24 أكتوبر 2024
مشكلاتٌ مصنوعةٌ بأيدٍ فلسطينية
إذا كان صحيحا أن الاحتلال الإسرائيلي أساس المشكلة الفلسطينية، فالصحيح أيضا أنه ليست كل المشكلات الفلسطينية من صنع الاحتلال. هناك مشكلاتٌ كثيرة نصنعها بأيدينا، وتؤثر سلبا على قدرة الفلسطينيين في خوضهم صراعاً مع عدو يلغيهم.
الانقسام الفلسطيني في مقدمة القضايا التي من صنع أيدينا، فقد تجاوز عمره عقدا من دون أي نتيجة، بعد سنوات من الحوارات الداخلية الفلسطينية، على الرغم من كل وعود الطرفين الأساسيين في الساحة الفلسطينية بأن يعملا على تجاوز هذا الانقسام. يتعاكس ما هو على الأرض مع كل التصريحات السياسية للطرفين على مدى سنوات. وإذا كان هذا الانقسام بين الإخوة قد استهلك كل هذا الوقت من الحوارات/ المفاوضات، ولا يبدو أنها ستصل إلى نتيجة في المدى المنظور، فلماذا يُستغرب أن المفاوضات مع إسرائيل لم تصل ولن تصل إلى نتيجة؟
بديهي أن يتم أي حوار سياسي بين طرفين متصارعين على القضايا المختلف عليها، ويُرتب الحوار قضاياه بناء على أولويات القضايا وحساسيتها، والقضايا التي يتم الاتفاق عليها يتم وضعها جانبا، والانتقال إلى قضايا أخرى مختلفٍ عليها، حتى يتم الانتهاء من جميع القضايا الخلافية. وهناك قضايا خلافية غير أساسية، يمكن التعايش معها، وهناك قضايا رئيسية لا يمكن التعايش معها. وعندما يفشل الحوار عند نقطة معينة، وتتم العودة إليه بعد فترة، من المفترض بالحوار السياسي أن يبدأ من النقطة التي وصل إليها قبل الفشل، لا أن يعود من البداية، كما يفعل الطرفان الرئيسيان في الساحة الفلسطينية منذ سنوات.
والظاهر أن الحوار الفلسطيني لن يصل إلى مكان، وهذا ما يعرفه الطرفان، مهما كانت تصريحاتهم العلنية. وإذا كان هذا واقع الحال، لماذا يحصل هذا في الحوار الفلسطيني المرة بعد المرة؟
ببساطة، لأنه حوار لإدارة الأزمة، لا لحلها، فلا يستطيع أيٌّ من الطرفين أن يقول إنه لا يريد الحوار مع الطرف الآخر، فالطرفان يدّعيان حرصهما على الوحدة الوطنية غير الموجودة،
وغير المنوي تحقيقها. والوظيفة الرئيسية لهذا الحوار الذي يقوم على هذا الأساس ملء الفراغ الذي يمكن أن يحصل جرّاء غيابه، والذي يتسبب بالتصعيد الداخلي. فعلى مدى أعوام من الحوار، كان توقف الحوار بين الطرفين يؤدي إلى تصعيد كلامي، واعتقالات متبادلة أحيانا. وإذا كانت المفاضلة بين حوار الطرشان والصدام الداخلي على نطاق واسع، فلا أحد يفضّل هذا الصدام. ولكن المعادلة ليست بهذه البساطة، فالحقيقة أن الحوار الداخلي الذي يدور في حلقةٍ مفرغةٍ، والذي يديره الطرفان بحيث لا يصل إلى مكان، هو نفسه الذي يؤدي إلى الصدام، وكأن الحوار استراحة بين صدامين، وكل صدام جديد يكون أشدّ من السابق، وخصوصا أن الطرفين يُبقيان على توتيرهما للوضع الداخلي، والشد والشد المضاد واتهامات كل طرف للطرف الثاني بأنه لا يريد المصالحة، بوصف هذا الشد يعمل على تعزيز الوحدة التنظيمية الداخلية.
