام. وفي المقابل، يكون الرئيس الباجي السبسي قد ضمن لنفسه التحكّم في المشهد الانتخابي المقبل، على الأقل فيما يتعلق بالمحسوبين على الحزب السياسي الذي يقوده، ووصل من خلاله إلى كرسي الرئاسة.
وقد ظلت إقالة الحكومة وتغييرها مطلباً مُلحّاً، خصوصاً لدى المركزية النقابية التي كرّر أمينها العام مطلب تغيير الحكومة وإجراء تعديل وزراي شامل، يتضمن رئيس الحكومة. ويثير هذا التقاطع بين مطالب اتحاد العمال ورغبات المدير التنفيذي لحزب نداء تونس، حافظ السبسي، الانتباه بشأن طبيعة التفاهمات بين هذه القوى المختلفة، من أجل إدارة المرحلة المقبلة. والجدير بالذكر أن مشكلات كثيرة عالقة متعلقة بالوظيفة العمومية وإصلاح التعليم وغيرها قد تم ترحيلها، بدعوى أنها مسائل تحتاج فترة أطول، ولا يمكن حلها في فترة محدودة، مثل التي تفصل البلاد عن الانتخابات المقبلة.
الواضح أن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية سيقع ترحيلها إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، ما يمثل إقراراً بفشل الأداء الحكومي طوال الفترة الماضية، وأن الوعود الانتخابية التي بذلها رئيس الجمهورية وحزبه، نداء تونس، في الانتخابات الماضية، ذهبت هباء منثوراً، ولم يتحقق منها شيء، وهو ما سيكون له أثره في موقف الناخبين في الانتخابات المقبلة. أما الاتفاق على مناقشة جملة من القضايا العالقة، مثل تعديل القانون الانتخابي واستكمال المحكمة الدستورية وغيرها من الهيئات المستقلة في المرحلة المقبلة، فستشكل بالفعل موضوعاً يصعب حله، في ظل رفض قوى المعارضة ومن حالفها من منظمات، تعديل القانون الانتخابي الذي سيكون مؤثراً على وجودها في المجلس النيابي، وهي التي استفادت سابقاً من قانون انتخابي يضمن الحضور لأحزاب الأقلية في البرلمان، ويعتمد تشظي الأصوات من دون النظر إلى فكرة الأغلبية المهيمنة.
ويبقى السؤال: هل ستتمكن أي حكومة مقبلة من إحداث نقلة نوعية في حياة الناس، والخروج بالوضع الاقتصادي للبلد من عنق الزجاجة؟ تكشف الوقائع على الأرض أن أي تشكيل حكومي قادم سيظل محكوماً بهاجس التوازنات التي سيقوم عليها، بالإضافة إلى عامل الحسابات السياسية المعقدة التي تحكم المشهد في أفق الانتخابات المقبلة، فليس من السهل اتخاذ إجراءات تقشفية، أو القيام بخطوات إصلاح اقتصادي، من دون أن يكون لها أثر اجتماعي، أو أن تتحول إلى مجال للتجاذب والصراع السياسي، وتحميل المسؤوليات. وعلى هذا، فإن خطوة رئيس الجمهورية تبدو كأنها محاولة لتدوير الأزمة، أكثر مما هي محاولة فعلية لمجاوزتها. فالأشهر الباقية في عمر الحكومة الحالية ليست كافية، مهما كان الجهد المبذول لتنفيذ النقاط الواردة في وثيقتي قرطاج الأولى والثانية. كما أنه ليس متوقعاً من تشكيلة حكومية تشعر أنها خارج السياق الانتخابي أن تبذل جهداً واضحاً يجتذب الجمهور العام، بقدر ما ستركز على إنجاح مهمة محددة، وهي إنجاح المسار الانتخابي المقبل، فرئيس الحكومة المقبل لن يكون أكثر من موظف كبير يدير الأمور وفق اشتراطات الحلفاء السياسيين وقرارات رئيس الدولة، ما يعني أنه لن يكون قادراً على إحداث أي تغيير فعلي، أو تحقيق تقدم في برامج التنمية الاقتصادية، وحل الملفات الاجتماعية العالقة.
