قال تقرير لصحيفة "هآرتس" صباح اليوم الثلاثاء، إن وزارة الأمن والمنظومة الأمنية في إسرائيل تبديان قلقاً شديداً من احتمال قيام الولايات المتحدة الأميركية باستهداف شركات سايبر هجومية إسرائيلية مثل شركتي NSO و"كانديرو"، بما يهدّد ما يطلق عليه في دولة الاحتلال دبلوماسية السايبر، التي كانت ستاراً عملياً لقيام شركات إسرائيلية أمنية في مجال السايبر والتجسس ببيع خدماتها الهجومية في التجسس والتخريب لأنظمة ودول مختلفة، مقابل ضمان تأييد أو دعم هذه الدول وأنظمتها لسياسات دولة الاحتلال.
وأشارت الصحيفة إلى أن "هذه الدبلوماسية" التي كان أطلقها رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، تحت ستار دعايته عن "دولة الستارت أب"، على وشك أن تصاب بضربة قوية، بعدما كان نتنياهو تباهى بإسهام هذه الدبلوماسية في تحسين مكانة إسرائيل في العالم، وبينها مع دول عربية، وهو ما تبيّن أن المقصود منه عملياً كان سياسة بيع خدمات التجسس على مواطنين ومعارضين للحكم وحتى زعماء دول أخرى، بعدما كشف تحقيق دولي حجم تورط شركة NSO وبرنامجها التجسسي "بيغاسوس" بدول مختلفة، واستخدام هذا البرنامج من قبل هذه الدول للتجسس على مواطنين فيها، وفي المهجر.
وقد دفع الكشف عن هذه الفضيحة بالولايات المتحدة الأميركية قبل شهر تقريباً، إلى الإعلان أن شركتي NSO و"كانديرو" الإسرائيليتين تمسان بالأمن القومي الأميركي، فيما ادعت إسرائيل، عبر ممثلي هاتين الشركتين، أن القرار الأميركي مرده لتنافس في مجال الإنترنت ومنافسة الشركات الأميركية للشركات الإسرائيلية.
وبالعودة لتقرير "هآرتس"، فقد أشارت الصحيفة في تقريرها إلى أنه "عندما كان نتنياهو يُستقبل بحفاوة بالغة في الشرق الأقصى وفي دول أوروبا الشرقية (في إشارة إلى الهند وهنغاريا، اللتين اشترتا خدمات برنامج التجسس بيغاسوس)، وحتى في مؤتمر قمة دول شرق أفريقيا، فقد كان يسهب في شرح عظمة التكنولوجيا والاقتصاد الإسرائيليَّين، حيث ادعى أن دولاً من كافة أنحاء العالم تريد أن تكون صديقة لإسرائيل، لأنها تريد الاستفادة من ثمار التطور التكنولوجي الإسرائيلي. وكان الأثر الذي تتركه كلمات نتنياهو على سامعيه أن إسرائيل تحضر التطور والرخاء لدول العالم، تماماً مثلما فعلت عندما عممت طرق الري الحديثة مع دول أفريقية قبل خمسة عقود".
وبحسب الصحيفة، فقد كان الواقع أقل من ذلك، ففي حالات غير قليلة، تبين أن نتنياهو زوّد أصدقاءه الجدد - وكثير منهم هم حكام استبداديون رغبوا بمراكمة قوة إضافية لصالح نظامهم وحكمهم على حساب مواطنيهم وشعوبهم- بتكنولوجيا سيبرانية هجومية مكنتهم من اختراق وانتهاك خصوصيات مواطنيهم، ومراقبة وتعقب صحافيين ومعارضين للحكم.
ومضت الصحيفة تقول إنه بالإضافة لتعزيز العلاقات بين إسرائيل وهذه الدول، نسجت علاقات تعاون استخباراتية بين الأجهزة الإسرائيلية وأجهزة مخابرات هذه الدول مهّدت لبيعها برنامج التجسس "بيغاسوس".
هل تؤدي العقوبات الأميركية إلى انهيار NSO؟
ولفتت الصحيفة في هذه المناسبة إلى أنها كانت أول من كشف قبل ثلاث سنوات عن بيع هذا البرنامج سراً للمملكة العربية السعودية، لكن تلك الأيام، التي نشطت فيها الشركة سراً من مدينة هرتسليا بتشجيع من رئيس الحكومة وأجهزة الاستخبارات والمنظومة الأمنية قد ولّت من دون رجعة، خصوصاً بعد العقوبات التي فرضتها على الشركة، الولايات المتحدة، الشهر الماضي.
وقالت الصحيفة إن المنظومة الأمنية الإسرائيلية تقدّر بأن العقوبات الأميركية قد تؤدي قريباً إلى انهيار الشركة ووقف نشاطها، خصوصاً إذا لم تتمكن من ضمان قدرات جديدة لاختراق هواتف "أبل" وأجهزة الهواتف الخلوية ببرمجيات "أندرويد"، مما يعني عدم قدرتها لاحقاً على الاحتفاظ بالقوى العاملة لديها الأكثر خبرة في اختراق الهواتف، وبالتالي لن يكون لها ما تقدمه لزبائنها.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين وصفتهم بأنهم رفيعو المستوى في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، قولهم إن الخطوة الأميركية شلّت كلياً وأحبطت النشاط المستقبلي للشركة، إذ لم يعد بمقدورها شراء حتى قلم في فرعها في فيرمونت، "لأن كل شركة أميركية تريد التعامل معها بحاجة لتصريح خاص، وهو ما يترافق مع ترك مستخدمي الشركة لصفوفها".
