01 أكتوبر 2022
سارقو الدموع .. موقعة سارة حجازي نموذجاً
في قصيدته "مديح الظل العالي"، يخاطب محمود درويش مجازاً الإسرائيلي: سرقت دموعنا يا ذئب/ تقتلني وتدخل جثتي وتبيعها.
وفي واقعنا سارقو دموع جدد، يظهرون مع كل موجة تضامن مع قضايا يرونها خارج رؤاهم الأحادية. ويمكن تلخيص هذا النمط في مغالطتين متكرّرتين، الأولى توهم تعارض القضايا. في مقال نشرته "مدونات الجزيرة" بعنوان "التضامن بالإكراه"، يتساءل الكاتب أواب المصري: لماذا لم نشهد الحزن نفسه على سارة حجازي على فتاة فلسطينية قُتلت برصاصة طائشة من تجار مخدرات... وبغض النظر عن تعمده تكرار "الشاذّة الملحدة" بصيغة لا تخلو من تحقير، فمن افترض أصلا وجود تعارض؟ هل التعاطف رصيدٌ في البنك يمكن أن ينفد؟ وبالتأكيد حين ترحّم معارف الفتاة الفلسطينية عليها لم تظهر جحافل ساخرة وشامتة ضد من لم تؤذهم قط. وبالمنطق نفسه، يمكن أن نسأل الكاتب: وهل ترحمت على برازيلية فقيرة ماتت بفيروس كورونا؟ هل هناك كشفٌ يومي بكل مظلومي العالم لتوزيع التعاطف بعدالة؟ يكرر الكاتب تساؤله العبثي مقارنا بين سارة والسوريات المشردات، وللمفارقة فإن سارة نفسها لها صور في مظاهرات تدعم الثورة السورية.
وعلى النهج نفسه، خصص الكاتب وائل قنديل مقاله في "العربي الجديد" "كلهم شهداء إلا مرسي"، لانتقاد أي حركة أو كلمة غير رثاء الرئيس محمد مرسي في ذكراه، ووضع ما حدث في سياق أقرب إلى التعمد قائلاً: "ثمّة من يناضلون منذ أيام من أجل تهميش الذكرى، والتشويش على الحدث". ويلفت قنديل إلى مفارقة أنه "بعد الإعلان عن مشروع مؤسسة محمد مرسي للدفاع عن الديمقراطية في لندن، يتم على الفور الإعلان عن وقفة بالشموع، في لندن أيضًا، وفي التوقيت ذاته، تكريمًا لفتاة الميم". وهنا لا نفهم هل كان من المفروض على أصدقاء سارة الصمت التام، لأنه تصادف انتحارها مع هذا التوقيت؟ أم أنه كان على سارة نفسها أن تغير موعد انتحارها! وما هو وجه التعارض أصلا؟ نشطت سارة نفسها في قضايا سياسية متعدّدة، كانت عضوا في حزب العيش والحرية، اليساري المعارض، وآخر مقال كتبته كان عن مستقبل الرأسمالية والنيوليبرالية بعد كورونا. ولماذا لا يكونون "كلهم شهداء" الاستبداد، بمن فيهم مرسي وسارة، هل هناك كشفٌ محدّد العدد؟
المغالطة الثانية توهم المظلومية عبر مغالطة "رجل القش"، الرد على وقائع غير موجودة أصلا. كتب مدون "الجزيرة" إن القضية تتعلق "بالترهيب والضغط النفسي" الذي يمارسه المتعاطفون مع سارة. .. فليخبرنا السيد أواب ما هو بالضبط الترهيب الذي تعرّض له؟ وبالعكس، تكشف أبسط جولة في مواقع التواصل فورا شلال الترهيب الحقيقي، من سُباب ولعن وتهديد، الذي تعرّض له فقط من أبدوا حزنا على صديقتهم. .. ثم يصل الكاتب إلى قمة التناقض قائلا إن الممارسات التي حدثت "لا تقلّ قمعا عن تلك التي تمارسها الأنظمة الاستبدادية". هكذا تصبح فتاة ضعيفة مساوية للجلادين، ويصبح من لا يملك إلا حسابه على "فيسبوك" مساوياً لمن يملك البلاد والعباد. وبالمثل، ينتقد وائل قنديل ممارسات "الجبر والإرهاب الفكري". ومرّة أخرى، نسأله هل كتب نعيا للرئيس الراحل، فتلقى حملةً منظمةً لإجباره على الكتابة عن سارة؟ أين هو الإرهاب الفكري المخيف الذي تعرّض إليه؟
كشفت موقعة سارة من جديد عن ارتباك من يرون أنفسهم أصحاب "السيادة على المجال العام"، مشكلتهم مع غيرهم مجرّد وجوده لا أفعاله.
يرفع السود الأميركيون شعار "حياة السود مهمة"، فيرفع العنصريون "كل الحيوات مهمة". تمنح قوانين النساء في بلادنا أقل القليل من حقوقهن، فيتباكى ذكوريون على الرجال المساكين (وليست مصادفة أن لأواب مقالًا ضد النسوية). يتضامن مصريون مع الأقباط بعد تفجيرات إرهابية للكنائس، فيحتجّ طائفيون بأن المسلمين هم المضطَهدون.
