تلقت إسرائيل، أول من أمس الثلاثاء، إشارة سلبية من الكونغرس الأميركي، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، تتعلق للمرة الأولى بتمويل منظومة الدرع الصاروخية "القبّة الحديدية"، التي بدأت الولايات المتحدة بتمويلها ثم دعم تحديثها وتطويرها، منذ عام 2010، في عهد باراك أوباما. وعلى الرغم من محاولة تل أبيب وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت، التقليل من أهمية سحب التمويل من قانون للميزانية قصيرة المدى في مجلس النواب الأميركي، قبل إحالته إلى مجلس الشيوخ للمصادقة عليه، على أن يلحق تمويل "القبّة" الإسرائيلية بقانون آخر، إلا أن الأصوات الإسرائيلية والأميركية، واليهودية النافذة في واشنطن، والتي تعالت تنديداً بذلك، تعكس التوتر الذي يبقى سائداً بين إسرائيل والحزب الأزرق، منذ عهد أوباما، والذي يجعل تل أبيب دائماً في حالة قلق، لا سيما مع تعالي نفوذ التقدميين داخل الحزب الديمقراطي الأميركي. إلا أن ذلك لا يبدل كثيراً في المعادلات القائمة، والدعم الأميركي اللامشروط واللامحدود لإسرائيل منذ عقود، وهو التزام يتواصل مع إدارة الرئيس الحالي جو بايدن وفريقه المعروف بدعمه وتأييده لإسرائيل.
حاولت حكومة نفتالي بينت التقليل من وقع سحب المشروع
وسحب الديمقراطيون في مجلس النواب الأميركي، أول من أمس، تمويلاً عسكرياً بقيمة مليار دولار لإسرائيل من مشروع قانون لتمويل الحكومة الأميركية، بعد اعتراضات من التقدميين الديمقراطيين في المجلس، على رأسهم إلهان عمر ورشيدة طليب وألكسندريا أوكاسيا كورتيز. وعلى الرغم من تطمينات أعضاء الكونغرس الديمقراطيين من المعتدلين، للديمقراطيين، بأن مشروع القانون سيقر لاحقاً، وفي وقت قريب، إلا أن تقارير عدة أشارت إلى ذلك قد لا يكون محسوماً، ومنها موقع "بوليتيكو" الأميركي الذي كان أول من كشف عن سحب المشروع.
وفي حيثيات سحب المشروع، الذي وافقت عليه رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، فقد اعترضت مجموعة من النواب الديمقراطيين على بند في مشروع قانون الإنفاق المؤقت الأميركي، حول تمويل الحكومة الاتحادية حتى 3 ديسمبر/ كانون الأول المقبل ورفع حد الاقتراض في الولايات المتحدة، لتوفير التمويل الإضافي حتى تتمكن إسرائيل من تجديد نظام "القبّة الحديدية"، الذي تنتج شركة "ريثيون" الأميركية الكثير من مكوناته. ورفض المعترضون أن يتمّ الربط في نص واحد بين "القبّة الحديدية" وتمويل حكومتهم. وأجبر الاعتراض لجنة القواعد في مجلس النواب، على تأجيل تمويل المنظومة الإسرائيلية لفترة وجيزة، علماً أن المشروع بعد السحب عاد ومرّ بأغلبية ضيقة، قبل إرساله إلى "الشيوخ". وتحتاج بيلوسي إلى دعم كاف للمشروع، علماً أن المشروع مرّ مع ما يتضمنه من مساعدات كبيرة للاجئين الأفغان. وتعهد قادة لجنة المخصصات بإدراج تمويل النظام الإسرائيلي في مشروع قانون الإنفاق الدفاعي، قبل نهاية العام، لكن ذلك قد يمهد الطريق لخلاف جديد. وذكر "بوليتيكو" أن التصويت اللاحق قد لا يكون محسوماً بدوره.
وقدّمت الولايات المتحدة أكثر من 1.6 مليار دولار لإسرائيل، لتطوير وبناء نظام القبّة الحديدية، وفقا لتقرير هيئة أبحاث الكونغرس العام الماضي، ما يعكس الدعم القوي الدائم لإسرائيل بين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. وعلى الرغم من أن أوباما قدّم ميزانيات خلال عهده حملت تقليصاً للدعم الأميركي لإسرائيل، خصوصاً خلال فترة التفاوض مع إيران، لكن ذلك شمل ما يسمى "البرنامج التعاوني" دون القبّة الحديدية. ويقول المدافعون عن "القبّة"، إنه نظام يهدف إلى "إنقاذ أرواح المدنيين" الإسرائيليين، وهو ما شدّدت عليه صحيفة "وول ستريت جورنال" التي تعدّ صوت المحافظين في واشنطن، أمس، في افتتاحيتها، علماً أن "القبّة" اختبرت مراراً في كلّ عدوان نفذته إسرائيل على قطاع غزة، آخرها في مايو/أيار الماضي. وعلى الرغم من استشهاد أكثر من مائتي فلسطيني في غزة جراء العدوان، وسقوط أكثر من ألفي جريح، إلا أن بايدن تعهد إثر العدوان بالالتزام بأمن دولة الاحتلال، ومنها تمويل القبّة الحديدية، على الرغم من اعتراض التقدميين في الحزب الديمقراطي حينها.
