اختارت الأحزاب السياسية والقوائم المستقلة المتنافسة في الانتخابات البرلمانية المبكرة المقرّرة في 12 يونيو/ حزيران المقبل، مجموعة من الشعارات كوسم انتخابي يميز قوائمها، وتتخذه مختصراً يعبّر عن رؤيتها ومشروعها الانتخابي، بهدف إقناع الناخبين ببرامجها ومرشحيها. وحسب المستهدفات السياسية لكلّ حزب في هذه الانتخابات، وعلى الرغم من أن عمر تجربة الانتخابات التعددية في الجزائر بلغ ثلاثة عقود، إلا أن أغلب الأحزاب السياسية ما زالت تستند إلى شعارات رومانسية لا تعبّر عن تطور كبير في التسويق السياسي.
فقد اقتبس حزب "جبهة التحرير الوطني" مقطعاً من قصيدة للشاعر الجزائري المقيم في لندن عمر أزراج، لجعله شعاراً للحملة الانتخابية، "نحن نتجدد ولا نتبدد"، ويحمل هذا الشعار بالأساس مغزى سياسياً، له علاقة بالتطورات والظروف التي عرفها الحزب منذ اندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير/ شباط 2019، حيث طالبت التظاهرات وقوى سياسية ومدنية وقيادات في الحزب نفسه بحلّ الحزب وسحب رمزه التاريخي من الاستغلال السياسي، وهو ما دفع قيادة الحزب إلى اختيار شعار يتضمن رداً على هذه المطالبات، بمعنى السعي لتجديد الحزب، بدلاً من التبدد والاختفاء من الساحة السياسية.
ويعود هذا الشعار إلى قصيدة كتبها الشاعر عمر أزراج، كلفته ضغوطاً ومضايقات أمنية دفعته إلى الهجرة إلى الخارج، حيث كتب هذه القصيدة عشية أحداث أكتوبر 1988، ضد نظام الحزب الواحد، "جبهة التحرير الوطني"، طالب فيها الحزب بأن "يتجدد أو يتبدد أو يتعدد"، وهو معنى سياسي لم يكن مقبولاً في تلك الفترة.
من جهته، اختار أكبر الأحزاب الإسلامية، "حركة مجتمع السلم"، دخول الحملة الانتخابية ببرنامج تحت شعار" الحلم الجزائري"، واقتبست الحركة شعارها من تصوّر وخطة تنمية اقتصادية واجتماعية كانت قد اقترحتها للمرة الأولى نهاية عام 2018 ، تتضمن على مدى زمني ثلاث مراحل للإقلاع الاقتصادي، مرحلة قصيرة المدى بخمس سنوات ثم مرحلة متوسطة بعشر سنوات ومرحلة طويلة الأمد بعشرين سنة، وتعتبر الحركة من خلال شعارها والشروحات التي قدمها رئيس الحزب عبد الرزاق مقري لهذا الشعار أن تحقيق الحلم في جزائر قوية متطورة أمر ممكن جداً، قياساً بتجارب أخرى عدّدها كفيتنام وماليزيا وتركيا وسنغافورة وغيرها.
ثاني أحزاب السلطة، "التجمع الوطني الديمقراطي"، والذي تعرض هو الآخر لحملة مضادة خلال تظاهرات الحراك الشعبي، باعتبار مسؤوليته السياسية في الأزمة السياسية والاقتصادية التي عرفتها البلاد في العقود الماضية ، اختار شعار حملته الانتخابية "من أجل تغيير نوعي وفعال"، الذي يسعى من خلاله إلى إقناع الناخبين بوجود تغيير ومراجعات أساسية في الحزب وتوجهاته ومواقفه، كما وسم كل ملصقاته وقوائمه بشعار "الارندي الجديد" (الارندي مختصر تسمية الحزب بالفرنسية)، في مسعى لمحو صورة الحزب السابقة، وتجاوز أخطاء القيادات التي يوجد عدد منها في السجن في قضايا فساد، أبرزهم الأمين العام السابق ورئيس الحكومة الأسبق أحمد أويحيى.
