يحاول "الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة" أن يكون جزءاً رئيسياً من المعادلة السياسية في الشمال الشرقي من سورية، أو ما بات يُعرف اصطلاحاً بـ"شرقي الفرات"، المنطقة الأكثر غنى بالثروات في عموم البلاد، وذلك من خلال تشكيل مجالس سياسية للمحافظات الثلاث التي تشكل هذه المنطقة وهي: الرقة ودير الزور والحسكة، والخاضعة جلها لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي يتولى الجانب الكردي مهام قيادتها وتوجيهها. ولم يكد يشرع الائتلاف أخيراً في الخطوة التي اعتبرها "استراتيجية" كون المنطقة تتعرّض لمخاطر جدية، حتى طفت على السطح خلافات جوهرية، دفعت عدداً من الشخصيات التي اختارها الائتلاف لعقد حوارات تشاورية في هذا الإطار، للانسحاب من المهمة. ويفتح ذلك الباب أمام تساؤلات عن جدوى خطوة الائتلاف، التي يُنظر إليها على أنها متأخرة ولا يبدو أنها لا تأخذ بالاعتبار الكثير من المتغيرات التي عصفت بالمنطقة التي باتت تحت النفوذ الأميركي.
واختار "الائتلاف السوري" قبل أيام، 55 شخصية من عموم محافظة دير الزور، جلهم موجودون خارج سورية، من أجل تشكيل "مجلس سياسي" للمحافظة. وبمجرد إعلان قائمة الأسماء، انسحب عدد منها بسبب عدم عِلم أصحابها أو استشارتهم ليكونوا ضمن المشروع. من جهته، أكد "التحالف العربي الديمقراطي في الجزيرة والفرات"، في بيان، أنّ المشاركة في الحوار الذي بدأه الائتلاف "لا تعني الانخراط في أي مجلس سياسي خارج التحالف".
وكان "الائتلاف السوري" اختار 29 شخصية معارضة من محافظة الرقة للغاية نفسها، لكن سرعان ما أعلن 21 من هؤلاء في بيان الانسحاب "بسبب الظروف الغامضة التي اختيرت بها أسماء اللجنة التحضيرية". واعتبر البيان هذه اللجنة "بحكم الباطلة"، مشيراً إلى أنّ "من يقرر مصير الرقة ويتحدث باسمها، هم الأحرار الشرفاء من أهلها بعيداً عن أي مصالح ضيقة أو أجندات خارجية".
اتجاه لاختيار مجلس واحد للمنطقة الشرقية من سورية
ووفق مصادر قريبة ممن تم التواصل معهم، رفض المنسحبون "العمل تحت مظلة أشخاص لم يقدموا شيئاً للثورة السورية طيلة سنوات من العمل السياسي في الائتلاف الوطني السوري، ومن ثم لم يعد لديهم ما يقدموه للرقة أو للمنطقة الشرقية". ولكن "الائتلاف السوري" أكد أنه مستمر في هذه المهمة "الاستراتيجية" من أجل تشكيل مجالس سياسية للمحافظات الثلاث ينبثق عنها مجلس واحد يمثل المنطقة الشرقية من سورية.
وفي السياق، أشار نائب رئيس "الائتلاف الوطني السوري المعارض" عقاب يحيى، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "لجنة الجزيرة والفرات" (التابعة للائتلاف) هي أكبر لجان "الائتلاف الوطني السوري"، لافتاً إلى أنه "لم يُتخذ بعد أي قرار بتشكيل مجلس سياسي لمحافظة دير الزور أو الرقة والحسكة". وأوضح: "هذا الأمر متروك للذين يشاركون في الحوارات التشاورية التي يديرها الائتلاف". وبيّن يحيى أنه "تمّ اختيار عدد كبير من الشخصيات المقبولة اجتماعياً في هذه المحافظات، وهم من يختارون أعضاء المجالس المحلية التي ستشكل لوضع برامج لمستقبل هذه المنطقة" الأكثر أهمية في سورية نظراً لغناها بالثروات ولموقعها الاستراتيجي في الجغرافيا السورية. وأشار إلى أنّ "النية تتجه لاختيار مجلس واحد للمنطقة الشرقية من سورية، التي تضم المحافظات الثلاث"، واعتبر أنّ "وجود حزب العمال الكردستاني في الشمال الشرقي من سورية، بمثابة احتلال"، مؤكداً أنّ "أهالي المنطقة أولى بإدارتها من غيرهم".
