08 نوفمبر 2024
أجير صغير على أنقاض سورية
من استمع إلى نبرة وعبارات التحدي وزعم الانتصار في كلمة الرئيس السوري، بشار الأسد، يوم الأحد الماضي في دمشق، أمام رؤساء المجالس المحلية في المحافظات السورية، سيتوهم أن الرجل يُحكم قبضته على بلاده فعلا، وأنه لا يزال رئيسا لها متمتعا بكامل الصلاحيات والنفوذ الذي كان لديه قبل ثماني سنوات، واقع الحال في سورية اليوم غير ما حاول أن يَظْهَرَ عليه الأسد في كلمته. وربما ليس أدلّ على ذلك من أن الرجل الذي كان يتهدّد ويتوعد، ويتحدث عن هزيمة الولايات المتحدة وتركيا، وحلفائهما على الأرض السورية، لا يستطيع، إلا نادرا، مغادرة قصره الرئاسي في دمشق، وبحماية روسية بالدرجة الأولى. أيضا، أهمل الأسد في كلمة نشوة النصر الزائف أن نظامه تداعى إلى حد كبير، بحيث إن انسحاب إيران، أو مليشياتها، من سورية، وتحديدا حزب الله اللبناني، سيعني سقوط دمشق نفسها، وهروبه من القصر ذاته الذي كان يُسْمِعُ العالم منه عنترياته الفارغة. بدون روسيا وإيران لا يوجد نظام أسد، ولولاهما لكان اليوم قتيلا، أو شريدا، أو لاجئا في موسكو أو غيرها من مدن العالم القليلة التي تؤيد وحشية نظامه.
في الكلمة ذاتها، صَبَّ الأسد غضبه على الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ووصفه بأنه "إخوانجي، وهو عبارة عن أجير صغير عند الأميركي"، واتهمه بأنه لا يمكنه القيام بأي دور لم تكلفه به واشنطن. مضيفا أن أردوغان يستجدي الأميركيين منذ ثماني سنوات لكي يسمحوا له بالدخول "إلى المنطقة الشمالية في سورية والمنطقة الشرقية، وكان الأميركي يقول: ابقَ
جانبا دورك لم يأت بعد". وللمفارقة هنا أوجه عدة. أولا، إن هجوم الأسد على أردوغان جاء بعد ثلاثة أيام فقط من صدور البيان الختامي لقمة سوتشي في روسيا، والتي اتفق خلالها الرؤساء، الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي، أردوغان، والإيراني، حسن روحاني، على تنسيق الجهود لإحلال الأمن والاستقرار في مناطق شمال شرقي سورية، وعلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعودة اللاجئين، والالتزام بمسار أستانة لحل الأزمة، وهو المسار الذي يتشكل، حصريا، من روسيا وتركيا وإيران. بمعنى أن هذه الدول الثلاث هي التي تقرّر في كثير من الشأن السوري، في حين ينفذ الأسد ما اتفق عليه، نيابةً عن روسيا وإيران، وهو ليس له ولا لنظامه رأي معتبر.
المفارقة الثانية أن الأسد الذي تحدث بتحقير وتصغير عن أردوغان يظن أن السوريين، والعالم، نسوا الإهانات العديدة والمتكررة التي وجهها حلفاؤه الروس له، وعلنا أمام كاميرات التلفزة. ونذكّر هنا بحادثتين. في شهر يونيو/ حزيران 2016، نشر الإعلام الروسي فيديو مع الصوت للأسد وهو يستقبل، في قصره في دمشق، وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. ويظهر الفيديو علامات الدهشة على وجه الأسد وهو يرحب بزائره الذي جاء على غير ميعاد، ومن دون إخطار الرئاسة السورية، كما تقتضي قواعد البروتوكول. وبدون تفكير، خاطب الأسد شويغو: "أنا سعيد جدا بلقائكم اليوم، مفاجأة سارّة". مضيفا: "لم أكن أعلم أنكم ستأتون شخصيا". وتعود الحادثة الثانية إلى ديسمبر/ كانون الأول 2017، عندما زار بوتين قاعدة حميميم العسكرية الروسية في محافظة اللاذقية. مرة أخرى، تعمّد الروس إهانة الأسد، حيث كان الأخير ينتظر بوتين مع شويغو وقائد القوات الروسية في سورية، سيرغي سوروفيكين، عند سلم الطائرة. وعندما توجه بوتين نحو المنصّة ليلقي كلمة أمام القوات الروسية في القاعدة، حاول الأسد اللحاق به، إلا أن أحد الضباط الروس جذبه من ذراعه، أمام كاميرات التلفزة، طالبا منه التوقف وعدم مرافقته إلى المنصة.
