يتصاعد التوتر في جنوب درعا، مع قيام قوات النظام السوري بمحاصرة مدينتي جاسم وإنخل في ريف المحافظة الشمالي، وفيما لم يعلن النظام عن مطالب محددة، من المعتقد أن هذا التصعيد يرتبط بتزايد الهجمات على قواته في محيط المدينتين خلال الآونة الأخيرة، والتي أسفرت إحداها عن مقتل وإصابة جنود روس.
وذكر ناشطون وشبكات محلية أن قوات النظام دفعت بتعزيزات عسكرية إلى أطراف مدينة جاسم، وعمدت إلى تعزيز نقاطها على طريق قرية سملين بدبابتين، فيما عمدت الحواجز العسكرية إلى منع المدنيين من مغادرة المدينة. ونقل موقع "درعا24" عن أحد سائقي الحافلات أن عناصر الأمن العسكري المتمركزين على الحاجز الواقع في منطقة الطيرة، على الطريق الواصل بين مدينتي جاسم وإنخل، منعه مع الركّاب من المرور وطلبوا منهم العودة إلى مدينة جاسم، مشيرا إلى أن وفداً من وجهاء مدينة جاسم توجه إلى مقر الفرقة التاسعة في مدينة الصنمين من أجل التفاوض والوصول إلى حل لما يجري في المدينة.
وكان عناصر الشرطة التابعون للنظام السوري قد انسحبوا من مخفر مدينة جاسم ليل الخميس/الجمعة، بالتزامن مع نشر قوات من الفرقة التاسعة التابعة للنظام 7 نقاط عسكرية جديدة ونصب خيام للعناصر في السهول بمحيط المدينة، وخاصة طريق إنخل – جاسم، والطرق المحيطة باتجاه قرى سملين، ونمر، والمزيرعة، كما حلقت طائرة استطلاع في سماء المنطقة وسط مخاوف من تصعيد محتمل من قبل قوات النظام.
وذكر الناطق باسم "تجمع أحرار حوران" أيمن أبو محمود، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أهالي المدينة أعلنوا عن حظر للتجول باتجاه المركز الثقافي، الذي يتحصن فيه عناصر فرع الأمن العسكري ويتخذونه مقرا لهم منذ سنوات، ويحاول النظام سحبهم من هناك قبل أي تحرك ضد المدينة، حيث دارت اشتباكات محدودة بين مسلحين محليين وعناصر الأمن العسكري خلال محاولتهم الانسحاب إلى خارج المدينة".
وأوضح أبو محمود أن أهالي المدينة والمسلحين فيها حذروا قوات النظام من أنه في حال إقدامها على اجتياح المدينة، فسوف يُهاجَم عناصر الأمن في المركز الثقافي، مشيرا إلى أن قوات النظام سحبت أيضا الموظفين التابعين للنظام من مبنى النفوس (السجل المدني)، إضافة إلى سحب عناصر مخفر الشرطة الذين عمدوا إلى تخريب محتويات المبنى قبل انسحابهم.
وأكد تجمع أحرار حوران، اليوم السبت، انسحاب عناصر الأمن العسكري من المركز الثقافي في مدينة جاسم شمالي محافظة درعا السورية، وذلك بعد اجتماع بين قيادات محلية من مدينة جاسم وضباط النظام السوري برعاية اللواء الثامن الذي وصل برتل عسكري من ريف درعا الشرقي، ويقضي الاتفاق الأولي بفتح بعض الطرق الرئيسية أمام المدنيين، وإخلاء عناصر الأمن العسكري من المركز الثقافي، دون معرفة مدة بقاء التعزيزات العسكرية في محيط مدينة جاسم.
وكان عنصر من القوات الروسية قضى متأثرا بإصابته نتيجة انفجار عبوة ناسفة خلال مرور سيارة عسكرية للقوات الروسية في بلدة محجة بريف درعا الثلاثاء الماضي، وفق "المرصد السوري لحقوق الإنسان" الذي أشار إلى إصابة عناصر آخرين من القوات الروسية، وأعقب ذلك انتشار أمني كثيف من قبل القوات الروسية في البلدة، مع إغلاق الطريق الدولي بين دمشق ودرعا.
وفي الخامس من الشهر الجاري، قتل 4 عناصر من قوات النظام وأصيب اثنان بجروح إثر استهداف سيارة لفرع أمن الدولة بعبوة ناسفة على طريق إنخل – جاسم.
وسبق أن حاصرت قوات النظام مدينة جاسم، ومدنا أخرى في محافظة درعا، تحت ذرائع شتى، مثل وجود تنظيمات أو عناصر متطرفين في المدينة، برغم أن أهالي المدينة والمجموعات المسلحة فيها تمكنوا من القضاء على بعض عناصر تنظيم "داعش"، ممن دسهم النظام في المدينة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بعد مقتل زعيم تنظيم داعش وعشرات العناصر والقياديين في التنظيم على يد عناصر سابقين في الجيش الحر.
وقال الناشط أبو محمد الحوراني لـ"العربي الجديد": "إن قوات النظام عمدت أيضا إلى فرض طوق أمني على مدينة إنخل المجاورة بعد استهداف السيارة العسكرية الروسية الثلاثاء الماضي، حيث انتشرت قوات النظام على الطرقات الترابية التي تربط بين مدينتي إنخل وجاسم"، مشيرا إلى أن الهدف الحقيقي للنظام، ليس ملاحقة عناصر مزعومين لتنظيم "داعش" بل إخضاع المدينة لسلطته، وابتزاز أهاليها لاعتقاده أنهم ميسورو الحال، ويعمل جزء من أبنائهم في الخليج العربي، حيث باتت سياسة ضباط النظام في درعا تقوم على عدة ركائز، منها مراكمة ثروات لضباط النظام عبر ابتزاز الأهالي، وتجارة المخدرات، إضافة إلى بث الفتن بين أبناء الجنوب السوري، بهدف عدم توحدهم ضد النظام.
ولفت إلى أن هذه التحركات من جانب قوات النظام تشير إلى انشغالها التام بابتزاز الأهالي وتجارة المخدرات، بينما مناطق الجنوب السوري تسرح فيها المليشيات الموالية لإيران، وتطلق بين الفينة والأخرى قذائف دعائية باتجاه فلسطين المحتلة، لم تتسبب بإصابة أي إسرائيلي، فيما تتعرض المنطقة وقوات النظام نفسها لقصف مقابل من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي أسفر عن مقتل العديد من عناصر النظام.
وتعد جاسم من أقدم مدن حوران، وتسميتها وفق كتب التاريخ نسبة إلى جاسم بن آرام بن سام بن نوح، وهي تضم آثارا من العصور اليونانية والرومانية والإسلامية، وأشهر من سكنها "الغساسنة"، حيث كانت في بعض المراحل من أهم الحواضر في جنوب سورية. ومن تل الجابية الذي يقع في أراضيها، انطلق المسلمون في عهد الخليفة عمر بن الخطاب لفتح بيت المقدس بعد معركة اليرموك، وهي من أول المدن التي ثارت ضد النظام السوري بعد عام 2011.