أزمة المهاجرين: الاتحاد الأوروبي يحضّر حزمة عقوبات ثانية ضد بيلاروسيا واتهامات لموسكو
يحضّر الاتحاد الأوروبي لحزمة ثانية من العقوبات على بيلاروسيا، بعدما أعلن الرئيس ألكسندر لوكاشينكو أنه لم يعد يريد صدّ المهاجرين وهم في طريقهم إلى أوروبا كردّ فعل على العقوبات الأولى المفروضة على بلاده، وسط توجيه اتهامات إلى روسيا.
عقوبات على على "نظام الديكتاتور لوكاشينكو"
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين قد دعت، مساء أمس الإثنين، الدول الأعضاء في الاتحاد إلى الموافقة على عقوبات إضافية على "نظام الديكتاتور لوكاشينكو".
هذا الأمر أكده أيضاً رئيس كتلة حزب "الشعب" الأوروبي الألماني مانفرد فيبر، موضحاً أنه "يجب أن تكون الرسالة الأوروبية: كفى! والردّ حازماً، عدا عن العمل على معاقبة شركات الطيران التابعة لبلدان ثالثة تشارك في نقل المهاجرين إلى بيلاروسيا".
أما نائبة رئيسة المفوضية مارغاريتيس شيناس، فقالت إنها ستذهب في الأيام المقبلة إلى بلدان المصدر، حيث أماكن سفر المهاجرين، وهو ما أبرزه أيضاً فيبر في حديثه الصحافي، معتبراً أنه على المفوضية مباشرة محادثات مع الحكومة التركية. وأبرز أنه "إذا حاول (الرئيس التركي) رجب طيب أردوغان ابتزاز أوروبا بعدد كبير من المهاجرين عبر رحلات من تركيا إلى بيلاروسيا، فسيفشل بقدر ما فشل في محاولته تهريب المهاجرين عبر الحدود اليونانية التركية"، وفق قوله.
وتطوّرت الأوضاع بصورة مأساوية على الحدود البولندية البيلاروسية، أمس الإثنين، مع محاولة المهاجرين العبور سيراً على الأقدام عبر الطرقات السريعة والفرعية إلى غرب أوروبا، إذ وقعت أعمال عنف ومواجهات مع عناصر الشرطة والجيش البولندي، استخدمت فيها السلطات البولندية طائرات الهليكوبتر في بعض النقاط الحدودية.
وقال متحدث باسم اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، اليوم الثلاثاء، إنّ حوالي 2000 مهاجر تجمعوا على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا ويحاولون دخول الاتحاد الأوروبي، مؤكداً، وفق ما نقلته "رويترز"، أنّ المفوضية الأوروبية مستعدة لمساعدة بولندا في غضون مهلة قصيرة إذا طلبت الحكومة في وارسو ذلك.
شجّعت المفوضية الأوروبية بولندا على قبول الدعم والمساندة من وكالة حماية الحدود الخارجية الأوروبية "فرونتكس"، وسلطة اللجوء وشرطة "يوروبول"، في تسجيل المهاجرين ومعالجة طلبات اللجوء ومكافحة التهريب، إلا أنّها كانت ترفض كل مرة، مُتذرعة بأنها قادرة على السيطرة على الوضع بمفردها.
تحذير من خطر موجة الهجرة على أمن الاتحاد الأوروبي
وحذر رئيس الوزراء البولندي ماتوش مورافيتسكي، اليوم الثلاثاء، من أن الموجة غير المسبوقة من المهاجرين الذين يحاولون دخول بولندا بصورة غير قانونية من بيلاروسيا تهدد أمن الاتحاد الأوروبي برمته.
وكتب مورافيتسكي في تغريدة عبر "تويتر"، أنّ "إغلاق الحدود البولندية من مصلحتنا الوطنية، لكن استقرار وأمن الاتحاد الأوروبي برمته هو اليوم على المحك". وأكد أن "هذا الهجوم من نظام (الرئيس البيلاروسي ألكسندر) لوكاشينكو يستهدفنا جميعا. لن نرضخ للتخويف، وسندافع عن السلام في أوروبا مع شركائنا من الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي".
