"طالبان" أفغانستان تبحث عن شرعية وطنية: إعادة سياسيين واجتماع قبلي

17 يونيو 2022
تسريبات عن دور لعبد الله بتقارب الهند و"طالبان" (Getty)
+ الخط -

عندما أعلنت حكومة "طالبان" الأفغانية، في 21 مايو/أيار الماضي، تشكيل لجنة من قيادييها، برئاسة وزير المعادن وعضو المكتب السياسي شهاب الدين دلاور، للتواصل مع السياسيين والعسكريين الهاربين من البلاد، اعتبر وقتها العديد من المراقبين أنه لا جدوى من الخطوة.

وتحدث المراقبون عن وجود الكثير من الثغرات والمشاكل في آلية عمل اللجنة، إذ كانت تركز على منح كل من يعود إلى البلاد، من السياسيين والعسكريين السابقين، فرصة الحياة الآمنة وتوفير حماية لهم، من دون التفاوض معهم حول المشاركة في العملية السياسية أو الحكومة.

أدت جهود اللجنة إلى عودة سياسيين وعسكريين للبلاد حتى لو بشروط طالبان
 

كما اعتبر المراقبون أن أحداً لن يعود إلى البلاد جرّاء وضع الحركة، منذ سيطرتها على البلد في أغسطس/آب الماضي، قيوداً على سياسيين سابقين يتواجدون في أفغانستان، مثل الرئيس الأسبق حامد كرزاي، ورئيس المجلس الأعلى الوطني للمصالحة عبد الله عبد الله، ورئيس مجلس الشيوخ فضل الهادي مسلم يار. وهؤلاء لا يمكنهم السفر إلا بعد حصولهم على تصريح من الحكومة، وتقديم الضمانات بالعودة إلى البلاد.

وكانت حركة "طالبان" رفضت مراراً طلبات عبد الله بالسماح له بالسفر إلى الهند حيث تتواجد عائلته، إلا أنها عدلت عن هذا الأمر أخيراً. وكان مسؤولون في الحركة، بينهم نائب المتحدث باسمها بلال كريمي، أعلنوا، أخيراً، أنه تم السماح بسفر جميع السياسيين لخارج البلاد، عندما يريدون ذلك.

عودة لأفغانستان... لو بشروط "طالبان"

غير أن الأيام القليلة الماضية كشفت أن هناك من يريد العودة إلى أفغانستان، حتى لو كان بشروط "طالبان". واستقبل قياديون في "طالبان" في مطار كابول، الإثنين الماضي، محمد صديق جكري، وزير الحج والأوقاف في حكومة كرزاي، والقيادي البارز في "الجمعية الإسلامية"، إحدى الحركات المقاتلة للروس، والتي كان يتزعمها الرئيس الأفغاني الراحل برهان الدين رباني.

وكانت جهود اللجنة أدت لعودة غلام فاروق وردك، في 8 يونيو/حزيران الحالي. وكان وردك تولى عدة مناصب في حكومة الرئيس السابق أشرف غني، منها وزارة التعليم، ووزارة الشؤون البرلمانية.

وكان سبقه في 5 الشهر الحالي الجنرال دولت وزيري الذي تولى مناصب عسكرية مهمة في الحكومة السابقة، منها المتحدث باسم وزارة الدفاع في حكومة غني. وفي 9 يونيو حطت في مطار كابول طائرة تقل رئيس إدارة الطاقة والكهرباء أمان الله غالب. وبرزت الحفاوة التي تم استقبالهم بها، وتأكيد مسؤولين في "طالبان" أنهم لن يواجهوا أي مشكلة.

ولي الله شاهين: من بين الساسة الذين ترغب طالبان في عودتهم من ارتكب جرائم كبيرة

وتحدثت اللجنة أخيراً عن تواصلها مع عدد كبير من السياسيين والعسكريين، الذين أكدوا رغبتهم بالعودة إلى البلاد. وكان وردك أكد هذا الأمر، مشيراً، خلال وصوله إلى مطار كابول، إلى تواصل أعداد كبيرة من السياسيين في أوروبا والإمارات معه، لمساعدتهم في العودة إلى البلاد، عبر التنسيق مع المعنيين في حكومة "طالبان".

وأشارت اللجنة، في بيان في 11 الشهر الحالي، إلى أن دلاور التقى العائدين إلى البلاد، وطمأنهم بأن "طالبان" ستفتح أمامهم المجال للعمل في أفغانستان "من أجل مستقبل زاهر للشعب الأفغاني"، ووعدهم بعدم تعرض أحد لهم.