وقال يحيى إن "محافظتي دير الزور والرقة وجزءا من محافظة الحسكة، عربية خالصة"، متسائلاً "ما معنى وجود مقاتلي قنديل (في إشارة إلى معقل حزب العمال الكردستاني) فيها". وأضاف "المنطقة الشرقية من سورية تتعرض لمخاطر جدية من خلال فرض سلطة الأمر الواقع، المتمثلة بحزب الاتحاد الديمقراطي، لمنظومته الفكرية والسياسية على أهالي هذه المنطقة". ولم ينكر يحيى وجود خلافات بين الشخصيات التي اختيرت من أجل تشكيل المجالس الاستشارية، معتبراً هذا الأمر "طبيعياً في ظل التنوع الكبير الموجود". وأكد: "مستمرون في هذا المهمة التي نعتبرها استراتيجية، وقد قطعنا خطوات، ولدينا تفاؤل كبير بتحقيق نجاح"، معتبراً أنّ "حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري والإيرانيين متضررون من هذا المشروع، لذا يحاولون إعاقته من خلال ماكينات إعلامية كبيرة لا يملك الائتلاف الوطني مثلها".
انسحاب عدد من الشخصيات المختارة لعقد حوارات تشاورية
وحول الدعوة التي أطلقها "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، الجناح السياسي لـ"قسد"، للحوار مع الائتلاف أخيراً، أشار يحيى إلى أنّ "المجلس الوطني الكردي" وهو من مكونات الائتلاف، منخرط منذ أشهر بالحوار مع أحزاب "الإدارة الذاتية" الكردية "ولكن من دون نتائج حتى اللحظة". وأضاف: "لقد وضع المجلس الوطني الكردي شروطاً لإنجاح الحوار، لم توافق هذه الأحزاب حتى اللحظة عليها، أبرزها فك الارتباط بين قسد والنظام السوري وحزب العمال الكردستاني، وإلغاء التجنيد الإجباري، والإفراج عن المعتقلين". وأكّد يحيى أنّ الائتلاف "ليس لديه موقف إيجابي اتجاه التفاوض مع مسد، إلا إذا خرج مقاتلو قنديل من سورية"، مضيفاً: "إذا حدث ذلك فلكل حادث حديث، وفي السياسة هناك متغيّرات".
ولم يعر "الائتلاف الوطني السوري" الكثير من الاهتمام لمحافظات المنطقة الشرقية، التي باتت اليوم هدفاً لمشاريع سياسية عديدة تستهدف تغيير هويتها. وفي السياق، قالت مصادر محلية في مدينة الرقة لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يُعول كثيراً على الخطوة التي شرع بها الائتلاف أخيراً"، مشيرةً إلى أنّ "تشكيل مجالس من أناس هم خارج المنطقة الشرقية لا أهمية له". وأعربت المصادر نفسها عن اعتقادها بأنّ "من الأفضل فتح حوار مع الجانب الأميركي لانتخاب مجالس محلية داخل هذه المنطقة وليس من خارجها".
وتبلغ مساحة المنطقة الشرقية من سورية التي تضم المحافظات الثلاث (الرقة، دير الزور، الحسكة) نحو 76 ألف كيلومتر مربع، أي أقل بقليل من نصف مساحة سورية البالغة نحو 180 ألف كيلو متر مربع. وتضم هذه المحافظات جل الثروات البترولية والزراعية والمائية والحيوانية في سورية. وتسيطر قوات "قسد" على جل منطقة "شرقي الفرات"، إذ تسيطر على كامل محافظة الحسكة، باستثناء مربعين أمنيين للنظام وعدة قرى في محيط مدينتي الحسكة والقامشلي. بينما يسيطر النظام على ريف الرقة جنوب نهر الفرات باستثناء شريط من القرى تتموضع على الجانب الأيمن من نهر الفرات. كما تسيطر قوات النظام على جانب من ريف الرقة الجنوبي الشرقي، وجانب من ريف دير الزور الغربي جنوب النهر، إضافة إلى مدينة دير الزور مركز المحافظة مترامية الأطراف.
إلى ذلك تسيطر المليشيات الإيرانية على معظم ريف دير الزور الشرقي بدءاً بمدينة الميادين وانتهاء بمدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية. وتعرضت المنطقة الشرقية لجملة متغيرات منذ عام 2011، ولا سيما بعدما سيطر عليها تنظيم "داعش" لسنوات عدة بدءاً من عام 2014.