Sealing the polish border is our national interest. But today the stability and security of the entire EU is at stake. This hybrid attack of Lukashenko’s regime is aimed at all of us. We will not be intimidated and will defend peace in Europe with our partners from NATO and EU.
— Mateusz Morawiecki (@MorawieckiM) November 9, 2021
توجيه أصابع الاتهام إلى بوتين
وفي تصعيد للهجة، اتّهم رئيس الوزراء البولندي الرئيس الروسي بالوقوف وراء أزمة المهاجرين عند حدود الاتحاد الأوروبي.
وقال مورافيتسكي، خلال جلسة طارئة للبرلمان البولندي، إن "العقل المدبر لهذا الهجوم الذي يقوده لوكاشينكو هو في موسكو، العقل المدبر هو الرئيس بوتين".
بوتين ولوكاشينكو يبحثان أزمة المهاجرين
من جهته، أعلن الكرملين، الثلاثاء، أنّ الرئيس الروسي وحليفه الرئيسي لوكاشينكو تحدثا هاتفياً وبحثا بشأن التوتر على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا. وقال الكرملين في بيان، إنّ الرئيسين "تبادلا وجهات النظر حول وضع اللاجئين" فيما يحتشد مئات المهاجرين على الحدود وسط الصقيع، في وضع اتهمت وارسو مينسك بتدبيره.
إعلان الطوارئ في ليتوانيا
وفي السياق، أعلن برلمان ليتوانيا، اليوم، حالة الطوارئ على الحدود، والتي تبدأ في منتصف هذه الليلة بالتوقيت المحلي (2200 بتوقيت غرينتش)، وتستمر لمدة شهر، وتسمح لحرس الحدود باللجوء إلى "الإكراه النفسي" و"العنف الجسدي النسبي" لمنع المهاجرين من دخول ليتوانيا.
ويحظر إعلان حالة الطوارئ الحركة على مسافة خمسة كيلومترات من حدود بيلاروسيا بدون إذن من حرس الحدود. كما يمكن بموجبه سحب الهواتف المحمولة من المهاجرين ومنع التجمعات العامة بالقرب من الحدود وفي المخيمات.
وجاء في المذكرة، التي عُرضت أمام البرلمان، أن "حالة الطوارئ ضرورية لاستخدام... إجراءات استثنائية لإنهاء التهديد الخطير الذي يمثله التدفق الهائل للأجانب على المجتمع".
وقالت رئيسة الوزراء إنغريدا سيمونيت للبرلمان إن الإجراءات ستردع أيضا أي شخص يسعى لمساعدة المهاجرين.
بيلاروسيا تنفي اتهامات وارسو
في المقابل، نفت وزارة الدفاع البيلاروسية، الثلاثاء، اتهامات وارسو بأن مينسك تقف خلف موجة المهاجرين الذين يحاولون عبور حدود بولندا بصورة غير قانونية، معتبرة أنها اتهامات "لا أساس لها".
وأعلنت الوزارة، في بيان، أنها "تعتبر أن اتهامات الطرف البولندي لا أساس ولا مبرر لها"، متهمة بدورها بولندا بتصعيد التوتر بصورة "متعمدة".
وطالب مسؤولون أوروبيون بفرض المزيد من العقوبات على نظام ألكسندر لوكاشينكو، والتحرك نحو البلدان المُصدّرة للمهاجرين جوّاً بواسطة تأشيرات سياحية إلى مينسك، وذلك مخافة أن يتكرر سيناريو 2015، حيث شهدت أوروبا موجة كبيرة من المهاجرين، ما زالت تداعياتها تخيّم على اجتماعات الدول الأعضاء في بروكسل.
