05 مارس 2023
هل تذهب تركيا إلى انتخابات مبكرة؟
على الرغم من أن أصواتا قيادية حزبية تركية في الحكم والمعارضة تردّد أن خيار إجراء انتخابات مبكرةٍ في البلاد مستبعدٌ تماما في هذه الآونة، فإن المسؤولين في الجانبين يدعون نوابهم وكوادرهم إلى الجهوزية التامة، وتكثيف الاتصالات والزيارات إلى مناطقهم الانتخابية واللقاء بقواعدهم الشعبية، وكأن قرار الذهاب إلى الصناديق قد يصدر في أي لحظة، فعلى الرغم من إعلان القيادات السياسية والحزبية أن المواطن التركي لم يعد يريد الإصغاء إلى حديثٍ من هذا النوع تكرّر كثيرا في السنوات الثلاث الأخيرة، إلا أن احتمال الذهاب إلى الصناديق مبكرا، وعدم الانتظار حتى العام 2023 لن يكون مفاجأة. والاحتمال الآخر أن يتخذ هذا القرار في النصف الثاني من العام المقبل، على ضوء عوامل ومؤثرات داخلية وخارجية كثيرة.
المعارضة التي كانت تقول إن المرحلة تقتضي الذهاب مرة أخرى الى الصناديق لأن النظام
الرئاسي الذي تُحكم به البلاد وصل الى طريق مسدود، وتركيا بحاجة للعودة إلى نظامها البرلماني القديم بأسرع ما يكون، تعرف جيدا أن أردوغان لن يتردّد في إعطائها ما تريده، إذا ما شعر أن الأمور تتقدم كما يريد، وأن الانتخابات المبكرة ستكون لصالحه هو و"حليفه اللدود" دولت بهشلي في "تحالف الجمهور".
صحيحٌ أن حزب العدالة والتنمية (الحاكم) الذي دعم قرار الانتخابات المبكرة قبل عام ونصف العام كان يراهن يومها على فرصة جديدة يحتاجها لإطلاق يد الحكم في التعامل مع ملفاتٍ داخلية وخارجية حساسة تحتاج إلى الغطاء الشعبي الواسع. وإنه كان له ما أراد في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2018، لكنه وقع في مصيدة الانتخابات المحلية التي حملته خسارة فوق طاقته، وسلّة لا تفارقه على ظهره لا بد من التخلص منها مع أول فرصة انتخابية سانحة. حتى ولو تبنّى الجميع في تركيا لغة التهدئة والحوار، فهي مجرّد هدنةٍ لن تطول، كما يرى متابعون كثيرون في الداخل والخارج، فخسارة المدن الكبرى لا يمكن تمريرها بهذه السهولة، والاحتمال الأقرب سيبقى دائماً الصناديق مرة أخرى في انتخابات مبكّرة.
الرهان، كما يصوره بعضهم أيضا، هو على انشقاقات داخل الحزب الحاكم، بعد استقالة مجموعة من أهم قياداته، بينها أحمد داود أوغلو، ووزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان، وانضمام عدد كبير من القاعدة الشعبية للحزب إلى صفوف المعارضة، بانتظار ولادة حزبين سياسيين محافظين من رحم الحزب الأم، تفتح الطريق أمام تصعيد المعارضة بالذهاب المبكر إلى الصناديق. ولكن مشكلة من يتبنى هذا السيناريو هي تجاهله تقديرات استطلاعات الرأي الجديدة التي كانت قبل أشهر تعطي الحزبين الجديدين 15% من إجمالي الأصوات، وبحدود 9% من أصوات "العدالة والتنمية"، أنها تبدّلت بشكل كبير مع عملية "نبع السلام" العسكرية في شمال سورية، ونتائج زيارة الرئيس أردوغان الولايات المتحدة، ويقال إنها أعطته ما يريد من دعم وتأييد.
