قالت منظمة "هيومن رايتس واتش"، ومقرها الرئيسي نيويورك، اليوم الخميس، إنّ "هجمات القوات المسلحة السورية والروسية المتكررة على البنية التحتية المدنية في إدلب شمال غربي سورية، كانت على ما يبدو جرائم حرب وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية".
وأشارت المنظمة الدولية إلى "أنّ عشرات الضربات الجوية والبرية غير القانونية التي استهدفت والمدارس والأسواق، ما بين إبريل/ نيسان 2019 ومارس/ آذار 2020، تسببت في مقتل مئات المدنيين. كما أضرت الهجمات بشكل خطير بالحق في الصحة والتعليم والغذاء والماء والمأوى، مما أدى إلى نزوح جماعي".
وجاء ذلك في تقرير مفصل أصدرته المنظمة، وصلت إلى مكتب "العربي الجديد" في نيويورك نسخة منه، وجاء في 184 صفحة تحمل عنوان "إنهم يستهدفون الحياة بإدلب: الضربات السورية والروسية على البنية التحتية المدنية"، يوثق العشرات من تلك الانتهاكات المرتكبة خلال أحد عشر شهراً من العمليات العسكرية، لإعادة السيطرة على إدلب والمناطق المحيطة، حيث آخر معاقل جماعات المعارضة المسلحة.
"Targeting Life in Idlib"
— Human Rights Watch (@hrw) October 15, 2020
New report on attacks by Syrian & Russian armed forces against civilian infrastructure in northwest Syria, apparent war crimes that may amount to crimes against humanity, out now:https://t.co/c12doZxx2Z#JusticeMatters#Syria pic.twitter.com/nh0FoDHKnP
ويقدّم التقرير توصيات لجميع الجهات المعنية بالحرب في سورية. ويحذر من أنّ خطر تجدّد الأعمال العدائية على المدنيين يحوم بالأفق، من دون أن تكون هناك أي تدابير محلية أو دولية قد اتُخذت ضدّ المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، حيث لا توجد أي آلية لردع مرتكبي الجرائم وغيرهم عن ارتكاب الفظائع في المستقبل".
ويستعين التقرير بمقابلات مع شهود عيان ومسؤولين في منظمات غير حكومية دولية، وخرائط وصور أقمار صناعية، كما بتقارير منظمات أخرى. ويسلّط الضوء على "الاستراتيجية العسكرية التي انتهك فيها التحالف السوري الروسي بشكل متكرر قوانين الحرب الدولية ضد 3 ملايين مدني هناك، حيث كان قد نزح العديد منهم إلى المنطقة في وقت سابق بسبب القتال في أماكن أخرى من البلاد". ويلفت الانتباه إلى نزوح قرابة المليون ونصف المليون من سكان محافظة إدلب خلال تلك الفترة.
ویسمّي التقرير "عشرة من كبار المسؤولين المدنيين والعسكرين السوريين والروس الذين قد يكونون متورطين في هذه الانتهاكات على أساس مسؤولية القيادة: كانوا على دراية أو ينبغي أن يعرفوا بهذه الانتهاكات ولم يتخذوا أي خطوات فعالة لوقفها أو معاقبة المسؤولين عنها مباشرة".
ومن بين هؤلاء القادة السوريين والروس الذين قد يتحملون مسؤولية القيادة عن الانتهاكات خلال تلك الفترة، "الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلادیمیر بوتین، وهما القائدان العامان لقواتهما المسلحة؛ ووزير الدفاع السوري والرجل الثاني في قيادة القوات المسلحة السورية العماد علي عبد الله أیوب؛ وقائد القوات الجویة السوریة اللواء أحمد بلول؛ ووزیر الدفاع الروسي، الرجل الثاني في قيادة القوات المسلحة الروسیة، جنرال الجیش سیرغي شویغو؛ والنائب الأول لوزیر الدفاع الروسي ورئیس الأركان العامة للقوات المسلحة جنرال الجیش فالیري جیراسیموف؛ والنائب الأول لقائد الأركان العامة للقوات المسلحة الروسیة ورئیس مدیریة العملیات الرئیسیة لهیئة الأركان العامة للقوات المسلحة العقید الجنرال سیرغي رودسكوي؛ وقائد القوات الروسیة في سوریة منذ مارس/ آذار 2019 حتى 10 إبریل/نیسان 2019 العقید الجنرال سیرغي فلادیمیروفیتش سوروفكین؛ وقائد القوات الروسیة في سوریة منذ 10 إبریل/ نیسان 2019 حتى سبتمبر/ أیلول 2019 العقید الجنرال أندریه نیكولای فیتش سیردیوكوف؛ وقائد القوات الروسية في سورية من سبتمبر/ أیلول 2019 وعلى الأقل حتى سبتمبر/ أیلول 2020 العماد ألكسندر یوریفیتش تشایكو".
