09 نوفمبر 2024
رئاسيات الجزائر.. 4 يوليو ليس مقدّساً
حدّد النظام في الجزائر موعداً لإجراء الانتخابات الرئاسية في 4 يوليو/ تموز المقبل، لا يلقى القبول لدى الجزائريين الذين يخرجون، كل جمعة، للتعبير عن خريطة طريق مغايرة للتي يراها مفروضةً من الرئيس المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة، في خطابه يوم 11 مارس/ آذار الماضي. ومن ضمن نقاط خريطة طريق الحراك، الذهاب إلى مرحلة انتقالية حقيقية، بإجراءاتٍ يمكن أن تؤدّي إلى إرساء قواعد الجمهورية الثانية، وقد تكون الانتخابات الرئاسية إما أول تلك الإجراءات أو خاتمتها، ذلك أن المهمّ والحيوي هو اتّخاذ إجراءاتٍ تحفّز الوصول إلى التغيير وتجسده في جزائر تصبو إلى العدالة والكرامة ومستقبل أفضل.
يصرّ كلّ من قائد الأركان، قايد صالح، ورئيس الدّولة المؤقت، عبد القادر بن صالح، على التّاريخ المذكور، ويعتبرانه موعدا حيويّا لا بدّ منه، باعتباره، ربّما، أسمى ما يمكن أن يمنحه النظام في إطار السّجال الذي يدور بينه وبين الجزائريين منذ 22 فبراير/ شباط الماضي، تاريخ انطلاق شرارة المطالبة بالتغيير، التغيير الذي تزول من خلاله وجوه النّظام القديم وتحلّ محلّه، بفعل تطبيق مبدأ دوران النّخب، وجوه جديدة، لها رصيد معتبر من نظافة اليد، والكفاءة، وتاريخ خال من الانخراط في علاقات ما (تبعية، موالاة، تحالف) مع النّظام السابق أو فساده،
أيّا كان شكله.
اعتبار النظام موعد 4 يوليو حيوياً لا يعني البتة أنّه مفصلي، وهو ما يشكّل، بالنّسبة للفاعلين على السّاحة، حاليا، الحراك والنظام، مدخلا لحوار/ تفاوض قادم أو البناء عليه نسقا يمكن الانطلاق منه لسماع كلّ طرف وجهة نظر الطّرف الآخر، ما يعني مقدّمة لتقارب الإرادتين من نقاط تقاطع ستكون هي المفصلية في أفق حلّ معضلة الانسداد الحالي. كما يُضاف إلى ما سبق الإشارة إليه أنّ قائد الأركان تحدّث، أخيرا، عن إجراء الانتخابات في "ظروفٍ مواتية"، ما أطلق العنان، حينها، لتلميحات أو تخمينات إلى إمكانية أن لا يكون ذلك التّاريخ مقدّسا أو مفصليا لمسار رسم حلول للانسداد.
لوحظ، منذ بدء الحراك، تطوّر في منحنى مواقف مؤسّسة الجيش ممّا يحدث في البلاد، وهو ما يعني أنّ المؤسّسة، كما قال قائد الأركان، وأكّدت عليه افتتاحية مجلة الجيش، لسان حال المؤسسة، بعيدة عن الانخراط في الفعل السياسي، على شاكلة ما دفعتها إليه أطرافٌ، في بداية تسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى مؤشّرين هامّين، حديثها عن انفتاحها على الحوار، أي قبولها مناقشة مبادرات ترد إليها من الحراك، وقول الرئيس المؤقّت (يتحدّث في إطار تناسق مواقف مع مؤسّسة الجيش) أنّ المطالب المرفوعة من الجزائريين مشروعة. وهي كلها، كما نرى، تجعل من الممكن الجلوس إلى طاولة تفاوضٍ، لرسم مسار بديل عن الانتخابات الرئاسية المقترحة في التاريخ المشار إليه. ومن جانب الحراك، بدأت التحرّكات لترجمة مطالب المتظاهرين باقتراح إشراك شخصيات توافقية في مسار حلّ الانسداد، بل وتقدّم بعضهم بمبادرات، وإن كانت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أو من أكاديميين. وهذا يعني، بالنّتيجة، أنّ الطّرف الثّاني فهم تلك الإشارات، كما يكون قد فهم أن ثمّة مساراتٍ للحوار قد تُفتح، يجب الولوج من خلالها إلى اقتراح بدائل، تكون في منطق البدء في مرحلة انتقالية، وإرجاء تاريخ الرّئاسيات إلى ما بعد 4 يوليو/ تموز المقبل.
