استمع إلى الملخص
- تصاعدت الدعوات داخل الدنمارك لفرض عقوبات على إسرائيل، حيث طالبت أحزاب مثل "اللائحة الموحدة" و"البديل" بتعاون أوروبي لفرض عقوبات تجارية وتعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة بسبب انتهاكها للقانون الدولي.
- أبدت أحزاب اليمين المتطرف دعمها لإسرائيل، معتبرة "أونروا" خطرًا على أمنها، ودعت لدعم إسرائيل كـ"الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، معارضةً أي عقوبات عليها.
في سياق يبدو أكثر ارتباطاً بتغيرات في الرأي العام الدنماركي، باتت بعض أحزاب كوبنهاغن أكثر جرأة في طرح مواقف ما كانت لتطرح قبل الحرب على غزة منذ أكثر من عام. يشكل القرار الإسرائيلي حظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) اليوم، بوابة إظهار التحولات الجارية داخل النموذج الدنماركي في سياق أوروبي أوسع.
في الأيام الأخيرة، ارتفعت الأصوات الحزبية الهامة، ليس للتنديد بسياسات الاحتلال فحسب، بل للدعوة إلى ضرورة فرض عقوبات على تل أبيب في أوروبا. وبالطبع، تصر أقلية حزبية في أقصى اليمين والشعبويين على "استمرار دعم إسرائيل مهما كانت الظروف". وكان وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكا راسموسن، أدان الثلاثاء الماضي قرار الكنيست الإسرائيلي "حظر عمل وكالة أونروا". وشدد على إدانة بلده إلغاء حصانات وامتيازات "أونروا" كونها "منظمة مركزية منقذة لحياة السكان المدنيين، بل يجب على إسرائيل ضمان دخول المساعدات الإنسانية بدون عوائق احتراماً للقانون الدولي".
من جهته، يذهب حزب رئيسة الحكومة الائتلافية ميتا فريدركسن، في يسار الوسط، الاجتماعي الديمقراطي، إلى موقف راسموسن ذاته في الإدانة.
مؤشرات على تغير مكانة تل أبيب لدى الدنمارك
على تلك الخلفية، سارعت مختلف الأحزاب البرلمانية في الدنمارك إلى توضيح مواقفها عبر وسائل الإعلام المحلية، خصوصاً في الوقت الذي لم تستطع فيه التغطية الإعلامية التقليدية تجنب نقل حقيقية ما يجري في قطاع غزة، واستهداف وكالة أونروا والمستشفيات والبنية التحتية. فمن ناحيته أعلن حزب اللائحة الموحدة اليساري، أن مواقف إدانة إسرائيل غير كافية، "ويتعين على راسموسن متابعة العمل"، بحسب ما قالت المتحدثة باسم الشؤون الخارجية في الحزب، ترينا بيرتو ماك. وأضافت ماك أن حزبها "أثار في الأشهر الأخيرة مع الحكومة الائتلافية (بين يسار ويمين الوسط) ضرورة أخذ المخاوف بصورة جدية، وحتمية توجيه أصابع الاتهام (لدولة الاحتلال)".
وبدون تردد، ترى "اللائحة الموحدة" أن "العمل يجب أن يركز على فرض عقوبات متفق عليها ضد إسرائيل، وما يجب البدء فيه هو المسارعة إلى تعاون على مستوى الاتحاد الأوروبي، بحيث تكون كوبنهاغن في الصفوف الأمامية، مثل إلغاء اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل". وخلال أشهر طويلة، ضغط الحزب بالتعاون مع اليسار والحركة الشعبية المتضامنة مع فلسطين، لأجل وقف تزويد بلاده جيش الاحتلال الإسرائيلي بمعدات وتقنيات عسكرية، وتحديداً تلك المستخدمة في "جرائم حرب تُرتكب باستخدام تقنيات طائرات إف 35 التي يوردها مصنع تيرما العسكري في الدنمارك".
إلى ذات الموقف، ذهب حزب "البديل" على لسان مقررة الشؤون الخارجية فيه، ساشا فاكس، التي اعتبرت أن الأمر "يتطلب أكثر مما هو إدانة". ويدعو "البديل" إلى جهد دنماركي-أوروبي "لأجل تعليق عضوية إسرائيل الفورية في الأمم المتحدة، معطوفة بعقوبات تجارية بدون تردد". ورأت فاكس أن ما يجري هو انتهاك آخر للقانون الدولي، وأن القرار بشأن "أونروا" هو "بمثابة إعلان حرب ضد المجتمع الدولي، خاصة لما يحمله القرار من نتائج وخيمة على الضعفاء المحاصرين في غزة، إذ تذهب إسرائيل إلى حد الاستهتار بالنظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية (1945)".
وبالنسبة لحزب الشعب الاشتراكي، فإن مقرر الشؤون الخارجية فيه، كارستن هونغ، يرى أن "إسرائيل في طريقها إلى الانسحاب من المجتمع الدولي، بسبب الانتهاكات المتكررة لقوانينه". ويتفق "الشعب الاشتراكي" مع أحزاب اليسار الأخرى، على أن قوانين الحرب كلها انتُهكتْ، مؤكداً أن "إسرائيل يجب أن تعلم أنّ لذلك عواقب وخيمة".
وجاء موقف يسار الوسط، في حزب اليسار الراديكالي، أنهُ من الضروري "أن يبادر الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على إسرائيل، ولنبدأ بالبنوك الإسرائيلية"، بحسب ما ذهب إليه وزير الخارجية الأسبق عن الحزب، مارتن ليدغورد.
غضب أصدقاء إسرائيل: غطرسة وجهل
في المقابل، فإن أصدقاء إسرائيل في أقصى اليمين القومي المتطرف والشعبويين، مثل حزبي "ديمقراطيو الدنمارك" و"الشعب الدنماركي"، ثارت ثائرتهم لجرأة البعض على المس بقدسية دولة الاحتلال الإسرائيلي، إلى حد الاشتغال على قوانين تكميم أفواه وملاحقات قضائية بحق من ينتقد الصهيونية باعتبارها "معاداة للسامية".
وفي الموقف من حظر "أونروا"، لم يتردد حزب وزيرة الهجرة السابقة المتشددة يمينياً، إنغا ستويبرغ (ديمقراطيو الدنمارك) في القول: "يجب السماح لإسرائيل بحظر أونروا، فهي تقرر في نهاية المطاف المنظمات التي تعمل في بلادها"، وفق ما قالته مقررة الشؤون الخارجية في الحزب، شارلوت مونك.
ويبدو أن مونك لا تحيد عن مواقف أصدقاء الاحتلال والجمعية الصهيونية - الدنماركية في اعتبار الأرض الفلسطينية المحتلة غير محتلة، وجزءاً من إسرائيل، حين تضيف "بالطبع يجب أن يكون لدى الناس في إسرائيل (...) الفرصة للحصول على المساعدات الإنسانية، ولدي إيمان كبير بأن إسرائيل تستطيع السيطرة على هذه الأمور"، غافلة، بغطرسة شعبوية ويمينية متطرفة، عن حقيقة أن "أونروا" أسستها الأمم المتحدة.
وغير بعيد عن ذلك الموقف، أدان حزب الشعب الدنماركي، الذي تتغلغل الدوائر الصهيونية فيه منذ تأسيسه، منتصف تسعينيات القرن الماضي، كل المواقف السياسية الداعية لفرض عقوبات على تل أبيب. وشدد الحزب على أنه "بدلاً من أن تدين الدنمارك إسرائيل، عليها أن تدعم القرارات الإسرائيلية". ويحاول الحزب إعادة تسويق السردية الصهيونية عن أن "الدعم الكامل يجب أن يذهب إلى الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، بل يدعو إلى "وجوب تفهم ما فعلوه مع أونروا لأنها منظمة تعرض أمن إسرائيل للخطر".
وعلى لسان القيادي فيه، أليكس آرندتسن، قال الحزب: "الشيء الصحيح بطبيعة الحال هو دعم إسرائيل في نضالها البطولي من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان"، بحسب وصفه، مهاجماً الأمم المتحدة "إنهم يتعرضون للهجوم والآن أيضاً من الأمم المتحدة. ولا يمكننا أن نفعل شيئاً سوى دعم إسرائيل".