تحضّر خمسة أحزاب سياسية في الجزائر، لعقد مؤتمراتها العامة في غضون الأشهر القليلة المقبلة. ثلاثة منها تستقطب اهتماماً سياسياً لافتاً ومتابعة إعلامية، بفعل موقع وتأثيرات هذه الأحزاب وثقلها في المشهد الجزائري، وطبيعة مواقفها السياسية في العلاقة بالسلطة والمسارات القائمة في البلاد، في الوقت الذي تبدي فيه السلطة رهاناً أكبر على إسناد من قوى المجتمع المدني مقارنة بالأحزاب السياسية.
وتستعد "جبهة القوى الاشتراكية"، أقدم أحزاب المعارضة السياسية في الجزائر (تأسست عام 1963)، لعقد مؤتمرها العام المقرر بين 8 و10 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وبدأت الخميس الماضي مؤتمرات فيدراليات الحزب في الولايات لانتخاب المندوبين إلى المؤتمر السادس. وشارك في هذه المؤتمرات، التي ستستمر في مجموع الولايات الـ58 لغاية 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، مناضلو وقيادات الحزب.
تراهن "جبهة القوى الاشتراكية" على ترميم صفوفها بعد انقسامات تنظيمية شهدها الحزب
وسبق انعقاد هذه المؤتمرات، عقد ندوة وطنية للقيادات والإصغاء، خصصت لإجراء تقييم سياسي وتنظيمي، وسمح خلالها لنخب غير عضوة في الحزب بالتدخّل ومناقشة الخط السياسي ومواقف الحزب، وأهدافه السياسية في أفق الاستحقاق الحزبي المقبل.
وتراهن "جبهة القوى الاشتراكية" خلال المؤتمر المقبل، على ترميم صفوفها بعد انقسامات تنظيمية شهدها الحزب خلال الفترة الماضية، بسبب صراع بين قيادتين كانت كل منهما تزعم الحصول على الشرعية.
إقرار بأزمات داخل "جبهة القوى الاشتراكية"
وخلال المؤتمر الصحافي الأخير الذي عقده السكرتير الأول للحزب يوسف أوشيش، أقر بالأزمات الداخلية العديدة التي عصفت بالجبهة. وقال إن "عزيمة القاعدة النضالية ساعدت بتجاوز الاعتبارات الشخصية وتلك المتعلقة بالجماعات واستقطاباتها، من أجل الحفاظ على الحزب وضمان استمراريته".
وأشار إلى أن "هذا يرتبط أساساً باختيار نموذج تنظيم خلال المؤتمر المقبل يسمح بانفتاح حقيقي نحو المجتمع، وبمأسسة آليات التسيير الديمقراطي التي تحفظ استقلالية الحزب، وتمنع كل أشكال الانحرافات الفردية منها، أو تلك المرتبطة بالمجموعات الضيقة".
وتفرض التطورات السياسية على الحزب القيام بمراجعة سياسية لحصيلة المرحلة الماضية، خصوصاً مع التداعيات السياسية التي خلّفها الحراك الشعبي والمسار الذي فرضته السلطة لاحقاً.
وكانت الجبهة قد قاطعت ثلاثة استحقاقات انتخابية جرت بعد الحراك الشعبي، وهي الرئاسية في ديسمبر 2019، والاستفتاء على الدستور الجديد في نوفمبر 2020، والانتخابات النيابية في يونيو/حزيران 2021، قبل أن تقرر المشاركة في الانتخابات المحلية التي جرت نهاية العام الماضي.
جدل المشاركة والمعارضة
لكن أكثر القوى السياسية إثارة للاهتمام في مثل هذه المحطات التنظيمية، إضافة إلى "جبهة التحرير الوطني"، هي حركة "مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية والمعارضة في الجزائر، والتي يتزامن مؤتمرها المقبل مع نهاية الولاية الثانية لرئيس الحركة عبد الرزاق مقري، الذي نجح في تغيير خط الحركة من المشاركة مع السلطة إلى خط المعارضة.
ولا يسمح القانون الداخلي للحزب لمقري بالترشح مرة ثالثة لقيادة الحركة، وهو ما فتح منذ فترة نقاشاً داخلياً حاداً بين التيارات المتدافعة داخل الحركة، خصوصاً بين تيار المعارضة، الذي تمثله المجموعة الحالية التي تقود "مجتمع السلم"، وبين تيار المشاركة الذي يرغب في تعديل الخط السياسي والعودة إلى الشراكة مع السلطة الجديدة، ممثلة في الرئيس عبد المجيد تبون.
وتعقد اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام اجتماعاتها التمهيدية لصياغة اللوائح السياسية والنظم الداخلية، قبل بدء عقد المؤتمرات المحلية. وعلى الرغم من أن تاريخ المؤتمر لم يحدد بعد، إلا أنه تمكن ملاحظة جدل سياسي بين مناضلي الحركة على مواقع التواصل الاجتماعي، حول الخيارات الممكنة خلال المؤتمر المقبل، على صعيد القيادات المطروحة أسماؤها. وتبرز في السياق أسماء كرئيس الحركة السابق عبد المجيد مناصرة، وعضو المكتب الوطني عبد العالي حساني، فيما تدفع كتلة أخرى إلى اختيار قيادة شابة من الجيل الجديد لقيادة الحركة.
