2021 سنة سعيدة للاحتلال والاستبداد
يمكن أن يوصف العام 2021 الذي يلملم أوراقه للانصراف بأنه كان عام اغتيال الرواية الحقيقية، وتسييد الرواية الكاذبة، الفاسدة. يمكن، أيضًا، أن تضع له عنوانًا عريضًا من كلمتين: الجريمة تفيد. بل ثبت باليقين أن الجريمة تفيد جدًا، وتجعل من مرتكبيها أصدقاءً وحلفاء لكل من أظهروا يومًا تعاطفًا مع ضحايا الجرائم.
كانت سنةً حلوة للاستبداد والاحتلال والفساد، وجد فيها العدل نفسه غريبًا ومرفوضًا، بينما الظلم يرتع ويعربد ويقطف الثمار ويتلقّى الجوائز والمخالفات. كانت سنةً بطعم العلقم، كبيسة وكابوسية للقابضين على جمرة الحلم بتغيير ديمقراطي عربي، مجهض ومؤجّل منذ عشر سنوات، تلقّى خلالها عشرات الطعنات واللكمات والخيانات، لكنه لا يزال مخيفًا للطغاة ومرعبًا للجبابرة، على الرغم من أنه لم يبق منه سوى ملامح شبّان تشيب وتشيخ في غياهب السجون، وأضغاث صور غرافيتي تلفظ أنفاسها الأخيرة فوق حوائط مزروعةٍ بالخوف، ممنوع الاقتراب منها أو تصويرها.
كانت سنةً سعيدةً على عبد الفتاح السيسي وبشار الأسد وخليفة حفتر في ليبيا، والحفتر المدني الجديد الصاعد في تونس على أكتاف كهنة معبد الثورات المضادّة.
يتمدّد السيسي وينتعش محاطًا بعرابين الصداقة وهدايا التعاون من كل الذين اكتسبوا قيمتهم الإنسانية ومكانتهم الحضارية من البقاء في منأىً عن مشروعه الدموي الفاشي، المؤسّس على القتل والإبادة واستحلال الخصوم والمعارضين، حياتهم وأموالهم وممتلكاتهم وسمعتهم.
فجأةً، وجد السيسي نفسه محاصرًا بدعوات التصالح والصداقة، وإسقاط الرواية الحقيقية لما جرى، وإسكات كل من يردّدونها أو يحاولون الاحتفاظ بها حية بمواجهة الرواية الأخرى للمأساة، فأجبرت النوافذ على الصمت، أو تغيير الخطاب بما لا يعكّر صفو الصداقة الناشئة.
كان أثمن ما حصل عليه السيسي، وأغلى ما حققه من مكاسب، السعي التركي الرسمي الحثيث إلى طي الصفحة، وفتح صفحة جديدة، وتدشين علاقة تدفئها حقول الغاز وتنعشها رائحة المصالح، وهي العلاقة التي أرهقتها لغة المبادئ وأبجدية المواقف الأخلاقية على مدار ثماني سنوات. وبانفتاح أنقرة على السيسي، انفتحت أمامه، بالتتابع، أبوابٌ أخرى، كانت مغلقة، ولم يكن أحد يظن أنها ستفتح بهذه السهولة.
الأمر نفسه، تجده مع بشار الأسد، الذي عاش عامًا هو الأمتع والأكثر رغدًا، بعد أعوام من العزلة، بقي فيها بلا صديق، سوى شريكيه في جريمة إبادة الشعب السوري، موسكو وطهران وبالتبعية حزب الله.
ها هو بشار الآن يستقبل وفود أصدقاء اليوم، أعداء الأمس، ويقف أمام خزانة ملابسه محتارًا، ماذا يرتدي في أول قمةٍ عربيةٍ تنعقد بحضوره بعد سنوات من الاستبعاد وتعليق العضوية، عقابًا على جرائم ضد الإنسان السوري.
في ليبيا، يستعد ابن القذافي، وخليفة حفتر لدخول سباق الانتخابات الرئاسية، على الرغم من مشكلات قانونية وقضائية تؤثر على حظوظ الأخير، وهي العملية التي ستجرى تحت رعاية الأمم المتحدة، والشركاء/ الفرقاء الإقليميين اللاعبين في الساحة الليبية، ومن يربح سيكون مدعومًا ومعترفًا بشرعيته من كل هؤلاء، حتى وإن كان تاريخه كله سلسلةً من الجرائم.
الاحتلال الصهيوني، كذلك، يأتي في طليعة الرابحين في 2021 إذ بات يمحص ويدقق في قوائم المطبّعين، ويتخيّر منها الأكثر نفعًا وفائدة، بعد عقود من التوسّل والتسول بحثًا عمن يقبل ببعض التطبيع الخجول.
الآن، يجد الاحتلال نفسه مصدرًا للسلاح وللسلطة، ومفتاحًا لمرور النظام الرسمي العربي إلى العالم، من دونه يبقى الحاكم العربي تحت تهديد تقارير الإدانة لملف حقوق الإنسان، وبه تنحلّ العقد وتزال العقبات، شريطة دفع الثمن مقدّمًا، في صورة صفقات تطبيع، معلنة أو مخفية، حتى أبت السنة أن ترحل إلا بصفعةٍ من رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينت، على وجه النظام العربي كله، بإعلانه، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية: "بصورة قاطعة، توجد لإسرائيل عاصمة واسمها القدس، وهي عاصمة فقط لدولة إسرائيل. وهي ليست عاصمة لدولة أخرى. لذلك لا مكان لقنصلية فلسطينية في القدس".
يتجوّل هذا الشخص اليميني المتطرّف في بعض عواصم العرب، في الوقت الذي يحب، ويُستقبل في قصور حكام عرب، حليفًا وصديقًا وشريكًا، ولا يهتزّ لأحدهم جفن، بل يخرج على شعبه مباهيًا بأنه الأكثر قربًا منه. ومن الناحية الأخرى، يحاول بشتى السبل إظهار أن الأجدر والأقدر على احتواء المقاومة الفلسطينية وإخضاعها لأمر واقع صهيوني جديد يقوم على مبدأ: الأرض مقابل الأموال والمساعدات والمنح.