وأضافت هذه المصادر، أن إسرائيل تخشى ألا يكتفي الأميركيون بهذه الخطوة، وأن يستهدفوا لاحقاً سوق شركات السايبر الإسرائيلية الهجومية كله، وأن يحاولوا إخراج كافة الشركات الإسرائيلية من سوق المنافسة معهم.
إسرائيل مفاجأة من حجم الغضب الأميركي
ووفقاً للصحيفة، فقد فوجئت إسرائيل بحجم الغضب الأميركي، ورد فعل إدارة جو بايدن ضد شركتي NSO و"كانديرو" الإسرائيليتين، منطلقين من نتائج التحقيقات الصحافية الدولية في هذا الباب، عن استخدام أنظمة استبدادية لخدمات وبرامج التجسس "بيغاسوس"، لا سيما بعدما تم الكشف، قبل أسبوعين، عن أن أوغندا استخدمت هذا البرنامج للتجسس ومراقبة دبلوماسيين أميركيين على أراضيها، عبر زرع هذا البرنامج في هواتفهم ومراقبتهم.
وبحسب الصحيفة، فإن المستوى السياسي والمؤسسة الأمنية في إسرائيل لم يحددا بشكل قاطع دوافع واعتبارات إدارة بايدن في خطواتها هذه، ويربطان ذلك أيضاً بالتوتر في العلاقات بين البلدين بشأن الملف النووي الإيراني، والخلاف مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة نفتالي بينت حول البناء في المستوطنات الإسرائيلية، والمصاعب التي تواجهها الإدارة الأميركية في إقرار مساعدات لإسرائيل بقيمة مليار دولار، ويبدو أن إسرائيل والحكومة الجديدة لم تدركا وتستوعبا حقيقة تغيير الإدارة في الولايات المتحدة، ووصول إدارة تحمل أجندة جديدة بكل ما يتعلق بانتهاك حقوق الإنسان.
وأشارت الصحيفة إلى أنه توجد في إسرائيل اليوم 19 شركة سايبر هجومية، وليس واضحاً ما إذا كان الأميركيون قد قرروا استهدافها جميعها، لمنع المنافسة مع دول أخرى في هذا المجال، أم أنهم سيكتفون بالخطوات التي تم اتخاذها.
مخاوف إسرائيلية
وتثير هذه الخطوات مخاوف إسرائيلية من انتقال عاملين في شركات سايبر إسرائيلية هجومية، للعمل لصالح شركات أجنبية، وتوظيف خبراتهم لصالح هذه الشركات. وتزداد حدة هذه المخاوف مع تقارير عن حالة تذمر داخل الشركة (NSO) وتفكير كثير منهم بترك الشركة والانتقال للعمل في شركات أخرى.
وقالت الصحيفة إن إسرائيل تقرّ الآن بأن المؤسسة الأمنية لم تراقب نشاط الشركة بشكل كافٍ، وأن نتنياهو تاجر بخدماتها، بينما كان الموساد يقوم بإجراء الاتصالات الأولية والتمهيد لإبرام الصفقات.
وأبرزت الصحيفة أن انتعاش سوق برامج الشركة كان بالأساس في العقد الأخير، وكان مرتبطاً بعمليات وتحركات سياسية واستخباراتية قام بها نتنياهو، تم بفضلها تحسين العلاقات مع عدد من الدول في مناطق مختلفة في العالم. وكان نتنياهو أمر المؤسسة العسكرية بالترويج لصفقات سايبر هجومية، ويبدو أنه فضّل عدم فرض رقابة على نشاط الشركة وفحوى الصفقات التي أبرمتها، أو على الشركاء الذين استعانوا بخدماتها وبرامجها السيبرانية الهجومية.
ونقلت الشركة عن أطراف في صناعة السايبر الإسرائيلية قولها إن كل الصفقات التي أبرمتها الشركة كانت بمعرفة وتشجيع الحكومة والمؤسسة الأمنية، وهو ما يفسر ادعاءات شركة NSO أن على الدولة حمايتها والعمل لرفع العقوبات الأميركية عنها. ويأتي ذلك تحديداً في ظل الدعوى القضائية التي رفعتها شركة "فيسبوك" ضد NSO، مما ينذر خلال المحاكمة بمطالبة الشرطة الإسرائيلية بالكشف عن تقارير ووثائق مختلفة.
NSO تبحث إيقاف "بيغاسوس" وبيع الشركة
في السياق نفسه، نقلت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية عن مصادر مطلعة على القضية، قولها إن شركة NSO تبحث في خيارات عدة، من بينها إيقاف تشغيل وحدة "بيغاسوس" وبيع الشركة بالكامل، مع خطر تخلفها عن سداد ديونها.
ولفتت، نقلاً عن المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، إلى أن محادثات جرت مع العديد من صناديق الاستثمار بشأن خطوات تشمل إعادة التمويل أو البيع المباشر.
Scandal-Plagued Israeli Spyware Firm NSO Mulls Shutdown of Pegasus Unit, Sale of Company - SCOOP via @business @middleeast https://t.co/lkNKL16f4C
— Benjamin Harvey (@BenjaminHarvey) December 13, 2021
وتحدثت عن أنه من بيع المالكين الجدد المحتملين صندوقين أميركيين ناقشا الاستحواذ على الشركة وإغلاق "بيغاسوس". ووفق هذا السيناريو، سيضخ الصندوقان بعدها حوالي 200 مليون دولار كرأس مال جديد لتحويل المعرفة الفنية وراء "بيغاسوس" لتقتصر على خدمات أمنية إلكترونية دفاعية، وربما تطوير تكنولوجيا الطائرات المسيّرة في الشركة الإسرائيلية.
ورفض متحدث باسم شركة NSO التعليق على المعلومات.