من جهته اختار حزب "جيل جديد"، الذي يدخل الانتخابات النيابية للمرة الأولى في تاريخه، بعد مقاطعته مجموع الاستحقاقات الانتخابية التي جرت منذ عام 2012، سنة حصوله على الاعتماد، "فرصة للتغيير" شعاراً لحملته الانتخابية، تعبيراً عن قناعته بأن الانتخابات البرلمانية تمثل فعلياً فرصة جدية لتحقيق التغيير الآمن والمضمون، من دون المغامرة في اتجاهات أخرى. وقال رئيس الحزب جيلالي سفيان في تجمع لأنصار حزبه أمس الثلاثاء في العاصمة الجزائرية إن انتخابات 12 يونيو/ حزيران المقبل تمثل فرصة تاريخية لا يجب تفويتها لتحقيق التغيير، لكون النظام السياسي الحاكم في البلاد انكسر داخلياً بفعل تظاهرات الحراك الشعبي، وهو بصدد إعادة بناء نظام جديد، ويتوجب على القوى السياسية أن تكون شريكة وفاعلة ومؤثرة في إرساء قواعد النظام الجديد للبلاد.
وتبنى عدد من الأحزاب الجزائرية والقوائم المستقلة المشاركة في هذه الانتخابات شعار "الجزائر الجديدة"، وهو العنوان المركزي للرئيس عبد المجيد تبون، في مسعى لإعطاء الانطباع بانخراطها ضمن المسعى العام للتجديد السياسي في البلاد وفق تصورات السلطة والرئيس، كما كان لمجمل الشعارات السياسية علاقة مباشرة إما بالتطورات السياسية والاقتصادية الراهنة في البلاد، أو بالتطلعات المجتمعية نحو المستقبل وتحسين الظروف الاجتماعية ووضع أسس الإقلاع الاقتصادي والتنموي للبلاد.
ويعتبر الكاتب المتخصص في الخطاب والتسويق السياسي عبد العالي زواغي أن للشعار دوراً مهماً جداً في عملية التسويق السياسي، والشعار تكتيك سياسي ينهل من التفاعلات التي تحدث في عمق المجتمع، ويحاول مسايرتها والعزف على الأوتار العاطفية والنفسية والاقتصادية والسياسية التي تدور في الأوساط الشعبية بغرض استمالتها وحثها على الانتخاب.
وأكد زواغي في تحليله للشعارات المعلنة في الحملة الانتخابية أن "شعارات الأحزاب السياسية في غمار الانتخابات جاءت متساوقة مع إفرازات ما جرى خلال العامين الماضيين عقب الحراك الشعبي، في محاولة ركوب موجة المرحلة التي تبشر بجزائر جديدة، أو تبني المطالب محل الإجماع لدى عموم الجزائريين، وتسويق فكرة التغيير تماشياً مع موجة الحراك الشعبي ومواكبة تطلعاته، على الرغم من وجود فرق شاسع بين الممارسة السياسية الحقيقية لهذه الأحزاب، والمثالية المكتنزة في الشعارات".
ولفت إلى أنه "يمكن ملاحظة فروق عديدة في صياغة هذه الشعارات ودلالاتها، تبعاً لمواقع الأحزاب السياسية معارضة أو موالاة، لا سيما من حيث التأطير، أو القوالب الفكرية التي تم توظيفها للتأثير على الناخبين، فحزب "جبهة التحرير الوطني" مثلاً، الذي واجه انتقادات عاصفة خلال الحراك الشعبي، مع بروز دعوات لإدخاله المتحف ونزع الشرعية الثورية عن معناه الاشتقاقي، لجأ إلى إطار التطهير والصراع، "نتجدد ولا نتبدد"، بينما حركة "مجتمع السلم"، ورغم انتمائها الإسلامي، اختارت شعار الحلم الجزائري، خالياً من أي دلالة إسلامية أو نمطها الفكري المعهود".