04 نوفمبر 2024
البرنامج النووي السعودي.. أغراض الطاقة أم النفوذ السياسي؟
امتلكت السعودية، في ستينيات القرن الماضي، برنامجاً نووياً مدنياً متواضعاً، وأنشأت بعد عقد معهداً لأبحاث الطاقة الذرية (AERI)، ركّز أبحاثه على الطاقة النووية، والوقاية من الإشعاعات. ولكن حتى ذلك الحين، لم تمتلك السعودية أي مفاعل للطاقة النووية، وأكدت على سلمية مشاريعها في هذا المجال، وأنها بعيدة عن الاستغلال العسكري.
في مارس/ آذار من العام الماضي، وفي ذروة تهديدات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقّعته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما مع إيران في عام 2015، صرّح ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان، في حوار مع برنامج "60 دقيقة" على شبكة سي بي إس الأميركية، أن بلاده "لا تريد الحصول على الأسلحة النووية، ولكن في حال طوّرت إيران قنبلة نووية، سوف تتبعها السعودية في أسرع وقت ممكن".
القلق السعودي من امتلاك إيران سلاحاً نووياً ليس جديداً، إذ تعهّد الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، في عام 2009 للمبعوث الأميركي السابق إلى الشرق الأوسط، دينيس روس، بحصول السعودية على القنبلة النووية، في حال تأكدت حيازتها إيرانياً. ومع ذلك، أيّد
المسؤولون السعوديون علنًا خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) الموقعة في عام 2015، والتي تسمح بمراقبة برنامج إيران النووي في مقابل تخفيف العقوبات، معربين عن تفاؤلهم بأن الاتفاقية ستمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية، وسوف تعزّز الأمن في المنطقة.
فتحت تصريحات بن سلمان المجال للنقاش في إمكانية حدوث تغيير في خطط السعودية الساعية إلى أن تكون قوّة نووية، في سياق صراعها الإقليمي، السياسي - المذهبي، المتعاظم مع إيران، بعد أن كشف كل من موقع ديلي بيست ووكالة رويترز، في مارس/ آذار الماضي، عن وثائق تؤكد سعي إدارة ترامب إلى نقل تكنولوجيا نووية إلى السعودية منذ عام 2017.
وثائق محمد الخليوي
الطموحات السعودية المفترضة لامتلاك قدرات وأسلحة نووية أثارتها في التسعينيات مزاعم الدبلوماسي السعودي السابق الهارب إلى الولايات المتحدة، محمد الخليوي، مستنداً إلى وثائق (حوالي 14000 وثيقة) ادّعى نسخها مباشرة من مصادر سعودية رسمية، تشير إلى سعي الرياض منذ عام 1975 إلى الحصول على أسلحةٍ نووية، وأنها أقامت، بعد حرب عام 1973، برنامجًا سريًا ينفّذ من مركز الخرج للأبحاث النووية، في منشأة عسكرية نائية بالقرب من بلدة السليل جنوب غرب الرياض. وأن السعودية قدمت دعماً مالياً للرئيس العراقي صدام حسين، لتمويل برنامج الأسلحة النووية العراقي السري بين عامي 1975 و1990، في مقابل حصولها على أسلحة نووية عراقية بمجرد إنتاجها. زعم الخليوي أن هذا التعاون انهار في نهاية المطاف مع الغزو العراقي للكويت في عام 1990.
الأموال السعودية، حسب وثائق الخليوي، ضُخّت أيضاً لدعم برنامج الأسلحة النووية الباكستاني واستمراره، في مقابل حصولها، من الجانب الباكستاني، على تكنولوجيا حساسة تتعلّق بالأسلحة النووية، أو قنابل نووية ناجزة. نفت السعودية وباكستان في كل مناسبة هذه التكهنات، وزعمت
باكستان أن برنامجها النووي وسيلة لردع خطر تتحسّس به من ناحية الشرق (الهند)، ولا علاقة له بدولةٍ ثالثة. لكن التكهنات بشأن تعاون نووي سعودي باكستاني تعزّزت مرة أخرى بعد زيارة وزير الدفاع السعودي، الأمير سلطان بن عبد العزيز، مصنعاً لتخصيب اليورانيوم ومنشآت الصواريخ في كاهوتا خارج إسلام أباد في مايو/ أيار 1999، اجتمع خلالها بالعالم الباكستاني عبد القدير خان (تعتبره الاستخبارات الغربية مزوداً للسلع والتكنولوجيا المتعلقة بالأسلحة النووية في السوق السوداء). ووفقاً لتقرير استخباراتي، قُدّم إلى لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، فإن زيارة ولي العهد السعودي في حينه، الأمير عبد الله، باكستان، في أكتوبر/ تشرين الأول 2003، هدفت إلى الحصول على اتفاقٍ تشتري السعودية بموجبه رؤوساً نووية باكستانية، تحملها صواريخ سعودية، في حال حصلت إيران على أسلحة نووية.
