أسبوع على مواجهات الرقة: حرب شوارع وقودها المدنيون

14 يونيو 2017
تواجه القوات المهاجمة مقاومة قوية من "داعش"(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
يدخل الصراع على مدينة الرقة السورية، أبرز معقل لتنظيم "داعش"، أسبوعاً ثانياً، بعدما حققت قوات مدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية تقدماً واضحاً في شرقي المدينة وغربها، وسط مؤشرات على نية التنظيم خوض "حرب شوارع" لاستنزاف القوات المهاجمة، في وقت حذر فيه ناشطون وفعاليات مدنية من مأساة إنسانية تطاول عشرات آلاف المدنيين العالقين في المدينة، بدأت ترتسم معالمها.

وتحتدم المعارك داخل مدينة الرقة بين "قوات سورية الديمقراطية" وقوات "النخبة" السورية من جهة، ومسلحي تنظيم "داعش" من جهة أخرى. وأكد المتحدث باسم قوات "النخبة"، محمد خالد الشاكر، لـ"العربي الجديد"، أنه لا صحة لأنباء تداولها ناشطون مساء الإثنين، عن انهيار التنظيم في الرقة وانسحاب مقاتليه منها، مشيراً إلى أن "النخبة" تقوم بتثبيت نقاط سيطرة بالقرب من السور القديم، شرقي المدينة.
ووصف الشاكر منطقة القتال في شرقي الرقة بـ"الصعبة"، مشيراً إلى أن "تقدّم مائة متر نحو الأمام ربما يحتاج يومين"، بسبب مقاومة يبديها مسلحو التنظيم، وبسبب الألغام وأعمال القنص من قِبل هؤلاء المسلحين الذين "يرتدون لباساً مدنياً للتمويه"، وفق الشاكر. وأوضح أن انتزاع السيطرة على أهم معقل للتنظيم في سورية "ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض"، مشيراً إلى أن الشائعات التي يطلقها البعض عن انسحاب مسلحي التنظيم من مدينة الرقة "تضر ولا تنفع". وكشف أن قوات "النخبة" تتجهز للانطلاق شمالاً باتجاه سوق الغنم لانتزاع السيطرة عليه، لافتاً إلى أن هذه القوات بات لها وجود في الجبهة الشمالية التي لم تحقق فيها "قوات سورية الديمقراطية" اختراقاً مهماً منذ بدء المعارك في السادس من الشهر الحالي.

وأكدت مصادر "قوات سورية الديمقراطية" أن الأخيرة لا تزال تخوض اشتباكات عنيفة داخل حي حطين، غربي المدينة، مشيرة إلى وجود اشتباكات في أطراف مقرات الفرقة 17 العسكرية التي كانت تابعة لقوات النظام قبل سيطرة التنظيم عليها منتصف عام 2014، بعد أشهر من سيطرته على الرقة. كما أفادت مصادر محلية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، بأن شارعي سيف الدولة والمنصور وامتداد شارع 23 شباط باتجاه حي الصناعة، ومنطقة قصر البنات الأثرية، شرقي المدينة، "باتت مرصودة نارياً"، مشيرة إلى أن التنظيم أخلاها من مسلحيه.

