تتوالى التسريبات الإعلامية حول اعترافات عماد ياسين، الذي أُطلق عليه لقب أمير تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في مخيّم عين الحلوة، للاجئين الفلسطينيين في صيدا، جنوبي لبنان، والموقوف لدى استخبارات الجيش اللبناني.
ومن جملة هذه التسريبات، اعتراف ياسين بأنه كان يخطّط لتنفيذ عمليات تفجير متزامنة في مناطق لبنانية مختلفة، وهو ما يتطابق مع التسريبات المنقولة عن الاستخبارات العسكرية قبل شهرين، وإعلان المصادر الأمنية وقتها عن إحباط تلك العمليات بفعل الوعي الأمني اللبناني.
بالإضافة إلى تسريبات أخرى أشارت إلى اعتراف ياسين أيضاً بأنه خطط لتنفيذ اغتيالات سياسية تطاول أبرزها رئيس البرلمان نبيه بري. كما أكدت المصادر الأمنية تنسيق ياسين مع قيادة "داعش" في الرقة وقسم العمليات الخارجية في التنظيم.
ويبدو أن إلقاء القبض على من وصف بـ"الأمير" ضربة كبيرة من قبل الاستخبارات العسكرية للتنظيمات المتشددة. إلا أنه يبقى أنّ هذا الكمّ من التسريبات عن اعترافات ياسين، ينسجم مع واقع "العملية النوعية" التي نفذتها الاستخبارات العسكرية وظروفها، إذ يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات حول هذا الموضوع، وأبرزها:
أولاً، كون ياسين كان يتجوّل وحيداً من دون مرافقين، على الرغم من وجوده في منطقة تصفها الأجهزة الأمنية أساساً بـ"البؤرة الأمنية". مع العلم أنّ "الأمير"، في حال صحّ هذا الوصف، من المفترض أن يكون تحت حراسة أمنية مشدّدة، أو على الأقل محاطاً بمجموعة من المقاتلين التابعين له. وإذ بزعيم مفترض لـ"داعش" عاجز عن حماية نفسه، والتجوّل في منطقته التي يصوّرها الإعلام اللبناني كما لو أنها ملجأ "الإرهابيين" وحاضنتهم.
ثانياً، ياسين بحالة عداء مع أكثر من طرف في المخيّم، أبزرهم القائد السابق لـ"الكفاح المُسلّح الفلسطيني" في لبنان، العميد محمود عبد الحميد عيسى المُلقّب بـ"اللينو" والذي لا يزال له حيثية سياسية وعسكرية كبيرة في عين الحلوة الذي يشهد منذ مدة اغتيالات سياسية. وبالتالي، فإن ياسين مهدّد أمنياً، ما يستوجب منه أخذ الحيطة والحذر لدى تنقله، مع العلم أنّ اشتباك سابق بين "اللينو" وياسين أدى إلى تهجير الأخير من بيته، إضافة لكون "الأمير" منشقّا عن "عصبة الأنصار" أقوى التنظيمات الإسلامية في المخيم وأكثرهم تأثيراً على المستويات كافة.
ثالثاً، لم يصدر عن قيادات وتنظيمات متشددة في عين الحلوة أي رد فعل كلامي أو عسكري أو أمني على توقيف ياسين. لا بل أنّ عددا من أبرز المطلوبين المتشددين سارعوا إلى التهدئة والتأكيد على عدم الردّ على العملية العسكرية، كما أنّ أحد هؤلاء "سارع إلى دعوة أهالي المخيم الذي نزحوا عن المنطقة بعد توقيف ياسين، إلى العودة وناشدهم البقاء في منازلهم لأنّ أي حركة عسكرية ستحصل". في حين يفترض توقيف "شخصية جهادية" من هذا العيار، في حال صحّ توصيف ياسين بـ"أمير داعش"، كان يستوجب رد فعل واضح من قبل المتشددين لا العمل على التهدئة، خصوصاً أنّ التوقيف جاء على شكل اقتحام ما تعتبر الفصائل المتشددة اعتداءً عليها ورسالة لها.
يخلص عدد من المتابعين العارفين بشؤون عين الحلوة، إلى القول إنّ "الاستخبارات العسكرية قامت بإنجاز، لكن بالحجم الذي يتمّ تصويره". فيشير هؤلاء إلى أنّ "ياسين، يعاني أساساً من حالة صحية غير جيّدة وسبق وأثّرت على حركته"، مضيفين أنّ "هذا الرجل الأربعيني يبدو كما لو أنه في الستين من العمر". ويضيف المتابعون أنّ "توقيف ياسين، لا بد أنه تمّ بناءً على اتفاق ما مع الفصائل الفلسطينية والإسلامية وتحديداً عصبة الأنصار". فتأتي هذه العملية الأمنية الأخيرة نتيجة التواصل القائم بين الاستخبارات العسكرية والقوى الفلسطينية لإنهاء ملفات المطلوبين داخل عين الحلوة، وتحديد جدول واضح لـ"المطلوبين الجديّين والفعليين في المخيّم، الممكن أن تصدر عنهم أفعال إرهابية جدية".
مع العلم أنّ هذا التنسيق أدى إلى اليوم، تسليم أكثر من 37 مطلوباً للدولة اللبنانية أنفسهم للاستخبارات العسكرية، وذلك ضمن إطار تحديد الجدول نفسه. وسبق لمسؤولين في الفصائل أن أكدوا لـ"العربي الجديد"، أنّ "الدولة اللبنانية تطالبهم بالقيام بخطوات واضحة في إطار ضبط الأمن في المخيم ومحيطه، ومنع أي حركة أمنية فيه مع ازدياد التوترات التي يشهدها عين الحلوة". وهو ما يمكن أن يفسّر أيضاً الخلاصة القائلة إنّ "توقيف ياسين تمّ بالتنسيق مع الفصائل السياسية والإسلامية".
وعلى المستوى الرسمي، نوّه قائد الجيش اللبناني جان قهوجي بـ"العملية النوعية الدقيقة والاحترافية التي نفذتها قوة من مديرية المخابرات، وأدت إلى توقيف أمير (داعش) في مخيم عين الحلوة"، معتبراً أنّ العملية جنّبت البلاد "تفجيرات دموية كان الموقوف مع شبكة تابعة له بصدد تنفيذها في العديد من المناطق اللبنانية". وأكد قهوجي أنّ "الأوضاع الأمنية تحت السيطرة، وأن الجيش لديه كامل القدرة على مواجهة الإرهاب، وحماية الاستقرار الوطني بمعزل عن الظروف المحيطة بالوطن".
من جهة ثانية، أكدت النائب عن صيدا بهية الحريري، على "عدم جواز النظر إلى عين الحلوة من منظار أمني، والمخيم يحتوي على كتلة بشرية لها الحق في العيش بسلام وكرامة". وشددت الحريري على أنّ "موضوع تسليم المطلوبين أنفسهم لمخابرات الجيش لإنهاء ملفاتهم لا يزال قائماً ضمن الخطوات الحالية، مشيرةً إلى أنّ الاتصالات مستمرة من أجل ضمان استمرار أمن المخيم وجواره".