ويشير التقرير إلى "شن التحالف السوري الروسي لعشرات الهجمات الجوية والبرية على المدنيين والبنى التحتية المدنية في انتهاك لقوانين الحرب، وضرب أماكن العمل، والعبادة، والدراسة، بما فيها المنازل، والمدارس، ومرافق الرعاية الصحية والأسواق. استخدام التحالف القذائف العنقودية، والأسلحة الحارقة، والبراميل المتفجرة العشوائية في مناطق مأهولة بالسكان، فكان لذلك أثر قاتل. قتلت الهجمات 1600 مدني على الأقل، ودمّرت وألحقت أضراراً بالبنية التحتية المدنية، وأجبرت نحو 1.4 مليون شخص على النزوح".
ويوثق التقرير "ستة وأربعين هجوماً برياً وجوياً أصابت بشكل مباشر أو ألحقت أضراراً غير مباشرة بالمدنيين والبنية التحتية في إدلب، في انتهاك للقانون الإنساني الدولي أو قوانين الحرب".
ويشير التقرير إلى أن تلك الهجمات التي تم توثيقها لا تمثل سوى جزء بسيط من إجمالي الهجمات التي شنها التحالف خلال تلك الفترة في إدلب والمناطق المحيطة بها. ويلفت التقرير الانتباه إلى عدم محاسبة أي شخص في سورية أو روسيا على تلك الانتهاكات، وأن حكومتَي البلدين عملتا بقوة "على إعاقة وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحتاجين".
وفي ما يتعلق بكيفية حصول المنظمة على معلوماتها، يشير التقرير إلى أنها، وبغية توثيق الوقائع الـ 46، قابلت 113 ضحية وشاهد عيان على الهجمات، فضلاً عن إجراء مقابلات مع موظفي الرعاية الصحية والإنقاذ، ومدرسين، وسلطات محلية، وخبراء حول الجيشين السوري والروسي. كما استعانت المنظمة بعشرات صور الأقمار الصناعية وأكثر من 550 صورةً ومقطع فيديو ملتقطة في مواقع الهجوم، وكذلك سجلات المراقبين الذين رصدوا الطائرات السورية والروسية في المنطقة.
وتشير المنظمة في تقريرها، الذي أرسلت منه نسخة لكلّ من روسيا وسورية، إلى أنهما صرحتا بأن "الهجوم في إدلب كان رداً على الهجمات المتكررة على قواتهما من قبل الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة ومكافحة "الإرهاب". كما نفى كبار المسؤولين السوريين والروس أن تكون عملياتهم قد انتهكت قوانين الحرب، على الرغم من المزاعم المتكررة عن هجمات غير قانونية على المدارس والمستشفيات وغيرها من المواقع المدنية خلال ما لا يقل عن 21 اجتماعاً لمجلس الأمن الدولي، وجلستين على الأقل لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة".
وفي هذا السياق، تلفت المنظمة الانتباه إلى أنه وفي تحقيقاتها المتعلقة بالحوادث الست والأربعين، لم تجد "أي دلیل على وجود أسلحة، أو معدات أو أفراد عسكريين للمعارضة حینها في المناطق التي تعرضت للهجوم، حيث وقعت معظم الهجمات في مناطق مأهولة بالسكان، ولم یقل أي منهم إن التحالف السوري-الروسي قدّم أي تحذیر مسبق. ووقعت الغالبیة العظمى من الهجمات الموثقة بعیداً عن القتال النشط بین قوات الحكومة السوریة والجماعات المسلحة المناھضة للحكومة".