06 نوفمبر 2024
اتفاق الرياض.. تهشيم أصابع اليمن
تُفضي التفاهمات السياسية في اليمن حيال إعادة صياغة السلطة إلى اندلاع دورات الصراع المحلية، إذ يكاد يكون ذلك نمطاً واضحاً، حيث تأتي هذه الاتفاقيات بحلول آنية، صاغتها تفاهمات فوقية لا تعكس إرادة اليمنيين، لذا فشلت في تفكيك الأزمات العميقة التي حكمت منظومة السلطة في اليمن، ومن ثم رحّلت المشكلات الوطنية، في مقابل أنصاف حلول لتوسيع السلطة، بحيث تشمل قوى سياسية تم استبعادها سابقاً، وأنتج ذلك نظاماً سياسياً مختلاً لصالح طرف سياسي ضد آخر، أو أطراف سياسية متحالفة فرضت، في النهاية، غلبةً من نوع آخر. بالتالي، كانت بنود هذه الاتفاقيات أو النتائج السياسية المترتبة عليها سبباً في اندلاع الحروب مجدّداً، إذ لم تمنع وثيقة "العهد والاتفاق"، الموقعة في عمّان في يناير/ كانون الثاني 1994، الرئيس السابق علي عبدالله صالح من شن حرب على جنوب اليمن في منتصف التسعينات، فيما أفضت المبادرة الخليجية إلى فرض نظام المحاصصة السياسية بين الأحزاب المشاركة في الثورة في منظومة السلطة اليمنية، في مقابل إزاحة حزب المؤتمر الشعبي العام برئاسة صالح. جميعها عوامل أدت إلى تحالفه مع جماعة الحوثي التي انقلبت بعد ذلك على سلطة المرحلة الانتقالية، وفرضت بالقوة العسكرية اتفاق "السلم والشراكة"، بحيث كرّس ذلك غلبتها على القوى السياسية اليمنية، ومن ثم زحفت على المدن اليمنية، وترتب على ذلك استدعاء الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى السعودية لاستعادة السلطة من المتمرّدين، ومن ثم توسعت رقعة الحرب التي يشهدها اليمن، وتحول إلى ساحة لصراع إقليمي.
في سياق أكثر تعقيداً للحرب في اليمن، وإنْ في سياق الحرب الشاملة، وليس بعيداً عن الصراع المتجدّد والعقيم حيال صياغة السلطة، وقع فرقاء السلطة في جنوب اليمن في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي على "اتفاقية الرياض"، والتي هدفت إلى إعادة تشكيل السلطة الشرعية لتضم
المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، إلى قوامها، حيث تضمّنت ملحقاً سياسياً واقتصادياً يقضي بتقاسم الحكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، مع بقاء رئيس الوزراء الحالي في منصبه، وترحيل موارد الدولة إلى البنك المركزي في عدن، بحيث يتولى دفع رواتب موظفي الدولة في المناطق المحرّرة، كما تضمنت الاتفاقية ملحقاً أمنياً وعسكرياً قضى بانسحاب القوات العسكرية والأحزمة الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي من مدينة عدن، وكذلك القوات التابعة للشرعية التي أتت من خارج المدن إلى معسكراتها، وتسليم حماية مدينة عدن لشرطة المدينة التي ستتم إعادة تشكيلها من قوات الطرفين، مع بقاء قوات الحماية الرئاسية لحماية الرئيس هادي، في مقابل تكفل قوات سعودية بحماية قادة المجلس الانتقالي في عدن، مع تطبيع الوضع نفسه في المحافظات الجنوبية الأخرى، فيما تشرف لجنة منبثقة عن اتفاق الرياض برئاسة السعودية على إعادة توزيع القوات العسكرية والأمنية، بما في ذلك مراقبة استيعاب القوات التابعة للانتقالي في قوام المؤسسة العسكرية اليمنية ووزارة الداخلية. كما نصّت الاتفاقية على أن يكون المجلس الانتقالي طرفاً ثالثاً في المفاوضات السياسية القادمة بين السلطة الشرعية وجماعة الحوثي لتسوية الأزمة اليمنية.
