بدأ حزب "العدالة والتنمية" التركي الحاكم، بكثافة وسخاء، تنظيم مشاريع وفعاليات لفئة الشباب، كونه يواجه صعوبات في إقناع مواليد الألفية الثالثة بالتصويت له في الانتخابات المصيرية المقبلة في يونيو/حزيران 2023، التي سيشارك فيها الملايين من "جيل Z" للمرة الأولى.
في المقابل، تعمل المعارضة التركية على الاستفادة من هذه الكتلة التصويتية المهمة لمصلحتها، حيث يعتقد كثير من المراقبين أنها ستكون عاملاً جوهرياً في تحديد مصير الاستحقاق الانتخابي المقبل.
13 مليون ناخب شاب
وبحسب هيئة الإحصاء التركية (TÜIK)، فإنه مِن أصل 62.4 مليون تركي سيصوتون العام المقبل، يوجد قرابة 13 مليونا منهم تنطبق عليهم تسمية "جيل Z" إذ تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة. ومن ضمن هؤلاء ستة ملايين سيكون لهم الحق في التصويت للمرة الأولى.
و"جيل Z"، هو مصطلح يشير إلى الشبان الذين وُلدوا في الألفية الثالثة. وهذا الجيل في تركيا لا يعرف حال بلاده قبل تولي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" الحكم قبل 20 سنة. كما أنه نشأ في عصر الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية.
أحمد بيوك غومش: العدالة والتنمية أعد خريطة عمل تهدف إلى الوصول لكل الشباب
ويأتي التنافس على هذه الفئة في ظل بلوغ نسبة بطالة الشباب الأتراك، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 سنة، عند مستوى 25 في المائة بحسب هيئة الإحصاء.
عدم رضا عن أداء الحكومة
"العربي الجديد" استطلعت رأي عينة من الشباب الأتراك أثناء استراحتهم في حرم جامعة غازي بأنقرة. وعبرت إيليف شاهين، التي ولدت في العام 2003، أي بعد تولي "العدالة والتنمية" الحكم، عن ترددها في اتخاذ قرارها لمَن ستعطي صوتها في الانتخابات المقبلة، لكنها أشارت الى عدم رضاها عن أداء الحكومة، خصوصاً فيما يتعلق بالرفاهية والأوضاع الاقتصادية.
أما بيرشان محرم أوغلو (19 سنة) فأعرب عن اعتقاده أنه سيصوت لأردوغان، بوصفه "الشخص القوي الذي يتحدى القوى الكبرى". وبيّن أن "والده شرح له ظروف تركيا السيئة في فترة ما قبل تولي أردوغان الحكم، وهو لا يريد تكرار تلك السنوات العجاف بالتصويت للمعارضة".
وبصوت مرتفع ووجه متجهم، قال غوركان ديمير (20 سنة) إن "الليرة في هبوط مستمر، والأسعار في ارتفاع، لدرجة أنني لا أستطيع شراء لابتوب (حاسوب محمول) للدراسة. كما أن ملايين اللاجئين أخذوا منا الوظائف. لذلك سأنتخب المعارضة من أجل وقف هذا التدهور، ونعطيها الفرصة لعلها تعالج مشاكلنا وتوفر لنا حياة أفضل".
صراع على "جيل Z"
وبات واضحاً صراع الأحزاب التركية المختلفة على كسب "جيل Z". وأعلن أردوغان، أثناء اجتماع المجلس التنفيذي المركزي لحزب "العدالة والتنمية" في سبتمبر/أيلول الماضي، إجراء استعدادات خاصة للشبان الذين سينتخبون لأول مرة.
وقال: "سنجعل كل مشاريعنا للشباب تنبض بالحياة"، مصدراً تعليماته بتسريع العمل الشبابي الميداني. وأضاف "سنلتقي بالشباب أكثر"، وذلك بعد أن كان أشار إلى أنه التقى مع مجموعات من الشباب 23 مرة، خلال عام ونصف العام.
وكان "وقف شباب تركيا"، المدعوم من الحزب الحاكم، قد نظم مؤتمراً شبابياً ضخماً في إسطنبول بمشاركة أردوغان، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الحالي، حيث اختار قيادة جديدة، وأعلن عن مشاريع مستقبلية خاصة بالشباب.
وفي السياق، أعلن الرئيس السابق للجنة الشباب في "العدالة والتنمية"، أحمد بيوك غومش، أن حزبه حدد المناطق التي يتركز فيها الناخبون الذين سيصوتون لأول مرة، مشيراً إلى أنه سيبدأ أعماله بكثافة فيها.
