04 أكتوبر 2024
مصر.. المشروعات الضخمة ومدينة يوتوبيا
دعاني أصدقاء قبل أيام إلى رحلة في مدينة العين السخنة، حاولت الاعتذار بسبب ضيق الوقت، وضرورة وجودي في القاهرة لقضاء عقوبة الحبس المسائي يوميا بعد المغرب.. قالوا لي: لن يفلح اعتذارك هذه المرة، لقد رتبنا كل شيء، فالعين السخنة تبعد عن القاهرة حوالي ساعة ونصف فقط، نستطيع قضاء يوم طيب على الشاطئ، لتعود إلى الحبس المسائي في قسم الشرطة قبل المغرب.
اختلفت المنطقة كثيرا عن آخر مرة زرتها منذ أكثر من خمس سنوات. العاصمة الإدارية بارزة في الصحراء بأسوارها العالية، ومبانيها الفخمة، على يسار الطريق المتجه إلى العين السخنة، ثمة محطة كهرباء عملاقة غير مسبوقة في مصر، لخدمة تلك العاصمة الإدارية، ثم طريق جديد يخترق جبال البحر الأحمر حتى القمة، ليمر بمدينة فخمة يتم إنشاؤها وجامعة الملك عبدالعزيز آل سعود الجديدة، ثم يهبط الطريق نحو أكبر وأفخم منتج سياحي في أفريقيا والشرق الأوسط، كما تقول إعلانات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، حيث أكبر مدينة ألعاب مائية في أفريقيا والشرق الأوسط، وأضخم وأعلى تليفريك في أفريقيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى محور 30 يونيو الذي يتم إنشاؤه ليكون أطول طريق ساحلي في أفريقيا، يربط جنوب مصر بشمالها بغربها، كما تقول التصريحات.
لماذا كل هذا الهوس بالأطول والأضخم والأكبر والأفخم الذي يتحفنا به المسؤولون المصريون كل فترة، عند الحديث عن المشروعات الجديدة التي لا يُسمح لأحد بالنقاش بشأنها وبشأن
جدواها، فالأهم أن تكون هي الأضخم والأطول والأكبر، بغض النظر عن الجمهور المستفيد أو الجدوى الاقتصادية أو التأثير البيئي. ولكن تفسيرات نفسية تزعم أن الإصرار على التضخيم والمبالغة حيلة للتغطية على العجز في مجالات أخرى، مثل الذي يدّعي الثراء الفاحش أمام الناس، إلى أن يصدّق ادعاءاته، ويتناسى فشله في الحصول على عمل أو خسارته كل أمواله، أو كالذي يستخدم الصياح والعصبية المفرطة، للتغطية على ضعف شخصيته، أو الذي يضرب زوجته يوميا للتغطية على عجزه في العلاقة الحميمية.
ربما انبهرت للوهلة الأولى بهذا العدد الهائل من المشروعات السياحية الفخمة التي يجري إنشاؤها.. هل ستكون مصر مثل دبي كما يزعمون؟ ستكون لدينا منتجعات سياحية وفنادق 7 نجوم، وأماكن لليخوت وشواطئ ومبانٍ مبهرة تسرّ العين، ومستثمرون من جميع الجنسيات يتنافسون على الاستثمار في مصر؟ يؤكد المسؤولون الحكوميون ومؤيدو النظام ذلك، ويدافعون عن تلك المشروعات بأنها باب الخير لمصر، وستنقل مصر إلى مصافّ الدول المتقدمة، وأنه لا غنى عن تلك المشروعات العملاقة لنهضة مصر، فأعمال إنشاءات العاصمة الإدارية الفخمة، وكل تلك المباني الحكومية الجديدة وكل تلك الطرق تؤدي إلى تشغيل أيادٍ عاملة جديدة، بدلا من البطالة. وبعد عدة سنوات، ستشتغل تلك الفنادق والمنشآت السياحية الفخمة، وستحتاج إلى عمال ومديرين وخدمات فندقية ومحلات ومطاعم وزوار وحركة تجارية.. ما سيعود بالنفع على مصر، وستتدفق الأموال على المصريين، وسيزيد الدخل وستتحقق النهضة، وسيعيش الجميع في الرخاء والرفاهية والتقدم.