يواكب كل هذه النقاشات أيضا تساؤل جديد يتعلق برغبة أحزاب المعارضة في الوحدة، كما فعلت في شهري مارس/ آذار ويونيو/ حزيران في الانتخابات البلدية، وقدرتها على إقناع "حزب الشعوب الديمقراطي" (الكردي) بدعمها من الخارج مرة أخرى، من دون أي ثمن أو مكاسب مباشرة يجنيها، فجاء الرد السريع من قيادات حزب الشعوب التي كانت تريد المقاطعة السياسية، وسحب الكتلة البرلمانية والاستقالات الجماعية، ولكنها رضخت لمطلب الأكثرية الحزبية بالدعوة إلى انتخابات مبكرة فقط تعيد لها المدن والأقضية التي فازت بحق إدارة شؤونها بالدرجة الأولى، ولتذكر بقية أحزاب المعارضة أن المساومات ستنطلق من هذا المطلب.
الذريعة التي سيلعبها بعضهم ضد "تحالف الجمهور" هذه المرة هي مسألة عزل مزيد من
رؤساء بلديات المدن والأقضية التي فاز بها مرشحو حزب الشعوب، بتهمة دعم المجموعات الإرهابية وتعيين وكلاء/ أوصياء تختارهم وزارة الداخلية التركية. وهو ما وصف من قبل المعارضة التركية بأنه انقلاب على الديمقراطية، وعدم احترام قرار الناخب في مناطق جنوب شرق تركيا، حيث بلغ عدد المبعدين عن مناصبهم أكثر من عشرين رئيس بلدية خلال عدة أشهر. وفي المقابل هناك أيضا مشكلة "الصوت الكردي" ومئات الآلاف التي دعمت حزب الشعوب في هذه المناطق، وهي اليوم أمام امتحان استمرار الوقوف إلى جانب الحزب ومرشحيه الذين يُعتقلون بتهمة دعم المجموعات الإرهابية أو الابتعاد عنه، طالما أنه لم يقرّر مراجعة مواقفه وسياساته التي يتبنّاها تحت ذريعة الدفاع عن حقوق الأكراد.
يلعب حزب العدالة والتنمية ورقة استرداد ما خسره من أصوات، والتمسّك بتحالفه مع حزب الحركة القومية في الأعوام المقبلة. ولذلك هو سيتحرّك باتجاه الإصلاحات الاقتصادية، وتحسين أرقام دخل الفرد ورفع المستويات الاجتماعية وإنجاز مشروع التعديلات القضائية، وإرضاء شريكه في مسألة إقرار العفو العام في البلاد. وهو في الخارج سيتطلع إلى تسريع خطة المنطقة الآمنة في شمال سورية، وتسهيل رجوع آلافٍ من اللاجئين إليها، والعودة إلى معادلة العلاقات المتوازنة بين أميركا وروسيا المعتمدة منذ عقود، وتضرّرت في العامين الأخيرين تحديدا. ولكن امتحان العدالة والتنمية الحقيقي في المرحلة المقبلة سيكون بين خياري كيف تستمر في إدارة شؤون الدولة وكيف تفوز في الانتخابات.
مشكلة الرئيس التركي أنه تعهد بتحليل نتائج الانتخابات المحلية، واستنتاج الدروس والعبر
منها، لكنه لم يفعل ذلك بعد. ومشكلته أيضا أن أصواته هو تتقدّم دائما على أصوات حزبه، وأنه قد يفوز مجدّدا في أية انتخابات رئاسية يخوضها قريبا، ولكنه سيعاني من احتمال تراجع أصوات حزبه الذي قد يرى نفسه يتوجه نحو مقاعد المعارضة.
كان زعيم المعارضة، كمال كيليشدار أوغلو، يردّد بعد إعلان نتائج انتخابات بلدية إسطنبول أن الدولة لا تتحمّل انتخابات جديدة مبكرة، وسط هذه الأزمات الاقتصادية والسياسية. وقد أعلنت قيادات "العدالة والتنمية" مواقف مشابهة أيضا، لكن احتمالات تغيير القرارات قائمة بالنسبة لكل طرف إذا ما شعر أن المعادلات تتغير لصالحه.
