تعتقد الأمم المتحدة أن إطلاق النظام السوري لمئات المعتقلين في سجونه تطور جديد يمكن البناء عليه من أجل التوصل لحل سياسي للقضية السورية، بينما الوقائع تشير إلى أن هذا النظام لم يطلق إلى الآن سوى مئات المعتقلين من بين عشرات آلاف من المفترض أن يشملهم قانون "العفو" الذي أصدره رئيس النظام بشار الأسد في 30 إبريل/نيسان الماضي.
بيدرسن يرى "عفو الأسد" تقدماً
وقال المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، في كلمة له أول من أمس الثلاثاء، أمام مؤتمر المانحين في بروكسل، إنه ينوي طرح قضية المعتقلين لدى النظام السوري خلال زيارة مقررة له إلى العاصمة السورية دمشق في وقت لاحق من شهر مايو/أيار الحالي، للتحضير لجولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف.
وأعرب عن اعتقاده بأن إفراج النظام عن عدد من المعتقلين خلال الأيام القليلة الفائتة "من شأنه أن يرسل إشارة مهمة لجميع السوريين مفادها بأن التقدم ممكن"، مضيفاً: "يرى الكثيرون في هذا تطوراً جديداً مهماً محتملاً نظراً إلى أن عدداً كبيراً من السوريين يمكن أن يستفيدوا منه".
إطلاق عدد محدود من المعتقلين يتناغم إلى حد ما مع سياسة "خطوة بخطوة" التي يروج لها بيدرسن
وبدأ النظام السوري مطلع الشهر الحالي الإفراج عن معتقلين على دفعات بعد صدور "عفو" من بشار الأسد في 30 إبريل الفائت، عما أسماها بـ"الجرائم الإرهابية"، في محاولة لوسم المعتقلين بصفة الإرهاب.
ويبدو أن المبعوث الأممي يرى أن إطلاق عدد محدود من المعتقلين يتناغم إلى حد ما مع سياسة "خطوة بخطوة" التي أعلنها بيدرسن العام الفائت، في محاولة لدفع النظام لتسهيل مهمة الأمم المتحدة في تنفيذ القرار الدولي 2254 (الصادر عام 2015 والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية) الذي لا يعترف به النظام.
إفراج عن مئات المعتقلين السوريين من بين عشرات آلاف
وكان من المتوقع أن يخرج عدد كبير من بين نحو 130 ألف معتقل موثقة أسماؤهم لدى منظمات حقوقية، إلا أن النظام لم يفرج حتى أمس الأربعاء سوى عن مئات الأشخاص، وهو ما يعزز الاعتقاد بأنه قتل منذ عام 2011 الكثير من هؤلاء المعتقلين.
ووثقت "رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا" الإفراج عن 136 معتقلاً من سجن صيدنايا سيئ السمعة، منذ صدور مرسوم "العفو"، مشيرةً إلى أن "القائمة غير نهائية والعدد قابل للزيادة في الأيام المقبلة".
وأوضحت أن "سبعة أشخاص من المفرج عنهم يعود تاريخ اعتقالهم إلى العام 2011، وثمانية أشخاص يعود تاريخ اعتقالهم للعام 2012". وأضافت أن "51 شخصاً من المفرج عنهم يعود تاريخ اعتقالهم للعام 2018، في حين لم نستطع تحديد تاريخ دقيق لاعتقال 31 شخصاً".
وبيّنت الرابطة أن "103 أشخاص من المفرج عنهم من سجن صيدنايا، نظرت محكمة الميدان العسكري في قضاياهم، بينما نظرت محكمة الإرهاب في قضايا 14 شخصاً". وأشارت إلى أن "19 شخصاً من المفرج عنهم لم تنظر أي محكمة في قضاياهم خلال فترة احتجازهم، أو لم نستطيع تحديد المحكمة التي نظرت في ذلك إلى الآن".