وحتى إن كان لدى مصر مثل ثروات الخليج، فهل يمكن اعتبار دول الخليج، مثل الإمارات والسعودية، دولا متقدمة؟ وهل يقاس التقدم بحجم الثروات والبترول؟ وهل يقاس بأعداد المباني الفخمة؟ وهل يمكن اعتبار الاقتصاد الخدمي أو الاقتصاد الريعي وسائل قادرة على تحقيق تقدّم وتنمية حقيقية، وهل يمكن اعتبار فخامة مباني دبي ومشروعاتها دليلا على الرقيّ والتقدّم؟ لدى دول عديدة استثمارات سياحية فخمة، ومنتجعات ضخمة ومبهرة في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية، ولكن لا يمكن اعتبارها دولا متقدّمة، ولا يمكن اعتبار ما يحدث فيها من أنواع التنمية، إنها حجج النيوليبرالية نفسها. دع النقد الأجنبي يتدفق والاستثمارات تزداد، أيا كان مجالها، حتى يتم تشغيل أيد عاملة ويستفيد الجميع من تلك المشروعات الخدمية. ولكن في واقع الأمر أنه قد يحدث بعض النمو الاقتصادي، لكن المردود يكون على طبقة محدودة من رجال أعمال ورجال سلطة، بينما تعاني أغلبية الشعب من تبعات غياب العدالة وقلة الإنفاق على الصحة والتعليم والإسكان وغياب التنمية الحقيقية.
من المستفيد الحقيقي في مصر من أن تنشئ القوات المسلحة منتجعات سياحية فخمة في جبل الجلالة على ساحل البحر الأحمر، أو مدينة العلمين الجديدة على ساحل البحر المتوسط، أو تلك العاصمة الإدارية الجديدة ذات الأسوار العالية التي ستكون بمثابة المنطقة الخضراء في بغداد، هل سيستفيد الشعب المصري حقا من إنشاء تلك المنتجعات السياحية الفاخرة؟ هل ستؤدي العاصمة الإدارية إلى وقْف تمدّد العشوائيات أم ستزيد منها؟ هل سيكون هناك فائض في الميزانية لتعليم حقيقي؟ وماذا عن العاصمة القديمة التي تعاني من الإهمال والقمامة والتكدّس المروري وانهيار الخدمات؟ وماذا عن آلاف القرى المصرية التي تعاني من سوء مياه الشرب، وعدم وجود أبسط الخدمات، كالصرف الصحي، وهل يحدث التقدّم وتتحقق التنمية بالمنتجعات السياحية بدون الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي والتصنيع والإنتاج؟ وماذا عن الأثر البيئي لتلك التغييرات في الطبيعة الصحراوية أو البحرية؟
وماذا عن غياب الشفافية في تلك المشروعات وغيرها، وفي استخدام القوات المسلحة أراضي المصريين من أجل إنشاء منتجعات سياحية من دون إدخال ذلك في ميزانية الدولة، أو إعادة بيع أراضي الدولة أو العقارات المقامة على أراضي الدولة بأسعارٍ تفوق أسعار المستثمرين والقطاع الخاص، بالطبع سيستفيد رجال أعمال ومستثمرون متعاونون، وسيستفيد كبار الضباط والمشرفون على تلك المشروعات العملاقة، وسيستفيد كبار موظفي الدولة، وهناك كذلك (كوتا) أو الامتيازات أو المشروعات المخصصة للطبقة الحاكمة من جيش وشرطة وقضاء.