وبعيداً عن حماسة الرعاة الإقليميين في تثمينهم اتفاق الرياض، والولاء العجيب لوكلائهم المحليين في قبولهم أي تفاهماتٍ سياسيةٍ تفرضها هذه الأطراف، حتى لو كانت تنقص من صلاحيات بعضهم، فإن تقييم اتفاق الرياض يأتي من أسباب فشله التي لا تكمن فقط في صعوبة تنفيذ بنوده على الواقع، ولا في أن الاتفاق أملته قوة السلاح وتفاهمات القوى المتدخلة، لا أرضية تفاهمية يمنية - يمنية، وإنما في النتائج التي سيترتب عليها في الواقع، إذ إن نجاح أي اتفاقية ينهض من خلخلتها الأوضاع السياسية والعسكرية، لا في تكريسها أسباب الصراع، بينما عكس اتفاق الرياض اختلال موازين القوى السياسية والعسكرية لصالح المجلس الانتقالي على حساب السلطة الشرعية، حيث فرض غلبته العسكرية واستقواءه بوكيله الإقليمي في صياغة شكل السلطة الشرعية وقوامها، وتمظهر ذلك في المكاسب السياسية التي استقطعها الانتقالي من الشرعية، إذ بدت سلطة الرئيس هادي مقيدة وشبه منزوعة، بحيث استجابت لإملاءات وكيلها السعودي الذي ساوى بينها والمجلس الانتقالي كطرفي نزاع. ومن جهة أخرى، انتزع المجلس الانتقالي الجنوبي اعترافا رسميا من سلطة هادي به قوة عسكرية وسياسية وحيدة في جنوب اليمن، قادرة إن أرادت، ومتى أرادت، ليس فقط على تجريده من سلطته في جنوب اليمن، وإنما في صياغته مطالب الشارع الجنوبي في المفاوضات النهائية. كما أكدت بنود الاتفاقية على الثقل السياسي للوكيل الإقليمي للمجلس الانتقالي، إذ فرضت الإمارات شروطها السياسية، لتمكين حليفها الانتقالي من السلطة الشرعية، خيارا تكتيكيا مرحليا، إضافة إلى فرضه ممثلا وحيدا للجنوب في المفاوضات الشاملة، فيما كانت مهمة الوكيل السعودي منح المجلس الانتقالي شرعية سياسية. كما أن فرض المحاصصة المناطقية في شكل السلطة بين الشمال والجنوب هو تكريس آخر لصراع مناطقي، ولا يشكل حلاً جذرياً للقضية الجنوبية، إضافة إلى أن دمج القوات التابعة للمجلس الانتقالي في المؤسسة العسكرية لا يزيل ولاءاتها العقائدية والمناطقية، وهو ما قد يعني استمرار دورة الصراع.
إعادة صياغة سلطة الشرعية بالمضامين التي ستترتب عليها اتفاقية الرياض لا تعني تقاسما يمنيا - يمنيا للسلطة، إلا شكلياً، إذ إنها في المحصلة سلطة سعودية - إماراتية جديدة تدير اليمن في
المرحلة المقبلة، وحتى في حال فرضت التسوية الشاملة، إذ نجحت السعودية في إزاحة كل الشخصيات والقوى المنضوية في إطار الشرعية التي، مع تحفظاتنا على أدائها واستغلالها للصراع اليمني ــ الإماراتي لتحقيق أجنداتها، إلا أنها تطالب بضرورة تحديد وظيفة دول التحالف العربي في اليمن، بما يؤدي إلى تحديد العلاقة مع السعودية، ومن ثم الإمارات، قائمة على الشراكة، لا التبعية والوصاية، ومن ثم ضمنت السعودية والإمارات فرض سيطرتهما على السلطة الشرعية وتوجيهها بمقتضى أولوياتهما السياسية في اليمن والإقليم، إذ جاءت صيغة السلطة الحالية حسما أخيرا لسلطة الشرعية التي ظلت، إلى حد ما، تغرد خارج إرادة السعودية، لصالح التوافق السعودي - الإماراتي في إدارة اليمن، إذ لم يؤكد استمرار معين عبد الملك في رئاسة الحكومة المقبلة، كما نص اتفاق الرياض، سوى تثبيت سلطة رجل التوافق الإماراتي - السعودي في اليمن. كما أن إعادة تموضع القوات السعودية في مدينة عدن، وتعزيز قواتها العسكرية وإحلالها بدلاً عن القوات الإماراتية، تعني سيطرة عسكرية سعودية على مدينة عدن ومدن الجنوب الأخرى ذات الأهمية الاقتصادية. كما أن إعادة انتشار القوات الإماراتية في المناطق الجنوبية الأخرى، يتني تجذير وجودها في تلك المناطق، ما يؤدي، في النهاية، إلى نزع سلطة هادي ليس من عدن فقط، وإنما من جميع المناطق الجنوبية الأخرى.
