نداء الإسقاط الثاني للرئيس مرسي
قلت: لو كنت مكان عبد الفتاح السيسي لتلقفت ما تسمى مبادرة ضابط الصاعقة السابق، السفير معصوم مرزوق، ونفذتها فوراً وكافأته عليها.
فقال مرزوق: ولم لا يكافئني السيسي عليها، لأنها ربما تكون هذه صيغة لإنقاذ أمور كثيرة، منها إنقاذ الوطن ذاته.
وبصرف النظر عن عدم معقولية بنود كثيرة في هذه التي تسمّى مبادرة، أو النداء كما يطلق عليه، فإن ثمة أموراً جوهرية داخل الصيغة، تجعلها هدية إلى السيسي، قبل أن تكون هدية إلى الوطن الذي يريد صانعو المشروع الجديد إنقاذه من السيسي.
في البداية أسجل قرفي من الإهانة والتجريح الهستيري في شخص صاحب المبادرة/ النداء، وأرفض تحويل الأمر إلى مشتمة مفتوحة على مصراعيها، وأعترف بأنها مبادرة نموذجية، لو وضعنا الأمور في نصابها الصحيح، واعتبرنا أنها مبادرة للإصلاح الداخلي في دولة ونظام "30 يونيو".
ولعل هذا بعض ما يقصده معصوم مرزوق، حين يعلن أن هذه صيغة لإنقاذ أمور كثيرة، فاللافت أن جوهر المبادرة هو إلغاء كل ما كان قبل 30 يونيو/ حزيران 2013 وحذفه.
يستخدم أصحاب النداء مصطلح "التصحيح"، فيما يخص المطلوب تجاه الوضع القائم في مصر، إذ تقول الديباجة "وحيث اتضح بما لا مجال للشك فيه أن السياسات الإقتصادية التي يطبقها نظام الحكم قد أفقرت الناس، وضيقت عليهم، وتؤدي إلى نتائج وخيمة، قد يصعب تداركها في المستقبل إن لم نتحرّك فوراً لتصحيحها ... إلخ".
هذا يعني أننا بصدد محاولة للتصحيح والإصلاح داخل النظام السياسي الذي أودى بالبلاد إلى قاع الجحيم، وليست مبادرةً ثورية للتحرّر من بلادته وطغيانه، بما يجعلها، في أفضل الأحوال، عملية تشبه، إلى حد بعيد، ما سميت "ثورة التصحيح" التي نفذها أنور السادات، بعد رحيل جمال عبد الناصر، للتخلص من رجاله الأقوياء، والانفراد بالسلطة داخل نظام يوليو، وليس خروجاً منه ومن سياساته وممارساته.
ثمّة تناقض منطقي بين المعطيات والمطاليب في البندين الأول والثاني، حين يقول:
- إجراء إستفتاء شعبي عام وفقاً للمادة 157 من الدستور، للإجابة علي سؤال واحد: هل تقبل إستمرار نظام الحكم الحالي في الحكم ؟.
- إذا وافقت الأغلبية البسيطة (50% +1) على إستمرار النظام الحالي، يعد ذلك بمثابة إقرار شعبي بصلاحية هذا النظام في الإستمرار، والموافقة علي سياساته المتبعة في كل المجالات، ووجب على الجميع إحترام هذا الخيار.
ما أعلمه من الديباجة أن هذا النداء مطروحٌ من أجل التحرّر، والتخلص من "هذا الخيار" الذي جلب كل هذه الكوارث. وبالتالي، لا أفهم أن سياسياً عاقلاً يمكن أن يطالب الجميع بالموافقة والاحترام لهذا الخيار الكارثي، لو نجح في الحصول على نصف الكتلة التصويتية، في لعبة استفتاء خاضعة بالكلية لشروطه وأساليبه وقدراته الهائلة في تصنيع الأرقام والنتائج، على هواه.
على أن الأخطر هو ما ورد في البند السادس، المترتب، افتراضاً، على عدم حصول "هذا الخيار" على 50% من الأصوات، فيقول:
6. يحظر على كل من اشترك أو ساهم في ولاية عامة في مؤسسات الحكم أو البرلمان خلال الأعوام العشرة السابقة على الإستفتاء المشاركة في الترشح أو التعيين لأي منصب عام خلال العشرة أعوام التالية على أنتهاء ولاية المجلس الإنتقالي.
هذا يساوي بالضبط القول: انزل يوم 31 أغسطس من أجل استكمال 30 يونيو .. ولكي تطالب بعزل الرئيس محمد مرسي مرة أخرى وإلى الأبد.
ويبدو أن هذا مربط الفرس: إسقاط الرئيس المنتخب بالحشد الجماهيري المصنوع، مرة أخرى بعد خمس سنوات من إسقاطه الأول باللعبة ذاتها، لنكون بصدد نداءٍ لعزلٍ جديد لمن تم عزله، بالقوة، الأمر الذي يقضي تماماً على قيم الحق والعدل واحترام الاستحقاقات الديمقراطية الصحيحة.
هنا يصبح المعروض عليك إخراج الضحايا من زنازين الظلم، ليتم ظلمهم مرة أخرى، ومعاقبتهم مجدّداً بالعزل السياسي، على"جريمة" التمسّك بالحق، والتشبث بالديمقراطية، ممارسة وأدوات ومخرجات، ليصبح، في نهاية المطاف، وزيراً شاباً أشاد بنجاحه الخصوم قبل المؤيدين، مثل باسم عودة، محروماً من العمل السياسي في خدمة البلاد، والبلاد محرومة من كفاءته.
هذا يعادل بالضبط محاولة القضاء على جرائم قطّاع الطريق من خلال حرمان الضحايا من استخدام هذه الطرق، بدلاً من التخلص من قاطعيها، وهذا يجرّد المطروح من أي قيمة أخلاقية، أو إنسانية، أو ديمقراطية.
وتبقى الإيجابية في هذا النداء تلك الدعوة الموجهة إلى الجماهير للخروج إلى ميدان التحرير نهاية الشهر الجاري، ولو حدث ذلك سيكون شيئاً رائعاً، يستحقّ التصفيق، لكن من دون مصادرة على المطلوب، قبل أن تتوفر المعطيات.
نعم لاستدعاء الجماهير .. لا لتوظيفها لتكريس "هذا الخيار الكارثي".
.. وقد نواصل الحديث.