كشفت صحيفة "ذا إندبندنت" البريطانية عن تفاصيل حصرية حول مفاوضات سرّية كانت ستفضي إلى تنحية الرئيس الليبي معمر القذافي في بداية الثورة الليبية وتدارك الوضع في البلاد التي كانت تتجه نحو صراع محموم ستمتدّ فصوله حتى اليوم؛ ولكنها توقفت لعدم تجاوب القوى الغربية، وعلى رأسها فرنسا بريطانيا والولايات المتحدة.
ووردت التفاصيل في تصريحات وزير الخارجية النرويجي السابق، جوناس ستور، للصحيفة، تزامنًا مع الذكرى العاشرة لحملة حلف شمال الأطلسي "ناتو" في ليبيا. وبحسب ستور، فقد جرت المحادثات السرية مع الحلقة المحيطة بالقذافي، وعلى رأسها نجله سيف الإسلام، بعد شهرين من بدء الثورة الليبية، وبعد أن قُتل المئات إثر حملة القمع العنيف التي قادها العقيد الراحل. ويقول ستور إن الاتفاق الأولي مع معمر القذافي قضى بتنحيه عن الحكم بعد 42 عامًا وابتعاده عن السياسة، شرط بقاء مؤسسات الدولة الليبية على ما هي عليه. ولكن فشلت المفاوضات في نهاية المطاف، إذ لم تتعاطَ معها فرنسا وبريطانيا بجدية، ليقتل القذافي في 20 أكتوبر/تشرين الأوّل 2011، ويُقتل آلاف المدنيين خلال الحرب، تبعًا لتقرير مرصد الخسائر المدنية البريطاني "الحروب الجوية - أيروارز".
وفي مقابلة أولى أجراها عام 2011 مع وسائل الإعلام الدولية، كان ستور قد أشار إلى عرقلة فرنسا وبريطانيا للحل التفاوضي حينها، في وقت كانت تنفي فيه الدولتان التقارير التي تتحدث عن سعيهما لتغيير النظام في البلاد بأي ثمن كان. لكن وزير الخارجية النرويجي يعود ليكشف المزيد في مقابلته مع صحيفة "ذا إندبندنت" بالقول: "لم يكن رئيس الوزراء البريطاني، دايفيد كاميرون، والرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، مهتمين في التفكير في حل دبلوماسي في ليبيا"، قبل أن يضيف متسائلًا: "وهل كانا فعلًا مهتمين بحل غير عسكري في المنطقة؟ فلو كانت هناك إرادة دولية لهذا المسار لكانت النتائج أقل دراماتيكية، وكان من الممكن تفادي الانهيار".
وتبعًا لتقرير "ذا إندبندنت"، فقد انتظر حلفاء القذافي نتائج المفاوضات -والتي تزامنت مع توعد القذافي علانية بسحق المتظاهرين في الشوارع- إذ دعا نجله سيف الإسلام المسؤولين النرويجيين للمفاوضات في طرابلس آنذاك.
وقال ستور: "لقد حضر المفاوضات في 2011 مسؤولان نرويجيان في القصر الرئاسي في طرابلس، في نفس الوقت الذي مررت فيه الأمم المتحدة قرارها في نيويورك"، ووقتها طُلب منهم الإسراع بالخروج عن طريق تونس من أجل سلامتهم قبل بدء أول المناورات الجوية من قبل "ناتو".
وأصبحت النرويج فاعلًا أساسيًا في الغارات التي شنها حلف الأطلسي في ليبيا، وأسقطت خلالها الدولة الإسكندنافية حوالي 600 قنبلة، مع استمرار المفاوضات التي دعا إليها ستور في نفس الوقت.
ويشير ستور إلى تواصل المفاوضات بين النرويجيين والليبيين لفترة من الزمن في 2011 لحل الأزمة، ويكمل: "كان الحل الأول تنحي القذافي عن السلطة لإنهاء الثورة، مع رفضه مغادرة ليبيا واستمرار المفاوضات لبقائه في ليبيا وتركه للسياسة".
ويقول المؤرخ النرويجي، ستال ويج، للصحيفة: "شجعت عائلة القذافي والمحيطون به قبوله لما يوجد على طاولة المفاوضات، وكانت الخطوة المتبقية كانت موافقته على الانتقال للمنفى... لكننا لا نعرف حقًّا ما إذا كان القذافي مستعدًّا للاستقالة في نهاية المطاف، أو إذا ما كان الثوار الأكثر تشدّدًا سيقبلون بذلك".
ويكمل ويج مشيرًا إلى أن "النرويج توجهت للولايات المتحدة الأميركية، وإلى فرنسا وبريطانيا لعرض نتائج المفاوضات عليها، خاصة بعد أن وصلت الحرب إلى طريق مسدود، وقتل للمدنيين، ولكن الدول عبرت عن حرصها على السلام دون اهتمامها بأن تكون جزءًا منه، أو من الحل". ويكمل ويج: "في حال التدخل، كان من الممكن أن تؤدي الحملات العسكرية وتحرك الدبلوماسيين إلى وقف إطلاق النار، ولكن بعد ذلك أصبحت المعطيات على الأرض مختلفة ومن الصعب التدخل".
وحاولت الصحيفة التواصل مع الموالي للقذافي عضو المجلس الوطني الانتقالي المعارض والذي أصبح رئيس الوزراء بعد القذافي، علي زيدان، دون رد. كما تواصلت مع المساعد السابق لسيف الإسلام، محمد إسماعيل، والذي وافق على اللقاء معها مبدئيًا ولم يجب لاحقًا.
ويختم ستور التقرير قائلًا: "إن نتائج الفشل في مفاوضات 2011 أصبحت أكثر جدية ومأساوية بسبب النتائج التي حولت البلاد لمسرح معارك بعيدة ودول أخرى تقاتل في الحرب".