بالنّتيجة، يكون مسار المرحلة الانتقالية قد ظهرت بوادره، وينتظر، فقط، تسجيل نقاط التقاطع بين الفاعلين، والانطلاق في إبراز العروض التّفاوضية، مع التسليم بأن المرحلة الانتقالية هي البديل عن موعدين، 4 و9 يوليو/ تموز، على التوالي، تاريخ الرّئاسيات وتاريخ انتهاء ولاية الرئيس المؤقت، والرّهان هو على عدم الدّخول في حالة شغور دستورية، من ناحية، والاستفادة، من ناحية أخرى، من قرابة الشهرين التي تفصلنا عن الموعدين في تفصيل
العروض، والبدء في الحوار بشأنها، لتنطلق "المرحلة الانتقالية" الحقيقية التي يمكن أن تكون من ستة أشهر، على أقصى تقدير.
بقي من الوقت، إذن، حوالي الشهرين، يجب استغلالهما في إنضاج مبادراتٍ لطالما أشارت إليها شعارات الجزائريين في تظاهراتهم، وتضمنتها خطابات الممثلين الرسميين للنظام (قائد الأركان ورئيس الدولة المؤقت)، وهي مبادرات تجعل من الحوار، أيا كان شكله أو منطلقه، هدفا ومقصدا، كونه الوسيلة الاتصالية، من ناحية، ومقاربة حضارية لعرض المواقف ووزنها، من حيث القبول والرفض، أي القابلية للتسوية/ التنازل، وصولا إلى إقرار مبدأ تبادل الآراء لإيجاد حلّ للانسداد، من ناحية ثانية.
لا يمكن اعتقاد أنّ الانسداد السياسي الرّاهن بأمد زمني غير محدود، بل إنّ مجرّد تمسّك قيادة الأركان بالمبدأ الدّستوري لحلّ الأزمة يعني أن الموعدين المذكورين للانتخابات، ولنهاية عهدة الرئيس المؤقت، يشكلّان الهاجس الرّئيس المحفّز على الذّهاب إلى هذا الحوار، ومحاولة الإنصات لوجهتي نظر الحراك والنظام. ولعلّ روحانية شهر رمضان فرصة للقاءٍ يكون من ثماره انطلاق مسار هذا الحوار/ التّفاوض، ولو في جلسات الإنصات الأولى، ثم التّفاهم والاتّفاق على مبادئ تحكم الحوار، من حيث الممثّلين، الضمانات، رزنامة الجدول الزّمني ثم المقصد، وهو الدّخول في مرحلة انتقالية حقيقية، تنتهي بانتخاباتٍ تضمن العودة إلى الوضع السياسي الطبيعي، لكن بمبادئ مغايرة للتي سادت خلال العقدين الأخيرين.
من الأهميّة بمكان البدء في نشر هذا التفكير، والتّأكيد على حيويته، بسبب أن الموعدين على الأبواب، إضافة إلى أن ورشات العمل مضنية، وتحتاج إلى وقت طويل لتأطير الحراك، إبراز ممثّليه وإطلاق المبادرات أو ترسيمها، لتصبح وثيقة جامعة بمبادئ تشكّل عرض الحراك لحلّ الأزمة ورسم معالم المرحلة المقبلة، كما سيكون الوقت طويلا، بالنسبة للنظام، حيث عليه أن يؤكّد أن ثمّة بابا مفتوحا لهذا العمل، بتأكيد أنّ تاريخ الانتخابات الرّئاسية ليس مقدّساً، بل هو منطلق مقاربة حوارية/ تفاوضية لإيجاد "حلّ" أو "حلول" للأزمة، وفق ما تحدّث به قائد الأركان نفسه في أحد خطاباته. ويعد هذا العمل الحضاري تكملة لمسار أزمةٍ اتسمت بسلمية من جانب الحراك، وبمهنية، واستجابة للمطالب، وإن كانت جزئية، من النظام. وهو ما يمكن البناء عليه لإطلاق مسار الحل للأزمة وإدارتها بحضارية مماثلة، تكون بوصلة للتغيير ومقاربة
يمكن أن يُحتذى بها في تجارب الانتقال نحو الديمقراطية.
يحتاج الإصرار على الدفع نحو تبني هذا المسار الحواري إلى مرافقة من الإعلام الذي عليه أن يفتح نقاشات توعوية لمدى حيوية الخطوة، بالنسبة لإيجاد حل للأزمة، كما سيحتاج هذا الإصرار إلى ثقل شخصيات وطنية، تلقي برصيدها المعنوي على الساحة، لتشكل عامل الثقة بمقصد بناء الجمهورية الثانية. وخيارات النظام والحراك تضيق، كلما اتسع المدى الزمني للانسداد، وهي خيارات تتمحور، الآن، على البدء في الإصرار على حوارٍ غير مشروط، يكون منطلقه عدم قُدُسية تاريخ الانتخابات، ورهان هذا المسعى الحيوي هو الحفاظ على استقرار البلاد، وبعث الآلة الاقتصادية التي لا يمكنها الاستمرار في البطء الذي تدور فيه، مع ما لذلك كله من تبعات على الوضع الاجتماعي في المستقبل المنظور.
