24 أكتوبر 2024
حركة "تحيا تونس".. سياقات التأسيس وأسئلة الخلفية والأدوار
أثار الإعلان عن تأسيس حزب سياسي جديد، قريب من رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، اهتمامًا كبيرًا في تونس وخارجها، مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية المتوقع إجراؤها أواخر العام الجاري. ويتركز الاهتمام حول الهوية السياسية للحزب الجديد، ودوره في تعزيز موقع رئيس الحكومة في صراعه مع رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، وطبيعة التحالفات والتوافقات التي سيعقدها لكسب مواقع متقدمة في المشهد السياسي التونسي بعد الانتخابات.
تأسيس أم إعادة هيكلة؟
بعد أشهر من التعبئة المدفوعة الثمن على صفحات التواصل الاجتماعي، وبعد اجتماعات تمهيدية في مدن عدة، غصت قاعة المؤتمرات في مدينة المنستير في 27 كانون الثاني/ يناير 2019 بالمشاركين القادمين من مختلف أنحاء البلاد، لحضور الاجتماع التأسيسي لحزب "تحيا تونس" الذي دعت إليه كتلة "الائتلاف الوطني" الموالية لرئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في البرلمان، إضافةً إلى قياديين منسحبين من حزب نداء تونس. وعلى الرغم من الحرص على اجتناب الإشارة إلى السياق العام الذي هيأ الأرضية لظهور الكيان الحزبي الجديد؛ أي الصراع بين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ومن بقي معه من حزب نداء تونس من جهة، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد والمنسحبين من النداء من جهة ثانية، فإن دلالات الاجتماع والنقاط الواردة في البيان الختامي تشير إلى أن الكيان الجديد ليس في جوهره إلا حزب نداء تونس باسم جديد، وبنيةٍ تنظيميةٍ جديدة، في مرحلةٍ سياسيةٍ تختلف في بعض تفاصيلها عن مرحلة تأسيس النداء عام 2012.
أكد البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الذي عقدته حركة تحيا تونس أنها "تتأسس على المفاهيم والقيم الحضارية التونسية الوسطية الحداثية والمتفتحة على الثقافة الإنسانية الكونية التقدمية"، وأنها "متمسّكة بإرث الحركة الإصلاحية التونسية ورائدات الكفاح النسوي". ويتماهى هذا الخطاب مع الخطاب الذي اعتمده حزب نداء تونس منذ تأسيسه، وخصوصا في المحطات السياسية والانتخابية في معرض تمييز خطه السياسي ومرجعيته الفكرية والثقافية والاجتماعية عن المرجعية التي تمثلها حركة النهضة. وفي هذا السياق، أيضًا، وعلى غرار ما فعل مؤسسو "نداء تونس" قبلهم، لم يَفُت مؤسسو "تحيا تونس" الاستثمار في رأسمال رمزي متمثل في "البورقيبية"؛ إذ شهدت القاعة كثافةً في رفع صور الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة جنبًا إلى جنب مع صور يوسف الشاهد.
لم تكن المرجعية السياسية والثقافية المعلنة من حركة تحيا تونس القرينة الوحيدة الدالّة على
أنها، إلى حد بعيد، حزب نداء تونس في هيكل تنظيمي جديد، فالوجوه القيادية التي تقف وراء الحركة، على غرار ناشطيها، كانت تتبوأ في معظمها مواقع في النداء، إذ تشكلت كتلة "الائتلاف الوطني" (كتلة حركة تحيا تونس) من النواب المنسحبين من كتلة النداء. أما بقية القيادات، فأغلبها من القيادات التي نزحت من النداء، ومن بينها سليم العزابي الذي عُين منسقًا مؤقتًا للحركة، وقد كان قياديًا في النداء، ومديرًا سابقًا لمكتب الرئيس السبسي، ورئيسًا تنفيذيًا لحملته الانتخابية.
