يعيش اليمين الألماني المتطرف وضعاً سيئا هذه الأيام بسبب توجه جهاز الاستخبارات الألمانية الداخلية، الموكل إليه الحفاظ على الدستور ومنع عودة النظام الشمولي الذي ساد فترة النازية، ووضعه تحت المراقبة، واعتبار تطرفه تهديدا للبلد.
"البديل لأجل ألمانيا"، ثالث أكبر الأحزاب البلد، بعد "الديمقراطي المسيحي" و"الاجتماعي الديمقراطي، وأكبر أحزاب المعارضة البرلمانية، بات تحت المجهر في عام انتخابي ألماني حاسم (في سبتمبر/أيلول المقبل).
فجهاز الاستخبارات (المكتب الاتحادي لحماية الدستور) المعروف اختصارا بـ "بي اف في" (BfV) بتصنيفه "البديل" في وضع "الشبهة" (Verdachtsfall)، كمتطرف مهدد للدستور، يمكن أن يؤدي إلى كارثة حزبية، وخصوصاً لناحية التزام القاعدة الجماهيرية الأوسع بالحزب، فوضع "مشبوه" يعني أن انفضاض مواطنين ألمان من حول الحزب، خشية على الوظائف.
جدير بالذكر أن من يُشك بتأييده النازية والتطرف القومي يخسر وظيفته في القطاع العام، من الأمن إلى المدارس، فموظفو الدولة يتوجب عليهم التوقيع على إقرار "حماية الدستور". وسياسياً، يمكن أن يؤدي وضع "البديل" في دائرة المراقبة إلى أن خضوع جميع ساسته، من حيث المبدأ، لمراقبة بالتنصت، واختراق عبر وكلاء سريين.
سنوات من التطرف
الحزب الذي بدأ عمله منذ تأسيسه في 2013 على أرضية معارضة الاتحاد الأوروبي، كغيره من أجنحة اليمين القومي المحافظ في أوروبا، تحول إلى أكبر الأحزاب المعارضة لسياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مجال الهجرة وحقق في انتخابات 2017 فوزا بنسبة 12.6 في المائة، وخلال فترة جائحة كورونا حقق شعبية في تصدره انتقاد الإجراءات الحكومية خلال عام من الوباء.
وتأتي الإجراءات الجديدة بحق الحزب بعد سنوات من المطبات الحزبية والسياسية التي عاشها اليمين المتطرف، وطاولت أحد أشهر قياديه، ومسؤول المجموعة البرلمانية عن البديل، ألكسندر غاولاند، الذي حاول التخفيف في 2017 من الحكم الشمولي النازي.
ويلعب جناح الشباب في الحزب دوراً كبيراً في جذب اهتمام فئات ألمانية إلى خطابه المعادي للمهاجرين، وينظر الجهاز الأمني الألماني بكثير من الشكوك إلى المنظمة الشبابية في البديل، باعتبارها أكثر ميلا للتطرف والتبني المبطن لخطاب النازية الجديدة.
وتشير التقارير الألمانية المتخصصة بعمل اليمين المتطرف في البلاد إلى أن "شباب البديل Junge Alternative" يتحمل مسؤولية كبيرة في إشاعة أجواء التطرف خارج النواة الصلبة المؤيدة للحزب.
وينشط الجناح الأكثر تطرفاً ونفوذا في "البديل" في بعض الولايات الشرقية، ويُعرف على المستويين الأمني والسياسي باسم "دير فولغل" (Der Flügel الجناح).
ورغم أن الحزب حل "الجناح" الأكثر تطرفاً، بعد أن وجهت اتهامات لمتزعم سابق في الحزب، أندرياس كابليتز بيورن هوكه، (منظر متطرف ومؤيد لنظرية المؤامرة على العرق الأبيض)، بارتباطه بجماعات عنف نازية، ما اضطر الحزب لإقصائه في 2019، إلا أن رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية، توماس هالدينفانغ، يعتقد بأن نفوذ هوكه، وغيره من أصحاب الارتباطات النازية، ما يزال سارياً.
واعتبر أن الإبعاد عن الحزب "ما هو إلا لعبة للتغطية، حيث تستمر الشخصيات بلعب دور مشعلي الحرائق، ويلعبون دوراً في صراع الأجنحة داخل الحزب".
ووفقا لما نقلت "شبيغل" وغيرها من وسائل إعلام ألمانية وأوروبية، يؤكد المسؤول الأمني الألماني أن وجود هذا التجاذب اليميني المتطرف في داخل "البديل" هو أحد الأسباب التي أدت إلى وضعه في موضع "المشبوه".
وتأتي وضعية "تحت المراقبة" على خلفية تقرير مؤلف من ألف صفحة أعده الجهاز الأمني، خلال عامين من العمل، خلص إلى أن إثارة شكوك حول ما إذا كان البديل ملتزما بقواعد اللعبة الديمقراطية، وذلك بسبب إشاعة أفكار يمينية متطرفة في الحزب.