لدى عبد الفتاح السيسي وفريقه خطة ما بدأت تتضح معالمها، خطة طويلة المدى يراهنون
عليها، تعتمد على تلك المشروعات السياحية الفخمة، ومحاور الطرق والخدمات، بالإضافة إلى احتكار القرار السياسي وكل موارد الإنتاج، يعتبرون أن تنفيذ تلك الخطة السرية في أسرع وقت، وبدون نقاش، هو طريق الخروج من عنق الزجاجة. ولذلك لا بد من الانتهاء منها مهما كلّف الأمر، لا تهمّ القروض الجديدة التي ستعاني عدة أجيال قادمة من تبعاتها وآثارها، شروط جديدة للبنك الدولي، تعديل الدستور ومد الفترة الرئاسية، ستتم التضحية بكل شيء من أجل استكمال تلك المشروعات. ولذلك لا عجب من تلك التهديدات التي أطلقها السيسي قبل أشهر في أحد خطاباته ضد ما سماها محاولات هدم الدولة، وهدد بأن أي محاولة تعني حياته ومن ورائه الجيش والشرطة، فالدولة هي تلك المشروعات من وجهة نظرهم، ومناقشة جدوى تلك المشروعات، ولو بشكل علمي، تُدْرجه السلطة تحت بند التآمر، ونشر الشائعات وروح الإحباط.
تُذكّر تلك العاصمة الإدارية برواية "يوتوبيا" للراحل أحمد خالد توفيق، نشرها عام 2008، تتحدث عن المستقبل عام 2023، عندما تحدث ثورات جياع في مصر، فيعزل الحاكمون والمسؤولون ورجال الأعمال والأثرياء أنفسهم في مدينة بعيدة في الصحراء تسمى يوتوبيا، من أجل الابتعاد عن "الأغيار" من الشعب وأبناء الطبقات الكادحة، الغوغاء والفقراء والهمج، من وجهة نظر الحكام، مدينة ضخمة في صحراء مصر، مبانٍ فخمة وأسوار عالية ونظام تأمين جبار وأجهزة استشعار عن بعد بأحدث التكنولوجيا لمنع هجمات الغوغاء، يعيش أهل يوتوبيا في كل الرفاهية، ويعيش أبناؤهم في كل أنواع اللذات والمجون، بينما تعيش أغلبية الشعب في معسكراتٍ، مثل معسكرات اللاجئين، أو أحياء عشوائية تفتقر لأبسط الاحتياجات، مثل المياه والصرف الصحي، يتصارع معظم الشعب من أجل البقاء على قيد الحياة، ويأكلون بعضهم بعضا، يسرقون بعضهم بعضا. لا فائدة للتعليم ولا للثقافة في ذلك العالم، بينما يعيش الحكام والأغنياء في أمانٍ في مدينة اليوتوبيا، فيما تقوم محاولات للثورة هنا وهناك من بعض المجموعات خارج أسوار اليوتوبيا، لكن إبادتهم تتم بكل سهولة، بمجرّد الاقتراب من الأسوار العالية، يقرّر أحد أبناء الأغنياء كسر ملل حياته، وبدء مغامرة خارج أسوار اليوتوبيا، واصطياد بعض الأغيار كنوع من أنواع الترفيه والتجديد، فدم الأغيار الفقراء وعرضهم مستباحان، وبعضهم يعملون خدّامين داخل يوتوبيا، بعد المرور على إجراءات أمنية مشدّدة. وبعد أحداث كثيرة وممتعة، يقتل الفتى القادم من يوتوبيا الفتى الشهم الشجاع الذي يعيش مع الأغيار، ويحتفظ بيده دليلا على تلك المغامرة، ويتفاخر بها أمام أصحابه من سكان يوتوبيا. وفي نهاية الرواية، تقوم ثورة الجياع فجأة، ويأتي الفقراء من جميع الاتجاهات، ويقتحمون أسوار يوتوبيا المنيعة، بعد أن تنهار المقاومة، ويفشل قاطنوها في الهرب من مصيرهم المحتوم.
اختلفت المنطقة كثيرا عن آخر مرة زرتها منذ أكثر من خمس سنوات. العاصمة الإدارية بارزة في الصحراء بأسوارها العالية، ومبانيها الفخمة، على يسار الطريق المتجه إلى العين السخنة، ثمة محطة كهرباء عملاقة غير مسبوقة في مصر، لخدمة تلك العاصمة الإدارية، ثم طريق جديد يخترق جبال البحر الأحمر حتى القمة، ليمر بمدينة فخمة يتم إنشاؤها وجامعة الملك عبدالعزيز آل سعود الجديدة، ثم يهبط الطريق نحو أكبر وأفخم منتج سياحي في أفريقيا والشرق الأوسط، كما تقول إعلانات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، حيث أكبر مدينة ألعاب مائية في أفريقيا والشرق الأوسط، وأضخم وأعلى تليفريك في أفريقيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى محور 30 يونيو الذي يتم إنشاؤه ليكون أطول طريق ساحلي في أفريقيا، يربط جنوب مصر بشمالها بغربها، كما تقول التصريحات.
