زيارة مفاجئة من حيث التوقيت، قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى العاصمة السودانية الخرطوم، الخميس الماضي، هي الأولى له منذ عام 2020 حين توسّط بين قوى الحرية والتغيير من ناحية والمكون العسكري من ناحية أخرى، من أجل التوصل إلى اتفاق سياسي.
وتسببت زيارة أبي أحمد في خلط أوراق القاهرة بشأن السودان، وملف سد النهضة الإثيوبي، بعدما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، ورئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان عن التوافق بشأن أزمة السد، إذ تعول القاهرة كثيراً على وحدة القضية مع الخرطوم في مواجهة أديس أبابا.
نقلت وكالة الأنباء السودانية "سونا"، الخميس الماضي، عن البرهان تأكيده خلال مباحثاته في الخرطوم مع أبي أحمد على أن السودان وإثيوبيا "متفقان ومتوافقان" حول كافة قضايا سد النهضة الإثيوبي. وشدد على "ضرورة تعزيز التعاون والتنسيق المشترك بين السودان وإثيوبيا في القضايا الثنائية إقليمياً ودولياً".
أهداف زيارة أبي أحمد للسودان
من جهته، أكد أبي أحمد أن "الغرض من زيارته للخرطوم، إظهار التضامن مع السودان والوقوف معه في هذه المرحلة المهمة في مسيرته السياسية"، وفقاً لـ"سونا". كما لفت إلى أن "السودان وإثيوبيا يزخران بكل عناصر التنمية والازدهار المتمثلة في المياه والأرض والموارد البشرية، ونحن كدول وحكومات يجب علينا المحافظة على العلاقات التاريخية بين البلدين".
كما شدد على ضرورة الاستفادة من تجربة الحرب في البلدين التي أدت إلى انفصال جنوب السودان والحرب في إقليم تيغراي الإثيوبي، واللجوء للحوار في كافة القضايا الداخلية. وأكد أن "سد النهضة لن يسبب أي ضرر للسودان، بل سيعود عليه بالنفع في مجال الكهرباء".
ووفقاً لمعلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن القاهرة كانت على علم من المسؤولين في الخرطوم بشكل مسبق بزيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، إلا أن البرهان الذي تربطه علاقة جيدة بالقاهرة، أكد أنه ليس في استطاعته إرجاء تلك الزيارة على الأقل في الوقت الراهن نظراً للضغوط السياسية الداخلية.
القاهرة كانت على علم من المسؤولين في الخرطوم بشكل مسبق بزيارة أبي أحمد
وبحسب المعلومات أيضاً، فإن القاهرة كانت قد طلبت من البرهان إرجاء الزيارة، إذ ترى أنها تأتي في الوقت الذي دخلت فيه مصر على خط الأزمة السياسية السودانية الداخلية، عبر مبادرة لعقد تسوية سريعة قدمها السفير المصري في الخرطوم هاني صلاح في الحادي عشر من يناير/كانون الثاني الحالي للبرهان.
وجاءت هذه المبادرة بعد أيام قليلة من الزيارة التي أجراها رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل للسودان، والتي نقل خلالها رسالة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لرئيس مجلس السيادة الانتقالي.
بدوره، اعتبر دبلوماسي سابق متخصص في الشأن الأفريقي، في حديث لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر اسمه، أن زيارة أبي أحمد في هذا التوقيت تأتي من أجل إجهاض التحركات المصرية الأخيرة على صعيد الساحة السودانية، سواء فيما يتعلق بالأزمة السياسية، وعرض مصر وساطتها عبر المبادرة التي تقدمت بها، أو فيما يتعلق بإدارة مياه نهر النيل، والتي جرى تناولها خلال زيارة وزير الري المصري هاني سويلم أخيراً إلى السودان.
فقد تم الاتفاق، في هذه الزيارة، على إزالة كافة العقبات أمام المشاريع المائية التي تنفذها الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل في الدولتين.
واستدل الدبلوماسي السابق على رؤيته بشأن الهدف من زيارة أبي أحمد للخرطوم، بطبيعة اللقاءات التي أجراها هناك. فقد التقى أبي أحمد بالبرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي"، بالإضافة إلى الأطراف الموقِّعة على الاتفاق الاطاري، وكذلك غير الموقِّعة. وهذا ما يعني أن هناك رغبة لدى أبي أحمد في القيام بوساطة جديدة تضمن له تواجدا فعالا في السودان، خلال الفترة المقبلة.
من جهته، أكد مصدر دبلوماسي مصري سابق آخر أن ما يزيد من تعقيد زيارة أبي أحمد للمشهد بالنسبة للقاهرة في هذا التوقيت أنها تأتي في ظل دخول تركي مفاجئ في الملف السوداني، بعد زيارة رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان للخرطوم أخيراً ولقائه بالبرهان ومدير المخابرات العامة السوداني، الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل.
وأوضح الدبلوماسي السابق، أن خطورة الموقف من خطوة أبي أحمد في هذا التوقيت الذي يستبق عملية الملء الرابع لسد النهضة، والتنسيق بين القاهرة والخرطوم في هذا الإطار، تكمن أيضاً في ظل وجود صلات وروابط قوية بينه وبين أطراف مؤثرة في المكون المدني السوداني، علاوة على علاقته الوطيدة بـ"حميدتي".
فشل الوساطة بين القاهرة وأديس أبابا
في مقابل ذلك، كشف دبلوماسي عربي في الجامعة العربية بالقاهرة، عن تراجع فرص نجاح الوساطة الإماراتية الجديدة بشأن أزمة سد النهضة. كما أشار إلى أنه "كان مقرراً عقد لقاء في أبوظبي بين السيسي وأبي أحمد، إلا أن الحد الأدنى من بنود التوافق لم تتوفر". ولفت إلى أن هذا "ما أدى إلى إرجاء اللقاء، مع إعطاء الجانب الإماراتي مزيدا من الوقت من أجل التوصل لاتفاق يقضي بالعودة إلى مائدة المفاوضات مجدداً".
من ناحيته، أكد دبلوماسي مصري سابق وخبير في الشؤون الأفريقية، أن محاولة رئيس الوزراء الإثيوبي التوسط بين القوى السودانية "تعبّر عن رغبة أديس أبابا في لعب دور إقليمي، في ظل فشل الدور المصري في تحقيق نتائج على مستوى الملف السوداني". كما شدد على أن "أديس أبابا وجدت الفرصة سانحة للتدخل في القضية السودانية، مع غياب الوجود المصري، وهو ما يزيد من التأثير الإثيوبي في أفريقيا ويخصم من رصيد مصر في هذا المجال".
خبير في الشؤون الأفريقية: أديس أبابا وجدت الفرصة سانحة للتدخل في القضية السودانية
وحول التصريحات بشأن سد النهضة التي صدرت عن الجانبين السوداني والإثيوبي، أوضح الدبلوماسي المصري السابق أن "هذه التصريحات تعد مجرد بيانات إعلامية لا تأثير لها على أرض الواقع، إذ أن الجانب الإثيوبي مستمر في تنفيذ خطته بشأن السد، من دون وضع اعتبار للمخاوف المصرية والسودانية".
كما أكد أن ذلك "اعتماداً على الاتفاق الموقع في العاصمة السودانية الخرطوم عام 2015 بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، والذي لا يجبر أديس أبابا على أي التزام قانوني بالتنسيق مع القاهرة والخرطوم في عملية ملء وتشغيل السد".