بين الإنجاز والطموح
انضمّت السعودية إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في عام 1988 كدولة لا تحوز أسلحة نووية، ووقعت اتفاقية ضمانات شاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في عام 2005، دخلت حيز التنفيذ في عام 2009. خلال العقد الماضي، أبدت العربية السعودية اهتمامًا متجددًا بمواصلة تطوير برنامجها النووي المدني، ولعبت دورًا رئيسيًا في جهود مجلس التعاون الخليجي لإطلاق مبادرة إقليمية في عام 2006 لدراسة برنامج مشترك للطاقة النووية المدنية وتطويره. وبالتوازي معها، اتخذت الرياض أيضًا سلسلة من الخطوات لتطوير العلاقات التجارية مع كبار المورّدين النوويين، (توقيع مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة في 2008، واتفاقية تعاون مع كل من فرنسا والأرجنتين وكوريا الجنوبية في 2011 وأخرى مع الصين في 2012)، وأعلنت في يونيو/ حزيران عام 2011 عن خطة طموحة لبناء ستة عشر مفاعلًا للطاقة النووية على مدار العقدين المقبلين، غير أن مستشاراً سعودياً في مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجدّدة صرّح، في مارس/ آذار من العام الماضي لوكالة سبوتنيك
الروسية، أن المملكة ستكتفي ببناء مفاعليْن نوويين في إطار محطة واحدة.
استنادًا إلى ورقة استراتيجية مسرّبة، زعم تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية في سبتمبر/ أيلول عام 2003، بأن الرياض بصدد مراجعة سياستها الاستراتيجية في ضوء البيئة الأمنية المتغيرة، وأن إعادة التقييم الاستراتيجي تضمّنت النظر في ثلاثة خيارات: متابعة الردع النووي الأصلي؛ الحفاظ على أو الدخول في تحالف مع قوة نووية قائمة؛ أو السعي إلى اتفاق إقليمي لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. أنكرت الحكومة السعودية وجود مثل هذه الوثيقة في ذلك الوقت.
لم يكن الجدول الزمني السعودي الطموح واقعياً، فحتى منتصف عام 2016، لم يتم إحراز أي تقدم ملموس في سبيل تحقيقه، لتمتلك السعودية حتّى ذلك التاريخ بنية تحتية نووية مدنية محدودة، تتألف من مسرع تانجيترون بقوة ثلاثة ميغا فولت، ومسرع ضوء أيون بقوة 350 كيلوفولت، توجد المعجلات في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وتستخدم لإجراء تجارب في الفيزياء النووية، بينما يستخدم السيكلوترون لإنتاج النظائر الطبية في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض. وإن امتلكت الرياض المعرفة الأساسية لتشغيل هذه المنشآت، لكنها لم تمتلك المعرفة اللازمة للمضي في تطوير الأسلحة النووية، ولا مرافق لتحويل اليورانيوم أو تخصيبه أو تصنيعه وقوداً، ولا أي مفاعلاتٍ للطاقة أو قدرات إعادة المعالجة، لكن السعودية عزمت على تغيير هذا الواقع بعد عام 2016.
وفي أواسط فبراير/ شباط الماضي، جاء في تقرير لجنة الرقابة والإصلاح في مجلس النواب الأميركي أن كبار مسؤولي إدارة ترامب، بمن فيهم مايكل فلين وجاريد كوشنير، طرحوا، أواخر عام 2016، مشروعاً لبيع الحكومة السعودية تكنولوجيا خاصة بتشغيل محطات الطاقة النووية، ما يمكن أن يضع السعودية على طريق تطوير الأسلحة النووية، ويزيد من زعزعة استقرار الشرق الأوسط. وأضاف التقرير أن مجموعة من جنرالات الولايات المتحدة ومسؤولي الأمن القومي المتقاعدين اجتمعوا حول مايكل فلين، أول مستشار للأمن القومي في عهد
ترامب، لإقناعه بفكرة دعم السعودية. وحتّى بعد إقالة فلين في فبراير/ شباط 2017، قام مسؤولون آخرون في البيت الأبيض بإحياء المشروع، على الرغم من اعتراضات محامين في الإدارة كانوا قلقين من أن هذا الاقتراح قد ينتهك القوانين الأميركية التي تهدف إلى وقف الانتشار النووي، فالتقى ترامب في فبراير/ شباط 2019 مع رؤساء تنفيذيين لشركات في الطاقة النووية الخاصة، طالبوه بمساعدتهم في بناء محطات الطاقة في الشرق الأوسط، وكان في مقدمتها شركة ويستينغهاوس إلكتريك، أحد المستفيدين الأوفر حظاً في بيع التكنولوجيا النووية إلى السعودية في أي اتفاق وشيك، وهي مملوكة لشركة بروكفيلد أسيت مانجمنت لإدارة الأصول العقارية التي قامت بتأمين شركة كوشنير وعائلته في صفقة شراء قيمتها 1.8 مليار دولار، واتهم التقرير كوشنير بالتكيف مع نظام المحسوبية في السعودية، وبمنح الرياض دعماً لا يتزعزع، بخصوص وعود مبيعات الأسلحة والصفقات التجارية الأخرى. ومع أن المشروع الذي عرف بـ "مخطط مارشال للشرق الأوسط"، تعثر مع مستشار الامن القومي الجديد، أتس آر ما كماستر، إلا أن المفاوضات مع السعوديين استمرّت سراً، بإشراف وزير الطاقة الأميركي، ريك بيري.