ألمانيا تطالب بإجراءات للحدّ من تدفق المهاجرين
إلى ذلك، طالبت ألمانيا، اليوم الثلاثاء، المفوضية الأوروبية بـ"أخذ إجراءات" للحدّ من تدفّق المهاجرين من بيلاروسيا إلى جارتها بولندا، العضو في الاتّحاد الأوروبي.
وقال وزير الداخلية الألماني هورست سيهوفر لصحيفة "بيلد"، إنّ تدفّق المهاجرين مشكلة "لا تستطيع بولندا أو ألمانيا التعامل معها بمفردها". وأضاف: "يجب أن نساعد الحكومة البولندية على تأمين حدودها الخارجية. في الواقع هذا الأمر ينبغي أن يكون من مهام المفوضية الأوروبية، وأنا أطالبها الآن بأخذ إجراءات".
ورحّب زيهوفر بـ"بناء جدار حدودي، لا سيما أن لوكاشينكو، وبدعم من (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين، يستخدم البشر لزعزعة استقرار الغرب"، علماً أنّ حرس الحدود البولندي أعلن، اليوم الثلاثاء، أنه سيتم إيقاف حركة المرور على الحدود للبضائع والأشخاص عبر معبر كوزينكا، وطالب المسافرين بأن يسلكوا معبرين آخرين يبعد أحدهما 70 كيلومتراً فيما يبعد الآخر 230 كيلومتراً عن المعبر الأساسي.
ألمانيا وجهة رئيسية للمهاجرين
وفي الإطار، ذكرت محطة "دي آر دي" الإخبارية أنّ ألمانيا باتت وجهة رئيسية للمهاجرين وطالبي اللجوء، وأوضحت أنّ نشطاء حقوقيين يطالبون بتقديم المساعدة للأشخاص الذين تقطّعت بهم السبل في الغابات، محذرين من كارثة إنسانية بعدما لقي العديد منهم حتفهم في المنطقة الحدودية.
وفي خضمّ ذلك، أشارت صحيفة " تاغس شبيغل" الألمانية، أخيراً، إلى أنه وبعد أزمة الهجرة عام 2015، هناك شعور بتغيّر الوضع بين الجمهور الألماني والأوروبي تجاه اللاجئين، إذ "أصبحت النقاشات اليوم أكثر واقعية وأقل أخلاقية كما في النمسا ودول البلطيق، رغم أن ضغط الهجرة أقل بكثير مما كانت عليه حينها".
وبينت الصحيفة أنه "لا توجد حجج جيدّة للتوافق مع لوكاشينكو على الإطلاق، وعلى عكس ما حدث مع أردوغان في ذلك الوقت، الذي راهن على المليارات من بروكسل بعدما هدد بالسماح بعبور اللاجئين من دول الحروب الأهلية والأزمات، إذ يعاني اليوم من مزاحمة النازحين لمواطنيه في الوظائف والمدارس والسكن. أما الوضع مع لوكاشينكو فهو مختلف، إذ عمد إلى نقل المهاجرين جواً للضغط على الاتحاد الأوروبي لتخفيف العقوبات ضد بلاده"، مبرزة أنه "كلما اكتشف أنه لم يتمكن من زعزعة الاستقرار في أوروبا، ستزيد فرص تخليه عن هذه الاستراتيجية".
ويتهم الاتحاد الأوروبي الرئيس البيلاروسي بتدبير موجة من المهاجرين واللاجئين، معظمهم من الشرق الأوسط، لمحاولة دخول أراضي الاتحاد الأوروبي، ردًا على العقوبات التي فرضتها بروكسل على بلاده في أعقاب حملة قمع وحشية استهدفت المعارضة. وينفي الرئيس البيلاروسي ذلك.
وكان الاتحاد الأوروبي قد اتخذ قراراً بعدم الاعتراف بالزعيم لوكاشينكو كرئيس لبيلاروسيا منذ الانتخابات الرئاسية التي شهدتها بلاده خلال العام الماضي، واعتبرها الاتحاد مزورة وفرض إجراءات عقابية بحق نظامه.