ذلك غيضٌ من فيضٍ لرجل يقدّمه أنصاره على أنه "زعيم" في "محور الممانعة"، ويبالغون في نسج أوهامٍ من قبيل انتصار "سورية الأسد" و"الممانعة"، وكأن الطائرات الحربية الإسرائيلية لا تسرح وتمرح في أجواء سورية، بل وفوق دمشق نفسها، تتصيّد القواعد العسكرية الإيرانية، وقوافل الأسلحة لحزب الله، فضلا عن قادتهما وكوادرهما العسكريين على الأرض. النكتة السمجة هنا أنه في كل مرة تنفذ إسرائيل قصفا جديدا في سورية، يخرج عليك أنصار نظام الأسد مبرّرين عدم تفعيل روسيا لمنظومات صواريخ "أس 300"، و"أس 400"، التي تغطي كل الأراضي السورية، بذريعة أن الطيران الإسرائيلي، إما قصف من الجولان المحتل، أو من الأجواء اللبنانية. ولكن لن تجد أحدا يشرح لك لماذا لم تسقط أنظمة الدفاع الجوية الروسية الصواريخ المهاجمة!
إذاً، قد يكون نظام الأسد حقّق انتصارات عسكرية كبيرة على الأرض في العامين الماضيين،
كما في ريف دمشق وريف حمص، وأجزاء من ريف حماة، والمنطقة الجنوبية، كما قال الأسد نفسه. لكن الحقيقة أن تلك الانتصارات العسكرية لم تكن لتتم لولا التواطؤ الأميركي أولا، وتخاذل أنصار المعارضة السورية، بما في ذلك تركيا نفسها، ثانيا، التي فوّتت فرصا كبيرة قبل التدخل الروسي خريف عام 2015. وعلى الرغم من ذلك، وهذا ثالثا، فإن نظام الأسد كان على شفير هاوية الانهيار عام 2012 لولا تدخل إيران ومليشياتها، ثم تدخل الروس عام 2015، بعدما لم تستطع إيران ومليشياتها وحدهما الاستمرار في حماية الأسد. أبعد من ذلك، يتحدّث الأسد عن الانتصار، وكأن حوالي مليون إنسان من شعبه لم يقتلوا، وأضعافهم مصابون، وملايين آخرين إما نازحون داخل بلادهم المدمرة أو مشرّدون خارجها. سورية اليوم بلد ممزّق، تحكمه عصابات محلية، ومليشيات أجنبية، ودول إقليمية ودولية، وهي من تقرّر بشأنه. وما الأسد إلا "أجير صغير"، ويُستخدم تعبيره هنا، عند الروسي أولا، والإيراني ثانيا. تُرى، لو كان قدّر للشاعر، أبو بكر محمد بن عمار الأندلسي، أن يدرك زماننا هذا، ماذا عساه كان سيقول في وصف كثيرين من حكام العرب اليوم، ومنهم الأسد!؟ ابن عمار هذا هو صاحب البيتين التاليين في وصف حكام الأندلس المُخْزينَ في زمانه:
وممـا يزهدني فـي أرض أندلـس أسمـاء معتمـد فيهـا ومعتـضد
أسمـاء مملكـة فـي غير موضعـها كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد
أترك التوصيف والإجابة لكم.
