عاود المتظاهرون في مدن وسط وجنوب العراق نشاطهم الميداني، على مستوى الاستعداد للاحتجاجات، التي تراجعت كثيراً خلال الأشهر الماضية، جرّاء التطويق الأمني والملاحقات المسلحة للناشطين من جهة، ومواصلة السلطات في البلاد فرض حظر التجول الوقائي من فيروس كورونا، إضافة إلى نشر أعداد كبيرة من عناصر الأمن في الساحات والميادين التي كان يتخذها المتظاهرون منطلقاً لاعتصاماتهم السلمية. إلا أنه يبدو أن حادثة اغتيال الناشط المدني في مدينة كربلاء إيهاب الوزني، في الثامن من شهر مايو/أيار الحالي، كانت السبب في عودة الاحتجاجات، ورفع نفس مطالب التظاهرات التي عمت البلاد نهاية 2019، واستمرت نحو 13 شهراً متتالية.
حسين الموسوي: نتوقع قمعاً خلال الأيام المقبلة
وأعلن متظاهرو محافظة كربلاء جنوب العراق مقاطعتهم للانتخابات، المنتظر إجراؤها في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وهددوا بما وصفوه بـ"الزحف" للتظاهر في العاصمة بغداد، الأسبوع المقبل. وأصدر ناشطون في تظاهرات كربلاء بياناً، في وقت متأخر من أمس الأول، لمناسبة مرور أسبوع على اغتيال الوزني، أكدوا فيه أن مسلسل الاغتيال في البلاد لم يتوقف. وبينوا أن السلطات العراقية تجاهلت بياناً سابقاً لذوي قتلى التظاهرات في كربلاء طالب بالكشف عن قتلة المحتجين، وإقالة محافظ كربلاء نصيف جاسم الخطابي، وقائدي عمليات الجيش والشرطة في المحافظة. وأوضحوا أن هذا الأمر دفع متظاهري كربلاء إلى الاجتماع، والاتفاق على تنفيذ وصية الوزني المتمثلة في الزحف إلى بغداد في 25 مايو الحالي، على أن تسبق ذلك خطوات تصعيدية في مختلف المحافظات التي تشهد احتجاجات.
وأكد البيان، الذي شارك في كتابته قوى وشخصيات وحركات مدنية تمثل متظاهري كربلاء وألقي قرب منزل عائلة الوزني، على بدء "الزحف نحو بغداد"، وإعلان يوم 25 مايو موعد تظاهرة مركزية في العاصمة. وأضاف المتظاهرون، في بيانهم، "نعلن معارضتنا للسلطة القمعية، وممانعتنا للانتخابات، ولن نسمح بإقامة الانتخابات بوجود السلاح المنفلت واستمرار مسلسل الاغتيالات"، داعين العراقيين والنقابات والاتحادات والمنظمات المدنية إلى المشاركة والمساندة في الخطوة المركزية المقبلة للتخلص من النظام غير الشرعي والقمعي، على حد وصف البيان.
وقال حسين الموسوي، وهو أحد الناشطين في مدينة كربلاء، إن "إيهاب الوزني كان طلب الحماية من القوات الأمنية والسلطات في بغداد، في سلسلة منشورات ومخاطبات سرية، لأنه كان يتلقى العديد من رسائل التهديد من المليشيات المسلحة التابعة لأحزاب السلطة، إلا أن القوات الأمنية لم تهتم لأمر الوزني. وهذا يشير إلى وجود علاقة تخادم بين القوى الأمنية النظامية والقوى المسلحة غير النظامية والتابعة للفصائل الولائية. لذلك نحن نطالب حالياً بإقالة محافظ كربلاء ومدير شرطتها وقائد العملية العسكرية في المدينة". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "عائلة الوزني كانت طلبت من الحكومة الوصول إلى القتلة، لكن الحكومة لم تعلن حتى الآن أي تطورات بخصوص مقتل الناشط. وهذا يعني أن الحكومة لن تهتم لمقتل أي عراقي. وليس هناك أي خيار غير العودة إلى الميادين للمطالبة بالكشف عن قتلة المحتجين. مع العلم أننا نتوقع تعنيفاً وقمعاً خلال الأيام المقبلة، كما نتوقع أن تقوم الحكومة بغلق الطرق مع المحافظات الجنوبية كي لا يتمكن المتظاهرون من الوصول إلى بغداد".