صحيح أن قرار الذهاب إلى الانتخابات بيد حزب العدالة والتنمية، لكن قرار الفوز مرتبط بقدرته على الإسراع في إنجاز عملية النقد الذاتي، والإجابة على سؤال أين أخطأنا؟ وهو ما لم يفعله على الرغم من مرور أشهر على هزيمة الانتخابات في المدن الكبرى. وصحيحٌ أن فرص أحزاب المعارضة وحظوظها في الوحدة تراجعت أخيرا، لكن ضمانات أن الانشقاقات المرتقبة في صفوف الحزب الحاكم لن تؤثر على ثقله الانتخابي والجماهيري غير متوافرة أيضا.
كانت قيادات المعارضة تقول في سبتمبر/ أيلول المنصرم إن المواطن هو الذي يريد الصناديق لأن الحزب الحاكم فشل في إخراج تركيا من أزماتها الداخلية والخارجية. ولكن قوى المعارضة تتابع حتما عن قرب تقارير استطلاعات الرأي في البلاد التي تقول إن عملية "نبع السلام" قلبت الحسابات رأسا على عقب، لصالح حزب العدالة ورئيسه أردوغان، وإن من الصعب أن يقنع حزب الشعوب أحدا بدعم مطلب التوجه إلى انتخابات مبكرة.
ترتفع أصوات المطالبين بانتخابات مبكرة في تركيا بين حين وآخر، والبلاد تحتاج فعلا إلى الخروج من أزمات داخلية وخارجية كثيرة، لكن الناخب التركي يعرف صعوبة إخراج البديل من الصناديق في هذه المرحلة، وهو لن ينجرّ وراء خيارٍ من هذا النوع. قرار التوجه إلى الصناديق وسط هذه الظروف والأجواء انتحار حزبي وسياسي للحكم والمعارضة على السواء.
صحيحٌ أن حزب العدالة والتنمية (الحاكم) الذي دعم قرار الانتخابات المبكرة قبل عام ونصف العام كان يراهن يومها على فرصة جديدة يحتاجها لإطلاق يد الحكم في التعامل مع ملفاتٍ داخلية وخارجية حساسة تحتاج إلى الغطاء الشعبي الواسع. وإنه كان له ما أراد في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2018، لكنه وقع في مصيدة الانتخابات المحلية التي حملته خسارة فوق طاقته، وسلّة لا تفارقه على ظهره لا بد من التخلص منها مع أول فرصة انتخابية سانحة. حتى ولو تبنّى الجميع في تركيا لغة التهدئة والحوار، فهي مجرّد هدنةٍ لن تطول، كما يرى متابعون كثيرون في الداخل والخارج، فخسارة المدن الكبرى لا يمكن تمريرها بهذه السهولة، والاحتمال الأقرب سيبقى دائماً الصناديق مرة أخرى في انتخابات مبكّرة.
الرهان، كما يصوره بعضهم أيضا، هو على انشقاقات داخل الحزب الحاكم، بعد استقالة مجموعة من أهم قياداته، بينها أحمد داود أوغلو، ووزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان، وانضمام عدد كبير من القاعدة الشعبية للحزب إلى صفوف المعارضة، بانتظار ولادة حزبين سياسيين محافظين من رحم الحزب الأم، تفتح الطريق أمام تصعيد المعارضة بالذهاب المبكر إلى الصناديق. ولكن مشكلة من يتبنى هذا السيناريو هي تجاهله تقديرات استطلاعات الرأي الجديدة التي كانت قبل أشهر تعطي الحزبين الجديدين 15% من إجمالي الأصوات، وبحدود 9% من أصوات "العدالة والتنمية"، أنها تبدّلت بشكل كبير مع عملية "نبع السلام" العسكرية في شمال سورية، ونتائج زيارة الرئيس أردوغان الولايات المتحدة، ويقال إنها أعطته ما يريد من دعم وتأييد.