كما نشرت اللجنة، في اليوم نفسه، تسجيلات مصورة لأعداد كبيرة من ضباط وعناصر الجيش والشرطة، العائدين من تركيا وإيران ودول مجاورة لأفغانستان. وتحدث بعضهم في التسجيلات (دون ذكر أسمائهم ووظائفهم في الجيش السابق) حول كيفية استقبال دلاور ومسؤولين في "طالبان" لهم، مطالبين أقرانهم بالعودة إلى أفغانستان.

خطوة جريئة من "طالبان"

وقال رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في وزارة الخارجية الأفغانية ولي الله شاهين، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه القضية مهمة للغاية، وهي خطوة جريئة من طالبان، التي لم تكتف بإصدار بيان العفو عن كافة خصومها، بل بدأت تتواصل معهم من أجل عودتهم إلى البلاد والإسهام في مستقبلها. ولا شك أنها ستسمح لهم بالعمل السياسي والقيام بنشاط اجتماعي".

وأضاف: "من بين الساسة الذين ترغب طالبان في عودتهم، من ارتكب جرائم كبيرة، وكانوا يستحقون الملاحقة القانونية، ولكن نظراً للظروف السائدة وما يتطلبه الوضع في البلاد، فقد اتخذت حكومة طالبان هذه الخطوة الجريئة".

سيتم في الاجتماع القبلي بحث عمل المرأة في الحكومة، وقضية العلم والنشيد الوطني

وفي حين أشاد الأكاديمي الأفغاني رياض الله جنت، في حديث لـ"العربي الجديد"، بفتح "طالبان" المجال أمام عودة هؤلاء، فإنه انتقدها، في المقابل، بسبب كيفية تعاملها مع السياسيين المتواجدين في البلد. وأشار إلى أنه كان "بإمكانهم أن يلعبوا دوراً فعالاً، ليس فقط في لم شمل الشعب، بل في حصول طالبان على الشرعية الدولية".

وفي إطار إمكانية أداء العائدين دوراً في حصول الحركة على الشرعية الدولية، ذكرت وسائل إعلام أفغانية، قبل أيام، أن رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية عبد الله عبد الله كان له دور في زيارة الوفد الهندي إلى كابول في 3 يونيو الحالي، وموافقة الهند على إعادة فتح السفارة في البلد. وأشارت وسائل الإعلام إلى أن عبد الله، الذي عاد إلى كابول السبت الماضي، بعد 43 يوماً من العيش في الهند، أدى دوراً فعالاً في التقارب بين نيودلهي و"طالبان".

عقد "طالبان" لاجتماع قبلي

من جهة ثانية، أعلنت حكومة "طالبان" في بيان، نهاية مايو الماضي، أن اللجنة السياسية في الحركة بدأت العمل لعقد اجتماع قبلي (لويه جركه) للبت في بعض القضايا الوطنية، من دون الكشف عن توقيت حصوله أو ما سيتم بحثه فيه. في المقابل، أوضحت مصادر في الحكومة، لـ"العربي الجديد"، أن من بين القضايا التي سيتم بحثها في الاجتماع القبلي عمل المرأة في الحكومة، وقضية العلم والنشيد الوطني.

وفي حين أن حكومة "طالبان" تحدثت عن اجتماع قبلي، فإن رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية في وزارة الخارجية الأفغانية ولي الله شاهين أشار إلى أنه سيكون عبارة عن شورى، يجمع علماء الدين وأهل الخبرة والسياسيين والقبائل من أجل الاستئناس برأيهم في قضايا مهمة، إلا أنه أكد ضرورة موافقة قيادة "طالبان" عليها.

دور السياسيين بتوحيد كلمة الشعب

ووصف مستشار غني للشؤون القبلية والسياسية ضياء الحق أمر خيل، المتواجد في كابول حالياً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، هذا الأمر بالخطوة المهمة للغاية. وقال: "نحتاج في الوقت الراهن لتوحيد كلمة الشعب، والوجوه السياسية والقبلية تلعب دوراً مهماً في ذلك". لكنه طالب، في المقابل، حركة "طالبان" بفتح المجال أمام الأفغانيات وجميع الأطياف السياسية لإبداء رأيهم في القضايا الوطنية المهمة.

ودعت النائبة السابقة والسفيرة السابقة لدى النرويج شكريه باركزاي، المقيمة في النرويج، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى انتظار معرفة من سيشارك في الاجتماع. 

وقالت: "يمكننا توقع الكثير منه إذا كانت جميع القبائل والأطياف السياسية، بالإضافة إلى النساء، ستشارك فيه، بالإضافة إلى أنه سيكون وسيلة جيدة للم شمل الشعب". وشددت على "ضرورة عدم التغاضي عن دور المرأة الأفغانية في مستقبل البلاد، وأن يكون لها نصيب جيد في هذا الاجتماع، وإلا فإن علينا عدم توقع الكثير منه".