استمع إلى الملخص
- القرار أثار انقسامات داخل الحزب الديمقراطي، مع انتقادات من التقدميين مثل إلهان عمر وأوكازيو كورتيز، مما يعكس توتراً بين بايدن واليسار التقدمي حول مُثُل الهجرة الأميركية.
- الانقسامات تتجاوز قضية الهجرة إلى خلافات حول سياسات الرعاية الصحية وتغير المناخ، مشيرة إلى تحديات الحزب في البقاء متحداً وتحقيق أهدافه السياسية مع اقتراب الانتخابات.
كشف الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي جو بايدن في 4 يونيو/حزيران الحالي، والذي فرض قيودا صارمة على المهاجرين إلى الولايات المتحدة عبر الحدود مع المكسيك، حجم انقسامات الحزب الديمقراطي بين القيادة وتيار اليسار التقدمي فيه، وتجلى ذلك عبر تجاهل الإدارة، في خطوة نادرة في القضايا الداخلية في السنوات الأخيرة، معارضة التقدميين للقرار. والأمر التنفيذي لبايدن من شأنه الحدّ من عدد المهاجرين الذين في وسعهم طلب اللجوء على الحدود بمجرد تجاوز عددهم 2500 شخص يومياً، سامحاً بالتالي للسلطات بترحيل المهاجرين الذين عبروا إلى الولايات المتحدة من دون الوثائق المطلوبة.
واستهدف القرار حلّ واحدة من أكثر نقاط الضعف في الداخل الأميركي بين بايدن والناخبين، وهي قضية الهجرة، وذلك بفعل الأرقام القياسية لأعداد المهاجرين غير النظاميين الذين دخلوا البلاد في عهد الرئيس الأميركي، منذ تبوئه منصبه في 20 يناير/كانون الثاني 2021. خلال إصداره الأمر التنفيذي، وفي تأكيد على انقسامات الحزب الديمقراطي، وجّه بايدن كلماته مباشرة إلى الديمقراطيين التقدميين بالقول: إلى أولئك الذين يقولون إن هذه الخطوات صارمة للغاية، أقول لكم إن حسن نية الشعب الأميركي بدأت تتراجع الآن، وإن عدم القيام بشيء ليس خياراً، وعلينا أن نتحرك.
وصفت إلهان عمر أمر بايدن التنفيذي حول الهجرة بـ"خيانة المُثُل الأميركية"
انتقادات التقدميين لبايدن
في المقابل، انتقد بعض الأعضاء التقدميين، الرئيس الأميركي بسبب هذا الأمر التنفيذي، ووصفت النائبة الديمقراطية إلهان عمر الأمر بأنه خيانة للمُثُل الأميركية، إلى جانب توجيه نواب ديمقراطيين، ومنهم ألكساندريا أوكازيو كورتيز وبراميلا جايابال، الانتقادات للقرار. وطوال السنوات الماضية، كانت أجندة الرئيس الأميركي بشكل كبير منحازة إلى مطالب التقدميين واليسار، إذ قدم حزمة دعم كبيرة للبرامج الاجتماعية، وبرنامجاً للإعفاء من القروض الطلابية، وفي عهده تم تمرير قانون البنية التحتية بتريليونات الدولارات، وكذلك تمرير أهم تشريع للتغير المناخي في تاريخ الولايات المتحدة. لكن قرار بايدن الأخير ومناقشات مشروع قانون أمن الحدود الذي وافق الجمهوريون عليه ثم رفضوا تمريره لاعتبارات انتخابية، أظهر تجاهل الحزب الديمقراطي رغبات ومطالب التقدميين إلى حدّ تراجع الثقل الكبير لليسار داخل أروقة الحزب الديمقراطي، بعد صعوده في انتخابات الكونغرس في عامي 2016 و2018، وحصوله على نحو مائة مقعد في مجلس النواب.
ولم تقتصر انقسامات الحزب الديمقراطي على ذلك، بل إن هناك تحركات من قيادات داخل الحزب في الكونغرس لدعم مرشحين ضد أعضاء حاليين، وذلك على غير العادة الحزبية في الولايات المتحدة، القاضية بدعم من هم في المنصب حالياً، إلا أن مسار الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي كشف عن تجاهل دعم الأعضاء الحاليين في الكونغرس، لأسباب مختلفة، إما لأنهم "تقدميون أكثر من اللازم"، أو لأن هناك ملاحقات لهم من منظمات داعمة لإسرائيل.