على الرغم من تأكيد الطرفين مرات عديدة أن اتفاق المصالحة وصل إلى نهايته السعيدة، كان الشعور أنهما يتحدثان عن مصالحتين مختلفتين، كأنهما يتحدثان لغتين مختلفتين. أكثر من ذلك، على مدى سنوات الانقسام، ليس هناك حراك داخلي ضاغط على قيادة الطرفين في كل من حركتي فتح وحماس، أوحى ويوحي أنهما ذاهبتان باتجاه استكمال المصالحة، على العكس، لطالما قام الطرفان بترتيب أوضاعهما على أن الصراع الداخلي سيستمر زمنا طويلا، حتى بات جزءا مكونا للساحة السياسية الفلسطينية.
موضوعيا، يحتاج الوضع الداخلي الفلسطيني إلى اتفاق يكرّس المصالحة، ويتجاوز الانقسام. ومن دون ذلك، لا معنى للحديث عن مواجهة إسرائيل، وخوض الصراع بكل قوة، مع هجمة استيطانية إسرائيلية لا تنتهي. ومن غير الممكن حل المشكلات الفلسطينية العالقة مع وجود الانقسام، لجعل البيت الفلسطيني قادرا على مواجهة قضاياه الداخلية الأساسية، فالمصالحة، إذا حصلت، تشكل بداية الطريق وليس نهايته. البداية الصحيحة لتحصين البيت الداخلي ومنعه من الانهيار النهائي الذي تنذر به كل المعطيات الفلسطينية، وهو يؤسّس للتصدي للقضايا الحقيقية، والتي على الفلسطينيين مواجهتها، لكن في الواقع ليس هذا واقع الحال الفلسطيني.
هناك مشكلات من صنع اليد الفلسطينية، وهي تخدم الاحتلال في نهاية المطاف، ولأنها من
صنع أيدينا، فحلها فلسطيني خالص، وإذا رغبت الأطراف في حلها تُحل. وما يفسر الدائرة المفرغة للحوار الفلسطيني هو وصول خيارات الطرفين إلى طريق مسدود، أو بالأصح وصول الطرفين إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه بخياراتهما، ولذلك اصطدما بسقوفهما المنخفضة سياسيا، بعد إنتاج أوهامٍ كثيرة تبددت، لكنهما لا يريدان الاعتراف بذلك. ففي وقت ماتت فيه العملية التفاوضية، باتت محاولات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إحياءها، تنذر بنكبة فلسطينية جديدة مع "صفقة القرن" التي تسعى هذه الإدارة إلى فرضها على الفلسطينيين.
في الوقت نفسه، اصطدم خيار أصحاب الخيار الآخر بالسقف المنخفض، لمحدودية قدرات المقاومة في غزة في أوضاع حصار بائسة، فلم يعد خيار المقاومة قادراً على الوصول إلى أبعد مما وصل إليه. وبذلك، ولأن كل طرف غير قادر على إنجاز فعلي إضافي خاص به، ارتدّت الأزمة إلى الداخل الفلسطيني، وهو المجال الوحيد لتبرير عدم القدرة على إنجاز خارجي في الصراع أو التفاوض مع إسرائيل. ولأن الداخل ليس موقعا مناسبا للإنجاز، فإن الحوار دار ويدور في حلقة مفرغة. إنها معادلة ليست بحاجةٍ إلى عبقرية لاكتشافها، وقصة المصالحة في الساحة الفلسطينية مثل قصة "الراعي والذئب"، من كثرة ما تم توقيع اتفاقات تكرّس المصالحة، ومن كثرة ما صرح الطرفان بأنها قادمة، لن يصدّقها الفلسطينيون، حتى لو أتت.
الانقسام الفلسطيني في مقدمة القضايا التي من صنع أيدينا، فقد تجاوز عمره عقدا من دون أي نتيجة، بعد سنوات من الحوارات الداخلية الفلسطينية، على الرغم من كل وعود الطرفين الأساسيين في الساحة الفلسطينية بأن يعملا على تجاوز هذا الانقسام. يتعاكس ما هو على الأرض مع كل التصريحات السياسية للطرفين على مدى سنوات. وإذا كان هذا الانقسام بين الإخوة قد استهلك كل هذا الوقت من الحوارات/ المفاوضات، ولا يبدو أنها ستصل إلى نتيجة في المدى المنظور، فلماذا يُستغرب أن المفاوضات مع إسرائيل لم تصل ولن تصل إلى نتيجة؟
بديهي أن يتم أي حوار سياسي بين طرفين متصارعين على القضايا المختلف عليها، ويُرتب الحوار قضاياه بناء على أولويات القضايا وحساسيتها، والقضايا التي يتم الاتفاق عليها يتم وضعها جانبا، والانتقال إلى قضايا أخرى مختلفٍ عليها، حتى يتم الانتهاء من جميع القضايا الخلافية. وهناك قضايا خلافية غير أساسية، يمكن التعايش معها، وهناك قضايا رئيسية لا يمكن التعايش معها. وعندما يفشل الحوار عند نقطة معينة، وتتم العودة إليه بعد فترة، من المفترض بالحوار السياسي أن يبدأ من النقطة التي وصل إليها قبل الفشل، لا أن يعود من البداية، كما يفعل الطرفان الرئيسيان في الساحة الفلسطينية منذ سنوات.