الصلافة السعودية - الإماراتية في بسط هيمنتهما على اليمن، من خلال استثمارهما تناقضات صراع الفرقاء في اليمن، ولا وطنية وكلائهما، تتبدّى أكثر في الصلاحيات التي حصلتا عليها بموجب اللجنة المنبثقة عن اتفاق الرياض التي ترأسها السعودية بمشاركة الإمارات؛ إذ تتعدّى صلاحياتها عمل أي لجنة مراقبة إلى مهام خطيرة، وهو ما جعلها، بحسب المهام الموكلة إليها، السلطة الفعلية التي ستدير منظومة السلطة الشرعية اليمنية، فقد نقلت إلى مهامها المسؤولية المباشرة في إدارة الحياة السياسية والأمنية والعسكرية في جنوب اليمن، بما في ذلك إدارة العلاقة بين السلطة الشرعية والمكونات السياسية الأخرى. وربما الأخطر هو أن تتولى السعودية الإشراف المباشر على دمج القوات العسكرية والأمنية التابعة للمجلس الانتقالي في إطار وزارة الداخلية والدفاع، ما يعني إعادة تشكيل الجيش التابع للرئيس هادي، كما قضت بذلك مضامين اتفاقية الرياض، أي سيطرة السعودية المباشرة على الجيش اليمني، بحيث يكون أداةً في تحقيق أجندتها السياسية في اليمن، في المرحلتين، الحالية والمستقبلية، وهو ما يعني تحييد أو إزاحة أي نواة لتخَلُق محتمل لجيش وطني يمني، ومن ثم تحويله قوة عسكرية تحتكم لقوة أجنبية، وهو ما يضيف مشكلةً جذرية للجيش اليمني، إضافة إلى مشكلة الجيش التابع لجماعة الحوثي.
استدعى اتفاق "5 نوفمبر" الجديد في أذهان اليمنيين اتفاق 5 نوفمبر 1967 سيئ الصيت، الذي أطاح أول رئيس جمهورية في اليمن الشمالي، المشير عبدالله السلال، وفق تفاهمات سعودية - مصرية حينها، حدّدت ليس فقط مصير الجمهورية في اليمن، وإنما أيضاً جذر المشكلات بين القوى الوطنية اليمنية، أفضت إلى دورات عنفٍ محليةٍ متجدّدة، بيد أن السلطة الجديدة المنبثقة عن اتفاق الرياض تتجاوز كوارثها استمرار الصراع على السلطة في اليمن إلى فرض سلطةٍ لا وطنية، صيغت وفق خيار سعودي - إماراتي مريح يضمن هيمنتهما على اليمن وإرادة اليمنيين، ربما لأجيال قادمة.
وبعيداً عن حماسة الرعاة الإقليميين في تثمينهم اتفاق الرياض، والولاء العجيب لوكلائهم المحليين في قبولهم أي تفاهماتٍ سياسيةٍ تفرضها هذه الأطراف، حتى لو كانت تنقص من صلاحيات بعضهم، فإن تقييم اتفاق الرياض يأتي من أسباب فشله التي لا تكمن فقط في صعوبة تنفيذ بنوده على الواقع، ولا في أن الاتفاق أملته قوة السلاح وتفاهمات القوى المتدخلة، لا أرضية تفاهمية يمنية - يمنية، وإنما في النتائج التي سيترتب عليها في الواقع، إذ إن نجاح أي اتفاقية ينهض من خلخلتها الأوضاع السياسية والعسكرية، لا في تكريسها أسباب الصراع، بينما عكس اتفاق الرياض اختلال موازين القوى السياسية والعسكرية لصالح المجلس الانتقالي على حساب السلطة الشرعية، حيث فرض غلبته العسكرية واستقواءه بوكيله الإقليمي في صياغة شكل السلطة الشرعية وقوامها، وتمظهر ذلك في المكاسب السياسية التي استقطعها الانتقالي من الشرعية، إذ بدت سلطة الرئيس هادي مقيدة وشبه منزوعة، بحيث استجابت لإملاءات وكيلها السعودي الذي ساوى بينها والمجلس الانتقالي كطرفي نزاع. ومن جهة أخرى، انتزع المجلس الانتقالي الجنوبي اعترافا