ولفتت الرابطة إلى أن "محافظة ريف دمشق تأتي في المركز الأول من حيث عدد الأشخاص المفرج عنهم منها، تليها محافظة درعا في المركز الثاني، ومحافظة حمص (مدن وبلدات ريف حمص الشمالي) في المركز الثالث"، بينما "لم يسجل الكثير من الأشخاص المفرج عنهم من محافظات اللاذقية، ودمشق، ودير الزور، وحلب".
ويعد معتقل صيدنايا شمال شرقي العاصمة دمشق، بمثابة "مسلخ بشري" وفق توصيف منظمة "العفو الدولية"، التي وثقت في منتصف عام 2016، مقتل 17723 معتقلاً أثناء احتجازهم في سجون النظام السوري، ما بين مارس/آذار 2011 وديسمبر/كانون الأول 2015، أي بمعدل 300 معتقل كل شهر.
"الشبكة السورية لحقوق الإنسان": الإفراج عما لا يقل عن 429 شخصاً حتى أمس الأربعاء
في السياق، أوضح مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فضل عبد الغني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الشبكة "وثقت ما لا يقل عن 429 شخصاً تم الإفراج عنهم من قبل قوات النظام من مختلف السجون المدنية والعسكرية والأفرع الأمنية في المحافظات السورية في الفترة الممتدة من بداية الشهر الحالي وحتى صباح (أمس) الأربعاء".
ووفق عبد الغني، فإن "من بين المفرج عنهم 48 امرأة، و8 أشخاص كانوا أطفالاً حين اعتقلوا"، مشيراً إلى أن "من بين حصيلة المفرج عنهم 6 حالات لمختفين قسرياً، لم تكن عائلاتهم تحصل على أي معلومات عنهم طوال مدة احتجازهم واختفائهم، ولم تتمكن من زيارتهم حتى ولو لمرة واحدة".
ولفت إلى أن القوائم التي تنشر في وسائل التواصل الاجتماعي عن المفرج عنهم "مليئة بالأخطاء"، مضيفاً أن "بعض المنظمات تنشر معلومات بناء على هذه القوائم، وليس استناداً على توثيق الحالات".
وقال عبد الغني إن "هناك حالات إفراج عن معتقلين بشكل يومي"، مشيراً إلى أن "عمليات التوثيق الصحيحة لعدد المفرج عنهم هي من صلب عمل الشبكة، وهناك أكثر من 13 شخصاً يقومون بهذه المهمة".
إلى ذلك، أوضح المحامي عبد الناصر حوشان (وهو عضو مجلس فرع حماة للمحامين الأحرار) لـ"العربي الجديد"، أن القانون رقم 7 (العفو) الذي أصدره بشار الأسد "جاء محصوراً بقانون واحد، وهو قانون الإرهاب 19 فقط، وبنصوص محددة فيه". ولفت إلى أنه "خرج عن مفهوم العفو العام الذي يفترض أن يشمل الجرائم السياسية، وجرائم أمن الدولة والجرائم العادية التي تمت ملاحقة كثير من الأحرار بموجبها واعتقال الكثير ومحاكمتهم بها".
وأشار حوشان إلى أن "عدد المختفين قسرياً ومجهولي المصير هو 84371، لم يخضعوا لمحاكم الإرهاب أو غيرها من المحاكم، في حين أن عدد المعتقلين تعسفياً، الذين لم يحالوا إلى القضاء حتى اليوم ومصيرهم معلوم هو 27593".
ولفت إلى أن "عدد المعتقلين من غير السوريين يقدّر بـ500 معتقل، وهؤلاء لم يشملهم قانون العفو لأنه خص السوريين فقط". وبيّن حوشان أنه "من المفترض أن يشمل القانون رقم 7 آلاف المعتقلين في السجون، بحيث يُطلق سراحهم من دون قيد أو شرط"، مشيراً إلى أنه "حتى أمس الأربعاء، بلغ عدد المفرج عنهم 317 معتقلاً".
وأوضح أن "أغلب المفرج عنهم من مختلف المحافظات، هم مجندون في قوات النظام اعتقلوا بعد بدء التسويات مع الأخير في عام 2018".