يبدأ الرئيس البرازيلي اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، غدا الأحد، ولاية ثالثة مليئة بالتحديات، تتمثل في جمع بلد مقسوم وإعادته الى تجمعات الأمم ومحاربة الفقر والجوع باقتصاد منهك، بعدما أصبحت حكومته جاهزة لبدء العمل.
"مهمة جبارة" تنتظر لولا على رأس دولة كبرى ناشئة بتعداد 215 مليون نسمة، كما قال نائبه جيرالدو ألكمين.
بحسب فريق لولا الانتقالي، فإن أربع سنوات من "الإدارة غير المسؤولة"، تحت قيادة جاير بولسونارو، تركت البرازيل في حالة يرثى لها، "نقص" في المواد و"عودة الى الوراء" في العديد من القطاعات: السياسية والاجتماعية والتعليم والصحة والبيئة.
كانت حكومة لولا الأطول مدة في التشكيل منذ 32 عاما. استغرق الأمر أسابيع من المفاوضات الشائكة لاستيعاب الحلفاء اليساريين الذين أتاحوا انتخابه، لكن، أيضا، الوسط الذي يحتاجه لدعمه في الكونغرس.
لا يزال مجلسا النواب والشيوخ المنبثقان عن انتخابات أكتوبر/تشرين الأول من اليمين، إلا أن محللين يرون أن ذلك لن يحول دون قدرة البراغماتي لولا على الحكم، بفضل تحالفاته من أقصى اليسار إلى وسط اليمين.
ملايين لم يصوتوا له
تعهد لولا أن يجعل "البرازيل سعيدة مجددا"، وهو يستعد لتولّي الحكم في بلاد يتعيّن عليه أن يرضي 58 مليونا من ناخبيها الذين لم يقترعوا لصالحه.
إدانته بتهم الفساد، التي تمت تبرئته منها في مرحلة لاحقة، جعلت منه منبوذا من قبل قسم كبير من البرازيليين، وأبقت الانتخابات تنافسية حتى الرمق الأخير.
ففي حين يحتفظ الكثير من البرازيليين بذكريات طيبة عن الازدهار الاقتصادي في الولايتين الأوليين للولا 2003 و2010، اختار غيرهم التصويت لصالحه لمجرد إخراج بولسونارو من الحكم.
وانتهت الانتخابات بفارق ضئيل بين الرجلين، إذ نال لولا 50,9 بالمئة من الأصوات، مقابل 49,1 بالمئة للرئيس المنتهية ولايته.
وعلى رغم مضي شهرين على الاقتراع، لا يزال مناصرو بولسونارو يتجمّعون خارج الثكنات العسكرية مطالبين بتدخل الجيش للحؤول دون تنصيب لولا.
في حال أخذ بنصيحة فريقه الانتقالي، فستتصدر أولويات لولا قضايا مثل وضع حد للتدمير البيئي الذي ازدهر في عهد سلفه ذي التوجهات القريبة من عالم الأعمال، وتحسين نظام التعليم الذي يعاني من نقص التمويل، ومواجهة غياب العدالة العرقية.
كما يجدر به العمل على تقليص حيازة الأسلحة النارية، التي زادت بشكل كبير في عهد سلفه المؤيد لها بولسونارو.
الحضور الدولي
على الساحة الدولية، يجد لولا نفسه أمام مهمة مصالحة البرازيل مع حلفائها، الذين أبعدهم المحافظ المتشدد والمثير للجدل بولسونارو.
ويرى الفريق الانتقالي للولا أن البلاد "فقدت ألقها" دوليا خلال الأعوام الأربعة الماضية. وتدين برازيليا بزهاء مليار دولار كمساهمات غير مدفوعة لمنظمات، منها الأمم المتحدة.
ويمكن للولا أن يعوّل على "كاريزما" شخصية على الصعيد الدولي، اذ يحظى بتقدير واسع النطاق، ووصفه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بأنه "السياسي الأكثر شعبية على وجه الأرض".
يتوقع المجتمع الدولي من لولا خطوات جدية في مجال المناخ والبيئة، أولها تعزيز حماية غابات الأمازون.
وتعهد الرئيس الجديد في مؤتمر الأطراف للمناخ "كوب27"، في نوفمبر/تشرين الثاني، بالقيام "بكل ما يجب" لتصفير نسبة التصحر ووضع حد لتدهور النظام البيئي بحلول عام 2030.
إلا أنه يحتاج من أجل تحقيق ذلك إلى تنشيط هيئات الرقابة التي تراجع دورها في عهد بولسونارو، ووقف القطع غير القانوني للأشجار ونشاطات التعدين، بشكل لا يثير حفيظة اللوبي الداعم للأعمال الزراعية، وهو حليف رئيسي لسلفه.
الأولوية للفقراء
وسيكون الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبرازيل تحديا أساسيا للولا، الذي أكد أن أولويته هي "الاهتمام بمن هم أكثر فقرا".
وفي خطوة أولى قوبلت بالترحيب، وافق الكونغرس مؤخرا على تعديل دستوري يتيح للولا تمويل وعوده الانتخابية، على الأقل لمدة عام.
وعلى رغم السقوف المفروضة على الإنفاق العام، تتيح الخطوة للولا زيادة ما يعرف باسم "بولسا فاميليا"، وهي عبارة عن مساعدة اجتماعية للأسر الأكثر فقرا، إضافة الى الحد الأدنى للأجور.
ويعاني نحو 125 مليون برازيلي من غياب الأمن الغذائي، في حين يعاني 30 مليونا الجوع، علما أن الرقم الأخير يوازي عدد أولئك الذين ينسب الى لولا فضل انتشالهم من الفقر خلال ولايتيه.
ويقول الباحث في مؤسسة جيتوليو فارغاس جولسون سامبايو إن قيود الميزانية "ستكون التحدي الأكبر للولا خلال السنوات المقبلة"، إذ يتعيّن عليه "زيادة الإنفاق من دون أمل (بزيادة) الإيرادات الموازية والسعي لعدم رفع الضرائب".
وتخشى الأسواق أن يخرج الدين العام عن السيطرة في عهد الرئيس اليساري، والذي يمثّل حاليا 77 بالمئة من الناتج المحلي.
ويرى أليكس أغوستيني، كبير الاقتصاديين لدى شركة أوستن للتصنيف، أن "على الإدارة الجديدة أن تقترح إطار عمل ناجعا لضبط الميزانية"، بهدف "تفادي فقدان الثقة الذي سينعكس تأثيره على الاقتصاد".
كما سيكون على لولا، العامل السابق في مجال الحديد وبطل الطبقة العاملة في نظر كثيرين، الإبقاء على النسق التراجعي لنسبة البطالة البالغة حاليا 8,3 بالمئة، وهي الأدنى منذ 2015.
كما يتعيّن على من شكّلت المخاوف الاقتصادية دافعا أساسيا لانتخابه إبقاء التضخم تحت السيطرة، حتى في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي، وفق أغوستيني.
(فرانس برس)