لماذا كل هذا الهوس بالأطول والأضخم والأكبر والأفخم الذي يتحفنا به المسؤولون المصريون كل فترة، عند الحديث عن المشروعات الجديدة التي لا يُسمح لأحد بالنقاش بشأنها وبشأن
ربما انبهرت للوهلة الأولى بهذا العدد الهائل من المشروعات السياحية الفخمة التي يجري إنشاؤها.. هل ستكون مصر مثل دبي كما يزعمون؟ ستكون لدينا منتجعات سياحية وفنادق 7 نجوم، وأماكن لليخوت وشواطئ ومبانٍ مبهرة تسرّ العين، ومستثمرون من جميع الجنسيات يتنافسون على الاستثمار في مصر؟ يؤكد المسؤولون الحكوميون ومؤيدو النظام ذلك، ويدافعون عن تلك المشروعات بأنها باب الخير لمصر، وستنقل مصر إلى مصافّ الدول المتقدمة، وأنه لا غنى عن تلك المشروعات العملاقة لنهضة مصر، فأعمال إنشاءات العاصمة الإدارية الفخمة، وكل تلك المباني الحكومية الجديدة وكل تلك الطرق تؤدي إلى تشغيل أيادٍ عاملة جديدة، بدلا من البطالة. وبعد عدة سنوات، ستشتغل تلك الفنادق والمنشآت السياحية الفخمة، وستحتاج إلى عمال ومديرين وخدمات فندقية ومحلات ومطاعم وزوار وحركة تجارية.. ما سيعود بالنفع على مصر، وستتدفق الأموال على المصريين، وسيزيد الدخل وستتحقق النهضة، وسيعيش الجميع في الرخاء والرفاهية والتقدم.
وحتى إن كان لدى مصر مثل ثروات الخليج، فهل يمكن اعتبار دول الخليج، مثل الإمارات والسعودية، دولا متقدمة؟ وهل يقاس التقدم بحجم الثروات والبترول؟ وهل يقاس بأعداد المباني الفخمة؟ وهل يمكن اعتبار الاقتصاد الخدمي أو الاقتصاد الريعي وسائل قادرة على تحقيق تقدّم وتنمية حقيقية، وهل يمكن اعتبار فخامة مباني دبي ومشروعاتها دليلا على الرقيّ والتقدّم؟ لدى دول عديدة استثمارات سياحية فخمة، ومنتجعات ضخمة ومبهرة في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية، ولكن لا يمكن اعتبارها دولا متقدّمة، ولا يمكن اعتبار ما يحدث فيها من أنواع التنمية، إنها حجج النيوليبرالية نفسها. دع النقد الأجنبي يتدفق والاستثمارات تزداد، أيا كان مجالها، حتى يتم تشغيل أيد عاملة ويستفيد الجميع من تلك المشروعات الخدمية. ولكن في واقع الأمر أنه قد يحدث بعض النمو الاقتصادي، لكن المردود يكون على طبقة محدودة من رجال أعمال ورجال سلطة، بينما تعاني أغلبية الشعب من تبعات غياب العدالة وقلة الإنفاق على الصحة والتعليم والإسكان وغياب التنمية الحقيقية.
