في خطوة تضع عراقيل جديدة أمام جهود إجراء الانتخابات العراقية المبكرة في موعدها المقرر في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، أعلن الحزب الشيوعي العراقي، عن قراره النهائي بمقاطعة الانتخابات، داعياً كوادر الحزب والقوى المدنية إلى تصعيد حراكها السلمي وتحفيز كفاحها من أجل قيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وكان الحزب قد قرر، قبل نحو شهرين، تعليق مشاركته في الانتخابات بشكل مؤقت، احتجاجاً على استمرار عمليات اغتيال وخطف الناشطين المدنيين في مدن جنوب ووسط العراق. وعلى الرغم من انطلاق الحملة الانتخابية منذ نحو أسبوعين، لم يبدأ الحزب بالترويج لكوادره المرشحة، في وقت قررت فيه قوى مدنية أخرى المقاطعة والانسحاب بشكل نهائي من الانتخابات المبكرة للسبب نفسه.
وعقد الحزب مؤتمراً صحافياً مقتضباً في بغداد، أمس السبت، للإعلان عن قراره، بحضور قيادات وكوادر من الحزب، مبيناً أن "قرار مقاطعة الانتخابات جاء لقناعته بأنها لن تكون بوابة للتغيير المنشود، ولن يكون لها أي تأثير على الواقع الحالي، بسبب السلاح المنفلت والمال السياسي، ولهذا قررنا العزوف عن المشاركة في الانتخابات المقبلة". ودعا الحزب من وصفهم بـ"جماهير شعبنا المكتوية بنار المحاصصة والفساد"، إلى "توحيد الجهود ومواصلة النضال السلمي من أجل إصلاح كامل المنظومة الانتخابية، وسنّ قانون عادل للانتخابات النزيهة التي تعبّر عن الجماهير العراقية من دون تلاعب وتزوير".
فهمي: لا يمكن أن نشارك من دون توفر الشروط الضرورية لضمان انتخابات نزيهة ومنع استخدام المال السياسي وتحييد السلاح المنفلت
وحول هذا التطور، قال سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، لـ"العربي الجديد"، إن "العراق يشهد أوضاعاً غير مستقرة على كافة الأصعدة، خصوصاً على المستوى السياسي والأمني، وهذا الأمر يعني عدم توفير أجواء مواتية لإجراء انتخابات حرة نزيهة".
وعن قرار الحزب بعدم المشاركة، أوضح أن "مشاركة الشيوعي في الانتخابات، لا يمكن أن تتم من دون توفر الشروط الضرورية لضمان إجراء انتخابات نزيهة عادلة، ومنع استخدام المال السياسي، وتحييد السلاح المنفلت عنها، وبخلاف ذلك المشاركة في الانتخابات لن تكون سوى عملية إعادة إنتاج للمنظومة السياسية ذاتها، منظومة المحاصصة والفساد، ولاّدة الأزمات". وأضاف فهمي أن "اللجنة المركزية للحزب الشيوعي قررت العودة إلى تنظيمات الحزب لاتخاذ قرار جماعي عبر استفتاء أعضائه كافة بشأن المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها، وجاءت نتائج الاستفتاء مؤيدة للمقاطعة بأغلبية واضحة".
وشدد سكرتير الحزب الشيوعي على "ضرورة تغيير المسار السياسي بالقطيعة مع نهج المحاصصة والطائفية السياسية الذي قامت عليه العملية السياسية المأزومة، وتحقيق الديمقراطية التي يهددها من يلجؤون إلى المال السياسي والسلاح المنفلت والتزوير وإشاعة ثقافة الفساد". ورداً على سؤال بشأن علاقة القرار بمقاطعة "التيار الصدري" أيضاً للانتخابات، قال إنه "ليست هناك أي علاقة أو ارتباط بمقاطعة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بل قرار اتخذه الحزب بالأغلبية وبمشاركة كل قياداته وفروع حزبه في عموم مدن العراق".