وعلى الرغم من ظهور بعض الوجوه الجديدة التي لم يُعرف عنها انتماءٌ سابقٌ إلى حزب نداء تونس في اجتماع المنستير. وعلى الرغم من توقع انضمام بعض النخب اليسارية والنقابية أو اندماج أحزاب صغرى في حزب الشاهد، فإن الهوية العامة للحزب، مرجعيةً وخطابًا وقيادات وقواعد، تشير إلى أنه أقرب ما يكون إلى عملية صياغةٍ جديدةٍ لحزب النداء، وفي أقصى الأحوال، هو إعادة بناء داخل المربع السياسي نفسه لا ترقى إلى مرتبة التأسيس والقطع. وبناءً على ما سبق، تقع أغلب النقاط التي أكّدها البيان الختامي لاجتماع 27 كانون الثاني/ يناير في إطار التجاذب ومحاولة تأكيد الاختلاف عن حزب نداء تونس؛ تأكيدا على أن الحركة "تقطع مع التسلط [...] وتعتمد الحوار والاختيار الحر والديمقراطية [...] وتختار قياداتها المحلية والجهوية والوطنية بالانتخاب [...] وتعمل على قطع دابر الفساد بكل أنواعه وأشكاله"، وكلها إشاراتٌ ضمنيةٌ إلى انفراد جناح الرئيس السبسي ونجله في حزب النداء بالرأي وعلاقتهم بالفاسدين، وهي أهم الأسباب التي يطرحها الشاهد وجناحه، لتبرير مغادرتهم حزبهم الأم وبعث الحزب الجديد.
صراع انتخابي مبكر
من خلال الإعلان عن حركة تحيا تونس، يكون رئيس الحكومة يوسف الشاهد قد فك الارتباط، نهائيًا، بالرئيس السبسي وحزبه، بعد أن ظل بعض المتابعين يعوّلون على إمكانية الوصول إلى توافق بينهما، أو على الأقل حسم الصراع داخل الحزب لصالح أحدهما. ومن خلال الإعلان عن المولود الحزبي الجديد، يدخل الصراع بين رأسَي السلطة التنفيذية طورًا جديدًا قبل بضعة أشهر فقط من الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي يبدو أن هذا الحراك كلّه، وما يدور على هوامشه، مرتبطان بها؛ على نحوٍ مباشر أو غير مباشر. فمنذ حَسْم الشاهد أَمْرَ فك ارتباطه بالنداء، صعّد الرئيس السبسي حدّة خطابه الموجه إلى رئيس الحكومة. وفي حوار نشر في أثناء انعقاد اجتماع حركة "تحيا تونس"، اعتبر السبسي أن الشاهد لا يستمد قوته من كتلته البرلمانية "الائتلاف الوطني"، بل من حركة النهضة، وأنه من دون مساندة "النهضة" لا وزن له، ولن يكون قادرًا على المحافظة على موقعه الحالي، مضيفًا أن حركة تحيا تونس، هي أصلًا من بنات أفكار "النهضة" التي "فهمت طموحه وتعاملت معه بذكاء، ودفعته إلى تكوين حزب جديد يشاركها الحكم بعد انتخابات 2019"، وأن "راشد الغنوشي سيدعمه في السر ليترشح لرئاسة الجمهورية"، وأن تكوين حزب الشاهد "قد ساهم في تأخير التمشي الديمقراطي للبلاد".
