04 نوفمبر 2024
السعودية المتعثرة يمنياً وسبل الخروج من المستنقع
تصاعدت العقوبات الأميركية على طهران، وبدت الإدارة الأميركية حريصةً، أكثر من أي وقت مضى، على تصفير الاقتصاد الإيراني، وإنتاج طهران من النفط. تسبب رد فعل إيران، الرافض للعقوبات، في مزيد من التوتر، وبدا أن سلوكها يهدّد إمدادات النفط عبر مضيق هرمز، ما أدى إلى مزيد من الوجود العسكري في الخليج العربي بحجج تتعلق بتأمين مرور خُمس النفط العالمي. "التواطؤ السعودي - الإماراتي" في مساعدة العقوبات الأميركية الصارمة وتحفيزها، من وجهة نظر إيران، استتبعته زيادة هجمات الحوثيين على مصالح سعودية وإماراتية في اليمن وخارجه.
منذ مطلع العام الحالي، انتشرت حرب اليمن خارج حدودها، وشنّ الحوثيون هجمات صاروخية، وغارات بطائرات مسيّرة، على بلدات سعودية حدودية، ومدن داخلية أيضا، شملت العاصمة الرياض، وعلى الإمارات، وسفن النفط قبالة سواحلها. التطور المتسارع في قدرة الحوثيين على شن هجماتهم، متجاوزة الدفاعات الجوية السعودية والإماراتية، ومحققة أهدافها، فرض حالة من الردع المتبادل، وغيّر معادلة الحرب، ودفع الفاعلين الرئيسيين إلى إعادة تقييم الصراع، والتفكير في بدائل أخرى، انتعشت معها مجددا الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.
بدأت الإمارات سحبا تدريجيا لقواتها من مواقع لها في اليمن، بعد صفقة مع الحوثيين، بضوء أخضر إيراني، يلتزم خلالها هؤلاء بعدم مهاجمة الأراضي الإماراتية، أو قصف مقرّاتها
ومعسكراتها جنوب اليمن، تُوّج ذلك، مطلع شهر أغسطس/ آب الجاري، بتوقيع مذكرة تفاهم إماراتية إيرانية، لتعزيز التعاون الأمني على الحدود. فضّلت الإمارات عدم الاستمرار في دفع كلفة الحرب التي باتت تهدّد تماسك جبهتها الداخلية، وركّزت على محادثات السلام نأيا بالنفس في ظل التوتر المتصاعد في المنطقة، وقبل أن تجد نفسها في مواجهةٍ مباشرةٍ مع إيران هذه المرّة، وليس مع حلفائها من الحوثيين وحسب، سيما أنها تعتقد أن تدخلها في اليمن حقّق أهدافه في منع سيطرة الحوثيين على البلد بأسره، وبالتالي حال دون سيطرة إيرانية على مضيق باب المندب الاستراتيجي. أما السعودية التي أنفقت في هذه الحرب مليارات الدولارات، وباتت منشآتها الحيوية، وبنيتها التحتية، مستهدفة بانتظام من طائرات الحوثيين وصواريخهم المتطورة، بشكل متزايد، فإن المكاسب بالنسبة لها أقل وضوحًا.
خلال الأشهر الأخيرة، استمر الحوثيون في استهداف مواقع سعودية حيوية في محاولة للضغط على السعودية، لتحذو حذو شريكتها الإمارات، فتبدأ سحب قواتها من اليمن. وأخيرا، تلقت قوات التحالف في عدن ضربة موجعة، بعد استهداف طائرة حوثية مسيّرة وصاروخ باليستي قصير المدى، في الأول من أغسطس/ آب الجاري، عرضا عسكريا في قاعدة الجلاء التي تسيطر عليها قوات الحزام الأمني المدعومة إماراتيا، أدى إلى جرح العشرات، ومقتل حوالي 49 شخصا، من بينهم منير اليافي قائد قوات الحزام الأمني. واستهدف صاروخ باليستي بعيد المدى مدينة الدمام النفطية شرقي السعودية التي بدت مكشوفةً بشكل غير مسبوق أمام ضربات الحوثيين المتكرّرة.
