"أرض الصبار"... فلسطين الأخرى

24 مايو 2024
فلسطينيون في قرية العبيدية، بالضفة، 2019 (توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الأنظمة التسلطية والقيادات الصهيونية تواجه تحديات في الحفاظ على احتكار السردية حول فلسطين، حيث يكشف كتاب "أرض الصبار" الوجه الآخر للصهيونية ويسلط الضوء على النكبة وتأثيرها على الشعب الفلسطيني.
- تزايد التوتر في الأوساط الصهيونية بسبب الجرأة على مساءلة الجرائم ضد الفلسطينيين والمطالبة بمحاسبة القادة الإسرائيليين، مما يعكس تحديات لاحتكارهم للسردية.
- النضال الفلسطيني والتضحيات المستمرة تلعب دوراً مهماً في تحدي السردية الصهيونية، مؤكداً على أهمية استمرار الفلسطينيين في تقديم روايتهم والإصرار على حقوقهم.

إذا كانت الأنظمة التسلطية تكره اختراق المعرفة والمعلومات جدرانَها السميكة، فلا شكّ أن قادة الصهيونية الحاليين والسابقين يعيشون كوابيس تحطم احتكار سردية فلسطين، مثل ما يعيشون وقائع فلسطينية مختلفة عمّا قبل 76 سنة. في كتابه "أرض الصبار 100 عام من النضال لأجل فلسطين" (2002)، ذهب الكاتب الدنماركي كارلو هانسن (1939-2003)، ليعري كذبة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، راوياً الوجه الآخر للصهيونية الدموية. فكراهية "الديمقراطية الوحيدة في المنطقة" للمعرفة، ورغبتها في ديمومة "أنسنة" وعملقة صورة "الصهيوني المتنور والمنتصر دائماً"، في مقابل شيطنة الفلسطيني والعربي، وبنمطية المهزوم دوماً، دفعت هانسن للحديث مع شعبه، عن معاني إحاطة الصهيونية لقرى ومدن وأثر الشعب الفلسطيني بعد نكبة 1948 بأشجار الصبار، لتنمو حولها وعليها، ولتضييع ما كان على أرض عجّت بالحياة.

إذاً، ليس غريباً أن يجن جنون بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، وبالطبع بقية جوقة الصهيونية المتشبعة بنفي التاريخ والحقائق، من أن "يتجرأ" البعض على المسّ بأشواك الصبار الذي نشروه لعقود لترسيخ أنهم فوق البشر، بحيث أن كل القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة سارية على "العوام" وليس على الصهاينة.

ظنّ نتنياهو أن مسار ما بعد النكبة خلق الصورة المثالية الثابتة، بحيث أن أحداً لن يجرؤ على مراجعة الجرائم الدموية المرتكبة بحق ملايين الفلسطينيين. وأوروبا التي ترتفع اليوم بحقها كل أشكال الشتائم، وكل صنوف الاستعلائية والعنجهية الصهيونية، هي نفسها أوروبا التي كان بالأمس القريب يصول ويجول فيها عملاء الموساد ملاحقة واغتيالاً بحق الفلسطينيين ومؤيديهم. وهي نفسها أوروبا التي كانت بعض أجهزة استخباراتها، ومن بينها نرويجية ودنماركية وسويدية، تتصرف كتلاميذ على طاولات أوامر الموساد، وهو ما كشفه عميلها السابق فيكتور أوستروفسكي في كتابه "عن طريق الخداع".

الجديد في المشهد الذي يُزعج الصهيونية الدينية، بعد تفاخر بجرائم إبادة في غزة، أن عنجهية "السيد" مع "الأتباع"، والترهيب باسم "معاداة السامية"، تصاب مع غيرها بثقوب كثيرة، وتمسّ قبل أي شيء آخر قدسية احتكارها السردية. كمصدومين حمقى يتصرفون في الرد على "الجرأة"، سواء تعلق الأمر بمذكرات اعتقال نتنياهو ووزير حربه الموتور يوآف غالانت أو بمحاكمة على جرائم إبادة أو اعتراف بدولة فلسطين، معتقدين أنه بمزيد من البلطجة والعنجهية سيعود سريعاً "من سوّلت لهم أنفسهم" إلى بيت الطاعة الصهيوني.

تضحيات الفلسطينيين وتصميمهم على نيل حقوقهم الوطنية والتاريخية، للتحرر من هذا الاستعمار الدامي في عنصريته ووحشيته، تساهم أيضاً في تحرّر أجيال نخب أوروبية مستقبلية من عبودية احتكار الصهيونية السرديةَ طيلة عقود من الخداع. وحالة الإنكار، التي صار يعيشها مجتمع صهيوني وتيارات سياسية فيه بهوس خدمة العالم لدولتهم، تبقى أحد أكبر تحديات علاقته المستقبلية مع تيار أوروبي يتحرر ببطء من تبعات ماضي التسامح مع الجرائم. وهو ما يضع مسؤولية كبيرة على الفلسطينيين لترسيخ نتائج المتغيرات المتراكمة. حيث من الأهمية بمكان مواصلة تقديم روايتهم البسيطة، والإصرار عليها بالقدر الذي يتفلت ويتهرب منه الصهاينة، وبأن تأجيل تنفيذ مطلب التحرر من الاستعمار وتطبيق حق تقرير المصير والاستقلال لا تنجم عنه سوى دوامة أخرى من أثمان فادحة، يتحمل مسؤوليتها من يصمت على جرائم الحرب ويساند ويتسامح مع التطبيق الحرفي لنظام الأبارتهايد على أرض فلسطين التاريخية. بالطبع ذلك وغيره يتطلب حالة فلسطينية لا تغرق في شبر ماء، بل تعي مسؤولياتها الجسام، ودون تفرد أو استعلائية على الذات، بل اعتبار مصلحة شعبهم الذي قدّم كل التضحيات فوق كل اعتبار آخر، تنظيمياً كان أم أيديولوجياً.