تعبّر هذه التصريحات عن خيبة أملٍ كبيرةٍ يشعر بها الرئيس السبسي الذي كان وراء اقتراح
الشاهد لرئاسة الحكومة، صيف عام 2016. كما أن نظرة السبسي إلى نفسه، بصفته سياسيًا مخضرمًا تمتد تجربته أكثر من ستة عقود، ونظرته إلى الشاهد، القادم حديثًا إلى معترك السياسة، تضاعفان من حدة هذا الشعور. والواقع أن تصريحات الرئيس السبسي تنطوي على مبالغةٍ في الحديث عن نفوذ "النهضة" في حكومة الشاهد التي لا تمتلك فيها إلا عددًا محدودًا من الوزراء، فقد استفاد الشاهد من "النهضة" أكثر مما استفادت هي منه، ولولا دَعْم "النهضة" حكومتَة في البرلمان لسقطت هذه الحكومة؛ فحركة النهضة لا تسيطر على الحكومة. أمّا تصريحات السبسي، فهي انتخابية أساسًا، وهي تهدف إلى العودة إلى استحضار الفرز الهوياتي واصطفافات ما قبل انتخابات 2014، من خلال تقديم نفسه ومشروعه بوصفهما بديلًا من "النهضة" وحلفائها، على الرغم من أن أغلب التسريبات تستبعد أن يكون الشاهد ضمن المشاركين في السباق الرئاسي هذا العام، وأنه يعوّل، من خلال بعث حزبه الجديد، على تحقيق نتيجة مشابهة لما أحرزه "نداء تونس" في الانتخابات البرلمانية لعام 2014؛ ما يؤهلّه لرئاسة الحكومة خلال دورة جديدة، في حين تشير بعض المعطيات إلى أن لدى حركة النهضة بدائل أخرى في الانتخابات الرئاسية، ليس من بينها يوسف الشاهد. لكن الأشهر الثمانية التي تفصلنا عن الانتخابات تمثل حيزًا زمنيًا كافيًا لتعديل كثير من حسابات المشهد الحالي، كما عدّلت حسابات سابقة بسرعة غير متوقعة؛ من بينها فضّ التوافق بين السبسي و"النهضة"، ودخول "حركة مشروع تونس" حكومة الشاهد، على الرغم من مواقفه الراديكالية السابقة الرافضة أي شراكة أو توافق مع حركة النهضة.
وفي هذا السياق أيضًا، يبدو الحديث عن تصدر حركة تحيا تونس المشهد السياسي في انتخابات 2019 سابقًا لأوانه. فاستنساخ تجربة حزب نداء تونس، في كثير من تفاصيلها، في الكيان الحزبي الجديد ربما لا يكون، بالضرورة عامل قوة، وربما ينقل الصراعات التي أنهكت الحزب الأم واستنزفته إلى المشروع الجديد. وقد ظهرت أولى بوادر ذلك، حتى قبل الحصول على الترخيص القانوني للحركة، وهو ما اضطرّ القيادة إلى إصدار بيانٍ تؤكد فيه أن ما يفعله بعض ناشطي الحركة في عدد من الجهات لا يُلزمها في شيء، داعية إياهم إلى "التزام اليقظة والانضباط حمايةً للحركة من كل انزلاق وزيغٍ عن المبادئ الديمقراطية، والاستعداد للمشاركة في إتمام بقية المراحل بنفس الروح البناءة التي انطلقوا بها". وإلى جانب ذلك، يثير غياب مشروع سياسي يؤلف بين المنضمين إلى الحركة التساؤل عن مدى قدرتها على احتواء خليطٍ غير متجانس؛ إذ لا تكفي "كاريزما" الشاهد وحدها لتمثّل مشتركًا قابلًا للاستمرار، وهو ما تأكَّد من خلال تجربة الرئيس السبسي، وسرعة تفرُّق من اجتمعوا حوله عام 2014.