تكثيف "العدالة والتنمية" لأنشطته الشبابية
وقال بيوك غومش، لـ"العربي الجديد": "ستتكثف أنشطتنا داخل الجامعات وسنقدم خدماتنا للطلاب"، موضحا أنه سيتم عقد 10 مؤتمرات شبابية على الأقل حتى انتخابات يونيو/حزيران 2023.
نال "الشعب الجمهوري" 22.5 في المائة من نوايا تصويت الشباب
وأضاف: "أجرينا دراسات حول الأماكن التي تراجع فيها تصويت الشباب لمصلحتنا في الانتخابات الماضية، ونعمل على معالجة هذا الأمر. وأعددنا خريطة عمل تهدف إلى الوصول لكل الشباب في كل أنحاء الجمهورية، والاستماع إلى مشاكلهم ومساعدتهم". وأكد أن حزبه سيدفع بعشرات المرشحين ممن تقل أعمارهم عن 25 سنة في قائمته للانتخابات البرلمانية.
وكان عدد الشباب الذين شاركوا في الانتخابات المحلية التي جرت في 31 مارس/آذار 2019، بلغ 12 مليونا و355 ألفاً، وفقاً لبيانات هيئة الانتخابات العليا في تركيا وقتها.
في المقابل، وعد زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كليجدار أوغلو، في تصريحات صحافية نهاية سبتمبر الماضي، بحسم الضرائب عن أجهزة الألعاب والهواتف المحمولة، لاستمالة "جيل Z". كما أجرى عدة لقاءات مع الشباب عبر خاصية البث المباشر، للإجابة عن أسئلتهم.
الحكومة أهملت الشباب
وفي هذا الصدد، اعتبر العضو في قسم الشباب في حزب الشعب الجمهوري بالعاصمة أنقرة، بولات سويلماز، أن الحكومة أهملت الشباب طوال الفترة الماضية وبسبب اقتراب الانتخابات تذكرتهم بمشاريعها، لافتاً إلى أن "الشباب غاضبون، ولن تنطلي عليهم ألاعيب الحزب الحاكم".
وقال سويلماز، لـ"العربي الجديد"، إن "ناخبي الجيل Z يعارضون بشدة الضغوط على أنماط حياتهم وحرية التعبير والإعلام التي تمارسها الحكومة". واعتبر أن "الظروف المعيشية تدهورت بسبب سياسات الحكومة، لذلك 80 في المائة من هذا الجيل لن يصوتوا لحزب العدالة والتنمية، بل سيصوتون لنا ولشركائنا، لإيمانهم بأننا سنوفر لهم الرفاهية وفرص العمل".
وتابع: "لدى دائرة الشباب في حزبنا فروع في كل الولايات، بل في كل الأحياء السكنية، وأندية طلابية في كل الجامعات، تعمل لخدمة الشباب".
وفي استطلاع أجراه مركز "ORC" للأبحاث، بين 24 و29 يوليو/ تموز الماضي، بمشاركة 2185 شاباً في 51 مقاطعة، شكل المترددون أكبر مجموعة بنسبة 27 في المائة، فيما نال حزب الشعب الجمهوري 22.5 في المائة من نوايا التصويت، وحزب العدالة والتنمية 12 في المائة.
وأكد خبير الاتصال السياسي إسماعيل دورسون، لـ"العربي الجديد"، أن نتائج استطلاعات الرأي الآن لا تنبئ لمن ستصوت فئة "جيل Z" في يونيو 2023، خصوصاً مع عدم تحديد منافس لأردوغان وفي ظل انتظار مشاريع الأحزاب خلال الفترة المقبلة، والتي ستؤثر على القرارات التصويتية، "لكن استطلاع مركز ORC مؤشر على عدم رضا الشباب على أداء الحزب الحاكم".
ولفت دورسون إلى أن "الناخبين الشباب غاضبون بشكل عام من الحكومة، لكنهم غير مرتبطين بأيديولوجية معينة ولا يثقون تماماً بالمعارضة". وقال: "ما يجب على الأحزاب السياسية فعله في هذه المرحلة هو تجديد شباب كوادرها التنفيذية، بدلاً من الحملات الإعلانية التي تستهدف الشباب". واعتبر أن "الوصول إلى هؤلاء الناخبين الشباب مستحيل بالطريقة القديمة"، داعياً إلى "إيجاد لغة جديدة لمخاطبة أبناء الجيل Z، تعتمد بشكل أساسي على شبكات الاتصال الرقمي".