من المستفيد الحقيقي في مصر من أن تنشئ القوات المسلحة منتجعات سياحية فخمة في جبل الجلالة على ساحل البحر الأحمر، أو مدينة العلمين الجديدة على ساحل البحر المتوسط، أو تلك العاصمة الإدارية الجديدة ذات الأسوار العالية التي ستكون بمثابة المنطقة الخضراء في بغداد، هل سيستفيد الشعب المصري حقا من إنشاء تلك المنتجعات السياحية الفاخرة؟ هل ستؤدي العاصمة الإدارية إلى وقْف تمدّد العشوائيات أم ستزيد منها؟ هل سيكون هناك فائض في الميزانية لتعليم حقيقي؟ وماذا عن العاصمة القديمة التي تعاني من الإهمال والقمامة والتكدّس المروري وانهيار الخدمات؟ وماذا عن آلاف القرى المصرية التي تعاني من سوء مياه الشرب، وعدم وجود أبسط الخدمات، كالصرف الصحي، وهل يحدث التقدّم وتتحقق التنمية بالمنتجعات السياحية بدون الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي والتصنيع والإنتاج؟ وماذا عن الأثر البيئي لتلك التغييرات في الطبيعة الصحراوية أو البحرية؟
وماذا عن غياب الشفافية في تلك المشروعات وغيرها، وفي استخدام القوات المسلحة أراضي المصريين من أجل إنشاء منتجعات سياحية من دون إدخال ذلك في ميزانية الدولة، أو إعادة بيع أراضي الدولة أو العقارات المقامة على أراضي الدولة بأسعارٍ تفوق أسعار المستثمرين والقطاع الخاص، بالطبع سيستفيد رجال أعمال ومستثمرون متعاونون، وسيستفيد كبار الضباط والمشرفون على تلك المشروعات العملاقة، وسيستفيد كبار موظفي الدولة، وهناك كذلك (كوتا) أو الامتيازات أو المشروعات المخصصة للطبقة الحاكمة من جيش وشرطة وقضاء.
لدى عبد الفتاح السيسي وفريقه خطة ما بدأت تتضح معالمها، خطة طويلة المدى يراهنون
تُذكّر تلك العاصمة الإدارية برواية "يوتوبيا" للراحل أحمد خالد توفيق، نشرها عام 2008، تتحدث عن المستقبل عام 2023، عندما تحدث ثورات جياع في مصر، فيعزل الحاكمون والمسؤولون ورجال الأعمال والأثرياء أنفسهم في مدينة بعيدة في الصحراء تسمى يوتوبيا، من أجل الابتعاد عن "الأغيار" من الشعب وأبناء الطبقات الكادحة، الغوغاء والفقراء والهمج، من وجهة نظر الحكام، مدينة ضخمة في صحراء مصر، مبانٍ فخمة وأسوار عالية ونظام تأمين جبار وأجهزة استشعار عن بعد بأحدث التكنولوجيا لمنع هجمات الغوغاء، يعيش أهل يوتوبيا في كل الرفاهية، ويعيش أبناؤهم في كل أنواع اللذات والمجون، بينما تعيش أغلبية الشعب في معسكراتٍ، مثل معسكرات اللاجئين، أو أحياء عشوائية تفتقر لأبسط الاحتياجات، مثل المياه والصرف الصحي، يتصارع معظم الشعب من أجل البقاء على قيد الحياة، ويأكلون بعضهم بعضا، يسرقون بعضهم بعضا. لا فائدة للتعليم ولا للثقافة في ذلك العالم، بينما يعيش الحكام والأغنياء في أمانٍ في مدينة اليوتوبيا، فيما تقوم محاولات للثورة هنا وهناك من بعض المجموعات خارج أسوار اليوتوبيا، لكن إبادتهم تتم بكل سهولة، بمجرّد الاقتراب من الأسوار العالية، يقرّر أحد أبناء الأغنياء كسر ملل حياته، وبدء مغامرة خارج أسوار اليوتوبيا، واصطياد بعض الأغيار كنوع من أنواع الترفيه والتجديد، فدم الأغيار الفقراء وعرضهم مستباحان، وبعضهم يعملون خدّامين داخل يوتوبيا، بعد المرور على إجراءات أمنية مشدّدة. وبعد أحداث كثيرة وممتعة، يقتل الفتى القادم من يوتوبيا الفتى الشهم الشجاع الذي يعيش مع الأغيار، ويحتفظ بيده دليلا على تلك المغامرة، ويتفاخر بها أمام أصحابه من سكان يوتوبيا. وفي نهاية الرواية، تقوم ثورة الجياع فجأة، ويأتي الفقراء من جميع الاتجاهات، ويقتحمون أسوار يوتوبيا المنيعة، بعد أن تنهار المقاومة، ويفشل قاطنوها في الهرب من مصيرهم المحتوم.