وفي الموقعة الأخيرة كان الهجوم الهائل على كل من كتب فقط "ربنا يرحمها" ليس مردّه الغيرة على الدين، بل الغضب من مجرّد الجهر بوجود من نحتقره، فما بالنا أن يرى أحد "أصحاب السيادة" شخصا يضع صورة علم قوس قزح، مجرّد ظهوره على "تايملاينه" هو بالنسبة له قمة الترهيب والإجبار!
تحتاج بلادنا استبدال صراعات السيادة على المجال العام بأفكار مشاركة المجال العام. لا منتصرون ومهزومون، بل جميعا متشاركون.
في قصيدته، يتعجب درويش من "القاتل الباكي على شيء يحيّرنا..".
وعلى النهج نفسه، خصص الكاتب وائل قنديل مقاله في "العربي الجديد" "كلهم شهداء إلا مرسي"، لانتقاد أي حركة أو كلمة غير رثاء الرئيس محمد مرسي في ذكراه، ووضع ما حدث في سياق أقرب إلى التعمد قائلاً: "ثمّة من يناضلون منذ أيام من أجل تهميش الذكرى، والتشويش على الحدث". ويلفت قنديل إلى مفارقة أنه "بعد الإعلان عن مشروع مؤسسة محمد مرسي للدفاع عن الديمقراطية في لندن، يتم على الفور الإعلان عن وقفة بالشموع، في لندن أيضًا، وفي التوقيت ذاته، تكريمًا لفتاة الميم". وهنا لا نفهم هل كان من المفروض على أصدقاء سارة الصمت التام، لأنه تصادف انتحارها مع هذا التوقيت؟ أم أنه كان على سارة نفسها أن تغير موعد انتحارها! وما هو وجه التعارض أصلا؟ نشطت سارة نفسها في قضايا سياسية متعدّدة، كانت عضوا في حزب العيش والحرية، اليساري المعارض، وآخر مقال كتبته كان عن مستقبل الرأسمالية والنيوليبرالية بعد كورونا. ولماذا لا يكونون "كلهم شهداء" الاستبداد، بمن فيهم مرسي وسارة، هل هناك كشفٌ محدّد العدد؟
المغالطة الثانية توهم المظلومية عبر مغالطة "رجل القش"، الرد على وقائع غير موجودة أصلا. كتب مدون "الجزيرة" إن القضية تتعلق "بالترهيب والضغط النفسي" الذي يمارسه المتعاطفون مع سارة. .. فليخبرنا السيد أواب ما هو بالضبط الترهيب الذي تعرّض له؟ وبالعكس، تكشف أبسط جولة في مواقع التواصل فورا شلال الترهيب الحقيقي، من سُباب ولعن وتهديد، الذي تعرّض له فقط من أبدوا حزنا على صديقتهم. .. ثم يصل الكاتب إلى قمة التناقض قائلا إن الممارسات التي حدثت "لا تقلّ قمعا عن تلك التي تمارسها الأنظمة الاستبدادية". هكذا تصبح فتاة ضعيفة مساوية للجلادين، ويصبح من لا يملك إلا حسابه على "فيسبوك" مساوياً لمن يملك البلاد والعباد. وبالمثل، ينتقد وائل قنديل ممارسات "الجبر والإرهاب الفكري". ومرّة أخرى، نسأله هل كتب نعيا للرئيس الراحل، فتلقى حملةً منظمةً لإجباره على الكتابة عن سارة؟ أين هو الإرهاب الفكري المخيف الذي تعرّض إليه؟
كشفت موقعة سارة من جديد عن ارتباك من يرون أنفسهم أصحاب "السيادة على المجال العام"، مشكلتهم مع غيرهم مجرّد وجوده لا أفعاله.
يرفع السود الأميركيون شعار "حياة السود مهمة"، فيرفع العنصريون "كل الحيوات مهمة". تمنح قوانين النساء في بلادنا أقل القليل من حقوقهن، فيتباكى ذكوريون على الرجال المساكين (وليست مصادفة أن لأواب مقالًا ضد النسوية). يتضامن مصريون مع الأقباط بعد تفجيرات إرهابية للكنائس، فيحتجّ طائفيون بأن المسلمين هم المضطَهدون.
وفي الموقعة الأخيرة كان الهجوم الهائل على كل من كتب فقط "ربنا يرحمها" ليس مردّه الغيرة على الدين، بل الغضب من مجرّد الجهر بوجود من نحتقره، فما بالنا أن يرى أحد "أصحاب السيادة" شخصا يضع صورة علم قوس قزح، مجرّد ظهوره على "تايملاينه" هو بالنسبة له قمة الترهيب والإجبار!
تحتاج بلادنا استبدال صراعات السيادة على المجال العام بأفكار مشاركة المجال العام. لا منتصرون ومهزومون، بل جميعا متشاركون.
في قصيدته، يتعجب درويش من "القاتل الباكي على شيء يحيّرنا..".