واستند التقرير الاستخباري الألماني أيضاً على رصد أنشطة وتصريحات ومساهمة على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لبعض الشخصيات المؤثرة في الحزب.
الوصول بالعنف
والمقلق، وفقاً لرئيس الجهاز الأمني هالدينفانغ، أن "بعض شخصيات الحزب كانت تغازل فكرة الوصول إلى السلطة عبر عمليات ثورية، ومن بين تلك الأفكار التي يشيعها أعضاء الحزب داخلياً أنه إذا لم يتمكن البديل من الوصول إلى أهدافه عبر السياسة فليكن عبر الخوذ الفولاذية"، بحسب ما نقلت عنه "دير شبيغل" يوم الأربعاء الماضي 3 مارس/آذار.
واعتبر التقرير المشار إليه أن شخصيات في البديل استغلت جائحة كورونا لتعزيز استغلال الحركة الاحتجاجية منذ العام الماضي. وأكد هالدينفانغ على أن "كثيرا من التصريحات والمواقف في الحزب تستهدف مبادئ الحرية والديمقراطية، ولدينا الكثير من الأدلة لوضع البديل في المراقبة".
من ناحية ثانية، أيدت أحزاب ألمانية وجماعات دينية، وبشكل خاص اليهودية الألمانية، وضع الشبهة الجديد لحزب البديل، فقد عبر الأمين العام للحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني، لارس كلينغبيل، عن ترحيبه بوضع البديل تحت المراقبة.
واعتبر كلينغبيل أن "التطرف اليميني في الحزب أصبح أكثر وضوحا خلال السنوات الماضية". وإلى جانب ترحيب الجالية اليهودية بالقرار، حيث تتهم منظمته الشبابية وبعض ساسة الحزب بـمعاداة السامية"، رحب الحزب الليبرالي "الديمقراطي الحر" على لسان أحد قياديه، ستيفان توماي، بالقرار باعتباره تعبيرا عن أنه "الديمقراطية الجاهزة للدفاع عن نفسها، و يجب ألا يقبل ضمنيًا هراء المتطرفين اليمينيين".
محكمة كولونيا تمنع مراقبة قياديي الحزب
"حزب البديل لأجل ألمانيا"، المستهدف في الإجراءات، يعتبرها "فضيحة"، كما نقلت وسائل الإعلام المحلية عن رئيسة المجموعة البرلمانية للحزب، أليس فايدل، متهمة جهاز الاستخبارات بأنه "مسيس ويتخذ مواقف مبنية على أحكام سياسية مسبقة، وهي قرارات لن تصمد إذا ما عُرضت على المحاكم الدستورية". ورأت أن حزبها مستهدف "لمنعه من حصد نجاحاته في الانتخابات العامة القادمة ".
وكانت محكمة دستورية في كولونيا، غرب البلد، قضت أمس الجمعة منع جهاز الاستخبارات من مراقبة ساسة الحزب والتنصت عليهم، بحسب ما ذهبت أمس الجمعة "سوددويتشه تسايتونغ"، لكن ذلك لن يؤثر على الضرر الذي يلحق بالبديل.
واعتبر المتحدث باسم السياسات الداخلية في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، ماتياس ميلدبرغ، أن على البديل "ألا يفرح مبكراً، فقرار محكمة كولونيا لا يتعلق بمشروعية تصنيفه كحالة مشبوهة".
واعتبر نائب رئيس الحزب الليبرالي، ستيفان توماي، أن "قرار المحكمة الإدارية في كولونيا لا ينظف سترة البديل لأجل ألمانيا، ولا يمكن أن يكون ثمة شكوك بأن هناك توجيها يمينيا متطرفا في الحزب"، محذراً الناخبين من أنه "يريد محاربة حريتنا وديمقراطيتنا ولو باستخدام العنف".
وتتوقع وسائل إعلام ألمانية أن يؤدي السجال حول تطرف الحزب، والضرر الذي يلحقه القرار بالقاعدة الشعبية الأوسع من النواة الصلبة لمؤيديه، إلى نزاعات داخلية بين أجنحته، إذ يود بعض قياديه التوجه نحو الوسط والظهور أكثر اعتدالاً في الخطاب الموجه للمجتمع الألماني والطبقة السياسية.
ويقول مختصون بالشؤون الحزبية، بحسب سجالات على وسائل الإعلام المحلية، إن قرار جهاز الاستخبارات "يصب الزيت على نار الصراعات الداخلية" قُبيل انتخابات 26 سبتمبر/أيلول القادم، وهو ما سيجعل الحزب يبحث بنفسه عن مخارج مأزق وضعه على لائحة المشتبه فيه.