بدت روحانية الشهر الكريم واضحة في تظاهرات الجمعة الثانية عشرة التي أكّدت على إصرار من الحراك لإيصال مطالبه إلى مرحلة التجسيد، على الرغم من الحرارة والصيام، وهو ما يجب أن يُقابل، من النظام، بمبادرة فسح المجال للتأكيد على أن الانتخابات حيوية. ولكن يمكن التفاوض بشأن تاريخها، كما يمكن التّفاوض بشأن المرحلة الانتقالية، وفق ما سبق ذكره، وذلك كلّه في صالح الجزائر ومقصد بناء الجمهورية الثانية.
اعتبار النظام موعد 4 يوليو حيوياً لا يعني البتة أنّه مفصلي، وهو ما يشكّل، بالنّسبة للفاعلين على السّاحة، حاليا، الحراك والنظام، مدخلا لحوار/ تفاوض قادم أو البناء عليه نسقا يمكن الانطلاق منه لسماع كلّ طرف وجهة نظر الطّرف الآخر، ما يعني مقدّمة لتقارب الإرادتين من نقاط تقاطع ستكون هي المفصلية في أفق حلّ معضلة الانسداد الحالي. كما يُضاف إلى ما سبق الإشارة إليه أنّ قائد الأركان تحدّث، أخيرا، عن إجراء الانتخابات في "ظروفٍ مواتية"، ما أطلق العنان، حينها، لتلميحات أو تخمينات إلى إمكانية أن لا يكون ذلك التّاريخ مقدّسا أو مفصليا لمسار رسم حلول للانسداد.
لوحظ، منذ بدء الحراك، تطوّر في منحنى مواقف مؤسّسة الجيش ممّا يحدث في البلاد، وهو ما يعني أنّ المؤسّسة، كما قال قائد الأركان، وأكّدت عليه افتتاحية مجلة الجيش، لسان حال المؤسسة، بعيدة عن الانخراط في الفعل السياسي، على شاكلة ما دفعتها إليه أطرافٌ، في بداية تسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى مؤشّرين هامّين، حديثها عن انفتاحها على الحوار، أي قبولها مناقشة مبادرات ترد إليها من الحراك، وقول الرئيس المؤقّت (يتحدّث في إطار تناسق مواقف مع مؤسّسة الجيش) أنّ المطالب المرفوعة من الجزائريين مشروعة. وهي كلها، كما نرى، تجعل من الممكن الجلوس إلى طاولة تفاوضٍ، لرسم مسار بديل عن الانتخابات الرئاسية المقترحة في التاريخ المشار إليه. ومن جانب الحراك، بدأت التحرّكات لترجمة مطالب المتظاهرين باقتراح إشراك شخصيات توافقية في مسار حلّ الانسداد، بل وتقدّم بعضهم بمبادرات، وإن كانت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أو من أكاديميين. وهذا يعني، بالنّتيجة، أنّ الطّرف الثّاني فهم تلك الإشارات، كما يكون قد فهم أن ثمّة مساراتٍ للحوار قد تُفتح، يجب الولوج من خلالها إلى اقتراح بدائل، تكون في منطق البدء في مرحلة انتقالية، وإرجاء تاريخ الرّئاسيات إلى ما بعد 4 يوليو/ تموز المقبل.
بالنّتيجة، يكون مسار المرحلة الانتقالية قد ظهرت بوادره، وينتظر، فقط، تسجيل نقاط التقاطع بين الفاعلين، والانطلاق في إبراز العروض التّفاوضية، مع التسليم بأن المرحلة الانتقالية هي البديل عن موعدين، 4 و9 يوليو/ تموز، على التوالي، تاريخ الرّئاسيات وتاريخ انتهاء ولاية الرئيس المؤقت، والرّهان هو على عدم الدّخول في حالة شغور دستورية، من ناحية، والاستفادة، من ناحية أخرى، من قرابة الشهرين التي تفصلنا عن الموعدين في تفصيل
بقي من الوقت، إذن، حوالي الشهرين، يجب استغلالهما في إنضاج مبادراتٍ لطالما أشارت إليها شعارات الجزائريين في تظاهراتهم، وتضمنتها خطابات الممثلين الرسميين للنظام (قائد الأركان ورئيس الدولة المؤقت)، وهي مبادرات تجعل من الحوار، أيا كان شكله أو منطلقه، هدفا ومقصدا، كونه الوسيلة الاتصالية، من ناحية، ومقاربة حضارية لعرض المواقف ووزنها، من حيث القبول والرفض، أي القابلية للتسوية/ التنازل، وصولا إلى إقرار مبدأ تبادل الآراء لإيجاد حلّ للانسداد، من ناحية ثانية.