وثائق رويترز وديلي بيست
وبحسب وكالة رويترز، في تقرير لها نشر أواسط مارس/ آذار الماضي، فإنه في ست مناسبات منفصلة، أذن وزير الطاقة الأميركي، ريك بيري، للشركات الأميركية ببيع السعوديين تكنولوجيا نووية، تساعدهم على تطوير محطات الطاقة النووية. موافقات الوزير (تم الإبلاغ عنها أولاً بواسطة موقع ديلي بيست) والمعروفة باسم "تراخيص البند 810"، تسمح للشركات القيام بأعمال تمهيدية بشأن الطاقة النووية، قبل أي صفقة، وليس شحن المعدات إلى المحطات، حسبما ذكر مصدر مطلع على الاتفاقات لوكالة رويترز، مشترطاً عدم الكشف عن هويته.
وفقًا لوثائق استعرضتها "رويترز"، أكدت الإدارة الوطنية للأمن النووي (NNSA)، التابعة لوزارة الطاقة، أن الشركات طلبت كتابياً من إدارة ترامب الحفاظ على سرّية الموافقات. لم تحجب وزارتا الطاقة والخارجية الأميركيتان التصاريح عن الرأي العام وحسب، بل أيضاً رفضتا مشاركة المعلومات المتعلقة بها مع لجان الكونغرس، مع أنه، انسجاماً مع قانون حرية المعلومات الأميركي، تقتضي الممارسة العامة وضع التصاريح الموقعة في غرفة القراءة العامة التابعة للوزارة. هذه المرة، تذرّعت وزارة الطاقة بحماية معلومات الملكية التي تضمنتها تلك الاتفاقيات.
النووي السعودي ومنشار العظام
تزايد القلق في الكونغرس بشأن تقاسم التكنولوجيا والمعرفة النووية مع العربية السعودية بعد قتل الصحافي جمال خاشقجي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في القنصلية السعودية في إسطنبول. ولم تظهر الوثائق ما إذا كانت أي من الاتفاقيات قد وقعت بعد مقتله. وحين سأل السناتور الديمقراطي، تيم كين، الوزير بيري عما إذا كانت أي رخص من الجزء 810
للسعودية قد صدرت بعد مقتل خاشقجي، ادعى بيري أنه لا يملك إجابة دقيقة، لكنه بيّن أنه منذ عام 2017، كان هناك 65 طلبًا من شركات تسعى إلى تبادل المعلومات بموجب "البند "810 من التشريع الذي يجيز التراخيص. وأن الإدارة الأميركية أصدرت حتى الآن 37 تفويضًا، من بينها ستة إلى العربية السعودية، واثنان للأردن (أصدرت وزارة الطاقة في وقت لاحق تصحيحًا تقول إن هناك سبعة للسعودية)، وأعرب بيري في جلسة الاستماع نفسها أمام أعضاء مجلس الشيوخ عن مخاوفه من ذهاب السعوديين إلى روسيا أو الصين، مع ضماناتٍ أقل ضد الانتشار النووي، بما يؤدي إلى تآكل القوة الدبلوماسية الأميركية في المنطقة.
ووضعت العربية السعودية "كيبكو" (مؤسسة الطاقة الكهربية الكورية)، في عام 2018، ضمن القائمة القصيرة للمشروع النووي السعودي، وأضافت إلى القائمة لاحقاً الولايات المتحدة إلى جانب فرنسا والصين وروسيا لتقديم عطاءاتٍ لمشروع للطاقة النووية. يريد السعوديون إبرام اتفاق نووي مع الولايات المتحدة، نظراً إلى أن شركات التكنولوجيا الكورية تحتوي على عناصر أميركية، ولذلك سيكون من المحرج بالنسبة للكوريين إبرام صفقة من دون أخذ موافقة الولايات المتحدة. وتطالب السعودية بمنحها الحق في تخصيب اليورانيوم، ووضعت هذا المبدأ شرطاً أمام الشركات الأميركية التي تريد إبرام الصفقات الخاصة ببناء المفاعلين في السعودية، والتي تصل قيمتهما الإجمالية، حسب التسريبات الإعلامية، إلى عشرات مليارات الدولارات.
