28 أكتوبر 2024
ترتيبات أميركية في سورية
أن يتزامن تحديد مصير الجنوب السوري مع تحديد مصير مدينة منبج في الشمال الغربي، فهذا مؤشرٌ على أن ما يجري يتجاوز، في أبعاده، مجرد تسوياتٍ ثنائية، بقدر ما هي خطة أميركية لإعادة ترتيب أولوياتها الاستراتيجية في الساحة السورية.
رفضت واشنطن، خلال العامين الماضيين، أي محاولة من المحور الروسي الاقتراب من الجنوب السوري، في وقتٍ رفضت أيضا تسليم منبج للفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، وتجاهلت كثيرا مطالب أنقرة الملحة بخروج الوحدات الكردية من المدينة.
ليست منبج ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة، كما الحال مع الشمال والشمال الشرقي من سورية (الرقة، الحسكة، دير الزور)، ففي هذه المحافظات الثلاث، تهيمن واشنطن على نحو 60% من مقدرات البلاد الاقتصادية (نفط، غاز، مياه، ثروة زراعية وحيوانية).
ومع ذلك، رفضت الإدارتان الأميركيتان، الحالية والسابقة، تسليم منبج للأتراك، لأنها لن تحصل على مكاسب سياسية أو عسكرية من ذلك، فواشنطن تدرك أن تسليمها المدينة لأنقرة لن يغير من علاقة الأخيرة بموسكو، ولن يجعلها تعود إلى سيرتها الأولى. وقد عبر وزير الخارجية التركي، شاووش أوغلو، صراحة عن ذلك، حين قال أخيرا إن التعاون مع الولايات المتحدة في منبج ليس بديلا من العمل مع روسيا في الشأن السوري.
الاتفاق التركي ـ الأميركي أخيرا، وتصريحات المسؤولين من البلدين لا تكشف ما هو مضمر في الاتفاق، أو الصفقة الثنائية في سورية. إما أن الاتفاق محاولة أميركية لقطع الطريق أمام تركيا للقيام بعمل عسكري، في توقيتٍ يوائم صناع القرار في أنقرة (الانتخابات)، أو أن ما جرى مرتبط بترتيبات أميركية جديدة في سورية.
يبدو الاحتمال الثاني الأقوى إذا ما تم ربط تزامن التحركات الأميركية ـ الروسية في الشمال الغربي والجنوب السوري.
أحد أهم الأوراق الاستراتيجية بيد الولايات المتحدة للضغط على المحور الروسي هي الورقة الاقتصادية، المتمثلة أولا في المحافظات الشمالية الشرقية من سورية، وثانيا في المعابر الجنوبية (الجمرك القديم، نصيب، التنف)، وثالثا في إعادة الأعمار. وأن تتخلى واشنطن بسهولة عن معابر الجنوب، وتعطي النظام رئة اقتصادية في هذا التوقيت أمر يدعو إلى الاستغراب، خصوصا أن الثمن المدفوع من المحور الروسي بخس.
ماذا يعني انسحاب إيران من الجنوب السوري؟ بالأساس لا وجود لحضور عسكري إيراني مهم في الجنوب، لا وجود لقواعد عسكرية، ولا لصواريخ. وعلى مدار السنوات الماضية، لم تشكل
إيران أي تهديد لإسرائيل في الجنوب، بدليل أن الضربات العسكرية الإسرائيلية لم تحصل في الجنوب، باستثناء بعض الضربات غير المهمة.
من الواضح أن الولايات المتحدة تعيد ترتيب حضورها بما يقتصر على "قوات سورية الديمقراطية"، وترك فصائل المعارضة للهيمنة التركية. ومن يرفض ترك أرضه في الجنوب يلتزم العمل في إطار محلي ضمن الهيمنة الروسية، من أجل إلغاء فكرة المعارك نهائيا بين المعارضة والنظام، على أن تنسحب إيران تدريجيا من المشهد العسكري، لا الاقتصادي على المستوى الاستراتيجي، لتصبح الجغرافيا العسكرية السورية بين ثلاث قوى (أميركية، روسية، تركية).
في هذا الوضع، يصبح لموسكو القدرة على ممارسة ضغوط على النظام، ويصبح لتركيا القدرة على ممارسة الضغوط الكافية على المعارضة.
لكن ما هو ليس واضحا إلى الآن، هل تأتي الخطوات الأميركية هذه ضمن ترتيبات الانسحاب من المشهد السوري؟ أم أن الإدارة الأميركية طوت صفحة مغادرة سورية، وأن ما يجري جزء من صفقةٍ مع روسيا تشمل حل الأزمة السورية؟
من الصعوبة بمكان الإجابة عن ذلك الآن، لكن ما هو واضح أن واشنطن بدأت عملية الانفتاح على الحلفاء، والاستجابة لمطالبهم: أولا، مع فرنسا الراغبة في الدخول إلى الملف السوري من البوابة العسكرية، وإن كان هذا الحضور رمزيا. وثانيا، مع تركيا من خلال التنازل عن منبج. وثالثا، مع الأردن بإعادة فتح المعابر الحدودية مع سورية، وهي العملية التي ينتظر أن يتم الاتفاق بشأنها قريبا، وكان إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أول من تحدثت عنها عبر ديفيد ساترفيلد معاون وزير الخارجية.
قد تبدو الخطوات الأميركية محاولة لتهدئة الحلفاء الإقليميين، من أجل الاستمرار في إدارة الأزمة السورية، ومن الحلفاء من القيام بخطوات منفردة، بعدما لاحت في الأفق معطياتٌ تؤكد حجم التأزم السياسي التركي، وحجم التأزم الاقتصادي الأردني.