رسميا من سلطة هادي به قوة عسكرية وسياسية وحيدة في جنوب اليمن، قادرة إن أرادت، ومتى أرادت، ليس فقط على تجريده من سلطته في جنوب اليمن، وإنما في صياغته مطالب الشارع الجنوبي في المفاوضات النهائية. كما أكدت بنود الاتفاقية على الثقل السياسي للوكيل الإقليمي للمجلس الانتقالي، إذ فرضت الإمارات شروطها السياسية، لتمكين حليفها الانتقالي من السلطة الشرعية، خيارا تكتيكيا مرحليا، إضافة إلى فرضه ممثلا وحيدا للجنوب في المفاوضات الشاملة، فيما كانت مهمة الوكيل السعودي منح المجلس الانتقالي شرعية سياسية. كما أن فرض المحاصصة المناطقية في شكل السلطة بين الشمال والجنوب هو تكريس آخر لصراع مناطقي، ولا يشكل حلاً جذرياً للقضية الجنوبية، إضافة إلى أن دمج القوات التابعة للمجلس الانتقالي في المؤسسة العسكرية لا يزيل ولاءاتها العقائدية والمناطقية، وهو ما قد يعني استمرار دورة الصراع.
إعادة صياغة سلطة الشرعية بالمضامين التي ستترتب عليها اتفاقية الرياض لا تعني تقاسما يمنيا - يمنيا للسلطة، إلا شكلياً، إذ إنها في المحصلة سلطة سعودية - إماراتية جديدة تدير اليمن في
الصلافة السعودية - الإماراتية في بسط هيمنتهما على اليمن، من خلال استثمارهما تناقضات صراع الفرقاء في اليمن، ولا وطنية وكلائهما، تتبدّى أكثر في الصلاحيات التي حصلتا عليها بموجب اللجنة المنبثقة عن اتفاق الرياض التي ترأسها السعودية بمشاركة الإمارات؛ إذ تتعدّى صلاحياتها عمل أي لجنة مراقبة إلى مهام خطيرة، وهو ما جعلها، بحسب المهام الموكلة إليها، السلطة الفعلية التي ستدير منظومة السلطة الشرعية اليمنية، فقد نقلت إلى مهامها المسؤولية المباشرة في إدارة الحياة السياسية والأمنية والعسكرية في جنوب اليمن، بما في ذلك إدارة العلاقة بين السلطة الشرعية والمكونات السياسية الأخرى. وربما الأخطر هو أن تتولى السعودية الإشراف المباشر على دمج القوات العسكرية والأمنية التابعة للمجلس الانتقالي في إطار وزارة الداخلية والدفاع، ما يعني إعادة تشكيل الجيش التابع للرئيس هادي، كما قضت بذلك مضامين اتفاقية الرياض، أي سيطرة السعودية المباشرة على الجيش اليمني، بحيث يكون أداةً في تحقيق أجندتها السياسية في اليمن، في المرحلتين، الحالية والمستقبلية، وهو ما يعني تحييد أو إزاحة أي نواة لتخَلُق محتمل لجيش وطني يمني، ومن ثم تحويله قوة عسكرية تحتكم لقوة أجنبية، وهو ما يضيف مشكلةً جذرية للجيش اليمني، إضافة إلى مشكلة الجيش التابع لجماعة الحوثي.
استدعى اتفاق "5 نوفمبر" الجديد في أذهان اليمنيين اتفاق 5 نوفمبر 1967 سيئ الصيت، الذي أطاح أول رئيس جمهورية في اليمن الشمالي، المشير عبدالله السلال، وفق تفاهمات سعودية - مصرية حينها، حدّدت ليس فقط مصير الجمهورية في اليمن، وإنما أيضاً جذر المشكلات بين القوى الوطنية اليمنية، أفضت إلى دورات عنفٍ محليةٍ متجدّدة، بيد أن السلطة الجديدة المنبثقة عن اتفاق الرياض تتجاوز كوارثها استمرار الصراع على السلطة في اليمن إلى فرض سلطةٍ لا وطنية، صيغت وفق خيار سعودي - إماراتي مريح يضمن هيمنتهما على اليمن وإرادة اليمنيين، ربما لأجيال قادمة.