تقول وجهة نظر النواب الأميركيين "إذا كان لا يمكنك ائتمان أصحاب القوة في الرياض على منشارٍ للعظام، فلا يمكنك ائتمانهم على سلاح نووي". ويخشى المشرّعون الأميركيون من أن تتراخى الإدارة الأميركية في تطبيق بعض القواعد أمام الشروط السعودية، والخوف من تحول السعوديين إلى المقاولين الكوريين الذين تمكّنت فرق البناء الخاصة بهم من إرساء مشروع ناجح، مكوّن من أربعة مفاعلات في الإمارات المتحدة. الأمر الذي يضعف من قيمة معاهدات الحد من انتشار الأسلحة النووية، في مقابل لا شيء، إذ رأى نوابٌ أن لدى الحكومة الأميركية تاريخاً طويلاً في إرضاء العملاء المحتملين باتفاقاتٍ نوويةٍ مختلفة، خوفاً من أن تتحوّل إلى شركاء آخرين، خير مثال على ذلك الهند التي أضفى جورج دبليو بوش الشرعية على عملية تسلّحها المخالفة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، بادعاء حصول الولايات المتحدة على عشرات المليارات من مبيعات المفاعلات، والآلاف من فرص العمل، لكن بعد عقد لم تجن واشنطن أرباحاً تذكر.
بالنسبة لإدارة ترامب، تضعها المسابقة أمام خيار شائك، بين تعزيز الشركات الأميركية بقيادة "ويستينغهاوس" بصفقة تبلغ مليارات الدولارات، ومكافحة الانتشار النووي، فإذا أرادت إدارة ترامب دعم "ويستينغهاوس"، عليها التخلي عن بعض الضوابط التي تقيّد الانتشار النووي، وإلا فإن المفاوضات مع الجانب السعودي معرّضة للانهيار، كما حدث في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، بعد أن أصرّت الرياض، في محادثاتها، على رفض توقيع أي اتفاق مع واشنطن، يحرمها من تخصيب اليورانيوم، على الرغم من تأكيدها أنها تريد تحقيق اكتفاء ذاتي في إنتاج الوقود النووي، وأنها غير مهتمة بتحويل التكنولوجيا النووية إلى الاستخدام العسكري، وهي السياسة التي تتبعها اليوم مع الإدارة الأميركية الحالية.
قدمت الإدارة الأميركية مقترحا تتراجع بموجبه الإدارة عن إصرارها على التزام السعودية
باتفاقيات 123 الأميركية المعروفة بـ "المعيار الذهبي"، وبنوده التسعة التي تحدّ من تخصيب اليورانيوم، وتمنع الانتشار النووي، في مقابل تعهد سعودي بعدم إعادة معالجة الوقود المشع لاستخراج البلوتونيوم، أو تخصيب اليورانيوم، خمسة عشر عاما. المقترح لم يُهدّئ ضجيج المشرعين الأميركيين من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، الذين تقدّموا في منتصف شهر فبراير/ شباط الماضي بمشروع قرار يطالب بأن ينص أي اتفاق لتبادل التكنولوجيا النووية الأميركية مع السعودية على منع الأخيرة من صنع سلاح نووي. ويعني ذلك منع المملكة من القيام بأنشطة مختلفة، مثل تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود النووي المستنفد، كون هذه الأنشطة ليست إلّا مدخلاً لتوفير المواد اللازمة لتطوير برنامج تسلّح نووي إذا رغبت السعودية في ذلك.
يطالب هؤلاء النواب بتوفير مراجعات أساسية لضمان ألا يصل الأمر أبداً بالسعودية إلى أن تستخدم التكنولوجيا أو المواد الأميركية في صنع قنبلةٍ نووية، وبأن يكون الرأي الأخير للكونغرس الذي يصرّ نوابه على أن يلعب دوراً حاسماً في مستقبل التكنولوجيا النووية، ليس في السعودية فحسب، وإنما تجاه الدول الأخرى التي قرّرت امتلاك التكنولوجيا النووية، على غرار تركيا ومصر. على أن تشمل هذه الشروط عمليات تفتيش إجبارية للمرافق النووية السعودية، على غرار الشرط الذي قبلته إيران.