طرح انسحاب الإمارات التي كانت أكثر كفاءة من الناحية العسكرية في اليمن، تساؤلات عن إمكانية استمرار الرياض في إدارة الحرب بنفسها، بعد أن بات قطع يد إيران على حدودها في اليمن أبعد من أي وقتٍ مضى، وحتى حين دفعت السعودية، في المناطق الحدودية الوعرة بين السعودية واليمن، مئات من حلفائها اليمنيين لاستعادة نقاط عسكرية استراتيجية من المقاتلين الحوثيين، كان حظّها من النجاح ضئيلا. ولم يعد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قادرا على دعم حليفه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في اليمن كما يجب، بعد تراكم تقارير تتهم السعودية بارتكابها انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان في اليمن، ولا عقد الصفقات معه لبيعه الأسلحة بسبب معارضةٍ شديدة من الكونغرس، لا تتوفر معها فرص كبيرة لترامب للالتفاف على قراراته، وليس من نيّة لدى أميركا وشركائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لشن حرب على الحوثيين الذين، على الرغم من هجماتهم في الخليج، لا يشكلون خطرا استراتيجيا تكتسب معه الحرب ضدهم شرعية دولية، على غرار الحرب الدولية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
أسهمت هجمات الحوثيين أخيرا في إفشال مساعي التهدئة، لكن صحيفة وول ستريت جورنال كشفت، في السادس من أغسطس/ آب الجاري، عن توجه سعودي إلى التفاوض مع الحوثيين مباشرة، وسرّا، لإنهاء الحرب في اليمن، وبما يسمح للسعودية بالخروج من الحرب، من دون أن ينظر إليها على أنها قد هُزمت أو أنها ضعيفة، وأن السعودية رحّبت بعرضٍ طرحه الحوثيون، يتضمن تعليق الهجمات باستخدام الطائرات المسيّرة، والصواريخ الباليستية، على المنشآت السعودية.
أسست المبادرة الخليجية العام 2011 لفشل العملية السياسية في اليمن، حين قامت على
المقايضة، والحلّ التوافقي التدريجي للأزمة اليمنية، وتحاشت معالجة انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكِبتْ في انتفاضة العام 2011، ومنحت المبادرة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ومعاونيه حصانةً من أي ملاحقة قانونية، ولم تشترط عليه التخلي، في المقابل، عن السياسة، ليستمر لاعبا سياسيا سلبيا حتى مقتله في ديسمبر/ كانون الأول العام 2017 على يد الحوثيين، بعد تحالفٍ معهم دام ثلاث سنوات. وفشلت الجولات التفاوضية اللاحقة في ترجمة اتفاق سلام دائم، أو حتى وقف دائم لإطلاق النار، إذ ظلت المسافة بعيدة بين ما تطالب به الحكومة اليمنية وقوات التحالف من جهة، وما يمكن للحوثيين، وحلفائهم، تقديمه أو القبول به، من جهة أخرى (تركّز الخلاف في مراحل متقدمة حول رغبة قيادة التحالف بالاحتفاظ بسيطرتها على جنوب اليمن، مع استعدادها للتخلي عن المناطق الشمالية، بما في ذلك صنعاء، للحوثيين الذين طالبوا بجلاء كامل لدول التحالف عن اليمن).
أهملت الجولات السياسية العديدة تمكين مؤسسات الدولة، ودعم اقتصاد البلاد لتحسين ظروف معيشة اليمنيين. عوضاً عن ذلك، استمر اليمنيون فريسة الاستقطاب السياسي، وجهود التعبئة التي قامت بها الجماعات المسلّحة. استمر انهيار العملية السياسية بعد أن غادر الملف اليمني حسابات الأطراف الداخلية المتصارعة، وأصبح جزءا من أوراق الصراع الدولي، والإقليمي، التي تجتاح المنطقة، وفي مقدمتها الصراع السعودي الإيراني. وقد عقّد اختطاف القرار اليمني المشهدين، السياسي والعسكري، وجعل قضية إيقاف الحرب، وإحلال السلام، مرهونة بمدى توافق الجهات الخارجية على تسوية سياسية ترضيها، وتحقق مصالحها وأجنداتها، قبل أن تُرضي الأطراف اليمنية.
بعد فشلها عسكريا، من المرجّح ألا تُفلح السعودية في مسعاها للخروج من المستنقع اليمني، بمجرد مفاوضاتها مع الحوثيين، المشكوك في قرارهم المستقل، إلا إن كان هؤلاء وسيلة لتفاوض مع إيران، ينزع فتيل الأزمة، ويعمل على تسوية الصراع السعودي الإيراني، تمهيدا لتحقيق استقرار شامل في المنطقة، يمتد ليشمل اليمن. عدا ذلك، تتفوق الإمارات على السعودية سياسيا، بعد أن تفوّقت عليها عسكريا.
منذ مطلع العام الحالي، انتشرت حرب اليمن خارج حدودها، وشنّ الحوثيون هجمات صاروخية، وغارات بطائرات مسيّرة، على بلدات سعودية حدودية، ومدن داخلية أيضا، شملت العاصمة الرياض، وعلى الإمارات، وسفن النفط قبالة سواحلها. التطور المتسارع في قدرة الحوثيين على شن هجماتهم، متجاوزة الدفاعات الجوية السعودية والإماراتية، ومحققة أهدافها، فرض حالة من الردع المتبادل، وغيّر معادلة الحرب، ودفع الفاعلين الرئيسيين إلى إعادة تقييم الصراع، والتفكير في بدائل أخرى، انتعشت معها مجددا الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.
