01 أكتوبر 2022
المقاول المنشق في مصر
كالموت، يعرفه كل إنسان، لكنه لا يكفّ عن مفاجأتنا حين يظهر متجلياً في وفاة قريب، كذلك كانت مفاجأة نشر الفنان والمقاول المصري، محمد علي، شهادته الصادمة عن كواليس الفساد وإهدار المال العام في ملف الإنشاءات التي تشرف عليها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية.
على الرغم من أن الإطار العام للمعلومات لا يحمل جديدا عن المتداول على نطاق واسع بين القريبين من الملفات السياسية والاقتصادية والإعلامية، إلا أن خروجه إلى العلن الشعبي العام كان تطوّراً بارزاً، خصوصا مع حمله هذا القدر من التفاصيل التي وصلت إلى ذكر أسماء المتورّطين في الجيش ورتبهم، وأسماء ووقائع تخص أفراداً من أسرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، فضلا عن الأرقام الصادمة التي شهدتها أعمال شركة واحدة، تشمل ملياري جنيه في فندقٍ بلا دراسات جدوى، وكذلك ربع مليار جنيه في استراحة رئاسية جديدة.
أسئلة مصداقية المتحدّث تطرح نفسها، خصوصا أنه كان شريكا للمنظومة العسكرية أكثر من 15 عاما. ولكن بسبب تدمير الثقة في المؤسسات القضائية والرقابية المستقلة، والتي أصبح الرئيس هو المتحكّم بتعيينات قياداتها بعد تعديلات دستورية وقانونية، لم تعد هناك جهة ثالثة يمكن الرجوع إليها. وهنا لا يبقى أمامنا إلا محاولة الترجيح، وتقوية المعلومات بتعدّد المصادر. في المقابل، يستشهد محمد علي بأن شخصا مثله له تاريخ معروف في مجالات المقاولات والتمثيل والإنتاج، ويملك أعمالاً بالمليارات، لا يوجد ما يدعوه إلى تصفيتها والخروج بهذا الشكل إلا صدق ما يروي..
ومن المهم هنا التأكيد أن الجدل بشأن التصنيف الأخلاقي لشخص المتحدّث ليس له أي منطق. بعض أهم وقائع الفساد الاقتصادي والسياسي في العالم كشفها شركاء فيها. كان إدوارد سنودن سنوات عاملاً ببرامج الرقابة الأميركية. وكان المصدر الذي أمد الصحافة الماليزية بملفات فساد الصندوق السيادي الذي وصل حجم النهب بها إلى 4.5 مليارات دولار شخصا اختلف مع لو تايك جو، شريك رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق. والذين سربوا "وثائق بنما" و"وثائق الجنة" لا يُستبعد أن منهم من كان ضالعا في شبكات الفساد نفسها. كما تعرف الأجهزة القضائية في العالم تعبيراتٍ مثل "الشاهد الملك"، وهو من يساعد في القضية نظير تخفيض فترة عقوبته.
اللافت هنا الانتقادات، أو التساؤل على أقل تقدير، بشأن اقتصاد القوات المسلحة قد تحول لقضية شعبية عامة قبل تفجر هذه القصة، وهذا هو تفسير تصريحات عبد الفتاح السيسي أخيرا، في حفل افتتاح مشروعات "الصوب الزراعية" في قاعدة محمد نجيب، حين شدّد على أن دور القوات المسلحة تنظيمي، ولا يعني بالضرورة الملكية لكل هذه المشاريع، كما تم إخراج مشهد يطلب فيه السيسي من رئيس شركة الوطنية للثروة الزراعية إخبار الجمهور بمرتبه، وهو ما يعني أن رسالة الموقف الشعبي الساخط، أو المتشكك على الأقل، قد وصلت بالفعل، وكانت قويةً إلى حد التعاطي معها بجدّية، ولو على المستوى الإعلامي.
دلالة سياسية مهمة أخرى أن هذا "المقاول المنشق" يكسر سردية سائدة أن السيسي قد تمكّن بالفعل من توحيد صفوف قواعده، بعد تعييناته قادة الأجهزة، مثل المخابرات العامة والرقابة الإدارية وغيرهما. وبالفعل لم يعد لدينا النمط "المباركي" من استقلال المؤسسات وتقاسم السلطات تحت مظلة تحكيم الرئيس، ما يسمح بهوامش حركة للمعارضين. وفي المقابل، أدّى تركز السلطة الشديد بيد حلقة ضيقة إلى بوادر تململ واسعة بين شخصياتٍ وفئاتٍ كانت داعمة للرئيس السيسي، حتى وقت قصير، وهو ما يستدعي من المعارضين التعامل بحكمة وهدوء مع هؤلاء العائدين الجدد.
