تتواصل عمليات التسوية التي يجريها النظام السوري في عدة محافظات بالبلاد، مع إعلانه افتتاح المزيد من المراكز المخصصة لها في ريف دمشق، بالتوازي مع عمليات مماثلة في محافظات دير الزور والرقة وريف حلب، في مسعى منه لتثبيت وجوده بتلك المناطق والتأكيد على عودتها إلى "سيطرته الكاملة"، بهدف ترويج رؤيته للحل، والابتعاد عمّا يسميها "الحلول الخارجية" برعاية دولية.
وذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام، اليوم السبت، أنّ عمليات التسوية تواصلت في مدينة داريا بريف دمشق الجنوبي الغربي جنوبي البلاد، في المركز الذي افتتح أول أمس الخميس، في مبنى مدرسة وسط المدينة. وبحسب الوكالة، فإنّ "عشرات المطلوبين المدنيين والعسكريين توافدوا اليوم إلى المركز لتسوية أوضاعهم".
يذكر أنّ أغلب أهالي داريا، مهجرون من بيوتهم التي دمّر نظام بشار الأسد معظمها خلال السنوات الماضية، وما زال يمنع العودة إلى الكثير من أحيائها التي كانت تحتضن المعارضة المسلحة ضدّه.
كما تواصلت عمليات التسوية في مركز بلدة السبخة بريف الرقة الشرقي شرقي سورية، وتشمل "المطلوبين القادمين من مختلف مناطق المحافظة لليوم التاسع والعشرين"، وفق "سانا" التي أضافت أنّ الراغبين بتسوية أوضاعهم "يتحدون عراقيل مليشيا قسد (قوات سورية الديمقراطية) الانفصالية ويتوافدون يومياً إلى المركز".
وكانت سلطات النظام السوري قد افتتحت، الثلاثاء الماضي، مراكز مصالحة جديدة في مدينتي معضمية الشام والتل بريف دمشق، لإخضاع أبنائها لعمليات التسوية الأمنية.
ووفق مصادر محلية، فإنّ عملية التسوية في المعضمية ركّزت على الأشخاص العائدين من دول اللجوء والذين لم يخضعوا للتسوية الأمنية التي جرت عام 2016، وذلك بناء على اتفاق بين فرع "الأمن العسكري" ولجنة المصالحة في المدينة.
وكانت نحو 100 عائلة من أهالي معضمية الشام، عادت إلى المدينة من لبنان ومصر والأردن خلال السنوات الثلاث الماضية، وخضعت للتسوية الجديدة بناء على الاتفاق.
وتتطابق شروط التسوية في معضمية الشام مع تلك التي جرت في التل وداريا، وتشمل المطلوبين للفروع الأمنية بقضايا "أمن الدولة"، والمطلوبين بقضايا جنائية بناء على تقارير أمنية، في حين ركّز مركز معضمية الشام على العائدين إلى المدينة خلال السنوات الثلاث الماضية.
كما تشمل التسويات المنشقين عن جيش النظام، على أن يلتحقوا بقطعهم العسكرية بشكل فوري، والمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية. وفي المقابل، يلتزم النظام بوقف "إذاعات البحث" الصادرة بحق المطلوبين وتتم إزالة أسمائهم من الحواجز قبل نهاية شهر إبريل/نيسان المقبل.
وجاء إطلاق عمليات التسوية في داريا والتل ومعضمية الشام، بعد أيام على إنهاء التسويات في منطقتي الكسوة وزاكية والبلدات المحيطة بهما في ريف دمشق الغربي.
كما افتتح القضاء العسكري التابع للنظام، نهاية الشهر الفائت، مركز تسوية خاصا بالعسكريين داخل محكمة ببيلا جنوبي العاصمة دمشق، في حين طلب فرع الأمن العسكري من مؤذني المساجد في المنطقة، النداء على الشبان المتخلفين والمنشقين من أبناء بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم للتوجه إلى مركز التسوية.
النظام يروّج لفكرة "انتصاره"
ويرى الناشط محمد الأحمد المنحدر من معضمية الشام أن النظام السوري يسعى من خلال التسويات إلى الترويج لفكرة "انتصاره" في المعركة، وتمكنه من استعادة السيطرة على المناطق التي ثارت عليه خلال السنوات الماضية.
وأضاف الأحمد في حديث مع "العربي الجديد" أن "ما جرى على الأرض حتى الآن لم يخدم هذا الطرح حيث عادت أو تواصلت عمليات الاغتيال في بعض المناطق مثل درعا التي كانت سباقة في التسويات، فيما يتوجس كثير من الأهالي من نيات النظام ولا يثقون بوعوده، خاصة لجهة الإفراج عن المعتقلين من أبناء تلك المناطق، أو عدم اعتقال من يجرون تسويات، وهو ما لم يلتزم به النظام في الحالتين".
وأوضح الأحمد أن "التسويات التي أطلقها النظام في ريف دمشق، جاءت بعد انشقاق العديد من أبناء المنطقة ممن عقدوا تسويات سابقا، بسبب زجهم في مناطق الاشتباك بريف إدلب والبادية، ويستهدف النظام اليوم استعادتهم بصفوف قواته".
من جهته، يرى الصحافي شادي عبدلله في تصريح له أن النظام يروج لهذه التسويات خارجيا على أنها "البديل الواقعي" لما يطرح من حلول دولية للوضع في سورية، محاولا القول إنه بات يتحكم في مفاصل المدن التي خرجت عن سيطرته، وأن أبناء تلك المدن يعودون تدريجيا للقبول بالنظام الحالي.
كما تساعد هذه الدعاية النظام في جهوده لجلب المستثمرين الأجانب إلى مناطقه عبر تسويق لفكرة أن التسويات هي مفتاح عودة الحياة الطبيعية للسكان، وانتهاء زمن الملاحقات الأمنية والمطلوبين.
وخلافاً لهذه الدعاية، ورغم الضمانات التي قدمتها أجهزة النظام الأمنية، وحتى روسيا، فقد، شهدت جميع المناطق التي تم التوصل إلى اتفاقات التسوية فيها، مثل الغوطة الشرقية وجنوب دمشق وجنوب سورية، اعتقالات للعديد من الرجال والنساء.
كما أجبرت الأجهزة الأمنية أفراد المجتمع المحلي على تقديم معلومات مفصلة عن أقاربهم أو معارفهم داخل سورية وخارجها، خاصة من قوى المعارضة أو النشطاء أو منظمات المجتمع المدني، بهدف بناء وتوسيع قاعدة بيانات مفصلة عن السكان، مما يسمح بتوسيع حملات الاعتقال في وقت لاحق.