في غضون ذلك، أكدت مصادر مقربة من قوى مدنية أخرى، أبرزها "التيار المدني" الذي يتزعمه النائب الحالي فايق الشيخ علي، وحزب "البيت الوطني"، و"اتحاد العمل والحقوق"، عن استمرار موقفها المقاطع للانتخابات. وقال ناشط مدني بارز في مدينة النجف، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "المشاركة في هذه الانتخابات بالنسبة للقوى المدنية ستكون بمثابة منح ترخيص أو شرعية تجديد للأحزاب الدينية الحاكمة منذ 18 عاماً". وأضاف "لا يمكن أن نشارك ونقتنع بثلاثة أو خمسة مقاعد لن نغيّر عبرها شيئاً، وسنكون متورطين في معادلة سياسية جديدة قائمة على المحاصصة بين الطوائف". وكشف عن بدء البعثة الأممية في بغداد جهوداً لثني بعض القوى المدنية عن المقاطعة، مضيفاً "عليهم أن يقنعوا الشارع بأن هذه الانتخابات ستجلب تغييراً قبل إقناع القوى السياسية المقاطعة".
ومع الإعلان الجديد لـ"الشيوعي"، تتضاعف التحديات أمام حكومة مصطفى الكاظمي لإجراء الانتخابات، على الرغم من تعهدات وزير الخارجية فؤاد حسين من واشنطن، أمس الأول الجمعة، بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر.
وقال عضو التيار المدني العراقي أحمد حقي، لـ"العربي الجديد"، إنهم غير معنيين بإقناع زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر بالعودة إلى الانتخابات من عدمها، لأنه شريك رئيسي لهم، "لكن دخول القوى المدنية المنبثقة عن تشرين (تظاهرات أكتوبر 2019) أو التي قبلها إلى الانتخابات سيُستخدم حجة من قبل الأحزاب الإسلامية للحديث عن شفافية وسلامة الانتخابات". وأضاف حقي، في اتصال هاتفي من مدينة أربيل حيث يتواجد عدد غير قليل من الناشطين هناك بسبب تهديدات تلقوها من قبل جماعات مسلحة، أن "مفوضية الانتخابات وافقت على دخول أجنحة سياسية لمليشيات مختلفة في الانتخابات، على الرغم من أن القانون واضح ويحظّر مشاركة المليشيات أو الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة في الانتخابات"، معتبراً ذلك "أولى علامات التلاعب في الانتخابات".
عضو بـ"النصر": في حال جرت الانتخابات في موعدها، وهو أمر مستبعد، فالمشاركة ستكون متدنية جداً
من جهتها، رأت عضو ائتلاف "النصر" الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، النائب ندى شاكر جودت، انسحاب قوى سياسية جديدة من العملية الانتخابية، أنه "كان متوقعاً". وأضافت، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "استمرار انسحاب ومقاطعة قوى وشخصيات سياسية من الانتخابات، يأتي بسبب عدم وجود أي ضمانات حقيقية على نزاهة وعدالة الانتخابات، حتى وإن جرت العملية الانتخابية في موعدها، فهذه الضمانات ما زالت حتى الآن إعلامية فقط، ولا شيء ملموساً على الأرض مع زيادة قوة السلاح المنفلت في الشارع العراقي". ورأت أنه "في حال جرت الانتخابات البرلمانية المبكرة في موعدها، وهو أمر مستبعد، فالمشاركة الشعبية ستكون متدنية جداً، وربما لا تتعدى العشرة في المائة، مع مقاطعة قوى وشخصيات سياسية بارزة ومؤثرة ولها قواعد جماهيرية واسعة".
في المقابل، قال الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي، أحمد الشريفي، لـ"العربي الجديد"، إن "انسحاب ومقاطعة قوى سياسية للانتخابات البرلمانية المبكرة، يوجّه رسائل للمجتمع الدولي بأن وضع العراق غير مستقر وغير جاهز لإجراء العملية الانتخابية، وأن إجراءها في هذا الظرف يعرّضها للطعن في نزاهتها". وأكد الشريفي أن "استمرار إعلان جهات وشخصيات سياسية مقاطعتها للانتخابات المبكرة، قد يدفع بشكل حقيقي إلى تأجيل موعد هذا الاستحقاق، وربما هذا التأجيل، بناء على مطالبات دولية، وتوصيات ترفع من قبل جهات وأطراف دولية لها تأثير على الوضع العراقي الداخلي".
وحذر من أن "تأجيل الانتخابات البرلمانية المبكرة، من جديد، سوف يدفع بلا شك متظاهري تشرين إلى التظاهر من جديد، بتظاهرات غاضبة وعارمة في عموم مدن العراق، خصوصاً أن إجراء الانتخابات المبكرة يعد من أهم وأبرز مطالب المتظاهرين، وعدم حصولها وسط غياب الخدمات والانفلات سيكون دافعاً قوياً لنزول المتظاهرين بقوة إلى الشارع، خصوصاً في مدن وسط وجنوب العراق".