يسدل المغرب، يوم غد الثلاثاء، الستار عن الفصل الأخير من مسلسل انتخابي طويل انطلق في شهر أغسطس/ آب الماضي، بتنظيم انتخابات مجلس المستشارين، الغرفة الثانية للبرلمان، لتكتمل بذلك خريطة البرلمان الجديد وفق نظام المجلسين الذي كرسه دستور عام 2011.
وينتظر أن يتوجه، صباح الثلاثاء، "الناخبون الكبار"، إلى مكاتب الاقتراع، لاختيار ممثليهم الـ120 في مجلس المستشارين، في وقت تذهب فيه التوقعات إلى تكريس حزب "التجمع الوطني للأحرار"، قائد الائتلاف الحكومي الجديد، هيمنته على المشهد البرلماني لما بعد اقتراع الثامن من سبتمبر/أيلول الجاري.
وتأتي انتخابات مجلس المستشارين، وهي الثانية من نوعها بعد إقرار دستور الربيع العربي في عام 2011، في ظل مشهد انتخابي جديد، بعد أن خلق التحالف الثلاثي، الذي يقوده حزب "التجمع الوطني للأحرار" مع حزبي "الأصالة والمعاصرة " و"الاستقلال"، واقعا جديدا في المشهد السياسي في المغرب، جراء إحكامه السيطرة على تدبير الشأن الحكومي والمجالس الجهوية والبلدية.
ويتوقع مراقبون أن يتصدر "التجمع الوطني للأحرار" نتائج انتخابات الغرفة الثانية للبرلمان المغربي بحصوله على أكثر من 60 مقعدا من أصل 120مقعدا، وذلك بفضل حصوله على 60 في المائة من رئاسات الغرف المهنية، خلال الانتخابات التي جرت في أغسطس/آب الماضي، وكذلك بفضل 9995 مقعدا تمكن من الظفر بها في الانتخابات الجماعية في الثامن من سبتمبر/أيلول الجاري وتحالفاته في الجهات والمدن الكبرى. في المقابل، ينتظر أن يتمكن "الأصالة والمعاصرة" و"الاستقلال"، المتحالفان مع "الأحرار"، من الظفر بما يقارب 20 مقعدا لكل منهما، ما سيضمن للحكومة القادمة أغلبية مريحة في مجلسي البرلمان المغربي المقبل.
وتجري انتخابات أعضاء مجلس المستشارين عن طريق الاقتراع باللائحة وبالتمثيل النسبي على أساس قاعدة أكبر بقية ودون استعمال طريقة مزج الأصوات والتصويت التفاضلي. غير أن الانتخاب يباشر بالاقتراع الفردي وبالأغلبية النسبية في دورة واحدة إذا تعلق الأمر بانتخاب مستشار واحد في إطار هيئة ناخبة معينة.
ويتم انتخاب أعضاء المجلس الـ120 (بدلا من 270 في التمثيلية السابقة) على أساس 72 عضوا يمثلون الجماعات الترابية وينتخبون على صعيد جهات البلاد الـ12، و20 عضوا تنتخبهم في كل جهة هيئة ناخبة واحدة تتألف من مجموع المنتخبين في الغرف المهنية الآتية الموجودة في الجهة المعنية: غرف الفلاحة، وغرف التجارة والصناعة والخدمات، وغرف الصناعة التقليدية، وغرف الصيد البحري، إضافة إلى ثمانية أعضاء تنتخبهم في كل جهة هيئة ناخبة تتألف من المنتخبين في المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية، و20 عضوا تنتخبهم على الصعيد الوطني هيئة ناخبة مكونة من ممثلي المأجورين.
ومنذ إقراره لأول مرة في 1996 أثار مجلس المستشارين نقاشا كبيرا في المغرب بين مؤيد له ومعارض، إلى حد ظهور طروحات تذهب في اتجاه المطالبة بإلغائه باعتباره تعطيلا لعملية التشريع. غير أن هذا الطرح لم يعد له القوة والوجاهة بعد اختيار المغرب الجهوية كخيار استراتيجي، وجعل هذا المجلس لجهات والمصالح المتواجدة في المجتمع، يقول أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، رشيد لزرق.
ويلفت، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن دستور 2011 كان ذكيا بالإبقاء على نظام الغرفتين بالنسبة للبرلمان المغربي، وأن مجلس المستشارين يمثل المصالح الترابية والفئوية من خلال ضمان عضوية ممثلي الجماعات الترابية والغرف المهنية والأجراء (العمال) وأرباب العمل (الباطرونا) التي قد لا تمثل بالاقتراع العام المباشر، مما يجعل البرلمان مرآة تعكس المجتمع ككل.
ويقول أستاذ العلوم السياسية إن الدستور المغربي منح صلاحيات واسعة لمجلس المستشارين من أبرزها المساهمة في التشريع من خلال إحالة مشاريع ومقترحات قوانين من الغرفة الأولى، ومشاريع القوانين التي تضعها الحكومة، والتي تكون لها خاصية ترابية واجتماعية متعلقة بالتنمية الجهوية، وهي توضع وجوبا بمجلس المستشارين. كما أن بإمكان المجلس مراقبة عمل الحكومة من خلال وضع ملتمس مساءلة يوقعه خُمُس أعضائه ( 24 عضوا) يليه نقاش توضح فيه المكونات الممثلة داخل المجلس رؤيتها حول موضع المساءلة بدون اللجوء إلى التصويت.
وفضلا عن ذلك، يلعب مجلس المستشارين، وفق لزرق، دورا كبيرا في تجويد التشريع وربط المسؤولية بالمحاسبة، إذ من صلاحياته تشكيل لجان للتقصي لمراقبة عمل مصالح أو مؤسسات أو شركات تابعة للدولة. لكن رغم صلاحيات الرقابة التي منحت للمجلس تبقى الكلمة الفارقة لمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) وهذا ما يظهر نوعا من التفوق بين المجلسين بالنسبة للاختصاصات على مستوى الرقابة، يؤكد لزرق.