قوة الكهرباء أم السياسة؟
وعلى الرغم من تأكيد السعودية أن هدف برنامجها النووي سلمي يتمثل في الحدّ من استهلاك النفط داخلياً، وبالتالي زيادة الكمّيات القابلة للتصدير، فإن اهتمام السعودية المتمحور حول بناء مفاعلين نوويين على أبعد تقدير، أو بعض المفاعلات الصغيرة، والتي لن تسهم بإحداث أي تغيير جذري في الاعتماد على النفط والغاز لتوليد الكهرباء، يدعو إلى الشك في سلمية ذلك البرنامج وأهدافه، فكمية الكهرباء المنوي إنتاجها نووياً بهذين المفاعلين تشكّل نسبة صغيرة من حاجات المملكة للطاقة، وبالتالي يمكن الاستعاضة عنها بسهولة، وبصورة أكثر فعّاليةً من الناحية الاقتصادية، بالطاقة الشمسية، إذ إن تكلفة الطاقة النووية مرتفعة مقارنة ببدائل الطاقة من مصادر أخرى، فضلاً عما يستجره استخدامها من قضايا السلامة والأمن المقلقة، والتي دفعت بلداناً عديدة متقدمة إلى التخلي عنها.
صحيح أن الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية، الموقع عام 2015، حدّ بشكل كبير من قدرات طهران على تحويل برنامجها النووي السلمي إلى برنامج عسكري. وعلى الرغم من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، يبدو أن طهران ما زالت ملتزمة ببنوده، لكن طموحات السعودية النووية تثير قلق إيران التي اتهمت الولايات المتحدة بالرياء بشأن منع الانتشار النووي، وإذا لم يكن هدف السعودية من الطاقة النووية التزوّد بالقوة الكهربائية، بل التزوّد
بالقوة السياسية، وفق تعبير السيناتور الديمقراطي، إد ماركي، فإن نقل التكنولوجيا الأميركية النووية إلى السعودية، والسماح لها بتخصيب اليورانيوم، قد يدفعا إيران إلى التراجع عن التزاماتها النووية، وبدء مرحلة جديدة من السباق نحو التسلّح النووي في منطقة مُشتعلة. ولذلك يشكّل وجود عدد كبير من مفاعلات الطاقة النووية في منطقة الشرق الأوسط، كما يسعى إليه فريق مستشاري الرئيس ترامب، مخاطرات جدّية، حتى في حال تشغيل المفاعلات النووية لأغراض سلمية، حين تشكل تلك المفاعلات أهدافاً عسكرية لبلدان أو مليشيات إرهابية، وقد شهدت المنطقة هجماتٍ على منشآت نووية؛ فدمرت إسرائيل عام 1981 مفاعلاً نووياً عراقياً بحثياً قيد الإنشاء، ودمّرت الطائرات العراقية جزءاً من مفاعل بوشهر النووي الإيراني عام 1984، وزعم حوثيو اليمن في أواخر عام 2017 أنهم استهدفوا المحطّة النووية الجديدة في أبوظبي في الإمارات بصاروخ باليستي.
خاتمة
تدرك الإدارة الأميركية، وهي تسعى إلى تطويق إيران لإعادة التوازن المفقود في المنطقة، أن السعودية التي سعت أخيراً إلى تنويع دائرة تحالفاتها في آسيا، خصوصا الهند والصين وباكستان، استنادا إلى ثقلها الاستثماري، والشراكات الاقتصادية الضخمة ذات الطابع الاستراتيجي، قد تحصل على التكنولوجيا النووية من أطراف أخرى. ولذلك من المتوقع ألا يؤثر ضجيج المشرعين في الكونغرس على ملفاتٍ حساسةٍ يبقى الحسم فيها بيد القيمين على السياسة الخارجية الأميركية، وعبر فيتو رئاسي على مشاريع قرارات الكونغرس المعطّلة التي تخضع للحسابات الحزبية الأميركية الداخلية. أما بشأن اعتراضات إسرائيل التي ترفض الاعتراف بامتلاكها سلاحاً نووياً، فيبدو أن تجاوزها ممكن مع صفقةٍ بين واشنطن والرياض، تُمنح بموجبها السعودية ما تريده نووياً، كجزء من خطّة السلام الشاملة المسمّاة "صفقة القرن".
القلق السعودي من امتلاك إيران سلاحاً نووياً ليس جديداً، إذ تعهّد الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، في عام 2009 للمبعوث الأميركي السابق إلى الشرق الأوسط، دينيس روس، بحصول السعودية على القنبلة النووية، في حال تأكدت حيازتها إيرانياً. ومع ذلك، أيّد
فتحت تصريحات بن سلمان المجال للنقاش في إمكانية حدوث تغيير في خطط السعودية الساعية إلى أن تكون قوّة نووية، في سياق صراعها الإقليمي، السياسي - المذهبي، المتعاظم مع إيران، بعد أن كشف كل من موقع ديلي بيست ووكالة رويترز، في مارس/ آذار الماضي، عن وثائق تؤكد سعي إدارة ترامب إلى نقل تكنولوجيا نووية إلى السعودية منذ عام 2017.