يواكب كل هذه النقاشات أيضا تساؤل جديد يتعلق برغبة أحزاب المعارضة في الوحدة، كما فعلت في شهري مارس/ آذار ويونيو/ حزيران في الانتخابات البلدية، وقدرتها على إقناع "حزب الشعوب الديمقراطي" (الكردي) بدعمها من الخارج مرة أخرى، من دون أي ثمن أو مكاسب مباشرة يجنيها، فجاء الرد السريع من قيادات حزب الشعوب التي كانت تريد المقاطعة السياسية، وسحب الكتلة البرلمانية والاستقالات الجماعية، ولكنها رضخت لمطلب الأكثرية الحزبية بالدعوة إلى انتخابات مبكرة فقط تعيد لها المدن والأقضية التي فازت بحق إدارة شؤونها بالدرجة الأولى، ولتذكر بقية أحزاب المعارضة أن المساومات ستنطلق من هذا المطلب.
الذريعة التي سيلعبها بعضهم ضد "تحالف الجمهور" هذه المرة هي مسألة عزل مزيد من
يلعب حزب العدالة والتنمية ورقة استرداد ما خسره من أصوات، والتمسّك بتحالفه مع حزب الحركة القومية في الأعوام المقبلة. ولذلك هو سيتحرّك باتجاه الإصلاحات الاقتصادية، وتحسين أرقام دخل الفرد ورفع المستويات الاجتماعية وإنجاز مشروع التعديلات القضائية، وإرضاء شريكه في مسألة إقرار العفو العام في البلاد. وهو في الخارج سيتطلع إلى تسريع خطة المنطقة الآمنة في شمال سورية، وتسهيل رجوع آلافٍ من اللاجئين إليها، والعودة إلى معادلة العلاقات المتوازنة بين أميركا وروسيا المعتمدة منذ عقود، وتضرّرت في العامين الأخيرين تحديدا. ولكن امتحان العدالة والتنمية الحقيقي في المرحلة المقبلة سيكون بين خياري كيف تستمر في إدارة شؤون الدولة وكيف تفوز في الانتخابات.
مشكلة الرئيس التركي أنه تعهد بتحليل نتائج الانتخابات المحلية، واستنتاج الدروس والعبر
كان زعيم المعارضة، كمال كيليشدار أوغلو، يردّد بعد إعلان نتائج انتخابات بلدية إسطنبول أن الدولة لا تتحمّل انتخابات جديدة مبكرة، وسط هذه الأزمات الاقتصادية والسياسية. وقد أعلنت قيادات "العدالة والتنمية" مواقف مشابهة أيضا، لكن احتمالات تغيير القرارات قائمة بالنسبة لكل طرف إذا ما شعر أن المعادلات تتغير لصالحه.
صحيح أن قرار الذهاب إلى الانتخابات بيد حزب العدالة والتنمية، لكن قرار الفوز مرتبط بقدرته على الإسراع في إنجاز عملية النقد الذاتي، والإجابة على سؤال أين أخطأنا؟ وهو ما لم يفعله على الرغم من مرور أشهر على هزيمة الانتخابات في المدن الكبرى. وصحيحٌ أن فرص أحزاب المعارضة وحظوظها في الوحدة تراجعت أخيرا، لكن ضمانات أن الانشقاقات المرتقبة في صفوف الحزب الحاكم لن تؤثر على ثقله الانتخابي والجماهيري غير متوافرة أيضا.
كانت قيادات المعارضة تقول في سبتمبر/ أيلول المنصرم إن المواطن هو الذي يريد الصناديق لأن الحزب الحاكم فشل في إخراج تركيا من أزماتها الداخلية والخارجية. ولكن قوى المعارضة تتابع حتما عن قرب تقارير استطلاعات الرأي في البلاد التي تقول إن عملية "نبع السلام" قلبت الحسابات رأسا على عقب، لصالح حزب العدالة ورئيسه أردوغان، وإن من الصعب أن يقنع حزب الشعوب أحدا بدعم مطلب التوجه إلى انتخابات مبكرة.
ترتفع أصوات المطالبين بانتخابات مبكرة في تركيا بين حين وآخر، والبلاد تحتاج فعلا إلى الخروج من أزمات داخلية وخارجية كثيرة، لكن الناخب التركي يعرف صعوبة إخراج البديل من الصناديق في هذه المرحلة، وهو لن ينجرّ وراء خيارٍ من هذا النوع. قرار التوجه إلى الصناديق وسط هذه الظروف والأجواء انتحار حزبي وسياسي للحكم والمعارضة على السواء.