لا يمكن اعتقاد أنّ الانسداد السياسي الرّاهن بأمد زمني غير محدود، بل إنّ مجرّد تمسّك قيادة الأركان بالمبدأ الدّستوري لحلّ الأزمة يعني أن الموعدين المذكورين للانتخابات، ولنهاية عهدة الرئيس المؤقت، يشكلّان الهاجس الرّئيس المحفّز على الذّهاب إلى هذا الحوار، ومحاولة الإنصات لوجهتي نظر الحراك والنظام. ولعلّ روحانية شهر رمضان فرصة للقاءٍ يكون من ثماره انطلاق مسار هذا الحوار/ التّفاوض، ولو في جلسات الإنصات الأولى، ثم التّفاهم والاتّفاق على مبادئ تحكم الحوار، من حيث الممثّلين، الضمانات، رزنامة الجدول الزّمني ثم المقصد، وهو الدّخول في مرحلة انتقالية حقيقية، تنتهي بانتخاباتٍ تضمن العودة إلى الوضع السياسي الطبيعي، لكن بمبادئ مغايرة للتي سادت خلال العقدين الأخيرين.
من الأهميّة بمكان البدء في نشر هذا التفكير، والتّأكيد على حيويته، بسبب أن الموعدين على الأبواب، إضافة إلى أن ورشات العمل مضنية، وتحتاج إلى وقت طويل لتأطير الحراك، إبراز ممثّليه وإطلاق المبادرات أو ترسيمها، لتصبح وثيقة جامعة بمبادئ تشكّل عرض الحراك لحلّ الأزمة ورسم معالم المرحلة المقبلة، كما سيكون الوقت طويلا، بالنسبة للنظام، حيث عليه أن يؤكّد أن ثمّة بابا مفتوحا لهذا العمل، بتأكيد أنّ تاريخ الانتخابات الرّئاسية ليس مقدّساً، بل هو منطلق مقاربة حوارية/ تفاوضية لإيجاد "حلّ" أو "حلول" للأزمة، وفق ما تحدّث به قائد الأركان نفسه في أحد خطاباته. ويعد هذا العمل الحضاري تكملة لمسار أزمةٍ اتسمت بسلمية من جانب الحراك، وبمهنية، واستجابة للمطالب، وإن كانت جزئية، من النظام. وهو ما يمكن البناء عليه لإطلاق مسار الحل للأزمة وإدارتها بحضارية مماثلة، تكون بوصلة للتغيير ومقاربة
يحتاج الإصرار على الدفع نحو تبني هذا المسار الحواري إلى مرافقة من الإعلام الذي عليه أن يفتح نقاشات توعوية لمدى حيوية الخطوة، بالنسبة لإيجاد حل للأزمة، كما سيحتاج هذا الإصرار إلى ثقل شخصيات وطنية، تلقي برصيدها المعنوي على الساحة، لتشكل عامل الثقة بمقصد بناء الجمهورية الثانية. وخيارات النظام والحراك تضيق، كلما اتسع المدى الزمني للانسداد، وهي خيارات تتمحور، الآن، على البدء في الإصرار على حوارٍ غير مشروط، يكون منطلقه عدم قُدُسية تاريخ الانتخابات، ورهان هذا المسعى الحيوي هو الحفاظ على استقرار البلاد، وبعث الآلة الاقتصادية التي لا يمكنها الاستمرار في البطء الذي تدور فيه، مع ما لذلك كله من تبعات على الوضع الاجتماعي في المستقبل المنظور.
بدت روحانية الشهر الكريم واضحة في تظاهرات الجمعة الثانية عشرة التي أكّدت على إصرار من الحراك لإيصال مطالبه إلى مرحلة التجسيد، على الرغم من الحرارة والصيام، وهو ما يجب أن يُقابل، من النظام، بمبادرة فسح المجال للتأكيد على أن الانتخابات حيوية. ولكن يمكن التفاوض بشأن تاريخها، كما يمكن التّفاوض بشأن المرحلة الانتقالية، وفق ما سبق ذكره، وذلك كلّه في صالح الجزائر ومقصد بناء الجمهورية الثانية.