وثائق محمد الخليوي
الطموحات السعودية المفترضة لامتلاك قدرات وأسلحة نووية أثارتها في التسعينيات مزاعم الدبلوماسي السعودي السابق الهارب إلى الولايات المتحدة، محمد الخليوي، مستنداً إلى وثائق (حوالي 14000 وثيقة) ادّعى نسخها مباشرة من مصادر سعودية رسمية، تشير إلى سعي الرياض منذ عام 1975 إلى الحصول على أسلحةٍ نووية، وأنها أقامت، بعد حرب عام 1973، برنامجًا سريًا ينفّذ من مركز الخرج للأبحاث النووية، في منشأة عسكرية نائية بالقرب من بلدة السليل جنوب غرب الرياض. وأن السعودية قدمت دعماً مالياً للرئيس العراقي صدام حسين، لتمويل برنامج الأسلحة النووية العراقي السري بين عامي 1975 و1990، في مقابل حصولها على أسلحة نووية عراقية بمجرد إنتاجها. زعم الخليوي أن هذا التعاون انهار في نهاية المطاف مع الغزو العراقي للكويت في عام 1990.
الأموال السعودية، حسب وثائق الخليوي، ضُخّت أيضاً لدعم برنامج الأسلحة النووية الباكستاني واستمراره، في مقابل حصولها، من الجانب الباكستاني، على تكنولوجيا حساسة تتعلّق بالأسلحة النووية، أو قنابل نووية ناجزة. نفت السعودية وباكستان في كل مناسبة هذه التكهنات، وزعمت
بين الإنجاز والطموح
انضمّت السعودية إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في عام 1988 كدولة لا تحوز أسلحة نووية، ووقعت اتفاقية ضمانات شاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في عام 2005، دخلت حيز التنفيذ في عام 2009. خلال العقد الماضي، أبدت العربية السعودية اهتمامًا متجددًا بمواصلة تطوير برنامجها النووي المدني، ولعبت دورًا رئيسيًا في جهود مجلس التعاون الخليجي لإطلاق مبادرة إقليمية في عام 2006 لدراسة برنامج مشترك للطاقة النووية المدنية وتطويره. وبالتوازي معها، اتخذت الرياض أيضًا سلسلة من الخطوات لتطوير العلاقات التجارية مع كبار المورّدين النوويين، (توقيع مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة في 2008، واتفاقية تعاون مع كل من فرنسا والأرجنتين وكوريا الجنوبية في 2011 وأخرى مع الصين في 2012)، وأعلنت في يونيو/ حزيران عام 2011 عن خطة طموحة لبناء ستة عشر مفاعلًا للطاقة النووية على مدار العقدين المقبلين، غير أن مستشاراً سعودياً في مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجدّدة صرّح، في مارس/ آذار من العام الماضي لوكالة سبوتنيك
استنادًا إلى ورقة استراتيجية مسرّبة، زعم تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية في سبتمبر/ أيلول عام 2003، بأن الرياض بصدد مراجعة سياستها الاستراتيجية في ضوء البيئة الأمنية المتغيرة، وأن إعادة التقييم الاستراتيجي تضمّنت النظر في ثلاثة خيارات: متابعة الردع النووي الأصلي؛ الحفاظ على أو الدخول في تحالف مع قوة نووية قائمة؛ أو السعي إلى اتفاق إقليمي لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. أنكرت الحكومة السعودية وجود مثل هذه الوثيقة في ذلك الوقت.
لم يكن الجدول الزمني السعودي الطموح واقعياً، فحتى منتصف عام 2016، لم يتم إحراز أي تقدم ملموس في سبيل تحقيقه، لتمتلك السعودية حتّى ذلك التاريخ بنية تحتية نووية مدنية محدودة، تتألف من مسرع تانجيترون بقوة ثلاثة ميغا فولت، ومسرع ضوء أيون بقوة 350 كيلوفولت، توجد المعجلات في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وتستخدم لإجراء تجارب في الفيزياء النووية، بينما يستخدم السيكلوترون لإنتاج النظائر الطبية في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض. وإن امتلكت الرياض المعرفة الأساسية لتشغيل هذه المنشآت، لكنها لم تمتلك المعرفة اللازمة للمضي في تطوير الأسلحة النووية، ولا مرافق لتحويل اليورانيوم أو تخصيبه أو تصنيعه وقوداً، ولا أي مفاعلاتٍ للطاقة أو قدرات إعادة المعالجة، لكن السعودية عزمت على تغيير هذا الواقع بعد عام 2016.