لا توقعات بتغييرات درامية في مصر، ولكن ما حدث يضيف إلى تراكم متصاعد لا يمكن التنبؤ بمآلاته الأخيرة. لم تندلع ثورة يناير مباشرةً بسبب فيديو جثة خالد سعيد، أو بسبب تزوير انتخابات برلمان 2010، ولكن التفاعلات تتطلب وقتا وتعقيدا أكبر، ولعل الرسالة القوية للحدث الأخير قد وصلت إلى جميع الأطراف المعنية.
أسئلة مصداقية المتحدّث تطرح نفسها، خصوصا أنه كان شريكا للمنظومة العسكرية أكثر من 15 عاما. ولكن بسبب تدمير الثقة في المؤسسات القضائية والرقابية المستقلة، والتي أصبح الرئيس هو المتحكّم بتعيينات قياداتها بعد تعديلات دستورية وقانونية، لم تعد هناك جهة ثالثة يمكن الرجوع إليها. وهنا لا يبقى أمامنا إلا محاولة الترجيح، وتقوية المعلومات بتعدّد المصادر. في المقابل، يستشهد محمد علي بأن شخصا مثله له تاريخ معروف في مجالات المقاولات والتمثيل والإنتاج، ويملك أعمالاً بالمليارات، لا يوجد ما يدعوه إلى تصفيتها والخروج بهذا الشكل إلا صدق ما يروي..
ومن المهم هنا التأكيد أن الجدل بشأن التصنيف الأخلاقي لشخص المتحدّث ليس له أي منطق. بعض أهم وقائع الفساد الاقتصادي والسياسي في العالم كشفها شركاء فيها. كان إدوارد سنودن سنوات عاملاً ببرامج الرقابة الأميركية. وكان المصدر الذي أمد الصحافة الماليزية بملفات فساد الصندوق السيادي الذي وصل حجم النهب بها إلى 4.5 مليارات دولار شخصا اختلف مع لو تايك جو، شريك رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق. والذين سربوا "وثائق بنما" و"وثائق الجنة" لا يُستبعد أن منهم من كان ضالعا في شبكات الفساد نفسها. كما تعرف الأجهزة القضائية في العالم تعبيراتٍ مثل "الشاهد الملك"، وهو من يساعد في القضية نظير تخفيض فترة عقوبته.
اللافت هنا الانتقادات، أو التساؤل على أقل تقدير، بشأن اقتصاد القوات المسلحة قد تحول لقضية شعبية عامة قبل تفجر هذه القصة، وهذا هو تفسير تصريحات عبد الفتاح السيسي أخيرا، في حفل افتتاح مشروعات "الصوب الزراعية" في قاعدة محمد نجيب، حين شدّد على أن دور القوات المسلحة تنظيمي، ولا يعني بالضرورة الملكية لكل هذه المشاريع، كما تم إخراج مشهد يطلب فيه السيسي من رئيس شركة الوطنية للثروة الزراعية إخبار الجمهور بمرتبه، وهو ما يعني أن رسالة الموقف الشعبي الساخط، أو المتشكك على الأقل، قد وصلت بالفعل، وكانت قويةً إلى حد التعاطي معها بجدّية، ولو على المستوى الإعلامي.
دلالة سياسية مهمة أخرى أن هذا "المقاول المنشق" يكسر سردية سائدة أن السيسي قد تمكّن بالفعل من توحيد صفوف قواعده، بعد تعييناته قادة الأجهزة، مثل المخابرات العامة والرقابة الإدارية وغيرهما. وبالفعل لم يعد لدينا النمط "المباركي" من استقلال المؤسسات وتقاسم السلطات تحت مظلة تحكيم الرئيس، ما يسمح بهوامش حركة للمعارضين. وفي المقابل، أدّى تركز السلطة الشديد بيد حلقة ضيقة إلى بوادر تململ واسعة بين شخصياتٍ وفئاتٍ كانت داعمة للرئيس السيسي، حتى وقت قصير، وهو ما يستدعي من المعارضين التعامل بحكمة وهدوء مع هؤلاء العائدين الجدد.
لا توقعات بتغييرات درامية في مصر، ولكن ما حدث يضيف إلى تراكم متصاعد لا يمكن التنبؤ بمآلاته الأخيرة. لم تندلع ثورة يناير مباشرةً بسبب فيديو جثة خالد سعيد، أو بسبب تزوير انتخابات برلمان 2010، ولكن التفاعلات تتطلب وقتا وتعقيدا أكبر، ولعل الرسالة القوية للحدث الأخير قد وصلت إلى جميع الأطراف المعنية.