اختتم وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، أول من أمس السبت، زيارته إلى دول غرب أفريقيا، بتأكيد رفض بلاده استخدام القوة لحل الأزمة في النيجر، في مقابل التمسك التام بمبدأ حظر ورفض التغييرات الدستورية للحكومات في أفريقيا. وبالإضافة إلى غانا، زار عطاف نيجيريا وبنين، وهي الدول الثلاث الأكثر حماسة للخيار العسكري لحل الأزمة في النيجر.
وطرح الوزير الجزائري تصوراً أولياً للحل يتضمن ضمان عودة المسار الدستوري، بعد انقلاب العسكر في 26 يوليو/ تموز الماضي في نيامي، وتنفيذ حل سياسي سلمي يجنب النيجر والمنطقة العمل العسكري، والالتزام بمنع التغييرات غير الدستورية في الدول الأفريقية. كما أوفدت الجزائر الأمين العام لوزارة الخارجية لوناس ماقرمان للقاء قادة الجيش ورئيس الحكومة الذي عينه الانقلابيون علي الأمين زين.
وتجري التحركات الجزائرية المتسارعة على ثلاثة محاور أساسية، هي السلطة العسكرية الحاكمة في النيجر، ومحور المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، خصوصاً تلك المتحمسة لخيار استخدام القوة، ومحور ثالث يتعلق بحشد الدعم لدى القوى الفاعلة في المنتظم الدولي والإقليمي، لمنح المساعي السلمية مزيداً من الوقت وتحييد خيار التدخل العسكري.
وبدأت التحركات الجزائرية من حيث انتهت مقاربات "إيكواس". وعلى الرغم من تأخرها عن المبادرة للإسهام في الحل، فإن الجزائر اختارت توقيتاً سياسياً للبدء جهودها الدبلوماسية، بعد ظهور استنفاد "إيكواس" لكامل جهودها.
استبعاد خيار التدخل العسكري
أحرزت الجهود الدبلوماسية الجزائرية بعض النجاح المرحلي. عامل القياس السياسي الذي يتيح إعطاء هذا التقييم، يرتبط بإقناعها حتى الآن ثلاثة من دول "ايكواس"، نيجريا وبنين وغانا، في الاستمرار بكثافة في المساعي السياسية لإيجاد حل سلمي يرضي كل الأطراف، يكون أساسه العودة إلى النظام الدستوري واستبعاد خيار التدخل العسكري من لائحة الخيارات المطروحة.
ويستند الحراك الجزائري إلى شواهد إقليمية لسلسلة تدخلات عسكرية سابقة، على غرار ليبيا، تبرز حجم الآثار الوخيمة لأي استخدام للقوة، على كامل دول المنطقة المعنية بأية تداعيات محتملة.
وتعكس التصريحات السياسية للمسؤولين الجزائريين أن الجزائر تراهن على عامل الوقت أيضاً لمنح مبدأ "عودة المسار الدستوري"، مفهوماً لا ينحصر في عودة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة، وأن الأمر قد يعني أي خطة مقبولة يتم التوافق عليها، تضمن تنظيم انتخابات رئاسية جديدة في أجل معقول وقريب، يعيد نقل السلطة من الجيش إلى رئيس مدني.
عمار سيغة: الجزائر تقارب الحل في النيجر على أساس خطورة البعد الأمني
لم تطرح الجزائر مبادرة بعينها حتى الآن، إلى حين اكتمال كافة المعطيات السياسية، لكن بالنسبة لعطاف، فإن الرئيس عبد المجيد تبون سيقوم بصياغة تصورات ممكنة للحل السياسي والسلمي في صيغة مبادرة في وقت قريب، مباشرة بعد استخلاص نتائج المشاورات السياسية التي تمت مع نيجيريا وغانا وبنين، والاتصال السياسي الذي تم مع قيادة المجلس العسكري في النيجر.
وتتيح هذه المشاورات للجزائر جمع المعطيات واستقراء المواقف التي تسمح لها بوضع تقدير موقف للوضع القائم، وصياغة مقترح تصور أولي للحل.
ويلفت المحلل السياسي، عمار سيغة، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن الجزائر تبني جزءاً من تقديرها للأزمة في النيجر ومقاربتها للحل، على أساس البعد الأمني البالغ الخطورة في تداعياته. وبرأيه، فإنه "بالنسبة للجزائر، تُعدّ أزمة النيجر ذات متغير تأثير جيو-عسكري لما تشكله حدود التماس بين الدولتين الممتدة على طول يقارب الألف كيلومتر جنوباً".