وفي أواسط فبراير/ شباط الماضي، جاء في تقرير لجنة الرقابة والإصلاح في مجلس النواب الأميركي أن كبار مسؤولي إدارة ترامب، بمن فيهم مايكل فلين وجاريد كوشنير، طرحوا، أواخر عام 2016، مشروعاً لبيع الحكومة السعودية تكنولوجيا خاصة بتشغيل محطات الطاقة النووية، ما يمكن أن يضع السعودية على طريق تطوير الأسلحة النووية، ويزيد من زعزعة استقرار الشرق الأوسط. وأضاف التقرير أن مجموعة من جنرالات الولايات المتحدة ومسؤولي الأمن القومي المتقاعدين اجتمعوا حول مايكل فلين، أول مستشار للأمن القومي في عهد
وثائق رويترز وديلي بيست
وبحسب وكالة رويترز، في تقرير لها نشر أواسط مارس/ آذار الماضي، فإنه في ست مناسبات منفصلة، أذن وزير الطاقة الأميركي، ريك بيري، للشركات الأميركية ببيع السعوديين تكنولوجيا نووية، تساعدهم على تطوير محطات الطاقة النووية. موافقات الوزير (تم الإبلاغ عنها أولاً بواسطة موقع ديلي بيست) والمعروفة باسم "تراخيص البند 810"، تسمح للشركات القيام بأعمال تمهيدية بشأن الطاقة النووية، قبل أي صفقة، وليس شحن المعدات إلى المحطات، حسبما ذكر مصدر مطلع على الاتفاقات لوكالة رويترز، مشترطاً عدم الكشف عن هويته.
وفقًا لوثائق استعرضتها "رويترز"، أكدت الإدارة الوطنية للأمن النووي (NNSA)، التابعة لوزارة الطاقة، أن الشركات طلبت كتابياً من إدارة ترامب الحفاظ على سرّية الموافقات. لم تحجب وزارتا الطاقة والخارجية الأميركيتان التصاريح عن الرأي العام وحسب، بل أيضاً رفضتا مشاركة المعلومات المتعلقة بها مع لجان الكونغرس، مع أنه، انسجاماً مع قانون حرية المعلومات الأميركي، تقتضي الممارسة العامة وضع التصاريح الموقعة في غرفة القراءة العامة التابعة للوزارة. هذه المرة، تذرّعت وزارة الطاقة بحماية معلومات الملكية التي تضمنتها تلك الاتفاقيات.
النووي السعودي ومنشار العظام
تزايد القلق في الكونغرس بشأن تقاسم التكنولوجيا والمعرفة النووية مع العربية السعودية بعد قتل الصحافي جمال خاشقجي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في القنصلية السعودية في إسطنبول. ولم تظهر الوثائق ما إذا كانت أي من الاتفاقيات قد وقعت بعد مقتله. وحين سأل السناتور الديمقراطي، تيم كين، الوزير بيري عما إذا كانت أي رخص من الجزء 810
ووضعت العربية السعودية "كيبكو" (مؤسسة الطاقة الكهربية الكورية)، في عام 2018، ضمن القائمة القصيرة للمشروع النووي السعودي، وأضافت إلى القائمة لاحقاً الولايات المتحدة إلى جانب فرنسا والصين وروسيا لتقديم عطاءاتٍ لمشروع للطاقة النووية. يريد السعوديون إبرام اتفاق نووي مع الولايات المتحدة، نظراً إلى أن شركات التكنولوجيا الكورية تحتوي على عناصر أميركية، ولذلك سيكون من المحرج بالنسبة للكوريين إبرام صفقة من دون أخذ موافقة الولايات المتحدة. وتطالب السعودية بمنحها الحق في تخصيب اليورانيوم، ووضعت هذا المبدأ شرطاً أمام الشركات الأميركية التي تريد إبرام الصفقات الخاصة ببناء المفاعلين في السعودية، والتي تصل قيمتهما الإجمالية، حسب التسريبات الإعلامية، إلى عشرات مليارات الدولارات.
تقول وجهة نظر النواب الأميركيين "إذا كان لا يمكنك ائتمان أصحاب القوة في الرياض على منشارٍ للعظام، فلا يمكنك ائتمانهم على سلاح نووي". ويخشى المشرّعون الأميركيون من أن تتراخى الإدارة الأميركية في تطبيق بعض القواعد أمام الشروط السعودية، والخوف من تحول السعوديين إلى المقاولين الكوريين الذين تمكّنت فرق البناء الخاصة بهم من إرساء مشروع ناجح، مكوّن من أربعة مفاعلات في الإمارات المتحدة. الأمر الذي يضعف من قيمة معاهدات الحد من انتشار الأسلحة النووية، في مقابل لا شيء، إذ رأى نوابٌ أن لدى الحكومة الأميركية تاريخاً طويلاً في إرضاء العملاء المحتملين باتفاقاتٍ نوويةٍ مختلفة، خوفاً من أن تتحوّل إلى شركاء آخرين، خير مثال على ذلك الهند التي أضفى جورج دبليو بوش الشرعية على عملية تسلّحها المخالفة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، بادعاء حصول الولايات المتحدة على عشرات المليارات من مبيعات المفاعلات، والآلاف من فرص العمل، لكن بعد عقد لم تجن واشنطن أرباحاً تذكر.
