هاجمت مجموعة من الأحزاب السياسية الجزائرية إسبانيا بعد موقفها الجديد من قضية الصحراء، ووصفته بأنه "انقلاب مفاجئ" وانحياز للطروحات المغربية، وطالبت الحكومة الإسبانية بمراجعة موقفها، والحذر من تداعيات الموقف الجديد على العلاقات الجزائرية الإسبانية.
وأعلن مجلس الأمة، الغرفة العليا للبرلمان الجزائري، في بيان له، أن ما وصفه بـ"جنوح موقف الحكومة الإسبانية" "منافٍ للواقع على الأرض وللأعراف ومفاهيم القانون الدولي، الرافضة لكل أشكال الاستعمار والهيمنة، وانحراف مفاجئ وجنوح وانحياز غير مقبول ضد قضية صنفتها الأمم المتحدة كآخر مستعمرة في أفريقيا"، وفق لغة البيان.
ووصف مجلس الأمة الجزائري القرار بـ"التحول المشبوه" الذي "تُقايض فيه المصالح بحق الشعوب في تقرير مصيرها، لتعيد إلى الأذهان مواقف متواطئة شبيهة حدثت عام 1975، تتحمل إسبانيا فيها المسؤولية التاريخية والسياسية والمعنوية من أجل محو آثارها الوخيمة على الشعب الصحراوي وعلى المنطقة ككل منذ ما يزيد عن أربعة عقود ونصف".
وكانت وزارة الخارجية الجزائرية قد أعلنت، أمس السبت، عن قرار استدعاء فوري للسفير الجزائري من مدريد للتشاور، على خلفية موقف إسبانيا المؤيد للخطة المغربية التي تقضي بالحكم الذاتي في الصحراء التي تطالب جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، بانفصالها عن المغرب. ووصف بيان للخارجية التصريحات الأخيرة للسلطات الإسبانية بأنها "انقلاب مفاجئ لإسبانيا في ملف القضية الصحراوية".
واستنكر حزب "جبهة التحرير الوطني"، الذي يحوز على الأغلبية في البرلمان، تغير موقف السلطات الإسبانية المفاجئ بشأن قضية الصحراء، واعتبر أنه "انقلاب ومقايضة مشبوهة بين إسبانيا والنظام المغربي، على حساب قضية شعب يكافح من أجل تحقيق استقلاله، من خلال تنظيم استفتاء لتقرير المصير أقرته الأمم المتحدة، بعدما كانت إسبانيا ملتزمة بالحياد وداعمة لحل سياسي عادل تحت إشراف الأمم المتحدة"، بحسب البيان.
ودعا الحزب الحكومة الإسبانية إلى "مراجعة موقفها الجديد، والالتزام بقرارات الشرعية الدولية لإيجاد حل سياسي عادل ودائم".
واعتبرت "حركة مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية المعارضة في الجزائر، في بيان لها، أن "مبدأ تقرير المصير في قضية الصحراء الغربية مبدأ ثابت لا تزيله التطورات الدولية، وأن المستقبل الآمن الزاهر والعادل للدول المغاربية سيكون بالنسبة لحركة مجتمع السلم ضمن مشروع المغرب العربي، وأن الاستقواء بالأعداء والاعتماد على التدخلات الخارجية لن يزيد المنطقة إلا تأزما".
وصفت الحركة التطورات الأخيرة بأنها محاولة لـ"الضغط والابتزاز تتعرض له الجزائر من طرف القوى الاستعمارية التقليدية، على خلفية الصدام الدولي بين روسيا والغرب، وهو ما يدعونا إلى الدفع باتجاه عالمٍ متعدِّد الأقطاب، وهشاشة سياسة النأي بالنفس أمام حدة الاستقطاب الدولي الذي لا مكان فيه للضعفاء".
من جهته، أبدى حزب "جبهة المستقبل"، الذي يشارك في الحكومة استغرابه من الموقف الإسباني إزاء قضية الصحراء، ووصفه بـ"غير المتوقع" وبـ"الخيانة التاريخية"، وأنه "موقف يتعارض مع قرارات الشرعية الدولية"، ودعا الحزب الحكومة الإسبانية إلى مراجعة موقفها، وحذر من "التبعات السلبية الموقف على علاقاتها الدبلوماسية مع الجزائر".
واعتبرت "حركة البناء الوطني"، التي تشارك في الحكومة، في بيان لها، أن تبني إسبانيا لموقف جديد بشأن قضية الصحراء "يثير الكثير من الاستغراب والدهشة لما سبق أن التزمت به، على الدوام، من حياد، مع المرافعة من أجل حل سياسي عادل تحت إشراف الأمم المتحدة".
ودعت الحركة الحكومة الإسبانية إلى "مراجعة موقفها، والعودة لما يوافق قرارات الشرعية الدولية".
وتعهد رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، الجمعة، ببناء علاقة جديدة مع المغرب مبنية على "الثقة والشفافية والتواصل والاحترام المتبادل، والامتناع عن أي عمل أحادي الجانب"، في خطوة أولى نحو طي صفحة الأزمة الدبلوماسية بين البلدين التي اندلعت منذ 11 شهرًا على خلفية استضافة مدريد زعيم جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي للعلاج.
وجاء ذلك في رسالة وجهها رئيس الحكومة الإسبانية إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، الجمعة، بحسب ما كشفه بيان صادر عن الديوان الملكي.
وأكد رئيس الحكومة الإسبانية أنه يدرك "أهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب"، وأن بلاده تعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي قدمت في عام 2007، بمثابة "الأساس الأكثر واقعية ومصداقية لحل النزاع"، مشددا على "الجهود الجادة والموثوق منها التي يبذلها المغرب في إطار الأمم المتحدة لإيجاد حل مقبول للطرفين"، وهو الموقف الذي أغضب الجزائر.