وفي الجهة المقابلة، تتزايد المؤشرات الدالة على أن الرئيس السبسي قد يكون حسم أمرَ
مشاركته في السباق الرئاسي. وعلى الرغم من حرصه، في أكثر من مناسبة، على إبقاء قدر من الغموض بشأن الترشّح أو عدمه، فمن الواضح أنه لن يُسلِّم بانتصار خصومه من خلال تأكيد أنه ينتظر ما سيقرّره المؤتمر القادم لحزبه بخصوص ممثله في الانتخابات الرئاسية. وفي السياق ذاته، لا يستبعد مراقبون أن يكون الرئيس وطاقمه على صلةٍ بالمشاورات الجارية بين عدد من السياسيين والوزراء السابقين الذين وجدوا أنفسهم خارج حكومة الشاهد؛ بهدف تشكيل مبادرة سياسية تحت مسمّى "الالتقاء الوطني للإنقاذ"، تضع على عاتقها مهمة تعديل "النظام السياسي بعد أن ثبت عجز النظام الحالي عن ضمان استقرار السلطة التنفيذية ووحدتها"، ما يعني العودة إلى النظام الرئاسي، وهو مطلبٌ ما انفكّ السبسي يردّده، في أكثر من مناسبة. أما بالنسبة إلى حركة النهضة، فهي تواصل سياسة الحذر. وعلى الرغم من النقد اللاذع الذي وجهه الرئيس السبسي للحركة، منذ فكّ التوافق معها، وحتى قبل ذلك، فإن "النهضة" ظلت حريصةً على التذكير بأن التوافق، بحسب رؤيتها، خيار إستراتيجي وليس تكتيكيًا، وأن هذا الخيار يجب أن يستمر بعد الانتخابات المقبلة. وتدرك حركة النهضة أنه على الرغم من صورتها الإيجابية دوليًا، بوصفها عامل استقرار وتوافق، فإن التحفظات الإقليمية (من جانب السعودية، والإمارات، ومصر) عن حجم مشاركتها في السلطة تظل قائمةً في المدى المنظور؛ لذا يُتوقع أن تتواصل حساباتها الحذرة. وفي هذا السياق، يُتوقع أيضًا أن تلجأ الحركة إلى دعم أحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية، بدلًا من ترشيح أحد قادتها، من دون أن تغفل أن الرئيس السبسي لم يعد خيارًا كما كان في انتخابات 2014.
خاتمة
بعد كسب رئيس الحكومة يوسف الشاهد معركة الثقة في البرلمان، قبل أشهر، ثم مضيّه في خيار القطيعة تنظيميًا مع حزب نداء تونس، وتأسيس حزب جديد، يكون قد دشّن مرحلة جديدة من صراعه مع رئيس الجمهورية الذي فقد أغلب الأوراق التي منحته الفوز في انتخابات 2014. ويدخل الشاهد مرحلة ما قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية بأغلبيةٍ برلمانيةٍ مريحة، بفضل دعم حركة النهضة الاستقرار الحكومي، بكيان حزبي يسعى مؤسّسوه إلى كسب موقع متقدم في الانتخابات البرلمانية، غير أن كل هذه المؤشرات والحسابات تظل رهينة ثبات المشهد الحالي، وهو مشهدٌ قابل للتغيير؛ في حال تعثُّر المشروع الحزبي الجديد، وفي حال تغيُّر التوافقات والخيارات قبل انتخابات 2019، من دون إغفال تأثير التدخل الإقليمي وأدواته.
تأسيس أم إعادة هيكلة؟
بعد أشهر من التعبئة المدفوعة الثمن على صفحات التواصل الاجتماعي، وبعد اجتماعات تمهيدية في مدن عدة، غصت قاعة المؤتمرات في مدينة المنستير في 27 كانون الثاني/ يناير 2019 بالمشاركين القادمين من مختلف أنحاء البلاد، لحضور الاجتماع التأسيسي لحزب "تحيا تونس" الذي دعت إليه كتلة "الائتلاف الوطني" الموالية لرئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في البرلمان، إضافةً إلى قياديين منسحبين من حزب نداء تونس. وعلى الرغم من الحرص على اجتناب الإشارة إلى السياق العام الذي هيأ الأرضية لظهور الكيان الحزبي الجديد؛ أي الصراع بين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ومن بقي معه من حزب نداء تونس من جهة، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد والمنسحبين من النداء من جهة ثانية، فإن دلالات الاجتماع والنقاط الواردة في البيان الختامي تشير إلى أن الكيان الجديد ليس في جوهره إلا حزب نداء تونس باسم جديد، وبنيةٍ تنظيميةٍ جديدة، في مرحلةٍ سياسيةٍ تختلف في بعض تفاصيلها عن مرحلة تأسيس النداء عام 2012.