ويعرب سيغة، الذي نشر دراسة حول التوترات الأمنية في منطقة الساحل، عن اعتقاده بأن "تفعيل المعطى الأمني في سياقاته المرتبطة بالآلية الدبلوماسية سرّع في احتواء الأزمة وعزلها عن أي تأثير خارجي، وأي من السيناريوهات المحتملة لعمل عسكري قد يؤجج الصراع ويعيد إحياء نشاط الجماعات المسلحة، كداعش وتنظيم القاعدة وبوكو حرام، مع الأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الإثنية للنيجر، التي تحوي العديد من الأعراق".
ويضيف: "تحاول الجزائر من خلال مقاربتها تجنيب المنطقة مزيداً من الأزمات والتوتر". ويشير إلى أن "هذا المشهد هو ما تحاول الجزائر شرحه لكافة الأطراف المعنية بالأزمة في النيجر". وبانتظار ما ستعلن عنه الجزائر في هذا الإطار، كصيغة نهائية، يطرح سؤال حول إمكانية أن تتوج الجهود الجزائرية بإيجاد حل مقبول من كل الأطراف، خصوصاً أن الوضع القائم في النيجر بالغ التعقيد على المستوى الداخلي.
عوامل تصب لصالح التحرك الجزائري بشأن أزمة النيجر
وفي السياق، يؤكد الدبلوماسي الجزائري السابق صالح بن حديد، أن "الجهود الجزائرية تقوم على منهجية سياسية موضوعية تتعلق بإيجاد البيئة المناسبة للحل السياسي في النيجر، وبناء الثقة بين أطراف الأزمة، وتحديد نقاط توافق مشترك، تسمح بتعديل المواقف وتقاربها نحو مقترح أكثر قابلية من الناحية السياسية".
ويتوقف بن حديد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، عند عوامل تخدم التحرك الجزائري أولها "ثقة كل أطراف الأزمة، وأبرزها المجلس العسكري الحاكم الذي يجد في موقف الجزائر الرافض للحل العسكري موقفاً إيجابياً ومساعداً على التواصل السياسي، ولدى الرئيس محمد بازوم ومؤيديه، مع تمسك الجزائر بضرورات عودة المسار الدستوري".
ويضيف: "كما تحظى الجزائر باحترام لدى الشارع والمجتمع السياسي في النيجر، وهو ما ترجمته الدعوات التي صدرت من قوى شعبية وقيادات سياسية للجزائر للقيام بمبادرة للحل".
صالح بن حديد: علاقات الجزائر الجيدة بإيكواس تتيح إنتاج تفاهم
ووفقاً لبن حديد، فإن "العامل الثاني يرتبط بعلاقات الجزائر الجيدة مع دول إيكواس، وهو ما يسمح بتفاهم أكبر حول صياغة حل إقليمي يستبعد أية حلول خارجية لا تخدم استقرار المنطقة ومصالح شعوبها". أما العامل الثالث فيتعلق بـ"قدرة الجزائر على صياغة مقاربات حل سياسي على غرار تجارب سابقة في هندسة حلول لأزمات في النيجر نفسها وفي مالي وغيرها".
وبالإضافة إلى كل هذه العوامل، تحاول الجزائر الاستفادة من عامل الدبلوماسية الدينية (الطرق الصوفية) صاحبة الثقل في منطقة الساحل، إذ صدرت مواقف من بينها لاتحاد علماء المسلمين في أفريقيا لتغليب الحلول الدبلوماسية والسياسية. كما تسعى في الوقت نفسه للبحث عن نقاط ارتكاز وثقل دولية تمنحها تغطية إيجابية لمساعيها.
ويمكن ملاحظة أن تحرك الخارجية الجزائرية جاء عقب مشاورات قادها عطاف سواء من خلال زيارته إلى واشنطن في 8 و9 أغسطس/آب الحالي، أو عبر التنسيق الدبلوماسي مع قوى دولية تتقاطع مع الجزائر في وجهة النظر الدبلوماسية كحل أساسي للأزمة في النيجر، كالولايات المتحدة وإيطاليا.
كما حصلت الجزائر على دعم معلن وقوي من قبل روما، إذ أعلن وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الجمعة الماضي عن "دعم إيطاليا وتثمينها لمبادرة الرئيس عبد المجيد تبون بإيفاد مبعوثين إلى النيجر ودول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بغية توفير الشروط الضرورية لتغليب منطق الحل السياسي للأزمة في النيجر.
وأشار إلى أن "ايطاليا تشاطر تماما قلق الجزائر، شأن تداعيات خيار اللجوء إلى استعمال القوة"، مؤكداً "استعداد بلاده لمساندة جهود الجزائر ودعم مساعيها لتهدئة الأوضاع والعمل على تحقيق العودة إلى النظام الدستوري في النيجر عبر السبل السلمية".