وقد تبدو ثانيا أنها مقدمة لتعبيد الطريق أمام التسوية الكبرى، مع ما يتطلبه ذلك من رصّ صفوف الحلفاء المعنيين بالملف السوري (تركيا، الأردن)، وتقديم تنازلاتٍ لروسيا، يخشى أن تزداد وتيرتها في المرحلة المقبلة.
رفضت واشنطن، خلال العامين الماضيين، أي محاولة من المحور الروسي الاقتراب من الجنوب السوري، في وقتٍ رفضت أيضا تسليم منبج للفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، وتجاهلت كثيرا مطالب أنقرة الملحة بخروج الوحدات الكردية من المدينة.
ليست منبج ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة، كما الحال مع الشمال والشمال الشرقي من سورية (الرقة، الحسكة، دير الزور)، ففي هذه المحافظات الثلاث، تهيمن واشنطن على نحو 60% من مقدرات البلاد الاقتصادية (نفط، غاز، مياه، ثروة زراعية وحيوانية).
ومع ذلك، رفضت الإدارتان الأميركيتان، الحالية والسابقة، تسليم منبج للأتراك، لأنها لن تحصل على مكاسب سياسية أو عسكرية من ذلك، فواشنطن تدرك أن تسليمها المدينة لأنقرة لن يغير من علاقة الأخيرة بموسكو، ولن يجعلها تعود إلى سيرتها الأولى. وقد عبر وزير الخارجية التركي، شاووش أوغلو، صراحة عن ذلك، حين قال أخيرا إن التعاون مع الولايات المتحدة في منبج ليس بديلا من العمل مع روسيا في الشأن السوري.
الاتفاق التركي ـ الأميركي أخيرا، وتصريحات المسؤولين من البلدين لا تكشف ما هو مضمر في الاتفاق، أو الصفقة الثنائية في سورية. إما أن الاتفاق محاولة أميركية لقطع الطريق أمام تركيا للقيام بعمل عسكري، في توقيتٍ يوائم صناع القرار في أنقرة (الانتخابات)، أو أن ما جرى مرتبط بترتيبات أميركية جديدة في سورية.
يبدو الاحتمال الثاني الأقوى إذا ما تم ربط تزامن التحركات الأميركية ـ الروسية في الشمال الغربي والجنوب السوري.
أحد أهم الأوراق الاستراتيجية بيد الولايات المتحدة للضغط على المحور الروسي هي الورقة الاقتصادية، المتمثلة أولا في المحافظات الشمالية الشرقية من سورية، وثانيا في المعابر الجنوبية (الجمرك القديم، نصيب، التنف)، وثالثا في إعادة الأعمار. وأن تتخلى واشنطن بسهولة عن معابر الجنوب، وتعطي النظام رئة اقتصادية في هذا التوقيت أمر يدعو إلى الاستغراب، خصوصا أن الثمن المدفوع من المحور الروسي بخس.
ماذا يعني انسحاب إيران من الجنوب السوري؟ بالأساس لا وجود لحضور عسكري إيراني مهم في الجنوب، لا وجود لقواعد عسكرية، ولا لصواريخ. وعلى مدار السنوات الماضية، لم تشكل
من الواضح أن الولايات المتحدة تعيد ترتيب حضورها بما يقتصر على "قوات سورية الديمقراطية"، وترك فصائل المعارضة للهيمنة التركية. ومن يرفض ترك أرضه في الجنوب يلتزم العمل في إطار محلي ضمن الهيمنة الروسية، من أجل إلغاء فكرة المعارك نهائيا بين المعارضة والنظام، على أن تنسحب إيران تدريجيا من المشهد العسكري، لا الاقتصادي على المستوى الاستراتيجي، لتصبح الجغرافيا العسكرية السورية بين ثلاث قوى (أميركية، روسية، تركية).
في هذا الوضع، يصبح لموسكو القدرة على ممارسة ضغوط على النظام، ويصبح لتركيا القدرة على ممارسة الضغوط الكافية على المعارضة.
لكن ما هو ليس واضحا إلى الآن، هل تأتي الخطوات الأميركية هذه ضمن ترتيبات الانسحاب من المشهد السوري؟ أم أن الإدارة الأميركية طوت صفحة مغادرة سورية، وأن ما يجري جزء من صفقةٍ مع روسيا تشمل حل الأزمة السورية؟
من الصعوبة بمكان الإجابة عن ذلك الآن، لكن ما هو واضح أن واشنطن بدأت عملية الانفتاح على الحلفاء، والاستجابة لمطالبهم: أولا، مع فرنسا الراغبة في الدخول إلى الملف السوري من البوابة العسكرية، وإن كان هذا الحضور رمزيا. وثانيا، مع تركيا من خلال التنازل عن منبج. وثالثا، مع الأردن بإعادة فتح المعابر الحدودية مع سورية، وهي العملية التي ينتظر أن يتم الاتفاق بشأنها قريبا، وكان إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أول من تحدثت عنها عبر ديفيد ساترفيلد معاون وزير الخارجية.
قد تبدو الخطوات الأميركية محاولة لتهدئة الحلفاء الإقليميين، من أجل الاستمرار في إدارة الأزمة السورية، ومن الحلفاء من القيام بخطوات منفردة، بعدما لاحت في الأفق معطياتٌ تؤكد حجم التأزم السياسي التركي، وحجم التأزم الاقتصادي الأردني.
وقد تبدو ثانيا أنها مقدمة لتعبيد الطريق أمام التسوية الكبرى، مع ما يتطلبه ذلك من رصّ صفوف الحلفاء المعنيين بالملف السوري (تركيا، الأردن)، وتقديم تنازلاتٍ لروسيا، يخشى أن تزداد وتيرتها في المرحلة المقبلة.