أكد البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الذي عقدته حركة تحيا تونس أنها "تتأسس على المفاهيم والقيم الحضارية التونسية الوسطية الحداثية والمتفتحة على الثقافة الإنسانية الكونية التقدمية"، وأنها "متمسّكة بإرث الحركة الإصلاحية التونسية ورائدات الكفاح النسوي". ويتماهى هذا الخطاب مع الخطاب الذي اعتمده حزب نداء تونس منذ تأسيسه، وخصوصا في المحطات السياسية والانتخابية في معرض تمييز خطه السياسي ومرجعيته الفكرية والثقافية والاجتماعية عن المرجعية التي تمثلها حركة النهضة. وفي هذا السياق، أيضًا، وعلى غرار ما فعل مؤسسو "نداء تونس" قبلهم، لم يَفُت مؤسسو "تحيا تونس" الاستثمار في رأسمال رمزي متمثل في "البورقيبية"؛ إذ شهدت القاعة كثافةً في رفع صور الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة جنبًا إلى جنب مع صور يوسف الشاهد.
لم تكن المرجعية السياسية والثقافية المعلنة من حركة تحيا تونس القرينة الوحيدة الدالّة على
وعلى الرغم من ظهور بعض الوجوه الجديدة التي لم يُعرف عنها انتماءٌ سابقٌ إلى حزب نداء تونس في اجتماع المنستير. وعلى الرغم من توقع انضمام بعض النخب اليسارية والنقابية أو اندماج أحزاب صغرى في حزب الشاهد، فإن الهوية العامة للحزب، مرجعيةً وخطابًا وقيادات وقواعد، تشير إلى أنه أقرب ما يكون إلى عملية صياغةٍ جديدةٍ لحزب النداء، وفي أقصى الأحوال، هو إعادة بناء داخل المربع السياسي نفسه لا ترقى إلى مرتبة التأسيس والقطع. وبناءً على ما سبق، تقع أغلب النقاط التي أكّدها البيان الختامي لاجتماع 27 كانون الثاني/ يناير في إطار التجاذب ومحاولة تأكيد الاختلاف عن حزب نداء تونس؛ تأكيدا على أن الحركة "تقطع مع التسلط [...] وتعتمد الحوار والاختيار الحر والديمقراطية [...] وتختار قياداتها المحلية والجهوية والوطنية بالانتخاب [...] وتعمل على قطع دابر الفساد بكل أنواعه وأشكاله"، وكلها إشاراتٌ ضمنيةٌ إلى انفراد جناح الرئيس السبسي ونجله في حزب النداء بالرأي وعلاقتهم بالفاسدين، وهي أهم الأسباب التي يطرحها الشاهد وجناحه، لتبرير مغادرتهم حزبهم الأم وبعث الحزب الجديد.