بدأت الإمارات سحبا تدريجيا لقواتها من مواقع لها في اليمن، بعد صفقة مع الحوثيين، بضوء أخضر إيراني، يلتزم خلالها هؤلاء بعدم مهاجمة الأراضي الإماراتية، أو قصف مقرّاتها
خلال الأشهر الأخيرة، استمر الحوثيون في استهداف مواقع سعودية حيوية في محاولة للضغط على السعودية، لتحذو حذو شريكتها الإمارات، فتبدأ سحب قواتها من اليمن. وأخيرا، تلقت قوات التحالف في عدن ضربة موجعة، بعد استهداف طائرة حوثية مسيّرة وصاروخ باليستي قصير المدى، في الأول من أغسطس/ آب الجاري، عرضا عسكريا في قاعدة الجلاء التي تسيطر عليها قوات الحزام الأمني المدعومة إماراتيا، أدى إلى جرح العشرات، ومقتل حوالي 49 شخصا، من بينهم منير اليافي قائد قوات الحزام الأمني. واستهدف صاروخ باليستي بعيد المدى مدينة الدمام النفطية شرقي السعودية التي بدت مكشوفةً بشكل غير مسبوق أمام ضربات الحوثيين المتكرّرة.
طرح انسحاب الإمارات التي كانت أكثر كفاءة من الناحية العسكرية في اليمن، تساؤلات عن إمكانية استمرار الرياض في إدارة الحرب بنفسها، بعد أن بات قطع يد إيران على حدودها في اليمن أبعد من أي وقتٍ مضى، وحتى حين دفعت السعودية، في المناطق الحدودية الوعرة بين السعودية واليمن، مئات من حلفائها اليمنيين لاستعادة نقاط عسكرية استراتيجية من المقاتلين الحوثيين، كان حظّها من النجاح ضئيلا. ولم يعد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قادرا على دعم حليفه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في اليمن كما يجب، بعد تراكم تقارير تتهم السعودية بارتكابها انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان في اليمن، ولا عقد الصفقات معه لبيعه الأسلحة بسبب معارضةٍ شديدة من الكونغرس، لا تتوفر معها فرص كبيرة لترامب للالتفاف على قراراته، وليس من نيّة لدى أميركا وشركائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لشن حرب على الحوثيين الذين، على الرغم من هجماتهم في الخليج، لا يشكلون خطرا استراتيجيا تكتسب معه الحرب ضدهم شرعية دولية، على غرار الحرب الدولية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
أسهمت هجمات الحوثيين أخيرا في إفشال مساعي التهدئة، لكن صحيفة وول ستريت جورنال كشفت، في السادس من أغسطس/ آب الجاري، عن توجه سعودي إلى التفاوض مع الحوثيين مباشرة، وسرّا، لإنهاء الحرب في اليمن، وبما يسمح للسعودية بالخروج من الحرب، من دون أن ينظر إليها على أنها قد هُزمت أو أنها ضعيفة، وأن السعودية رحّبت بعرضٍ طرحه الحوثيون، يتضمن تعليق الهجمات باستخدام الطائرات المسيّرة، والصواريخ الباليستية، على المنشآت السعودية.
أسست المبادرة الخليجية العام 2011 لفشل العملية السياسية في اليمن، حين قامت على
أهملت الجولات السياسية العديدة تمكين مؤسسات الدولة، ودعم اقتصاد البلاد لتحسين ظروف معيشة اليمنيين. عوضاً عن ذلك، استمر اليمنيون فريسة الاستقطاب السياسي، وجهود التعبئة التي قامت بها الجماعات المسلّحة. استمر انهيار العملية السياسية بعد أن غادر الملف اليمني حسابات الأطراف الداخلية المتصارعة، وأصبح جزءا من أوراق الصراع الدولي، والإقليمي، التي تجتاح المنطقة، وفي مقدمتها الصراع السعودي الإيراني. وقد عقّد اختطاف القرار اليمني المشهدين، السياسي والعسكري، وجعل قضية إيقاف الحرب، وإحلال السلام، مرهونة بمدى توافق الجهات الخارجية على تسوية سياسية ترضيها، وتحقق مصالحها وأجنداتها، قبل أن تُرضي الأطراف اليمنية.
بعد فشلها عسكريا، من المرجّح ألا تُفلح السعودية في مسعاها للخروج من المستنقع اليمني، بمجرد مفاوضاتها مع الحوثيين، المشكوك في قرارهم المستقل، إلا إن كان هؤلاء وسيلة لتفاوض مع إيران، ينزع فتيل الأزمة، ويعمل على تسوية الصراع السعودي الإيراني، تمهيدا لتحقيق استقرار شامل في المنطقة، يمتد ليشمل اليمن. عدا ذلك، تتفوق الإمارات على السعودية سياسيا، بعد أن تفوّقت عليها عسكريا.