وحاولت تل أبيب التقليل من وقع سحب المشروع، ووصفه وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، بـ"التأجيل الفني"، قائلاً إن زعماء الحزب الديمقراطي أكدوا له أنه سيتم تحويل التمويل قريباً، وذلك بعد اتصال هاتفي أجراه مع زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأميركي ستيني هوير، الثلاثاء. ونقل موقع "والاه" الإسرائيلي أنه على أثر المحادثة، أصدر لبيد بياناً قال فيه إن هوير "كرّر التزامه والتزام البيت الأبيض ورئيسة مجلس النواب نانسي بلوسي والسيناتور تشاك شومر زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب، الذين التزموا أمام حكومة إسرائيل بأن تمر ميزانية المساعدات لمنظومة القبة الحديدية قريباً". وأكد هوير من جهته، أن المجلس سيصوت "قبل نهاية الأسبوع" على مشروع قانون يتضمن تمويلاً لـ"القبّة الحديدية"، مشدّداً على أن هذه المنظومة "دفاعية وأساسية تماماً" لأمن إسرائيل. وأوضح أنه سيستخدم لإقرار هذا النص آلية معجلة تقضي بأن تتم الموافقة عليه بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين أو بتصويت شفهي بالإجماع. وبعد إقراره في مجلس النواب، يتعين على "الشيوخ" إقرار النص ليحال إلى بايدن لتوقيعه ونشره قانوناً نافذاً. وأكد هوير أن "الرئيس يريد أن تتمّ الموافقة على هذا النص"، وكذلك يفعل جميع القادة الديمقراطيين في الكونغرس، مضيفاً أنه لن يكون هناك أي "انقطاع" في هذا التمويل.
هاجم الجمهوريون الحزب الديمقراطي رداً على الخطوة
وأثار سحب الديمقراطيين للمشروع ردود فعل غاضبة، من الجمهوريين ومن بعض الديمقراطيين، بالإضافة إلى اللوبي اليهودي الأقوى في الولايات المتحدة، لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، "إيباك". وسارع زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي، إلى اتهام الديمقراطيين "بالإذعان لنفوذ نوابهم الراديكاليين المعادين للسامية"، ورأى السيناتور المحافظ تيد كروز أنه "أمر مأسوي، الزعماء الديمقراطيون يستسلمون لليسار المعادي للسامية"، وهو ما أكده أيضاً السيناتور توم كوتون. وأعلن الجمهوريون أنهم لن يصوّتوا في مجلس الشيوخ لصالح مشروع القانون، كما أعرب بعض الديمقراطيين الوسطيين عن أسفهم للخطوة. ورأت النائبة الديمقراطية إليسا سلوتكين، وهي محلّلة سابقة في "سي آي إيه"، أن الاعتراض على تمويل "القبّة" خطوة "غير مسؤولة، أظهرت الرغبة في مهاجمة شيء ما، أيّ شيء، ما دام يتعلق بدولة إسرائيل".
وفي تل أبيب، نقلت صحيفة "هآرتس" عن مصدر إسرائيلي قوله إنه لا يتوقع أن يلحق أي ضرر بعمل "القبّة الحديدية" حتى الحصول على المساعدات، وأن التقديرات هي بتحويل هذه المساعدات خلال أسابيع قليلة. وأشار الموقع إلى تصريح النائب الأميركي الديمقراطي جيم ميكاغورن، إلى أن قيادة الحزب ملتزمة بتحويل هذه المساعدات كجزء من ميزانية الأمن الأميركي، كما كان الحال في سنوات سابقة عندما تم الأمر دون إثارة معارضة الجناح التقدمي في الحزب.
وحاولت إدارة وحكومة بينت، إلقاء اللوم في هذا التطور، على عهد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو. وفي هذا الإطار، نقل موقع "والاه" عن لبيد قوله، إنه بعد سنوات من إهمال الحكومة السابقة للكونغرس وللحزب الديمقراطي، ما ألحق ضرراً بعلاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة، فإننا نقوم بإعادة بناء الثقة مع الكونغرس، وأنا أشكر الإدارة والكونغرس على التزامهم المتين بالأمن الإسرائيلي".