كشفت تشكيلة حكومة عزيز أخنوش التي عينها العاهل المغربي محمد السادس أمس الخميس، استمرار وزراء "التكنوقراط" غير المنتمين سياسيًا، في إدارة دفة عديد من الوزارات المهمة والحساسة بالمغرب.
وأسندت إلى الوزراء "التكنوقراط"، ستة مناصب وزارية هي: الداخلية لعبد الوافي لفتيت، والخارجية لناصر بوريطة، في حين احتفظ كل من أحمد التوفيق، ومحمد الحجوي، وعبد اللطيف لوديي بحقائب الأوقاف والشؤون الإسلامية والأمانة العامة للحكومة وإدارة الدفاع الوطني.
كما تضمنت لائحة الوزراء "التكنوقراط" في الحكومة رقم 32 في تاريخ المملكة الحديث، اسم رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع الذي تقلد منصب الوزير المنتدب لدى وزيرة المالية والاقتصاد، المكلف بالميزانية.
وجرى استقدام وزراء "تكنوقراط" آخرين تم "صبغهم" باسم أحزاب في الحكومة الجديدة، من أبرزهم شكيب بنموسى وزير الداخلية السابق الذي عين وزيرا للتربية الوطنية والتعليم، ومحسن جازولي الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية في الحكومة الجديدة، من بوابة حزب "التجمع الوطني للأحرار" قائد الائتلاف الحكومي الجديد.
كما تم تعيين رياض مزور في منصب وزير الصناعة والتجارة، وعواطف حيال على رأس وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، ومحمد عبد الجليل الذي تقلد منصب وزير النقل، ضمن الفريق الحكومي لحزب "الاستقلال"، الذي حل ثالثا في الانتخابات البرلمانية.
وأصبح وجود وزراء "تكنوقراط" في الحكومات المغربية المتعاقبة "ثابتا من ثوابت الممارسة السياسية وبمثابة عرف سياسي" بالنظر إلى قربهم من السلطة من جهة، والخبرة والانضباط والكفاءة التدبيرية التي تؤهلهم لتسيير دواليب الدولة وفق رؤية تعطي الأولوية من جهة أخرى.
الاعتماد على "التكنوقراط" لا يعني إلغاء دور الأحزاب السياسية بقدر ما يعني أنها ما زالت تحتاج إلى ترميم ذاتها
وعرف المغرب خلال الأشهر الماضية نقاشا في شأن حاجة الحكومة إلى كفاءات تكنوقراطية بهدف التطبيق الأمثل للسياسات العامة للدولة، خصوصا المشروع التنموي الجديد الذي يراهن عليه المغرب في سبيل تنمية شاملة.
وفي وقت تنتقد فيه قوى سياسية وحقوقية ومتابعون للشأن السياسي في المغرب لجوء الدولة إلى "التكنوقراط" وتوسيع هامش التحرك أمامهم مقابل التضييق على السياسيين، يرى الباحث في العلوم السياسية محمد شقير، أن اللجوء إلى استقدام وزراء تكنوقراط لتسيير الوزارات والبث في ملفات تهم شؤون الدولة، خاصة في وزارات حساسة، يمليه حاجة الدولة إلى شخصيات تمتلك الخبرة العملية وليس فقط السياسيين.
ولفت الباحث شقير، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن المغرب أصبح اليوم في حاجة أكثر لهذا النوع من الوزراء نظرا لطبيعة الملفات الشائكة المطروحة، ولتنزيل النموذج التنموي الجديد.
ويرجع الباحث المغربي اللجوء إلى هذا النوع من الوزراء "لافتقاد الأحزاب لهذه النوعية من الكفاءات أو ندرة تواجدها داخلها، مما يجعل السلطة تلجأ في بعض الأحيان إلى تلوينها بأحد الألوان الحزبية، لإضفاء نوع من الشرعية السياسية عليها".
من جهته، يقول الباحث في السوسيولوجيا السياسية عبد المنعم الكزان، إن الاعتماد على "التكنوقراط" لا يعني إلغاء دور الأحزاب السياسية بقدر ما يعني أنها ما زالت تحتاج إلى ترميم ذاتها وإعادة الاعتبار للسياسة بمفهومها النبيل، بعد أن فرطت القوى الشعبوية والقوى المتحكمة داخل تلك الأحزاب السياسية في مجموعة من الكفاءات.
وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد "، أن "الحديث عن تطعيم الحكومة بالتكنوقراط هو ضرورة ملحة تفرضها مرحلة الولوج إلى تنزيل البرنامج التنموي والخروج من أزمة ما بعد كورونا"، داعيا إلى ضرورة عمل القوى الحية داخل الأحزاب السياسية على الدفع بتقوية الأحزاب من خلال ولوج مرحلة ما بعد الشعبوية بتجديد النخب والاحتفاء بالكفاءات.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس شدد في خطاب العرش، نهاية يوليو/ تموز 2019 على كون المغرب يعيش مرحلة جديدة ستعرف جيلاً جديداً من المشروعات، ولكنها ستتطلب نخبة جديدة من الكفاءات في مختلف المناصب والمسؤوليات، إضافة لضخ دماء جديدة على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة.