عاد ملف القرى العربية منزوعة السكان في محافظة نينوى شمالي العراق، والذي كان معلقاً من دون حلول طيلة السنوات التسع الماضية، مجدداً إلى الواجهة مع إعلان أربيل بدء الإجراءات التحضيرية لإعادة سكان تلك القرى وإنهاء عملية إخلائها من السكان.
وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان أكد عبر بيان لمكتبه في الموصل، قبل أيام قليلة، بدء "التحضيرات" لإعادة سكان القرى العربية التي تسيطر عليها قوات البيشمركة منذ نهاية عام 2014.
وقال البيان أنه "ستتم إعادة أبناء تلك القرى عن طريق لجان مختصة سبق أن تم تشكيلها لهذا الغرض قبيل عودة أهالي قرى الخازر وزمار"، مشيراً إلى أنه "من المؤمل أن تكمل هذه اللجان تحضيراتها في القريب العاجل من أجل عودة مئات العائلات ممن نزحوا من قراهم إبان سيطرة تنظيم داعش على المحافظة ومعارك تحريرها من سيطرتهم".
وكانت العائلات العربية بدأت في منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بالعودة إلى قرية شيخان منزوعة السكان والواقعة غرب نينوى، بعدما منعوا من العودة إليها طوال السنوات الماضية من قبل البيشمركة.
وتقسم القرى العربية التي مُنع سكانها من العودة إليها إلى قسمين: الأول يعرف بقرى مناطق شرق الموصل في منطقة الخازر التابعة لقضاء الحمدانية وتضم قرى حسن شام، وعلياوه، وأش قلعة كبير، وأش قلعة صغير، وبحرة، وتل أسود، والثاني يُعرف بقرى غرب دجلة وهي ست قرى، إحداها قرية الشيخان التابعة لناحية زمار، بينما تتبع القرى الخمس الأخرى ناحية ربيعة، وهي قرى: السعودية، والمحمودية، وجدرية، وصفية، والقاهرة.
وتعود مشكلة قسم من هذه القرى إلى العام 2014 والمعارك ضد تنظيم داعش حيث لم يُسمح لأهالي هذه القرى الذين نزحو بسبب المعارك بالعودة إليها، بعد استعادة السيطرة عليها من قبل قوات البيشمركة الكردية، وذلك لدواعٍ أمنية كما تقول سلطات إقليم كردستان، أما القسم الثاني فتعود مشكلة النزوح فيه إلى عمليات فرض القانون في العام 2017، حيث فرت بعض العائلات هرباً من القتال الحاصل بين قوات الحكومة العراقية وقوات الإقليم والذي جرى على خلفية استفتاء الاستقلال الذي أجرته حكومة كردستان العراق في أيلول/سبتمبر 2017.
عودة محسومة
ويرى عضو مجلس النواب العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، شيروان الدوبرداني، أن ملف القرى العربية "انتهى" وحُلت جميع العراقيل والمشاكل التي كانت تعترض عودة النازحين إليها، وقال الدوبرداني لـ"العربي الجديد" إن "قرار عودة النازحين إلى القرى العربية في نينوى، وتحديداً إلى قرى الخازر وربيعة حسم، صدر بتوجيه من رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني".
مبرراً تأخر عودتهم طوال السنوات الماضية بـ"قضايا أمنية بسبب وجود الألغام والمتفجرات كون هذه القرى كانت خط اشتباك بين القوات الكردية والقوات العراقية وتنظيم داعش"، وأوضح أن لجان مشتركة بين حكومة إقليم كردستان ومحافظة نينوى شُكلت في الأشهر الأخيرة وأخذت على عاتقها تنظيم الإجراءات الخاصة بإعادة النازحين، مبيناً أن من بين التحضيرات التي أجرتها اللجان المشتركة مسألة التدقيق الأمني للنازحين، وإعادة الخدمات لتلك القرى كالكهرباء والطرق والماء وغيرها من الأمور الخدمية.
وعن الموعد الدقيق لعودة نازحي القرى الخمس في ربيعة قال الدوبرداني إنه "لا يوجد موعد محدد للعودة"، لكنه أكد أنها باتت قريبة جداً وستبدأ فور انتهاء اللجان التحضيرية من أعمالها.
وعن توقيت عودة النازحين إلى القرى العربية وتزامنها مع قرب الانتخابات المحلية وإمكانية استغلالها سياسياً وانتخابياً، نفى الدوبرداني أن يكون الحزب الديمقراطي قد استغل ملف العودة في الجانب الانتخابي، لافتاً إلى أن بعض الجهات العربية هي التي حاولت استغلال هذا الملف سياسياً وانتخابياً طيلة الفترة الماضية دون البحث عن حلول جدية وحقيقية للمشكلة.
من جهته، دعا الشيخ عبد الله حميدي عجيل الياور، أحد أبرز شيوخ قبيلة شمر والأمين العام لحركة العدل والإصلاح، سلطات إقليم كردستان وقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى الإسراع في إعادة نازحي القرى العربية وإغلاق هذا الملف الذي استمر لسنوات عديدة، مؤكداً في حديث مع "العربي الجديد" على ضرورة حل مشكلة النازحين من القرى العربية عبر الحوار والطرق الدبلوماسية بعيداً عن التشنج وإثارة الخلافات مع الجانب الكردي.
وأضاف الياور أن السبب في المأساة التي عاشتها مناطق غرب نينوى من دخول عصابات داعش وما تبعها من تداعيات تتحمله الحكومة المركزية في بغداد التي تخلت عن تلك المناطق وسكانها ورفضت في أكثر من مناسبة تقديم الدعم لهم في مجال التسليح وتشكيل القوات العسكرية الرسمية للدفاع عن تلك المناطق "في الأعوام التي تلت تغيير النظام بعد العام 2003، طلبنا من الحكومات المتعاقبة تشكيل فرقة عسكرية رسمية من الجيش العراقي قوامها من أبناء مناطق غرب نينوى بمختلف الانتماءات والمكونات (العربية والتركمانية والكردية والأيزيدية) لتتولى مهمة الدفاع عن أقضية وقرى نينوى الغربية من أي مخاطر أمنية، لكن تلك الطلبات لم يتم التعامل معها بجدية".
وتابع أنه أرسل "الشهر الماضي رسالة إلى رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني يطالبه فيها بإعادة نازحي القرى الخمس في ناحية ربيعة وإنهاء ملف النزوح فيها" مبدياً تفاؤله بإنهاء هذا الملف قريباً.
"وعود انتخابية"
من جانبه، شكك الحقوقي والصحافي الموصلي زياد السنجري بالوعود التي يطلقها الحزب الديمقراطي الكردستاني بشأن إعادة النازحين إلى القرى العربية، وقال لـ "العربي الجديد" إن "العديد من الوعود أطلقت من جانب الحزب الديمقراطي خلال السنوات الماضية بشأن إنهاء نزوح الآلاف من أبناء قرى الخازر وزمار وربيعة لكن تلك الوعود لم تتحقق ولا يزال سكان تلك المناطق يمنعون من العودة إليها".
وأضاف السنجري أن "العديد من القرى العربية في نينوى جرفت والعديد من القرى هجر سكانها بشكل كامل من قبل القوات الكردية"، مبيناً أن سكان بعض تلك القرى لا يزالون في المخيمات بعيدين عن قراهم أمتاراً معدودة، ولكنهم لا يستطيعون العودة إليها بسبب رفض سلطات الإقليم لذلك.
ولفت إلى ضرورة عدم التعويل إلى الوعود الحزبية في هذا التوقيت الذي يسبق الانتخابات المحلية، مبيناً أن ملف النازحين العرب في كردستان كان من المفترض أن يُطوى منذ مدة، بخاصة مع التقارب بين القوى السياسية السنية والحزب الديمقراطي الكردستاني.
بدوره، دعا مرصد "أفاد" المعني بحقوق الإنسان في العراق الحكومة العراقية إلى الوفاء بالتزاماتها تجاه إعادة النازحين، وقال المتحدث باسمه حسين دلي لـ"العربي الجديد" إنه "ما بين عامي 2014 و2018 تم تهجير عشرات الآلاف من أفراد العشائر العربية السنية على يد قوات البيشمركة والمليشيات، من مناطق مختلفة في محافظة نينوى وكركوك، وهُدمت مئات القرى وفق شهادات موثقة من الأهالي وزيارات ميدانية قامت بها منظمات محلية ودولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ومفوضية حقوق الإنسان المنحلة في العراق".
وأشار دلي إلى "أن قرى الخازر وربيعة في محافظة نينوى هُجّر منها نحو 25 ألف عائلة ودمرت معظم قراها وبعضها ما زال مدمراً حتى اليوم، ومعها تتواصل معاناة الكثير منها".
وشدد دلي على أن مرصد أفاد الحقوقي طالب الحكومة العراقية مراراً بالوفاء بتعهداتها التي قطعتها أمام المجتمع الدولي بإنصاف هؤلاء النازحين وتأمين العودة الميسرة والآمنة، وتسليمهم تعويضات حقيقية لا مجرد مبالغ بسيطة، وحماية مناطقهم من الاعتداءات سواء من البيشمركة أو المليشيات "التي باتت عنصراً جديداً في معادلة النزوح وهوية السكان الأصليين للمناطق التي يراد إحداث تغيير ديمغرافي فيها وفقاً لأجندات مشبوهة".