وعلى رأس هؤلاء المرشحين، عضو مجلس النواب عن نيويورك، جمال بومان، الذي وجد نفسه في مواجهة العضو السابق إليوت إنغل، الذي شغل مقعداً في المجلس بين عامي 1989 و2020 حين خسر أمام بومان. كما فاجأ النائب السابق، المرشح الحالي موندير جونز، وهو أحد أعضاء الحزب الديمقراطي، ومن الجناح التقدمي في ولاية نيويورك، يساريي الحزب بتأييده إنغل ضد بومان، بسبب موقف الأخير من العدوان الإسرائيلي على غزة. وكرّس هذا التأييد انقسامات الحزب الديمقراطي عبر اندفاع زملاء جونز التقدميين لمهاجمته والدفاع عن بومان. واعتبرت أوكاسيو كورتيز: إنها ليست خيبة أمل وحسب، ولكن هذا يتعارض أيضاً مع الوحدة التي نحتاجها من أجل الفوز بمجلس النواب والرئاسة في الانتخابات المقبلة. كما أعلنت لجنة العمل السياسي التقدمي ومجموعة اليسار، سحب تأييدها لجونز. وحصل إنغل أيضاً على تأييد مجموعة "ديمقراطيون من أجل إسرائيل"، بالإضافة إلى منظمة آيباك التي تعهدت بإنفاق نحو 20 مليون دولار لمصلحة إنغل ضد بومان، من أجل إبعاد الأخير عن مقعده في مجلس النواب، خصوصاً في ظل انتقاداته الدائمة لإسرائيل، وقوله إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.
في بعض الحالات، تلقى المرشحون المعتدلون دعماً مالياً وإعلامياً كبيراً من الحزب مقارنة مع زملائهم التقدميين
انقسامات الحزب الديمقراطي
في السياق، أشارت عضو مجلس تحرير صحيفة نيويورك تايمز، مارا غاي، في مقال في 23 إبريل/نيسان الماضي، إلى تزايد الخلافات داخل الحزب الديمقراطي، وتصاعد التوترات بين الجناحين التقدمي و"المعتدل". وقالت إن التقدميين مثل أوكاسيو كورتيز واجهوا تحديات كبيرة في الانتخابات التمهيدية من مرشحين معتدلين مدعومين من المؤسسة الديمقراطية، وفي بعض الحالات، تلقّى المرشحون المعتدلون دعماً مالياً وإعلامياً كبيراً من الحزب، مما منحهم الميزة على حساب التقدميين المعتمدين بشكل أكبر على الدعم الشعبي والتبرعات الصغيرة. وأشارت غاي إلى أن انقسامات الحزب الديمقراطي عكست خلافات عميقة حول سياسات رئيسية، مثل الرعاية الصحية وتغير المناخ، إذ دعا التقدميون إلى سياسات طموحة مثل "الرعاية الصحية للجميع" والخطة الخضراء الجديدة، بينما فضّل المعتدلون حلولاً أكثر تدريجية يمكن تحقيقها. وأضافت أنه من المؤكد أن لهذه الانقسامات تأثيرات على قدرة الحزب على البقاء متحداً وتحقيق أهدافه السياسية، مع تحديد مساره في السنوات المقبلة.
من جانبه، أوضح المستشار السياسي السابق لدى الحزب الديمقراطي، كريس لابيتينا، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن هناك دائماً صراعا مستمرا بين الحزبين السياسيين (الجمهوري والديمقراطي)، وداخلهما أيضاً، من أجل إرضاء الناخبين، سواء من هم في أقصى اليسار أو من هم في أقصى اليمين، بالإضافة إلى إرضاء الناخبين المعتدلين، مع مرور بايدن والحزب الديمقراطي بفترة حساب الآن مع اقتراب موعد الانتخابات.
أما بشأن الخلافات الداخلية في ملف الهجرة والحدود بين الحزب الديمقراطي والتقدميين فيه، فقد أشار لابيتينا إلى أن الكثير من الديمقراطيين رأوا أن استراتيجية الانتظار التي مارسها الرئيس جو بايدن قبل التحرك أخيراً كانت سيئة وليست في صالحه، لأنه هَدفَ إلى عدم خسارة دعم الناخبين من أصل لاتيني، لكنّ عديدين اعتبروا أنه خسر الكثير. وأضاف لابيتينا، أن بعض الديمقراطيين المختلفين علناً مع بايدن بشأن سياسة الحدود والهجرة، أدركوا أن سياسته مضرّة في دوائرهم، مضيفاً أن القرارات الأخيرة مفيدة للبعض، لكنها أيضاً "بعد فوات الأوان" للبعض الآخر. وتعليقاً على أنه في بعض الأحيان، دعم أعضاء وقيادات في الحزب الديمقراطي مرشحاً ضد مرشح حالي، أوضح أن السبب أحياناً هو الاختلاف حول بعض القضايا المهمة، وقال: في مسألة جمال بومان، الكثير من الديمقراطيين لم يحبوا "معاداته لإسرائيل"، مع أنهم في العادة لم يعارضوه، لكن في هذا التوقيت إذا كانت هناك معارضة فذلك لاختلافهم بشدة معه في هذه القضية.