وقد ظلت إقالة الحكومة وتغييرها مطلباً مُلحّاً، خصوصاً لدى المركزية النقابية التي كرّر أمينها العام مطلب تغيير الحكومة وإجراء تعديل وزراي شامل، يتضمن رئيس الحكومة. ويثير هذا التقاطع بين مطالب اتحاد العمال ورغبات المدير التنفيذي لحزب نداء تونس، حافظ السبسي، الانتباه بشأن طبيعة التفاهمات بين هذه القوى المختلفة، من أجل إدارة المرحلة المقبلة. والجدير بالذكر أن مشكلات كثيرة عالقة متعلقة بالوظيفة العمومية وإصلاح التعليم وغيرها قد تم ترحيلها، بدعوى أنها مسائل تحتاج فترة أطول، ولا يمكن حلها في فترة محدودة، مثل التي تفصل البلاد عن الانتخابات المقبلة.
الواضح أن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية سيقع ترحيلها إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، ما يمثل إقراراً بفشل الأداء الحكومي طوال الفترة الماضية، وأن الوعود الانتخابية التي بذلها رئيس الجمهورية وحزبه، نداء تونس، في الانتخابات الماضية، ذهبت هباء منثوراً، ولم يتحقق منها شيء، وهو ما سيكون له أثره في موقف الناخبين في الانتخابات المقبلة. أما الاتفاق على مناقشة جملة من القضايا العالقة، مثل تعديل القانون الانتخابي واستكمال المحكمة الدستورية وغيرها من الهيئات المستقلة في المرحلة المقبلة، فستشكل بالفعل موضوعاً يصعب حله، في ظل رفض قوى المعارضة ومن حالفها من منظمات، تعديل القانون الانتخابي الذي سيكون مؤثراً على وجودها في المجلس النيابي، وهي التي استفادت سابقاً من قانون انتخابي يضمن الحضور لأحزاب الأقلية في البرلمان، ويعتمد تشظي الأصوات من دون النظر إلى فكرة الأغلبية المهيمنة.
ويبقى السؤال: هل ستتمكن أي حكومة مقبلة من إحداث نقلة نوعية في حياة الناس، والخروج بالوضع الاقتصادي للبلد من عنق الزجاجة؟ تكشف الوقائع على الأرض أن أي تشكيل حكومي قادم سيظل محكوماً بهاجس التوازنات التي سيقوم عليها، بالإضافة إلى عامل الحسابات السياسية المعقدة التي تحكم المشهد في أفق الانتخابات المقبلة، فليس من السهل اتخاذ إجراءات تقشفية، أو القيام بخطوات إصلاح اقتصادي، من دون أن يكون لها أثر اجتماعي، أو أن تتحول إلى مجال للتجاذب والصراع السياسي، وتحميل المسؤوليات. وعلى هذا، فإن خطوة رئيس الجمهورية تبدو كأنها محاولة لتدوير الأزمة، أكثر مما هي محاولة فعلية لمجاوزتها. فالأشهر الباقية في عمر الحكومة الحالية ليست كافية، مهما كان الجهد المبذول لتنفيذ النقاط الواردة في وثيقتي قرطاج الأولى والثانية. كما أنه ليس متوقعاً من تشكيلة حكومية تشعر أنها خارج السياق الانتخابي أن تبذل جهداً واضحاً يجتذب الجمهور العام، بقدر ما ستركز على إنجاح مهمة محددة، وهي إنجاح المسار الانتخابي المقبل، فرئيس الحكومة المقبل لن يكون أكثر من موظف كبير يدير الأمور وفق اشتراطات الحلفاء السياسيين وقرارات رئيس الدولة، ما يعني أنه لن يكون قادراً على إحداث أي تغيير فعلي، أو تحقيق تقدم في برامج التنمية الاقتصادية، وحل الملفات الاجتماعية العالقة.