04 نوفمبر 2024
مصر وأميركا.. الأشخاص أولاً ودائماً
في خمسينيات القرن الماضي، ورثت الولايات المتحدة الدور والحضور البريطانيين في الشرق الأوسط. وفي مصر، وصل "الضباط الأحرار" إلى السلطة، ثم تولى القيادة جمال عبد الناصر الذي كان كاريزما متفرّدة. وعشرون عاماً، كانت العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأميركية محكومة بمحدّدات أيديولوجية على الجانبين، إذ هيمنت على الرؤية المصرية دوافع مناوأة الاستعمار والإمبريالية العالمية، فيما كانت السياسة الأميركية تقود العالم الغربي ضد المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي. واستمرت الفجوة والتوتر بين القاهرة وواشنطن حتى وفاة عبد الناصر عام 1970.
قلب السادات السياسة المصرية إلى العكس، فقد كان شغوفاً بالحياة الغربية، ومنبهراً بالنموذج الأميركي خصوصاً. وطالما تملكته قناعة أعلنها صريحة بأن "99% من أوراق اللعبة بين يدي واشنطن". ولإدراكه أن الصراع مع إسرائيل هو العقبة الرئيسية أمام علاقات مصرية أميركية قوية، قام بحلحلة هذه العقبة، عبر تغيير موازين القوة بنصر أكتوبر 1973 ثم إبرام معاهدة السلام عام 1979، فكانت حقبة السادات أشبه بمرحلة تحول في العلاقات، لم يشهد السادات نفسه ثمارها التي كانت جزءاً من صفقة السلام مع إسرائيل، مثل المساعدات العسكرية والاقتصادية واعتبار مصر حليفاً إقليمياً يمكن الاعتماد عليه.
تسلم حسني مبارك الحكم والعلاقات جيدة وقابلة للتطوير، بعد تحييد الخلاف المرتبط بالصراع مع إسرائيل. وكما كان الحال مع عبد الناصر والسادات، كان لطبيعة شخصية مبارك بصمتها الواضحة على طريقة إدارة العلاقات من الجانب المصري، فلم تكن العلاقات قائمة على توجه أيديولوجي، أو مواقف مسبقة، وإنما أدارت القاهرة العلاقات بمنطق جزئي، أي كل قضية على حدة، وحسبما تقتضي معطيات كل ملف في التقدير المصري.
لكن، وبحكم طبيعة شخصية مبارك، تجنّبت السياسة المصرية في عهده الصدام مع واشنطن، وتماشت كثيراً مع السياسة الأميركية في المنطقة، مع الاحتفاظ بخطوط حمراء وثوابت تتعلق خصوصاً بالأمن المصري، وما يرتبط به من قضايا ذات أهمية استراتيجية، مثل القضية الفلسطينية. إذن، كان العامل الشخصي حاضراً دائماً بقوة في تشكيل بوصلة السياسة المصرية تجاه واشنطن. ويؤكد ذلك أن فترة انعدام الوزن التي تلت ثورة يناير في 2011 في السياسة المصرية افتقدت البوصلة التي اعتادت عليها صناعة السياسة في مصر، بوصلة القيادة وصانع القرار. وبدت السياسة المصرية كما لو كانت بلا نمط أو لون. ولم يكن هذا بالطبع خطأ ثورة يناير أو نقيصةً فيها، بل على العكس، فالأصل في السياسة الخارجية أن تكون مؤسّسية، لا مُشخصنة.
وبمجرد أن دخل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تلقت العلاقات دفعة قوية، وانتقلت فجأة إلى حالة تفاهم على المستويات كافة. وفق معيار واحد مشترك، ومتفق عليه ضمناً وصراحة، هو معيار "المصلحة/ التهديد"، أي حسابات المكسب والخسارة، أو التكلفة والعائد. إنه المعيار الذي يعكس بدقة التركيبة النفسية والطبيعة الشخصية على الجانبين، حيث الكلمة العليا دائماً للبراغماتية وحسابات القوة.