والظاهر أن الحوار الفلسطيني لن يصل إلى مكان، وهذا ما يعرفه الطرفان، مهما كانت تصريحاتهم العلنية. وإذا كان هذا واقع الحال، لماذا يحصل هذا في الحوار الفلسطيني المرة بعد المرة؟
ببساطة، لأنه حوار لإدارة الأزمة، لا لحلها، فلا يستطيع أيٌّ من الطرفين أن يقول إنه لا يريد الحوار مع الطرف الآخر، فالطرفان يدّعيان حرصهما على الوحدة الوطنية غير الموجودة،
على الرغم من تأكيد الطرفين مرات عديدة أن اتفاق المصالحة وصل إلى نهايته السعيدة، كان الشعور أنهما يتحدثان عن مصالحتين مختلفتين، كأنهما يتحدثان لغتين مختلفتين. أكثر من ذلك، على مدى سنوات الانقسام، ليس هناك حراك داخلي ضاغط على قيادة الطرفين في كل من حركتي فتح وحماس، أوحى ويوحي أنهما ذاهبتان باتجاه استكمال المصالحة، على العكس، لطالما قام الطرفان بترتيب أوضاعهما على أن الصراع الداخلي سيستمر زمنا طويلا، حتى بات جزءا مكونا للساحة السياسية الفلسطينية.
موضوعيا، يحتاج الوضع الداخلي الفلسطيني إلى اتفاق يكرّس المصالحة، ويتجاوز الانقسام. ومن دون ذلك، لا معنى للحديث عن مواجهة إسرائيل، وخوض الصراع بكل قوة، مع هجمة استيطانية إسرائيلية لا تنتهي. ومن غير الممكن حل المشكلات الفلسطينية العالقة مع وجود الانقسام، لجعل البيت الفلسطيني قادرا على مواجهة قضاياه الداخلية الأساسية، فالمصالحة، إذا حصلت، تشكل بداية الطريق وليس نهايته. البداية الصحيحة لتحصين البيت الداخلي ومنعه من الانهيار النهائي الذي تنذر به كل المعطيات الفلسطينية، وهو يؤسّس للتصدي للقضايا الحقيقية، والتي على الفلسطينيين مواجهتها، لكن في الواقع ليس هذا واقع الحال الفلسطيني.
هناك مشكلات من صنع اليد الفلسطينية، وهي تخدم الاحتلال في نهاية المطاف، ولأنها من
في الوقت نفسه، اصطدم خيار أصحاب الخيار الآخر بالسقف المنخفض، لمحدودية قدرات المقاومة في غزة في أوضاع حصار بائسة، فلم يعد خيار المقاومة قادراً على الوصول إلى أبعد مما وصل إليه. وبذلك، ولأن كل طرف غير قادر على إنجاز فعلي إضافي خاص به، ارتدّت الأزمة إلى الداخل الفلسطيني، وهو المجال الوحيد لتبرير عدم القدرة على إنجاز خارجي في الصراع أو التفاوض مع إسرائيل. ولأن الداخل ليس موقعا مناسبا للإنجاز، فإن الحوار دار ويدور في حلقة مفرغة. إنها معادلة ليست بحاجةٍ إلى عبقرية لاكتشافها، وقصة المصالحة في الساحة الفلسطينية مثل قصة "الراعي والذئب"، من كثرة ما تم توقيع اتفاقات تكرّس المصالحة، ومن كثرة ما صرح الطرفان بأنها قادمة، لن يصدّقها الفلسطينيون، حتى لو أتت.