بالنسبة لإدارة ترامب، تضعها المسابقة أمام خيار شائك، بين تعزيز الشركات الأميركية بقيادة "ويستينغهاوس" بصفقة تبلغ مليارات الدولارات، ومكافحة الانتشار النووي، فإذا أرادت إدارة ترامب دعم "ويستينغهاوس"، عليها التخلي عن بعض الضوابط التي تقيّد الانتشار النووي، وإلا فإن المفاوضات مع الجانب السعودي معرّضة للانهيار، كما حدث في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، بعد أن أصرّت الرياض، في محادثاتها، على رفض توقيع أي اتفاق مع واشنطن، يحرمها من تخصيب اليورانيوم، على الرغم من تأكيدها أنها تريد تحقيق اكتفاء ذاتي في إنتاج الوقود النووي، وأنها غير مهتمة بتحويل التكنولوجيا النووية إلى الاستخدام العسكري، وهي السياسة التي تتبعها اليوم مع الإدارة الأميركية الحالية.
قدمت الإدارة الأميركية مقترحا تتراجع بموجبه الإدارة عن إصرارها على التزام السعودية
يطالب هؤلاء النواب بتوفير مراجعات أساسية لضمان ألا يصل الأمر أبداً بالسعودية إلى أن تستخدم التكنولوجيا أو المواد الأميركية في صنع قنبلةٍ نووية، وبأن يكون الرأي الأخير للكونغرس الذي يصرّ نوابه على أن يلعب دوراً حاسماً في مستقبل التكنولوجيا النووية، ليس في السعودية فحسب، وإنما تجاه الدول الأخرى التي قرّرت امتلاك التكنولوجيا النووية، على غرار تركيا ومصر. على أن تشمل هذه الشروط عمليات تفتيش إجبارية للمرافق النووية السعودية، على غرار الشرط الذي قبلته إيران.
قوة الكهرباء أم السياسة؟
وعلى الرغم من تأكيد السعودية أن هدف برنامجها النووي سلمي يتمثل في الحدّ من استهلاك النفط داخلياً، وبالتالي زيادة الكمّيات القابلة للتصدير، فإن اهتمام السعودية المتمحور حول بناء مفاعلين نوويين على أبعد تقدير، أو بعض المفاعلات الصغيرة، والتي لن تسهم بإحداث أي تغيير جذري في الاعتماد على النفط والغاز لتوليد الكهرباء، يدعو إلى الشك في سلمية ذلك البرنامج وأهدافه، فكمية الكهرباء المنوي إنتاجها نووياً بهذين المفاعلين تشكّل نسبة صغيرة من حاجات المملكة للطاقة، وبالتالي يمكن الاستعاضة عنها بسهولة، وبصورة أكثر فعّاليةً من الناحية الاقتصادية، بالطاقة الشمسية، إذ إن تكلفة الطاقة النووية مرتفعة مقارنة ببدائل الطاقة من مصادر أخرى، فضلاً عما يستجره استخدامها من قضايا السلامة والأمن المقلقة، والتي دفعت بلداناً عديدة متقدمة إلى التخلي عنها.
صحيح أن الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية، الموقع عام 2015، حدّ بشكل كبير من قدرات طهران على تحويل برنامجها النووي السلمي إلى برنامج عسكري. وعلى الرغم من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، يبدو أن طهران ما زالت ملتزمة ببنوده، لكن طموحات السعودية النووية تثير قلق إيران التي اتهمت الولايات المتحدة بالرياء بشأن منع الانتشار النووي، وإذا لم يكن هدف السعودية من الطاقة النووية التزوّد بالقوة الكهربائية، بل التزوّد
خاتمة
تدرك الإدارة الأميركية، وهي تسعى إلى تطويق إيران لإعادة التوازن المفقود في المنطقة، أن السعودية التي سعت أخيراً إلى تنويع دائرة تحالفاتها في آسيا، خصوصا الهند والصين وباكستان، استنادا إلى ثقلها الاستثماري، والشراكات الاقتصادية الضخمة ذات الطابع الاستراتيجي، قد تحصل على التكنولوجيا النووية من أطراف أخرى. ولذلك من المتوقع ألا يؤثر ضجيج المشرعين في الكونغرس على ملفاتٍ حساسةٍ يبقى الحسم فيها بيد القيمين على السياسة الخارجية الأميركية، وعبر فيتو رئاسي على مشاريع قرارات الكونغرس المعطّلة التي تخضع للحسابات الحزبية الأميركية الداخلية. أما بشأن اعتراضات إسرائيل التي ترفض الاعتراف بامتلاكها سلاحاً نووياً، فيبدو أن تجاوزها ممكن مع صفقةٍ بين واشنطن والرياض، تُمنح بموجبها السعودية ما تريده نووياً، كجزء من خطّة السلام الشاملة المسمّاة "صفقة القرن".