في عامين فقط، جمعت سبع لقاءات بين الرئيسين ترامب وعبد الفتاح السيسي، كان أولها في سبتمبر/ أيلول 2016 أي قبل انتخابات الرئاسة الأميركية بشهرين، في إشارة إلى تأييد القاهرة مُسبقاً لترامب. وتأكد ذلك لاحقاً بانعقاد ست قمم رسمية، أي بمعدل ثلاث كل عام. ولم يكن هذا ليحدث لولا فهم السيسي شخصية ترامب المتقلبة، والتي لا تفهم سوى لغة القوة والمقايضة.
إنها، إذن، "الكيمياء" التي لعبت دائماً دوراً جوهرياً في توتير العلاقات بين القاهرة وواشنطن أو تدعيمها. وكما كان العامل الشخصي بوصلة العلاقات سبعين عاماً، ها هو يتأكد مجدداً. وما دام كل من ترامب والسيسي في موقع السلطة، سيظل هذا المدخل "النفسي" أو "الشخصي" الحاكم في العلاقات، حتى لو كانت النتيجة الظاهرة له أن المصلحة أولاً وقبل كل شيء.
تسلم حسني مبارك الحكم والعلاقات جيدة وقابلة للتطوير، بعد تحييد الخلاف المرتبط بالصراع مع إسرائيل. وكما كان الحال مع عبد الناصر والسادات، كان لطبيعة شخصية مبارك بصمتها الواضحة على طريقة إدارة العلاقات من الجانب المصري، فلم تكن العلاقات قائمة على توجه أيديولوجي، أو مواقف مسبقة، وإنما أدارت القاهرة العلاقات بمنطق جزئي، أي كل قضية على حدة، وحسبما تقتضي معطيات كل ملف في التقدير المصري.
لكن، وبحكم طبيعة شخصية مبارك، تجنّبت السياسة المصرية في عهده الصدام مع واشنطن، وتماشت كثيراً مع السياسة الأميركية في المنطقة، مع الاحتفاظ بخطوط حمراء وثوابت تتعلق خصوصاً بالأمن المصري، وما يرتبط به من قضايا ذات أهمية استراتيجية، مثل القضية الفلسطينية. إذن، كان العامل الشخصي حاضراً دائماً بقوة في تشكيل بوصلة السياسة المصرية تجاه واشنطن. ويؤكد ذلك أن فترة انعدام الوزن التي تلت ثورة يناير في 2011 في السياسة المصرية افتقدت البوصلة التي اعتادت عليها صناعة السياسة في مصر، بوصلة القيادة وصانع القرار. وبدت السياسة المصرية كما لو كانت بلا نمط أو لون. ولم يكن هذا بالطبع خطأ ثورة يناير أو نقيصةً فيها، بل على العكس، فالأصل في السياسة الخارجية أن تكون مؤسّسية، لا مُشخصنة.
وبمجرد أن دخل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تلقت العلاقات دفعة قوية، وانتقلت فجأة إلى حالة تفاهم على المستويات كافة. وفق معيار واحد مشترك، ومتفق عليه ضمناً وصراحة، هو معيار "المصلحة/ التهديد"، أي حسابات المكسب والخسارة، أو التكلفة والعائد. إنه المعيار الذي يعكس بدقة التركيبة النفسية والطبيعة الشخصية على الجانبين، حيث الكلمة العليا دائماً للبراغماتية وحسابات القوة.
في عامين فقط، جمعت سبع لقاءات بين الرئيسين ترامب وعبد الفتاح السيسي، كان أولها في سبتمبر/ أيلول 2016 أي قبل انتخابات الرئاسة الأميركية بشهرين، في إشارة إلى تأييد القاهرة مُسبقاً لترامب. وتأكد ذلك لاحقاً بانعقاد ست قمم رسمية، أي بمعدل ثلاث كل عام. ولم يكن هذا ليحدث لولا فهم السيسي شخصية ترامب المتقلبة، والتي لا تفهم سوى لغة القوة والمقايضة.
إنها، إذن، "الكيمياء" التي لعبت دائماً دوراً جوهرياً في توتير العلاقات بين القاهرة وواشنطن أو تدعيمها. وكما كان العامل الشخصي بوصلة العلاقات سبعين عاماً، ها هو يتأكد مجدداً. وما دام كل من ترامب والسيسي في موقع السلطة، سيظل هذا المدخل "النفسي" أو "الشخصي" الحاكم في العلاقات، حتى لو كانت النتيجة الظاهرة له أن المصلحة أولاً وقبل كل شيء.