من جهته، أكد حسين الغرابي، زعيم حركة "البيت الوطني"، وهو كيان سياسي جديد، أن "خيار عودة الاحتجاجات في محافظات البلاد والتوجه إلى بغداد، رغبة من الوزني وعائلته، وقد حظيت بدعم جميع المحتجين والمتظاهرين والكيانات السياسية الجديدة. ونحن نتوقع أعداداً كبيرة من العراقيين ستكون حاضرة في موعد تجدد الاحتجاجات". وأوضح، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "اغتيال الوزني كان لحظة فارقة، لا سيما وأنه من قادة انتفاضة تشرين (الأول)، وأن مقتله أغضب جميع المحتجين في العراق. وما زاد من الغضب عدم قيام الحكومة الحالية بأي دور للقبض على القتلة أو الكشف عنهم".
مصادر: التظاهرات قد لا تكون في ساحة التحرير ببغداد
أما الناشط من بغداد، وعضو حركة "نازل آخذ حقي الديمقراطية"، عمّار النعيمي، فقد بيَّن أن "الاتفاق الذي وصل إليه المتظاهرون في كربلاء، وهو ما يتفق معه عموم المتظاهرين في المدن العراقية، هو ممانعة الانتخابات. أي أن المتظاهرين لا يؤمنون بنزاهة الانتخابات المقبلة، طالما أنها خاضعة لقوى اللادولة وسلاح المليشيات، لذلك هناك توجه لمنع إجراء الانتخابات وعدم تشجيع الذهاب إليها". وبين، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "التظاهرات المرتقبة ستكون في بغداد، رغم أن ساحة التحرير تشهد تواجداً أمنياً كبيراً، وهناك قوات جاهزة ومستعدة لضرب المحتجين وقمعهم. ولكن في كل الأحوال سنعمل على التظاهر في قلب العاصمة".
وبحسب مصادر "العربي الجديد"، من تنسيقيات الاحتجاجات العراقية، فإن "التظاهرات قد لا تكون في ساحة التحرير، التي تُعرف بكونها مركز الاحتجاجات في البلاد. ويستعد المتظاهرون حالياً للحصول على ضمانات أمنية للحد من قمعهم على أيدي القوات الأمنية التي تسيطر على الساحة، إضافة إلى حديقة الأمة المجاورة لها، وصولاً إلى ساحتي الطيران والخلاني". ولفتت المصادر إلى أنه "في حالة عدم حصول المتظاهرين على أي ضمان أمني، فقد يتوجهون إلى اختيار ساحة أخرى للتظاهر". كما تفيد مصادر أخرى، بأن "متظاهرين ينوون الاعتصام ونشر خيام، في أكثر من ساحة ببغداد".
من جانبها، بيَّنت رئيسة "الجبهة المدنية العراقية" النائبة السابقة شروق العبايجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الإجراءات الضعيفة للحكومة الحالية بشأن ملفات حصر السلاح بيد الدولة، وعدم السيطرة على المسلحين الذين يتجولون في الشوارع والكشف عن قتلة المتظاهرين، وغيرها من الأسباب، تدفع يومياً الشعب العراقي إلى الاحتقان ونبذ الأجواء السياسية وأحزاب السلطة. كما أنها تدفع العراقيين إلى مقاطعة الانتخابات، نظراً لكونها خالية من أي بيئة صحية وآمنة للناخبين والمرشحين". وقالت إن "المتظاهرين تحدثوا أخيراً عن ممانعة الانتخابات، كونها لم تكن بالشكل المطلوب ولا بالصيغة والآلية والأجواء التي من المفترض أن تكون عليها. لذلك نحن ندعم خيار اللجوء إلى الساحات والميادين، والضغط على الحكومة سلمياً من أجل تحقيق المطالب".