وأشار ناشطون إلى أن قلب مدينة الرقة يتعرض يومياً لقصف مكثف من مدفعية "قوات سورية الديمقراطية" وطيران التحالف الدولي، وهو ما يؤدي إلى مقتل مدنيين أغلبهم أطفال ونساء، مؤكدين فناء عائلات بأكملها تحت ركام منازلها. ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، أمس الثلاثاء، صوراً لأطفال قُتلوا في الرقة نتيجة القصف المدفعي والغارات الجوية المكثفة التي تواصل تدمير ما تبقّى من معالم المدينة ومرافقها الحيوية.
كما أكدت مصادر محلية أن أهالي الرقة "قاموا بتحويل حديقة جامع الرقة القديم إلى مقبرة يدفنون فيها قتلى القصف لتعذّر وصولهم إلى مقابر المدينة جراء الاشتباكات الدائرة في المدينة". وكشفت هذه المصادر أن هناك نحو 150 ألف مدني داخل الرقة بينهم آلاف الأطفال، يعيشون ضمن ظروف "مأساوية"، مجددة الطلب من القوات المهاجمة تأمين ممرات آمنة قبل حدوث كارثة لا تقل عن الكارثة التي تحدث في مدينة الموصل، شمالي العراق. وأوضحت المصادر أن الرقة تعاني من نقص حاد في المواد الغذائية، إضافةً إلى نقص كبير لحليب الأطفال، والأدوية والمعدات الطبية، في ظل انقطاع الكهرباء التام، والمتواصل منذ 10 أيام بعد توقف المولدات لعدم توفر الوقود، مبينة أن الأفران داخل المدينة بدأت بالتوقف الواحد تلو الآخر. وأكدت أن "حالة الذعر والخوف تهيمن على الأهالي، الذين تقطعت بهم السبل"، مشيرة إلى أن التنظيم قام بقتل عدة أشخاص بتهمة تهريب مدنيين إلى مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" في منطقة عين عيسى، شمال المدينة. وأطلق ناشطون سوريون، أمس الثلاثاء، حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى إنقاذ المدنيين في الرقة، داعين منظمات دولية للتدخّل كي لا يتحول المدنيون إلى وقود للحرب على تنظيم "داعش".


من جهتها، دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أمس الثلاثاء، التحالف الدولي و"سورية الديمقراطية" إلى "جعل حماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان من الأولويات أثناء استرداد الرقة من تنظيم داعش". وطلبت المنظمة "اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لتفادي الخسائر في صفوف المدنيين وتوفير المرور الآمن للمدنيين الفارين وتقديم الدعم الكافي للنازحين".
ويشارك في معركة الرقة التي اعتبرتها "سورية الديمقراطية" معركة "تاريخية"، كلٌ من: وحدات حماية الشعب الكردية، وحدات حماية المرأة الكردية، جيش الثوار، جبهة الأكراد، لواء الشمال الديمقراطي، قوات العشائر، لواء مغاوير حمص، صقور الرقة، لواء التحرير، لواء السلاجقة، قوات الصناديد، المجلس العسكري السرياني، مجلس منبج العسكري، مجلس دير الزور العسكري. كما تشارك في المعركة قوات "النخبة" التي تتبع لرئيس الائتلاف الوطني السوري الأسبق أحمد الجربا، وقوات "الحماية الذاتية"، وفق بيان صدر عن "سورية الديمقراطية"، أشارت فيه إلى أن المعركة "تلقى مساندة من مجلس الرقة المدني، ومجلس سورية الديمقراطية، ووجهاء ورؤساء عشائر المنطقة".

وبعد أسبوع من المعارك، حققت القوات المهاجمة تقدماً في غربي وشرقي المدينة، إذ انتزعت السيطرة على أربعة أحياء هي: المشلب، والصناعة في الشرق، والسباهية والرومانية في الغرب. ومن المرجح أن يلجأ مقاتلو التنظيم إلى التمترس في أحياء قلب المدينة لخوض "حرب شوارع"، وهو ما سيؤدي إلى تحويل الرقة إلى "أطلال" جراء القصف الجوي والمدفعي. ولم تستطع "قوات سورية الديمقراطية" تحقيق اختراق جنوب نهر الفرات، جنوب غربي الرقة، من شأنه تغيير معادلة الصراع، إذ لم تصل بعد إلى قرية كسرة شيخ الجمعة، الواقعة جنوب الرقة، ما يعني أن التنظيم لا يزال يحتفظ بمخرج هروب جنوبي المدينة إلى معاقله في البادية السورية، أو إلى محافظة دير الزور شرقاً حيث لا يزال يسيطر على الطريق الدولي الذي يربط الرقة بدير الزور. كما لا يزال التنظيم يسيطر على كامل ريف الرقة الشرقي جنوب نهر الفرات، والذي يضم عشرات القرى وبلدات هامة، منها معدان، والسبخة على الحدود الإدارية التي تفصل محافظة الرقة عن محافظة دير الزور التي يسيطر التنظيم على أغلبها، ومن المرجح أن تكون ميدان معركة وجود يخوضها التنظيم بين عدة أطراف تهاجمه، وتساعده الجغرافيا الممتدة على الصمود أكثر.