في الكلمة ذاتها، صَبَّ الأسد غضبه على الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ووصفه بأنه "إخوانجي، وهو عبارة عن أجير صغير عند الأميركي"، واتهمه بأنه لا يمكنه القيام بأي دور لم تكلفه به واشنطن. مضيفا أن أردوغان يستجدي الأميركيين منذ ثماني سنوات لكي يسمحوا له بالدخول "إلى المنطقة الشمالية في سورية والمنطقة الشرقية، وكان الأميركي يقول: ابقَ
المفارقة الثانية أن الأسد الذي تحدث بتحقير وتصغير عن أردوغان يظن أن السوريين، والعالم، نسوا الإهانات العديدة والمتكررة التي وجهها حلفاؤه الروس له، وعلنا أمام كاميرات التلفزة. ونذكّر هنا بحادثتين. في شهر يونيو/ حزيران 2016، نشر الإعلام الروسي فيديو مع الصوت للأسد وهو يستقبل، في قصره في دمشق، وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. ويظهر الفيديو علامات الدهشة على وجه الأسد وهو يرحب بزائره الذي جاء على غير ميعاد، ومن دون إخطار الرئاسة السورية، كما تقتضي قواعد البروتوكول. وبدون تفكير، خاطب الأسد شويغو: "أنا سعيد جدا بلقائكم اليوم، مفاجأة سارّة". مضيفا: "لم أكن أعلم أنكم ستأتون شخصيا". وتعود الحادثة الثانية إلى ديسمبر/ كانون الأول 2017، عندما زار بوتين قاعدة حميميم العسكرية الروسية في محافظة اللاذقية. مرة أخرى، تعمّد الروس إهانة الأسد، حيث كان الأخير ينتظر بوتين مع شويغو وقائد القوات الروسية في سورية، سيرغي سوروفيكين، عند سلم الطائرة. وعندما توجه بوتين نحو المنصّة ليلقي كلمة أمام القوات الروسية في القاعدة، حاول الأسد اللحاق به، إلا أن أحد الضباط الروس جذبه من ذراعه، أمام كاميرات التلفزة، طالبا منه التوقف وعدم مرافقته إلى المنصة.
ذلك غيضٌ من فيضٍ لرجل يقدّمه أنصاره على أنه "زعيم" في "محور الممانعة"، ويبالغون في نسج أوهامٍ من قبيل انتصار "سورية الأسد" و"الممانعة"، وكأن الطائرات الحربية الإسرائيلية لا تسرح وتمرح في أجواء سورية، بل وفوق دمشق نفسها، تتصيّد القواعد العسكرية الإيرانية، وقوافل الأسلحة لحزب الله، فضلا عن قادتهما وكوادرهما العسكريين على الأرض. النكتة السمجة هنا أنه في كل مرة تنفذ إسرائيل قصفا جديدا في سورية، يخرج عليك أنصار نظام الأسد مبرّرين عدم تفعيل روسيا لمنظومات صواريخ "أس 300"، و"أس 400"، التي تغطي كل الأراضي السورية، بذريعة أن الطيران الإسرائيلي، إما قصف من الجولان المحتل، أو من الأجواء اللبنانية. ولكن لن تجد أحدا يشرح لك لماذا لم تسقط أنظمة الدفاع الجوية الروسية الصواريخ المهاجمة!
إذاً، قد يكون نظام الأسد حقّق انتصارات عسكرية كبيرة على الأرض في العامين الماضيين،
وممـا يزهدني فـي أرض أندلـس أسمـاء معتمـد فيهـا ومعتـضد
أسمـاء مملكـة فـي غير موضعـها كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد
أترك التوصيف والإجابة لكم.