تمكن ملاحظة جدل سياسي بين مناضلي "مجتمع السلم" حول الخيارات الممكنة على صعيد القيادات المطروحة أسماؤها
واعتبر المحلل السياسي كمال حجام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك خصوصية سياسية لحركة "مجتمع السلم"، التي تمثل في الوقت الحالي الكتلة المعارضة الوحيدة في البرلمان، كما أن الجدل حول الخط السياسي بقي مستمراً داخل الحركة منذ العام 2012، ويُطرح بشكل متجدد بمناسبة المؤتمر نقاش متجدد بين خطي المشاركة والمعارضة.
وأشار إلى أن "المرحلة السياسية الجديدة التي تشق فيها السلطة مسارات سياسية واقتصادية منفردة، ستفرض على الأحزاب السياسية البحث عن أدوات للتكيف مع المرحلة التي تبدي فيها السلطة استغناء عن الأحزاب، وتراهن في المقابل على قوى المجتمع المدني".
ورأى أن "المؤتمرات المقبلة قد تعني شيئاً لهذه الأحزاب على الصعيد التنظيمي والداخلي"، لكنه لا يتوقع أن تُحدث فوارق وتطويراً في الخط السياسي لهذه الأحزاب السياسية، لكون بعضها ملتزمة مع السلطة ومشروعها، وبالتالي سيكرس ذلك في مؤتمراتها.
مؤتمرات بلا رهان سياسي
وفي النسق السياسي نفسه، تسابق "جبهة التحرير الوطني"، الذي يعد الحزب الأول للسلطة، الزمن لإنهاء عقد المؤتمرات المحلية، قبل انعقاد المؤتمر العام الـ11 للحزب المقرر قبل نهاية ديسمبر المقبل.
وعقدت لجنة تنظيم المؤتمر العام أكثر من 800 مؤتمر محلي لانتخاب المندوبين، بانتظار عقد أكثر من 700 مؤتمر محلي في باقي البلديات في البلاد.
وإذا كان المؤتمر المقبل للحزب بدون رهانات سياسية جدية، لكون "جبهة التحرير" يظل الحزب الأكثر التصاقاً بالسلطة السياسية، وغير قادر على الخروج عن الإطار السياسي للسلطة وتوجهاتها، فإن القيادة الحالية للحزب، برئاسة أبو الفضل بعجي، تراهن على المؤتمر المقبل لشرعنة السيطرة على مقاليد الحزب في حال أسندت السلطة ذلك، خصوصاً أنها ترتكز على تحقيقها منجزات انتخابية كبيرة لصالح الحزب، بعد فوزه في ثلاثة استحقاقات انتخابية متتالية، وهي النيابية والمحلية والتجديد النصفي لمجلس الأمة.
هذه النتائج كانت معاكسة تماماً للظروف العصيبة التي مر بها الحزب خلال فترة الحراك الشعبي من نزيف داخلي ومطالبات شعبية وسياسية لحله، واستعادة شعاره التاريخي (جبهة التحرير الوطني) كرمز تاريخي مشترك بين كل الجزائريين.
مؤتمر حركة "البناء الوطني"
رابع الأحزاب السياسية التي يرتقب عقد مؤتمرها العام، هي حركة "البناء الوطني"، وهي حزب إسلامي أسسته مجموعة منشقة من "مجتمع السلم" عام 2012. ومن المقرر عقد المؤتمر الثاني للحركة نهاية الربع الأول من العام المقبل. وتم قبل فترة تنصيب اللجنة التحضيرية للمؤتمر. وبدأ الأسبوع الماضي عقد الملتقيات المناطقية للهياكل والإطارات لمناقشة قضايا سياسية وتنظيمية تخص المؤتمر.
وتراهن قيادة الحركة على المؤتمر المقبل، لتركيز أكبر لخطها السياسي وخيارها الذي تصفه بـ"المشاركة الإصلاحية". وخلال مشاركته في مؤتمر هياكل الحزب في وهران غربي الجزائر، دافع رئيس الحركة عبد القادر بن قرينة عن هذا التوجّه.
لا يتوقع كمال حجام أن تحدث المؤتمرات الحزبية فوارق وتطويراً في خطها السياسي
وقال إن الحركة حققت نتائج طيبة عبر "المشاركة الإصلاحية والحضور الواعي المتبصر، ومد اليد لكل الجزائريين لرفع هذا الوطن وتحقيق رفاهية الشعب الجزائري. وهذه المهام تحتاج إلى توافر نخب قائدة وحاضنة شعبية، وتنظيم متين، وخطط ذكية وأطر وهياكل قادرة على فهم التحولات وتوسيع قاعدة الحركة".
وإضافة إلى هذا الرهان السياسي، يمثل المؤتمر المقبل لحركة "البناء الوطني" محطة تنظيمية لاستيعاب عدد من الناشطين والمنتخبين المحليين، الذين استقطبتهم الحركة خلال الانتخابات النيابية والمحلية الماضية، بدون أن تكون لهم روابط نضالية ومرجعية بها، في سياق ما تعتبره الحركة انفتاحاً على المجتمع والنخب المحلية.
سابع مؤتمر لحركة "النهضة"
وفي السياق تعقد حركة "النهضة" (إسلامية)، مؤتمرها السابع في غضون الأشهر الستة الأولى من السنة المقبلة، وفقاً لما أعلنه الأمين العام للحزب، يزيد بن عائشة خلال اجتماع مجلس شورى الحركة الأسبوع الماضي. وحث بن عائشة قيادات ومناضلي الحركة على التحضير الجيد لهذا الموعد.
وكان "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" (تقدمي معارض)، قد عقد قبل أربعة أشهر مؤتمره العام، والذي نقلت بموجبه قيادة الحزب من الرئيس السابق محسن بلعباس إلى الرئيس الجديد عثمان معزوز.