صراع انتخابي مبكر
من خلال الإعلان عن حركة تحيا تونس، يكون رئيس الحكومة يوسف الشاهد قد فك الارتباط، نهائيًا، بالرئيس السبسي وحزبه، بعد أن ظل بعض المتابعين يعوّلون على إمكانية الوصول إلى توافق بينهما، أو على الأقل حسم الصراع داخل الحزب لصالح أحدهما. ومن خلال الإعلان عن المولود الحزبي الجديد، يدخل الصراع بين رأسَي السلطة التنفيذية طورًا جديدًا قبل بضعة أشهر فقط من الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي يبدو أن هذا الحراك كلّه، وما يدور على هوامشه، مرتبطان بها؛ على نحوٍ مباشر أو غير مباشر. فمنذ حَسْم الشاهد أَمْرَ فك ارتباطه بالنداء، صعّد الرئيس السبسي حدّة خطابه الموجه إلى رئيس الحكومة. وفي حوار نشر في أثناء انعقاد اجتماع حركة "تحيا تونس"، اعتبر السبسي أن الشاهد لا يستمد قوته من كتلته البرلمانية "الائتلاف الوطني"، بل من حركة النهضة، وأنه من دون مساندة "النهضة" لا وزن له، ولن يكون قادرًا على المحافظة على موقعه الحالي، مضيفًا أن حركة تحيا تونس، هي أصلًا من بنات أفكار "النهضة" التي "فهمت طموحه وتعاملت معه بذكاء، ودفعته إلى تكوين حزب جديد يشاركها الحكم بعد انتخابات 2019"، وأن "راشد الغنوشي سيدعمه في السر ليترشح لرئاسة الجمهورية"، وأن تكوين حزب الشاهد "قد ساهم في تأخير التمشي الديمقراطي للبلاد".
تعبّر هذه التصريحات عن خيبة أملٍ كبيرةٍ يشعر بها الرئيس السبسي الذي كان وراء اقتراح
وفي هذا السياق أيضًا، يبدو الحديث عن تصدر حركة تحيا تونس المشهد السياسي في انتخابات 2019 سابقًا لأوانه. فاستنساخ تجربة حزب نداء تونس، في كثير من تفاصيلها، في الكيان الحزبي الجديد ربما لا يكون، بالضرورة عامل قوة، وربما ينقل الصراعات التي أنهكت الحزب الأم واستنزفته إلى المشروع الجديد. وقد ظهرت أولى بوادر ذلك، حتى قبل الحصول على الترخيص القانوني للحركة، وهو ما اضطرّ القيادة إلى إصدار بيانٍ تؤكد فيه أن ما يفعله بعض ناشطي الحركة في عدد من الجهات لا يُلزمها في شيء، داعية إياهم إلى "التزام اليقظة والانضباط حمايةً للحركة من كل انزلاق وزيغٍ عن المبادئ الديمقراطية، والاستعداد للمشاركة في إتمام بقية المراحل بنفس الروح البناءة التي انطلقوا بها". وإلى جانب ذلك، يثير غياب مشروع سياسي يؤلف بين المنضمين إلى الحركة التساؤل عن مدى قدرتها على احتواء خليطٍ غير متجانس؛ إذ لا تكفي "كاريزما" الشاهد وحدها لتمثّل مشتركًا قابلًا للاستمرار، وهو ما تأكَّد من خلال تجربة الرئيس السبسي، وسرعة تفرُّق من اجتمعوا حوله عام 2014.
وفي الجهة المقابلة، تتزايد المؤشرات الدالة على أن الرئيس السبسي قد يكون حسم أمرَ
خاتمة
بعد كسب رئيس الحكومة يوسف الشاهد معركة الثقة في البرلمان، قبل أشهر، ثم مضيّه في خيار القطيعة تنظيميًا مع حزب نداء تونس، وتأسيس حزب جديد، يكون قد دشّن مرحلة جديدة من صراعه مع رئيس الجمهورية الذي فقد أغلب الأوراق التي منحته الفوز في انتخابات 2014. ويدخل الشاهد مرحلة ما قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية بأغلبيةٍ برلمانيةٍ مريحة، بفضل دعم حركة النهضة الاستقرار الحكومي، بكيان حزبي يسعى مؤسّسوه إلى كسب موقع متقدم في الانتخابات البرلمانية، غير أن كل هذه المؤشرات والحسابات تظل رهينة ثبات المشهد الحالي، وهو مشهدٌ قابل للتغيير؛ في حال تعثُّر المشروع الحزبي الجديد، وفي حال تغيُّر التوافقات والخيارات قبل انتخابات 2019، من دون إغفال تأثير التدخل الإقليمي وأدواته.